موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٦ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠

مَثل الابْنَين والطاعة بين القول والفعل

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين
مَثل الابْنَين والطاعة بين القول والفعل

مَثل الابْنَين والطاعة بين القول والفعل

 

الاحد السادس والعشرون من السنة (متى 21: 28-32)

 

النص الإنجيلي

 

28 ما رَأيُكم؟ كانَ لِرَجُلٍ ابنان. فدَنا مِنَ الأَوَّلِ وقالَ له: ((يا بُنَيَّ، اِذهَبِ اليَومَ واعمَلْ في الكَرْم.)) 29 فأَجابَه: ((لا أُريد)). ولكِنَّه نَدِمَ بَعدَ ذلك فذَهَب. 30 ودَنا مِنَ الآخَرِ وقالَ لَه مِثلَ ذلك. فَأَجابَ: ((ها إِنِّي ذاهبٌ يا سيِّد!)) ولكنَّه لم يَذهَبْ. 31فأَيُّهما عَمِلَ بِمَشيئَةِ أَبيه؟)) فقالوا: ((الأَوَّل)). قالَ لَهم يسوع: ((الحَقَّ أَقولُ لكم: إِنَّ الجُباةَ والبَغايا يَتَقَدَّمونَكم إِلى مَلَكوتِ الله.  32 فَقَد جاءَكُم يوحَنَّا سالِكاً طريقَ البِرّ، فلَم تُؤمِنوا بِه، وأَمَّا العشَّارونَ والبَغايا فآمَنوا بِه. وأَنتُم رَأَيتُم ذلك، فلَم تَندَموا آخِرَ الأَمرِ فتُؤمِنوا بِه.

 

مقدمة

 

يُسلط إنجيل هذا الاحد الأضواء على وسيلة تمكنه من الدخول الى ملكوت السَّمَوات القائمة على العمل بمشيئة الله حيث ان العمل بمشيئة الله هو المحور الاساسي لدخول ملكوت السَّمَوات (متى 21: 28-32). وينفرد متى الإنجيلي بمثل الابنين واصفا الفرق بين "القول" و"العمل"، حيث تكمن الطاعة الحقيقية. الابن الصادق لا يرفض لله أمراً، بل يُطيعه طاعة الابن المُحِب لأبيهِ الحبيب. ولا يستسلم إلى الرياء متظاهرا بالطاعة من دون أن ينفِّذ إرادة الله. وهذا ما يُمّيز بين التلميذ الحقيقي المؤمن والتلميذ المنافق. وهكذا يُوجِّهنا يسوع في اختيار الطريق الصحيح لحياتنا، وذلك بقبول المسيح والسلوك فيه (قولسي 3: 3). ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.

 

أولا: وقائع النص الانجيلي (متى 21: 28 -32)

 

28 ما رَأيُكم؟ كانَ لِرَجُلٍ ابنان. فدَنا مِنَ الأَوَّلِ وقالَ له: ((يا بُنَيَّ، اِذهَبِ اليَومَ واعمَلْ في الكَرْم)).

 

تشير عبارة "ما رَأيُكم؟ الى سؤال يسوع المسيح الذي يُثير في السامعين الإصغاء الواعي والتفكير الطويل والتأمل العميق والمشاركة الشخصية والتفاعل الذاتي، ويدل في الوقت نفسه على تقدير يسوع للحرية الفردية واحترامه لها. إذ يرى يسوع انه من واجب الانسان ان يساهم في خلاص نفسه. وهنا يسأل يسوع الكتبة والفرِّيسيين هذا السؤال مبينا إثمهم لعدم ايمانهم به لكي يدينوا أنفسهم بجوابهم له كما دان داود نفسه بجوابه لناتأَنَّ النبي (2 صموئيل 12: 1-15). ومن هذا المنطلق، دعوتنا هي ان نخلق تساؤلات في اذهان الناس كي ينتبهوا الى صوت الله في ضميرهم.  أمَّا عبارة " رَجُلٍ " فتشير الى رب البيت الذي يسأل ابنيه أن يعملا في كرْمه، وهو يمثل رب المجد الذي يطلب من أبنائه ان يعملوا في كنيسته لحساب ملكوت السَّمَوات. أمَّا عبارة "كانَ لِرَجُلٍ ابنان" فتشير الى الاب الذي يمثل الله، وابنيه الاثنين، فالأول يمثل الخطأة الذين لا يحفظون الشريعة كالعشارين والزناة، والابن الثاني يُمثل وجهاء اليهود كالكتبة والفريسيين الذين يدَّعون انَّهم ابرار لارتباطهم بالديانة الرسمية، فامتنعوا عن الشر ظاهرا وافتخروا بتقواهم.  أمَّا عبارة " واعمَلْ في الكَرْم" فتشير الى حق الاب ان يأمر ابنه بخدمته كونه أب له وأعطاه الكثير الكثير.  وتدل الخدمة هنا على العمل بمشيئة الله ووصاياه لدخول ملكوت السَّمَوات، موطِنَنا الحقيقي.  وانَّ ما يأمره رب الكرم ابنه شفاهاً يأمرنا به الله بكتابه الكريم وبروحه القدوس مخاطبا ضمائرنا. أمَّا عبارة "الكَرْم" فتشير الى شُجَيْرَةٌ تُزْرَعُ مُنْذُ القِدَمِ، تُعْطِي عَنَاقِيدَ العِنَبِ، وَهُوَ يُؤْكَلُ فَاكِهَةً وَيُجَفَّفُ لِيُصْنَعَ مِنْهُ الزَّبِيبُ، وَعَصِيرُهُ يُخَمَّرُ وَيَصِيرُ خَمْراً، وهي ترمز هنا الى ملكوت الله.

 

29 فأَجابَه: ((لا أُريد)). ولكِنَّه نَدِمَ بَعدَ ذلك فذَهَب.

