موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٩ ابريل / نيسان ٢٠٢٠

نور القيامة هو بداية الخليقة الجديدة

بقلم :
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني - مصر
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني

الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني

 

نحن نعيش في زمن محنة على مستوى العالم من الألم والحزن والكأبة وغلق الكنائس والعمل والاقتصاد، وغلق كل شيء بسبب الوباء المنتشر على مستوى العالم، وهذا يمثل لحظة الظلام، والتي ننتظر أن يبددها نور القيامة ونبدأ من جديد وتعود لنا الحياة الجديدة منطلقين بروح القيامة روح الفرح.

 

إن قيامة المسيح هي حقيقة ايمانية في كونها تدخلاً ساميًا من الله نفسه في الخلق وفي التاريخ (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية بند 648). وهي، أي القيامة، إتمام لمواعيد العهد القديم ولمواعيد يسوع نفسه إبان حياته الأرضية. في السر الفصحي نجد وجهان: انه بموته يحررنا من الخطية وبقيامته يفتح لنا الباب إلى حياة جديدة، تقوم على التغلب على موت الخطيئة وبالاشتراك الجديد في النعمة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية بند 654).

 

القيامة هي انتصار على الموت وكما يقول لنا سفر الرؤيا "قد غلب الأسد من سبط يهوذا" (رؤ5: 5)، لقد "غلب أو احرز النصر" هذه هي الصرخة التي ينادي بها الرائي فيجعلها ترن في الكنيسة، التي بدورها تنطلق إلى العالم تعلن: "المسيح قام من بين الأموات". قد غلب الأسد من سبط يهوذا ولن نعود من بعد الآن إلى الوراء في جهد عظيم غيّر التاريخ مركز ثقله من الوراء إلى الأمام، وبلغ ذروته، وافتُتح ملء الأزمنة "لقد أكمل" لقد فتح لنا باب النور، الملكوت، الغفران، الحياة الجديدة.

 

يسوع القائم من بين الأموات هو مصدر حياتنا لأنه لا يأتي يسوع من عالم الأموات الذي كان قد خلفه نهائيًا وراءه بل يأتي من عالم الحياة، يأتي من الله على انه الكائن الحي وهو نفسه ينبوع الحياة. ومن أراد أن يعيش من حياة المسيح، عليه أن يصغي باستمرار إلى الكتب المقدسة. وممارسة الاسرار المقدسة.

 

قد غلب الأسد من سبط يهوذا، هذه صرخة فصحية وعلى كل مسيحي أن يعلنها للأخرين.

 

جاء يسوع المسيح إلى العالم ليعطينا الحياة والنور والطريق وهذا يقودنا إلى درب القداسة. يقول السيد المسيح: "أنا قد جئت نورًا إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة" (يو 12: 46) يؤكد ذلك قائلا: "ما دمت في العالم فأنا نور العالم" (يو 9: 5)". فيسوع هو كلمة الله، بحياته وأعماله كان نور للبشر.

 

1. الخليقة الجديدة: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا!» (رؤ 21: 5)

 

نحن أمام الخليقة الجديدة بقيامة يسوع المسيح منتصرًا على الموت وتنطلق الخليقة بنور القائم من بين الأموات. كما حدث في قصة الخلق، "وقال الله ليكن نور ورأى الله النور أنه حسن وفصل الله بين النور والظلام" (تك 1: 3). هكذا الله فصل في الخليقة الجديدة بين النور والظلام نجده في أسبوع الالام وخاصة الجمعة العظيمة، نرى فيها الأحداث داخل الخليقة الزلزال وشق حجاب الهيكل والظلمة وكسوف الشمس وفي نهاية الأحداث ينتصر النور. يقول لنا قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في عظته بعيد القيامة عام 2012: "ظهور نور القيامة جاء لنا بعد أسبوع الالام وليلة الزيتون وكسوف الشمس وموت يسوع علي الصليب"، ويبدأ النور الحقيقي الذي يضئ لكل إنسان آتيًا إلى العالم، نوره بدد ظلام القبور أي اناره في قلوبنا المظلمة نوره الابدي والسرمدي.

