موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٧ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٣

نسيج لعهد جديد

بقلم :
الأخت رانيا خوري - الأردن

كان الخياط الماهر قد اقتنى قبل سفره المفاجئ أقمشة ثمينة بنقوش حديثة ليصممها ازياء جميلة تناسب صرخة العصر الجديد المزمع ان يتجلى. أغلق حانوته إذن، وسلم المفاتيح لحارس استأجر خدمته الى أن تسمح له الظروف بالعودة. وقبل أن يحل المساء على ذلك المكان، رأت الأثواب العتيقة ان تلك الجديدة قد اتخذت لها مقاماً مميزاً على رفوف الخياط الالهي فشعرت في خيوط نسيجها بغصة مؤلمة، غصة كانت مزيجاً من الحسرة لرؤية تعاقب السنين تترك بصماتها عليها، والغيرة كذلك من نسيج حديث الولادة لا يزال جسده غضاً. كانت المقصات مستلقية على المنضدة بتكاسل والصمت الحذر يلف المكان. اغتنمت الأثواب العتيقة ملل الحارس ورغبته العارمة باللهوبأي شيء ليغتال الوقت، ذاك الوقت الذي يثقل قبضته على من تخلو ساحة انتظاره من الحب. فملأت أذنه بوشوشات متناقضة وتمكنت بقوة ايحاءتها السلبية أن تخدّر شعوره بوجوب الأمانة لما عُهد اليه به، لكن... وهكذا... ثم... ثم وعند لحظات الفجر الأولى استفاق الحارس من سكرة أفكار كانت قد قيدت إرادته الحرة على صوت ديك يُنذر بطلوع شمس بدت طويلة غيبتها. اجل استيقظت فجأة الارادة الحرة، تنبه العقل ثم سُمع بالمكان صوت شهقات وتقطع انفاس... كانت الانسجة الجديدة تنزف من جراء اقتطاع أجزاء منها اغتُصبت بعنف لتصبح رقعاً على أثواب عتيقة، أثواب تحاول جاهدة ان تُطيل عمرها على حساب حياة جديدة. نعم حياة جديدة اقتُلعت عيناها قبل أن تكتحل عيونها برؤية خيوط الصباح، تلك الخيوط الخارجة كالذهب من رحم الفجر! وإبان لحظات الذهول التي انتابت الحارس المسكين سُمع صوت تمزق أحشاء الأثواب العتيقة التي لم تحتمل الفرق الصارخ بين بهاء تلك الرقع القشيبة التي أظهرت بوضوح أكبر هرمها. وهكذا في لحظات غضبها وفي محاولات لفظ الجيد من حياتها تمزقت وتلفت. جراح وآلام، وخراب شامل... أما الحارس فلم يستطع تحمل نتائج خيانته لأمانة الخياط فولى هارباً. لكن في خضم ذلك الأسى الذي غمر الحانوت كالطوفان، رفرفت ثمة حمامة بيضاء في فمها غصن زيتون. ا نه الأمل الذي لم تستطع مقصات الألم انتزاعه من قلوب أنسجة حديثة تعلمت كيف تمزج الحلم بالرؤيا. فرأت: رأت خياطاً ماهراً، رأته يتناول أنسجتها المتألمة بحنان بين يديه. وبعد ان أطال النظر اليها معانقاً جراحاتها رفع عينيه الى السماء ثم أخذ يعمل ويعمل... وتستمر الرؤيا: تراءت لعينيها مجموعة صبايا ترقص مبتهجة في حفلة عيد، ترتدي حُللا بهية، نعم انها الحُلل التي صممها الخياط من تلك النسجة المجروحة التي أعادها للحياة مقيماً اياها بهيئة جديدة، لم تكن تتوقعها. إنها الرؤيا...انه الحلم... انه الحلم- الرؤيا. المهم الآن انها تنتظر بشوق ورجاء عودة الخياط الالهي الى حانوته، هو الآتي ليقيمها، هو الذي وعد بأنه "سيصنع كل شيء جديداً"