 

تشير عبارة "لا أُريد" الى الرفض والعصيان والاستخفاف، لأن الابن لم يكلف نفسه بتقديم عذرٍ لأبيه.  وما قاله هذا الابن هو قول لسان حال العشارين والزناة. امَّا عبارة" نَدِمَ" في الأصل اليوناني μεταμεληθεὶς  (معناها الاسف على فعل ما) فتشير الى شعور الفرد بالذنب لتصرفاته وأقواله. ويعتبر الندم شرطاً لقبول التوبة. فالابن الذي قال في البدء "لا" عاد الى نفسه وصحّح موقفه وغيّر رأيه وتاب، إذ ذهب الى الكَرْم وعمل فيه برضى وأمانة كما امره ابوه، وعلى هذا المنوال جرى العشارون والزناة بالتوبة والطاعة عند تبشير يوحنا المعمدان كما شهد المسيح لهم "فَقَد جاءَكُم يوحَنَّا سالِكاً طريقَ البِرّ، فلَم تُؤمِنوا بِه، وأَمَّا العشَّارونَ والبَغايا فآمَنوا بِه. وأَنتُم رَأَيتُم ذلك، فلَم تَندَموا آخِرَ الأَمرِ فتُؤمِنوا بِه" (متى 21: 32). إذا ندم الانسان وتاب قبله الله، وبرهان التوبة ليس الكلام بل العمل. فالندامة هي الطريق للدخول في الملكوت، وقد ردّدها يسوع مرتين في هذا المثل (متى 21: 29، 32). امَّا عبارة "فذَهَب" فتشير الى الندامة ومحاولة قول "نعم" مع العلم التوبة لا تأتي بقوة الانسان الذاتية وحدها، انه بحاجة الى نعمة الرب.

 

30 ودَنا مِنَ الآخَرِ وقالَ لَه مِثلَ ذلك. فَأَجابَ: ((ها إِنِّي ذاهبٌ يا سيِّد!)) ولكنَّه لم يَذهَبْ.

 

تشير عبارة "ودَنا مِنَ الآخَرِ وقالَ لَه مِثلَ ذلك" الى دعوة الاثنين دعوة واحدة دون تمييز. واما عبارة "يا سيد" فتشير الى عِظَمِ احترامه لسلطة أبيه. إنَّه شابٌّ مراءٍ كذَّاب يتظاهر بما ليس فيه، ويعصي أمر والده. أمَّا عبارة "ها إِنِّي ذاهبٌ "، ولكنَّه لم يَذهَب" فتشير الى قبول الابن الآخر لوصية ابيه، لكن كان جواب رياء لا إخلاص فيه. ليس هناك تطابق بين قوله وعمله كما جاء في تعليم الرب "التلميذ الحقيقي لَيسَ مَن يَقولُ لي يا ربّ، يا ربّ يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات" (متى 7: 21). وفي ذلك إشارة الى ما فعله الكتبة والفريسيون فانهم ادّعوا أنهم شديدو الغيرة لشريعة الله وتظاهروا بالاستعداد التام للطاعة الكاملة لأوامر الله ولكنه عصوا بدليل شهادة يسوع عليهم "إنَّ الكَتَبَةَ والفِرِّيسيِّينَ على كُرسِيِّ موسى جالِسون، فَافعَلوا ما يَقولونَ لَكم واحفَظوه. ولكِن أَفعالَهم لا تَفعَلوا، لأَنَّهم يَقولونَ ولا يَفعَلون" (متى 23: 2). فهم اقتصروا على حفظ طقوس الشريعة واعرضوا عن فضائلها وقاوموا الله في تأسيس ملكوته الإنجيلي وعزموا على قتل ابنه يسوع المسيح. اما عبارة " لم يَذهَبْ " فتشير الى ما فعله الفريسيون بادعائهم التقوى ادعاء الابن الثاني بقوله "انا ذاهب" ولم يذهب لمّا اتو ا الى الله يوم دعاهم الى التوبة أولا بلسان يوحنا المعمدان وثانيا بلسان يسوع المسيح.

 

31 فأَيُّهما عَمِلَ بِمَشيئَةِ أَبيه؟)) فقالوا: ((الأَوَّل)). قالَ لَهم يسوع: ((الحَقَّ أَقولُ لكم: إِنَّ الجُباةَ والبَغايا يَتَقَدَّمونَكم إِلى مَلَكوتِ الله.

 