 

نجد في صلاة القديس فرنسيس الأسيزي أمام المصلوب يطلب أن ينير ظلمات قلبه يقول: أيُّها الإِلـُهُ السَّامي، الـَمجيدُ، أَنِرْ ظـُلـُماتِ قلبي، أَعطِني إيماناً مُستـَقيماً، ورَجاءً ثابتاً، ومَحَبَّةً كامِلـَةً، أحساسا وإدراكاً، يا رَبُّ، كَيْ أُتـَمِّمَ وصيَّتـَكَ الـُمقـَدَّسَةَ والحَقـَّة.

 

نعم القديس فرنسيس اصبح من ضمن الخليقة الجديدة بل اصبح مسيح آخر. قدم فرنسيس ذاته لله خالقه وأخيه بكل قلبه. أستولى يسوع المسيح على القديس فرنسيس كليا ومن هنا كان يحمل دائما يسوع المسيح في قلبه وعلى شفتيه وفي ذاته وكل كيانه، لكي يقدمه للأخرين.

 

الخليقة الجديدة هي التحوّل كليًا نحو الله في التوبة أي الالتزام بقبول الذهن الجديد والقلب الجديد أي الطريق الجديدة في المعرفة والحب التي تنشا وتنمو في العهد الجديد. الله يدعونا من العبودية إلى الحرية، من الحزن إلى الفرح، من الحداد الي العيد، من الظلمات الي النور.

 

2. تعيش الكنيسة زمن القيامة

 

زمن القيامة أي زمن النور المقدس وكل القديسين الذين عاينوا نور الله على مر التاريخ يحملون النور الى الاخرين.

 

الله نجانا من الظلمات عندما دعانا إلى النور: "وأما انتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي آمة مقدسة شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب (1بط 2: 9) على حسب قول السيد المسيح "أنتم نور العالم".

 

اليوم ينبثق نور القيامة في قلوبنا ونكون خليقة جديدة نسلك في طريق القداسة.

 

القيامة هي اليوم:

اليوم هو انتصار النور على الظلمة.

اليوم هو انتصار الخير على الشر.

اليوم هو انتصار الحب على الكراهية. 

اليوم فتح لنا باب الفردوس.

اليوم هو انتصار الإنسان الجديد على الإنسان القديم (قول القديس بولس الرسول) "لست أنا الحي بل المسيح الذي يحيا في".

اليوم نعيش ملكوت الله علي الأرض، ملكوت الله في داخلك.

 

بعض الشخصيات التي اختبرت النور الحقيقي

 

القديس يعقوب الرسول يعطينا خبرته ويقول: الله هو أبو الأنوار ومصدر كل عطية "كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار وهو لا تبدل فيه ولا شبه تغير" (يع 1 : 17).

 

يخبرنا الكتاب المقدس بان مريم المجدلية قامت مسرعة والظلام باقي الى القبر  وهناك خرج النور وبدد الظلام الدامس في قلب مريم المجدلية ويشرق في قلبها النور والحب والشجاعة لتحمل البشرى السارة وهو النور الذي ينير العالم. مريم المجدلية تمثل الفئات المنتظرة الخلاص.

 

شفاء المولود اعمى: النور قاد المولود اعمي الى اعلان ايمانه بيسوع المسيح عندما قال "من هو يا سيدى لاؤمن به فقال له يسوع قد رأيته وهو الذي يكلمك. فقال له اؤمن يا سيدي وسجد له" (يو 9: 37). الله جعل من المولد اعمى،  خليقة جديدة.

 

توبة زكاء العشار: قال ليسوع: اردّه أربعة اضعاف

 

دعوة التلاميذ: تركوا عملهم وتبعوا يسوع واعلنوا البشارة في المسكونة كلها.

 

دعوة بولس الرسول: على طريق دمشق الله دعا بولس الرسول. "فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتًا قَائِلًا لَهُ: «شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟» (اع 9: 4)

 

دعوة تلاميذ عماوس: أقم معنا لأن المساء اقترب فقد مال النهار... فانفتحت عُيونهما وعرفاه.

 

واليوم دعوة لنا أن نعيش خبرة القيامة وننطلق بها على مثال التلاميذ والكنيسة الأولى.

 

المسيح قام حقًا قام