تشير عبارة "عَمِلَ بِمَشيئَةِ أَبيه" الى الطاعة لأوامر أبيه بالذهاب الى كرْم ابيه والعمل فيه حيث ان إرادة الآب السماوي تكمن في حفظ كل الشريعة المعلنة في كتابه والاجتهاد في سبيل ملكوته. اما عبارة " الأَوَّل" فتشير الى جواب خصوم يسوع حول سؤاله: "فأَيُّهما عَمِلَ بِمَشيئَةِ أَبيه؟"  فحكموا على أنفسهم، فالأول يمثل الزناة والعشارون الذين سبقوهم الى الملكوت.  وهو الذي اطاع دون الثاني، لانَّ الأول رديء القول جيد العمل، والثاني جيد القول رديء العمل. أمَّا عبارة "قالَ لَهم يسوع" فتشير الى ما اوضحه يسوع للفرِّيسيين من ذلك المثل وهو من قصده من مثل الابنين.  أمَّا عبارة " الجُباةَ " فتشير الى العشَّارين الذين يجبون الضرائب ويتلاعبون بها ويتعاملون مع المحتل الروماني، لذلك كانوا يُتَّصفون بعدم الأمانة والطمع والجشع، وكان يوحنا المعمدان يقول انه مستعد ان يقبل أولئك الجباة إذا تابوا وتغيَّرت طرقهم كما ورد في انجيل لوقا " أَتى إِلَيه أَيضاً بَعضُ الجُباةِ لِيَعتَمِدوا، فقالوا له: ((يا مُعَلِّم، ماذا نَعمَل؟))  فقالَ لَهم: ((لا تَجْبوا أَكثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكم)) (لوقا 3: 12).  أمَّا عبارة " البَغايا " فتشير الى الفاجرات اللواتي يكتسبن المال عن طريق الفسق والفجور والدعارة؛ أمَّا عبارة "إِنَّ الجُباةَ والبَغايا يَتَقَدَّمونَكم إِلى مَلَكوتِ الله" فتشير الى العشارين والزناة كالابن الذي لم يطع اولا ولكنه بعدئذ تاب وأصبح مقبولا عند الله. تقبل كلمة الله وبدأ حياته من جديد. بعض العشارون والزناة غيَّروا حياتهم حين سمعوا كلام يوحنا المعمدان او يسوع كما حدث مع لاوي العشار الذي ترك مكتب الجباية وتبع يسوع وأصبح متى الإنجيلي (متى 9 :9)، وكذلك تابت المرأة الزانية فقال لها يسوع: "لا تَعودي بَعدَ الآنَ إِلى الخَطيئة" (يوحنا 8: 11). وعادت مريم المجدلية أيضا الى يسوع (لوقا 8: 1-2). كلمة الله تعود بهم الى ذواتهم وتدعوهم الى تبديل حياتهم لدخول ملكوت السَّمَوات. وليس غاية يسوع التشهير بالعشارين والبغايا بل إظهار قدرتهم على التجدّد والتوبة. أمَّا عبارة "يَتَقَدَّمونَكم" فتشير الى رجاء دخول العشارين والزناة الى ملكوت السماء اقوى من رجاء دخول الفريسيين اليه، لان كبرياء هؤلاء اتكالهم على البر الذاتي جعلهم باقون خارج الملكوت. واما العشارون فشعروا بإثمهم وان لا شيء لهم من البر الذاتي فبادروا الى الهرب من الغضب الى بر المسيح وفدائه كما جاء في انجيل لوقا "جَميعُ الشَّعبِ الَّذي سَمِعَه حَتَّى الجُباةُ أَنْفُسُهم بَرُّوا الله، فاعتَمَدوا عن يَدِ يوحَنَّا. وأَمَّا الفِرَّيسيُّونَ وعُلَماءُ الشَّريعَة فلَم يَعتَمِدوا عن يَدِه فأَعرَضوا عن تَدبْيرِ اللهِ في أَمرِهم" (لوقا 7: 29-30). وتشير العبارة أيضا ًالى كلمة يسوع في مثل العملة واجرتهم "فهَكذا يَصيرُ الآخِرونَ أَوَّلين والأَوَّلونَ آخِرين" (متى 20: 16)؛ أمَّا عبارة "مَلَكوت الله" فتشير الى السيادة او حكم الإله الذي انتظرته التوقعات اليهودية المسيحانية على إسرائيل. ويعتبر اليهود عبارة "ملكوت الله" تجديفا ان يُشار الى الله بالاسم. وهذا التعبير خاص بإنجيل متى في حين استبدلاه مرقس ولوقا بتعبير آخر وهو "ملكوت السَّمَوات". تعبر كلمات يسوع عن شديد حب يسوع للخطأة، فالأبرار لم يكونوا بحاجة اليه، عكس الخطأة " ليسَ الأَصِحَّاءُ بِمُحْتاجينَ إِلى طَبيب، بلِ المَرْضى. ما جِئتُ لأَدعُوَ الأَبرار، بلِ الخاطِئين" (مرقس 2: 17).

 

32 فَقَد جاءَكُم يوحَنَّا سالِكاً طريقَ البِرّ، فلَم تُؤمِنوا بِه، وأَمَّا العشَّارونَ والبَغايا فآمَنوا بِه. وأَنتُم رَأَيتُم ذلك، فلَم تَندَموا آخِرَ الأَمرِ فتُؤمِنوا بِه.

 

تشير عبارة "طريقَ البِرّ" δικαιοσύνης الى نوال البر عن طريق الحق والتوبة والايمان بالمسيح الذي شهد له يوحنا انه "الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة" (يوحنا 14: 6). أمَّا عبارة "فلَم تُؤمِنوا بِه" فتشير الى الفريسيين الذين هم بمثابة الابن الذي تظاهر بانه مطيع، ولكنه لم ينفِّذ قول أبيه. وكذلك عظماء الكهنة وشيوخ الشعب الذين تسلموا رسميا التوراة، لكنهم لم يبدَّلوا حياتهم، بل رفضوا دعوة يوحنا المعمدان ودعوة يسوع الى التوبة وظلوا متحجري الضمير وقساة القلوب وبالتالي منافقين امام الله والناس. اما عبارة "فآمَنوا بِه" فتشير الى التوبة وقبول تعليم يسوع وشهادته ان يسوع هو المسيح. واما عبارة "وأَنتُم رَأَيتُم ذلك" فتشير الى ما كان يجب على الفريسيين ان يرغبوا في التوبة اقتداء بالعشارين. أمَّا عبارة "فلَم تَندَموا آخِرَ الأَمرِ" فتشير الى إصرار عظماء الكهنة ورؤساء الشيوخ على عدم التوبة وبقاء قلوبهم الشريرة على تقواهم وعبادتهم الشكلية.  ان بر الفريسيين الذي افتخروا به ليس بشيء امام الله تعالى وانهم محتاجون الى التوبة كالعشارين.  أمَّا عبارة "آمَنوا بِه" فتشير الى العشَّارين والبَغايا، فالإيمان هو تسليم الذات للمسيح لكن تسليم الذات لا يتم الاَّ بالتوبة والرجوع الى طاعة الله. والطاعة لا تتم ُّبالكلام بل بالعمل والحق.  وبالرغم من ان رؤساء الشعب والفريسيين رأوا ندامة الخطأة من العشارين والزناة لكنهم لم يتعلموا ولم يتوبوا. أمَّا عبارة "فلَم تَندَموا" فتشير الى عدم اظهار التوبة. ولم يعلم المسيح بهذا المثل ان رجاء خلاص الشرير اقوى من رجاء خلاص الذي سيرته الظاهرة حسنة، إنما أراد ان يوضح ان الامل بخلاص الخاطئ إذا تاب وترك خطاياه هو اقوى من الامل بنجاة الذي يتظاهر بالفضيلة وهو لا يترك خطاياه من الكبرياء والاتكال على البر الذاتي. في هذه الآية يجيب يسوع على السؤال الذي طرحه هو نفسه في بداية المثل "ما رَأيُكم؟" (متى 21: 28). ومهما كان الامر فإن خطوة الندامة مطلوبة من الجميع.

 

ثانيًا: تطبيقات النص الإنجيلي

 

بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي وتحليله (متى 21: 28 -32)، نستنتج انه يتمحور حول مثل الابنَين والطاعة.  ومن هنا نتساءل ثلاث أسئلة: ما هو إطار مثل الابْنَين؟ وما هي ابعاده؟ وكيف نعيش عبرة هذا المثل؟

 

1) ما هو إطار مثل الابْنَين؟

 

ضرب يسوع مثل الابْنَين (متى 21: 28-32) في هيكل اورشليم أثناء مواجهته الى خبث وعناد عظماء الكهنة ورؤساء الشيوخ (متى 21: 23) عندما قاوموه، وقاموا ومن قبله يوحنا المعمدان.  فقد استخدم يسوع المثل كأداة شرح بها عن نفسه ودافع عن ذاته أمام معارضيه ليُقنعهم.

 

فقد ثار هؤلاء وهم أصحاب السلطة الدينية، على فضيحة طرد الباعة من الهيكل فسالوا يسوع " بِأَيِّ سُلطانٍ تَعمَلُ هذِه الأَعمال؟ ومَن أَولاكَ هذا السُّلطان؟ " (متى 21: 23)، لكن يسوع المسيح رفض ان يُجيبهم صراحة، لأنهم فقدوا صفة القضاء بسبب تأويل مطالب يوحنا المعمدان.  وهنا جرّهم يسوع الى منصة الدينونة.  إذ انهم يُعلنون انَّهم يطيعون إرادة الله، لكنهم يرفضون الاستماع الى يوحنا المعمدان الذي جاءهم برسالة الهية كما اكّد ذلك لوقا الإنجيلي " وأَمَّا الفِرَّيسيُّونَ وعُلَماءُ الشَّريعَة فلَم يَعتَمِدوا عن يَدِه فأَعرَضوا عن تَدبْيرِ اللهِ في أَمرِهم " (لوقا 7: 30) وبالرغم أنَّ العشارون والبغاة يسخرون علنا بالدين، قد استمعوا إليه، وتابوا عن ماضيهم الاثيم كما ورد في انجيل لوقا " جَميعُ الشَّعبِ الَّذي سَمِعَه حَتَّى الجُباةُ أَنْفُسُهم بَرُّوا الله، فاعتَمَدوا عن يَدِ يوحَنَّا. (لوقا 7: 29)؛ ومن هنا يروي يسوع لهم مثل الابنين موضحا به موقفهم المُرائي.

 

الابن الأول الذي يقول "لا" لأبيه ورفض طلبه، لأنه لا يرغب، ولكنه ندم ولبّى رغبة أبيه وذهب في آخر الآمر الى الكَرْم، هو يُمثل العشارين والبغايا؛ وهذا دليل أنّ الأبواب مفتوحة لكلّ من يرجع إلى الله بصدق ومن كلّ قلبه، والآب يستقبل بفرح الابن الّذي يتوب بحقّ. وأمَّا الابن الآخر الذي قال "نعم " وتظاهر بأنه مطيع لكنه في الواقع رفض رغبة ابيه ولم يُنفذها. ما الفائدة من قول كلمة "نعم" بدون تطبيقها. 

 

كل من الابنين أخطأً، فالابن الذي ذهب أخطأ في مخاطبة أبيه بلهجة جافة، والمُتأدب أخطأ في انه لم يَصدقْ في وعده. على ان أحدهما قد تاب وندم، أمَّا الآخر فقد تمادى في عصيانه وتمرده. والابن الأول امتدح مرتين: المرة الاولى على صدقه في عدم إعطائه وعدًا قد لا ينفِّذه؛ والمرة الثانية   لتراجعه عن خطأه وعاد لتنفيذ مشيئة أبيه.  وأمَّا الابن الثاني فقد ذُم مرتين: المرة الأولى لأنه أعطى وعدًا ولم ينفِّذه، والمرة الثانية لعصيانه مشيئة أبيه.  وفي هذا الصدد قال الشاعر القديم المثقب العبدي في قصيدته: حسن قول "نعم" من بعد "لا"  وقبيح قول "لا" بعد "نعم"،. وإذا قلت "نعم" فاصبر لها بنجاح القول إن الخلـف ذم.

 

يطلب يسوع في بداية المثل رأي رؤساء اليهود " ما رَأيُكم؟ " (متى 21: 28)، وأمَّا في نهاية المثل فيطرح يسوع السؤال "أَيُّهما عَمِلَ بِمَشيئَةِ أَبيه؟ " (متى 21: 31). فقد اقرّ رؤساء اليهود مبدا أولوية العمل على الكلام. "فقالوا: الأَوَّل"(متى 21: 31)، فالقرار الأخير في مسالة الاخلاق لا يكمن في الرغبة، ولا في القول الذي يُمكن تكذيبه، بل في العمل.

 

أمَّا تطبيق القرار فيكمن بالحكم التالي " قالَ لَهم يسوع: ((الحَقَّ أَقولُ لكم: إِنَّ الجُباةَ والبَغايا يَتَقَدَّمونَكم إِلى مَلَكوتِ الله. فَقَد جاءَكُم يوحَنَّا سالِكاً طريقَ البِرّ، فلَم تُؤمِنوا بِه، وأَمَّا العشَّارونَ والبَغايا فآمَنوا بِه. وأَنتُم رَأَيتُم ذلك، فلَم تَندَموا آخِرَ الأَمرِ فتُؤمِنوا بِه" (متى 21: 31-32).  وراء علاقة الاب بابنيه في المثل تظهر العلاقة التي توحّد الله بشعبه مبيِّنا انحراف الابرار واستقبال الخطأة.

 

2) ما هي ابعاد مثل الابْنَين؟

 

يمكننا ان نميّز ثلاثة ابعاد لمثل الابْنَين، وهي: البعد التاريخي واللاهوتي والروحي:

 

(ا) البعد التاريخي:

 

ضرب يسوع مثل الابْنَين في هيكل اورشليم (متى 21: 12) لدى هجوم خصومه من عظماء الكهنة وشيوخ الشعب بأسئلتهم عن سلطته في التعليم والعمل.  الابن الأول شابٌّ عاصٍ، ومتمرِّد، ويميل إلى المقاومة، حتى إلى مقاومة سُلطة أبيه. وإنَّ ميله إلى العصيان قد سبق تفكيره وطغى عليه. ولكنَّه لمَّا هدأت نفسه ورجع إلى ذاته شعر أنَّه قد أساء التصرُّف مع أبيه فندِم على سلوكه المتمرِّد وأطاع أباه ونفَّذ إرادته. رفض ثم أطاع، وهو يمثّل العشارين والبغايا الذين بدئوا حياتهم برفض العمل، لكنهم ندِموا أخيرًا، ومضوا يعملون في الكرْم.

 

وأمَّا الابن الآخر فقد تظاهر بأنَّه ابنٌ مطيع ودلّ على عِظَمِ احترامه لسلطة أبيه بقوله "يا سيد". إنَّه شابٌّ مراءٍ كذَّاب يتظاهر بما ليس فيه، ابدى الطاعة، ولكنه لم يطع، وهو يمثل رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب والفريسيين الذين "كانوا مُتَيَقِّنينَ أّنَّهم أَبرار" (لوقا 18: 9)، فقالوا نعم، لكنهم لم يذهبوا الى الكَرْم للعمل.  وفيهم قال بولس الرسول "أَتَفتَخِرُ بِالشَّريعةِ وتُهينُ اللهَ بِمُخالَفَتِكَ لِلشَّريعة؟" (رومة 2: 23). وقد ندَّد يسوع الكلام بدون نتيجة "إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ باطِلَةٍ يقولُها النَّاس يُحاسَبونَ عَليها يومَ الدَّينونة " (متى 12: 36). فالعصيان والرياء رذيلتان يكرههما الله كراهيَّةً شديدة.

 

 وفي الواقع، في ايام يسوع اعتبر وجهاء اليهود أنفسهم ابرارا، فقالوا "نعم"، ولكنهم ما ذهبوا فدلّوا على عماهم كما وصفهم بولس الرسول بقوله "يُظهِرونَ التَّقْوى ولكِنَّهمُ ينكِرونَ قُوَّتَها"(2 طيموتاوس 3: 5). فقد قالوا إنهم يريدون إتمام مشيئة الله، ولكنهم كانوا يعصونها على الدوام. ولهم مظهر الخضوع، لكنهم لا يفعلون إرادة الله؛ فندّد يسوع بريائهم، لان اقوالهم تعارض اعمالهم.  وأكد لوقا الإنجيلي هذه المقولة بقوله "أَمَّا الفِرَّيسيُّونَ وعُلَماءُ الشَّريعَة فلَم يَعتَمِدوا عن يَدِه فأَعرَضوا عن تَدبْيرِ اللهِ في أَمرِهم" (لوقا 7: 30).  لهم مظهر التدين، ولكن قلبهم خبيث رديء، لانَّهم يقولون ولا يعملون. كانت تقواهم في ظاهر سلوكهم فقط، ولم يكن لها أيُّ أساسٍ ثابت في قلوبهم. لقد عرفوا إرادة الربّ فتظاهروا بأنَّهم يطيعونها طاعةً كاملة، فأقاموا الصلوات في المجامع، وقدَّموا الضحايا في الهيكل، واحتفلوا بالأعياد احتفالاتٍ عظيمة. ولكنَّ هذه الأعمال كانت مظاهر خارجيَّة فقط تنقصها القيمة الجوهريَّة وهي طاعة قلوبهم، وتوبة ضمائرهم، وعملهم بإخلاص لأجل مجد الربّ.

 

قبل رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب والفريسيين العمل في الملكوت، لكنهم قبلوه بالكلام دون العمل، فهؤلاء قال عنهم السيد المسيح " لَيسَ مَن يَقولُ لي ((يا ربّ، يا ربّ)) يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات" (متى 7: 21).  لذلك طَردوا أنفسهم بأنفسهم من الكَرْم بسبب عدم إيمانهم بالحق، ليتركوا مكانهم للعشّارين والبغايا الذين لم يسمعوا لله أولًا لكنهم عادوا ليُطيعوه. قد أدرك رؤساء الكهنة والفرّيسيّون كلمات سيدنا يسوع بعقولهم لكنهم لم يقبلوها بروح الحب والبُنيان، وعِوض أن يقدّموا توبة عما ارتكبوه فكّروا في الانتقام منه. ما أصعب على نفس هؤلاء المؤتمنين على كلمة الله أن يتركوا الكراسي للعشّارين والبغايا الذين سبقوهم بالإيمان إلى ملكوت الله.

 

إنتقد متى الانجيلي الفريسيين المُتيقَنِّين من برّهم "أَيُّها المُراؤُون، أَحسَنَ أَشَعْيا في نبوءته عَنكم إِذ قالهذا الشَّعْبُ يُكرِمُني بِشَفَتَيْه وأَمَّا قَلبُه فبَعيدٌ مِنِّي" (متى 15: 7) والراغبين في إظهاره "فقالَ لَهم: ((أَنتُم تُزَكُّونَ أَنفُسَكم في نَظَرِ النَّاس، لكِنَّ اللهَ عالِمٌ بِما في قُلوبِكم، لِأَنَّ الرَّفيعَ عِندَ النَّاسِ رِجْسٌ في نَظَرِ الله "(لوقا 16: 15).

 

ونستنتج مما سبق ان سلوكُ الابن الأوَّل كان عصيانٌ وندامة، واما سلوك الآبن الآخر فهو رياءٌ وعصيان. فالابن الأول يمثل العشارين والبغايا الخطأة الذين رفضوا العمل في الملكوت ثم ندموا، فاكتشفوا علامات الملكوت في المسيح وفتحوا قلوبهم على الله ونعمته وآمنوا.  ومن الأمثلة على ذلك ما حدث لمتى نفسه في لقائه مع يسوع المسيح "مَضى يسوعُ فَرأَى في طَريقِه رَجُلاً جالِساً في بَيتِ الجِبايَةِ يُقالُ لَه مَتَّى، فقالَ لَه: ((اتِبَعْني!)) فقامَ فَتَبِعَه." (متى9: 9)، وتوبة المرأة الخاطئة ومعها قارورة الطيِّب "إِنَّ خَطاياها الكَثيرَةَ غُفِرَت لَها، فلأَنَّها أَظهَرَت حُبّاً كثيراً" (لوقا 7: 47).  وهناك أيضا زكا العشار الذي "وَقَفَ فقال لِلرَّبّ: يا ربّ، ها إِنِّي أُعْطي الفُقَراءَ نِصفَ أَموْالي، وإِذا كُنتُ ظَلَمتُ أَحداً شَيئاً، أَرُدُّه علَيهِ أَربَعَةَ أَضْعاف" (لوقا 19: 8) والعمل بمشيئة الله يكمن في الايمان بالمسيح وطاعة كلمته ووصاياه.

 

(ب) البعد اللاهوتي

 

البعد اللاهوتي لمثل الابنين لم يكن العمل بقدر ما هو الندامة والتوبة والعودة لله تعالى والطاعة لأوامره تعالى.  وما التوبة الا الندامة على ارتكاب الشر والابتعاد عن الخطيئة وبغضها وبذل الجهد في الاتكال التام على نعمة الله ومساعدة الروح القدس للابتعاد عنها والانقياد إلى مشيئة الله والخضوع لأوامره الطاهرة (متى 3: 8).

 

لانَّ المهم في نظر الله ليس ان يقول له الانسان "نعم" ثم يرفض العمل، إنما المهم هو الطاعة.  الله لا ييأس أبدا من الإنسان، بل هو مستعدٌ ان يستقبله حين تظهر عنده اقل علامة من علامات التوبة، ويظل الله واثقًا بقلب الإنسان، وبرغبته في الحياة، وبقدرته على اختيار طريق الصدق والنور.  فالأبرار بحسب الناموس (عظماء الكهنة ورؤساء الشيوخ) قالوا "نعم"، ولكنهم عادوا يرفضونه من خلال رفضهم كرازة يوحنا المعمدان. ولماذا لم يسمعوا ليوحنا المعمدان؟ لأنّهم ممتلئون غرورًا وتعاليًا على الآخرين واكتفوا بذواتهم فصُمّت أذانهم عن الاستماع إلى الله الحاضر في حياتهم.  وفي هذا الصدد يقول بولس الرسول "أَتَفتَخِرُ بِالشَّريعةِ وتُهينُ اللهَ بِمُخالَفَتِكَ لِلشَّريعة؟" (رومة 2: 23). أمَّا الخطأة (الجُباةَ والبَغايا) بنظر الشريعة فإنهم قالوا لله "لا"، ولكنهم عادوا وأطاعوا لمّا قبلوا كرازة يوحنا المعمدان (متى 21: 32).

 

فالابن الذي قال "نعم" في البداية و"لا" فما بعد يمثل الابرار بحسب الناموس (عظماء الكهنة ورؤساء الشيوخ). والابن الذي قال "لا" في البداية" "ونعم" فيما بعد يمثل العشارين والبغايا وجميع الخطأة. فهؤلاء "يسبقون" أولئك الى الملكوت السماوي كما صرّح السيد المسيح "الحَقَّ أَقولُ لكم: إِنَّ الجُباةَ والبَغايا يَتَقَدَّمونَكم إِلى مَلَكوتِ الله" (متى 21: 31). وفي هذا الصدد يقول النبي حزقيال: "إذا ارتَدَّ البارُّ عن بِره وصَنَعَ الإِثْمَ وماتَ فيه، فإِنَّه بإِثمِه الَّذي صنَعَه يَموت.  وإِذا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عن شَرِّه الَّذي صنَعَه وأَجْرى الحَقَّ والبِرّ، فإِنَّه يُحْيِي نَفْسَه" (18: 26-27).

 

وما الذي جعل الابن الأول يعود عن رفضه؟  إنها الندامة هي التي حرّكته فيما بعد كما ورد في النص الانجيلي "لكِنَّه نَدِمَ بَعدَ ذلك" (متى 21: 29). فالندامة تبدأ بإدراك خطورة الرفض لمشيئة الله، خطورة بين ما نحن عليه، وما ينبغي ان نكون عليه.  فمن رأى نفسه أمام الرب خاطئا رأى الخلاص. وهذا هو شرط أساس لدخول ملكوت الله. وهذا ما فعله العشارون والبغايا، سمعوا يوحنا يناديهم للحياة فلبّوا النداء، وخرجوا من سجن الخطيئة. ولم ينغلقوا على ذواتهم، بل انفتحوا على مغفرة الله الغامرة، وعرفوا أنّ "المَحبَّةَ تَستُرُ كَثيرًا مِنَ الخَطايا" (1بطرس 4: 8)، " وحَيثُ كَثُرَتِ الخَطيئَةُ فاضَتِ النِّعمَة" (رومة 5: 20)، وأدركوا أن الله قادر على أن "ينزِعْ مِن لَحمِهم قَلبَ الحَجَرِ ويُعْطيهِم قَلبًا مِن لَحْم" (حزقيال 11: 19). ويعلق القدّيس إقليمنضُس الإسكندريّ "إنّ الأبواب مفتوحة لكلّ من يرجع إلى الله بصدق ومن كلّ قلبه، والآب يستقبل بفرح الابن الّذي يتوب بحقّ"(عظة: أي غنيّ يمكن أن يخلص؟) وكما يقول الكتاب المقدّس: «هكذا يَفرَحُ مَلائِكَةُ اللهِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوب" (لوقا 15: 10). يلفت مثل يسوع أنظارنا أن قلب الله الآب مفتوح لكلِّ أولاده، ويُسَرُّ بكلِّ تائب يعود إليه.

 

أمَّا موقف الابن الثاني الذي قال نعم وعمليا رفض فهو صورة لمن يدّعي التدين.  يستعمل كلمات وأفكار مستوحاة من الكتب المقدسة، ولكنه يقف عند هذا الحد دون تغيير ولا تجديد فيما هو، ولا يطبّق ما استوحاه من الكتاب المقدس. هذا هو سر الضعف في المسيحية الاسمية، كثيرون يتظاهرون بقبول المسيح، ولكنهم لا يسلكون فيه، ولذلك جاءت توصية بولس الرسول " فكما تَقَبَّلتُمُ الرَّبَّ يسوعَ المسيح، سيروا فيه " (قولسي 2: 6).

 

وقد كان كلام يسوع مصدر أمل وتوبة حقيقية وحياة جديدة للخطأة والعشارين. فهم التقوا في طريقهم بيسوع، وهو لم ينتقدهم ولم يصفق لهم، بل وجّه كلامه إليهم: احترمهم وأكرمهم، لأنهم أبناء إبراهيم.  فراحوا يرغبون في سماع كلمته كما يؤكد ذلك لوقا الإنجيلي "وكانَ الجُباةُ والخاطِئونَ يَدنونَ مِنه جَميعاً لِيَستَمِعوا إِلَيه"(لوقا 15: 1) وينضمون الى صحبته وإتباعه " جَلَسَ يسوعُ لِلطَّعامِ عِندَه، وجَلَسَ معَه ومع تَلاميذِه كثيرٌ مِنَ الجُباةِ والخاطِئين، فقد كانَ هُناكَ كثيرٌ مِنَ النَّاس. وكانوا يَتبَعونَه" (مرقس 2: 5) ويُبدون له ولرحمته عواطف الشكر والامتنان كما حدث مع المرأة الخاطئة " كما وصفها السيد المسيح لبطرس "أَمَّا هِيَ فَبِالطِّيبِ دَهَنَتْ قَدَمَيَّ.  فإِذا قُلتُ لَكَ إِنَّ خَطاياها الكَثيرَةَ غُفِرَت لَها، فلأَنَّها أَظهَرَت حُبّاً كثيراً" (لوقا 7: 46-47).

 

يُبين مثل الابنين ان الله لا ترضيه الاقوال، بل الاعمال. ومن هنا جاء لوم يسوع لِماذا تَدعونَني: يا رَبّ، يا رَبّ! ولا تَعمَلونَ بِمَا أَقول؟" (لوقا 6: 46). فإن كان هو الرب والسيد ولم نعمل بما يأمر فلا نستطيع ان ندعوه رباً. ومن هذا المنطلق، يقول السيد المسيح ان التلميذ الحقيقي" لَيسَ مَن يَقولُ لي يا ربّ، يا ربّ يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات" (متى 7: 21). فمن عرف مشيئة الله ورفض العمل بها يهلك، ومن رفض مشيئة الله ثم تاب يجد عند الله رحمة وخلاصاً.  ان الخاطئ الذي يعرف نفسه انه خاطئ أقرب الى ملكوت الله من خاطئ يَعد نفسه باراً. إن الله لا ييأس ابدا من الانسان، بل إنه تعالى مستعد ان يستقبل الانسان حين تظهر لديه علامات الندامة والتوبة.

 

ونستنتج من هذا المثل ان الانسان يستطيع ان يندم ويتوب، وان يُغيّر مجرى حياته بعد ان يجيب "لا"! في بادي الامر.  وأن الخاطئ الذي يعرف أنه خاطئ، أقرب الى الملكوت الله من خاطئ يعُدُّ نفسه صديقاً. وهذه هي فرصة سانحة للتوبة والعودة الى الله. ونحن اليوم، لا يهم ما قد مضى، " اليوم إِذا سَمِعتنا صَوتَه فلا نُقَسُّي قُلوبَنا" (مزمور 7-8). فلنندَمْ إذًا بمرارة على خطايانا الماضية ولنصلِّ للآب كي ينساها. فهو قادر أن ينقض برحمته ما حصل وأن يمحو، بِنَدى الروح، أخطاءنا السابقة.

 

(ج) البعد الروحي

 

والبعد الروحي لمثل الابنين هو ان كل الناس يمرُّون بمثل ما مرّ به هذان الابنان من طاعة ثم رفض، او من رفض ثم طاعة. لكن الطاعة من بعد الرفض هي طريق النجاة، والرفض من بعد الطاعة هو طريق الهلاك. إنه لمن الخطر ان نتظاهر بطاعة الله، بينما قلوبنا بعيدة عنه، لان الله يعرف نيَّات قلوبنا، لذا ينبغي ان تطابق اعمالنا مع أقوالنا ونيّاتنا. فلا يمكن القول إننا نؤمن بالله ثم بعد ذلك نحيا كما نشاء كما كان يوحنا المعمدان يحذر الجموع " فأَثمِروا إِذاً ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِكم، ولا تُعَلِّلوا النَّفْسَ قاِئلين: إِنَّ أَبانا هوَ إِبراهيم"(لوقا 3: 8)، وكذلك لا يمكن ان نحيا حياة سليمة أخلاقيا وادبيا بدون التوبة والرجوع الى الله.

 

كم هي عظيمة رحمة الله ان يتقبل الانسان الذي يندم ويتوب ويغيِّر مجرى حياته بعد ان يُجيب "لا" في بادئ الامر وقد ضلّ الطريق. وهي فرصة سانحة للضعفاء الذين لا يجرؤون على ان يقولوا "نعم" فورا ثم ينسحبون امام العمل. ويسوع هو القوة التي تنقلنا من "لا" الى "نعم" كي نتمِّم مشيئة الله. وفي هذا الصدد يقول القديس بولس "إن المسيحَ يسوعَ لم يَكنْ نَعَم ولا، بل "نَعَم" لِذلِك بِه أَيضًا نَقولُ لله: آمين إِكرامًا لِمَجْدِه" (2 قورنتس 1: 20). هل نقبل دعوة التوبة اليوم ونؤمن بالمسيح فندخل الى ملكوت الله ونحصل على السلام والحياة الابدية؟

 

ونستنتج مما سبق ان ملكوت الله ليس للذين يدّعون البر، وهم عصاة متمردون، بل لمن يطلبون البر، وهم خطأة تائبون. النية وحدها لا تكفي بل الفعل. والفعل هو نتيجة الاهتداء الى طريق الحق والحياة الى كلام وحياة يسوع. انه امر رهيب ان نتبع المسيح، ثم ننكره في حياتنا، حيث يوجد بيننا اليوم من يتشدقون بالدين ويتعلقون بأهدابه امام الناس، ويذهبون الى الكنيسة، يمارسون الفرائض، ويتظاهرون بالتقوى، ولكن مع هذا ينقصهم الدين الحق وحياتهم لا تنسجم مع هذه الدعوى.  وامر رهيب أيضا ان ننكر يسوع بالقول وبالحياة، وبالعكس امر عظيم ان نطيع يسوع بالقول والعمل. فكل انسان سيؤدي الحساب امام الله على اختياراته وأعمال كما يقول حزقيال النبي " إِذا ارتَدَّ البارُّ عن بِره وصَنَعَ الإِثْمَ وماتَ فيه، فإِنَّه بإِثمِه الَّذي صنَعَه يَموت. وإِذا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عن شَرِّه الَّذي صنَعَه وأَجْرى الحَقَّ والبِرّ، فإِنَّه يُحْيِي نَفْسَه " (حزقيال 18: 26-27).  ومن هنا نتساءل كيف نعيش الطاعة؟

 

3) عبرة مثل الابْنَين: كيف نعيش ما نقوله؟ 

 

نشبه تارة في تصرفنا الابن الأول، وأخرى الابن الثاني. نقول مرة للرب "نعم" ولا نتحرك للعمل، وأخرى نقول " لا" ثم نندم، كيف التخلص من هذه الازدواجية؟  وبكلمة أخرى كيف نطيع؟

 

وهذان الابنان لم يكونا مثالِيَيْن في سلوكهما، لأنَّ الابن الأوَّل رفض الطاعة في بادئ الأمر، والابن الثاني كذب على والده ولم يُطِعْ أمره. لكن هناك ابن ثالث لم يذكره المثل، ولكنَّه ابنٌ حيٌّ، يقول ويعمل، ويعمل كما يقول: إنَّه يسوع المسيح، ابن الإله الأزلي. إنَّه لم يقل قطّ لأبيه السماوي: "لا" بل قال دوماً لأبيه: "نعم". لقد قال: "نعم" لأبيه السماوي لمَّا تجسَّد. وكانت تفاصيل حياته كلِّها سلسلة "نعم". قال قَبْلَ أن يُقدِم على آلامه: " لا كما أَنا أَشاء، بَل كما أَنتَ تَشاء! " (متى 26: 39) "فَوضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب (فيلبي 2: 8) في سبيل فداء البشريَّة.

 

قد استحق يسوع المسيح طاعة كل خليقة، بعد ان صار بطاعته، الرب "كما يعلن بولس الرسول " يَشهَدَ كُلُّ لِسانٍ أَنَّ يسوعَ المسيحَ هو الرَّبّ تَمْجيدًا للهِ الآب"(فيلبي 2: 11)، وتتولى كل سلطان في السماء والأرض كما صرّح هو نفسه "إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض " (متى 28: 18). فبوساطة المسيح ومن خلال الطاعة لإنجيليه وكلمة كنيسته (2 تسالونيقي 3: 14)، يصل الانسان الى الله في الايمان (اعمال الرسل 6: 7)، ويفلت من يد العصيان الأصلي، ويدخل في سر الخلاص. فيسوع المسيح هو شريعة المسيحي الوحيدة كما اختبر بولس الرسول "إِنِّي في حُكْمِ شَريعةِ المسيح (1 قورنتس 9: 21). إنَّ السلوك المسيحي الصحيح هو سلوك الابن الثالث الذي خضعت إرادته لإرادة أبيه السماوي، وأطاعه طاعة كاملة لا عن ضغطٍ ولا عن ضَعفٍ، بل عن حُبٍّ سامٍ لا حدود له.  فالطاعة للمسيح لا تكون بالكلام او النيّة فقط، بل تقترن بالعمل، وهي تتطلب طرق متعددة وردت في الكتاب المقدس:

 

أولا: الطاعة لله تتطلب السير معه: إن طاعتنا لله تتطلب كما الحال مع الإباء الأقدمين مثل أَخْنوخُ إذ "سارَ أَخْنوخُ معَ الله" (التكوين 5: 22)، فنحن نؤمن أن الله يعلم المستقبل مسبقا كما صرّح بطرس الرسول "إِلى المختارينَ بِسابِقِ عِلمِ اللهِ الآب وتَقْديسِ الرُّوح، لِيُطيعوا يسوعَ المسيح " (1بطرس 1: 2) وبالتالي يعرف ويريد ما هو الأفضل لأحبائه. لنتقبل ما يصل الينا من كلام المسيح، ولنستعد لان نسير الى الامام معه على خطى الرسل والتلاميذ الصالحين ومريم المجدلية التي سارت على طريق التجرد الذي قادها الى الصليب ومتى العشار الذي أصبح رسولا وكاتب الانجيل.  كانت نظرة يسوع وكلامه تصلان الى أعماق القلوب.  

 

ثانيا الطاعة هو فعل تسليم لعمل الروح القدس. إنّ خضوعنا لعمل روح الله القدوس في حياتنا هو فعل طاعة بالإيمان كما فعل إبراهيم والاباء " بِالإِيمانِ لَبَّى إِبراهيمُ الدَّعوَة" (عبرانيين 11: 8)، والروح القدس بدوره يجدّد قلوب المؤمنين ليصيروا "شُرَكاءَ الطَّبيعَةِ الإِلهِيَّة " (2 بطرس 1: 4).  ويدعوهم الله عندئذٍ "مُحِّبيَّ وحافِظي وَصاياي" (خروج 20: 9) أذ يعبّرون عن ثقتهم في الله ومحبتهم له كأب.

 

ثالثا: الطاعة فعل تقدمة الذات ذبيحة مرضيّة. أكّد صموئيل النبي لشاول "إِنَّ الطَّاعةَ خَيرٌ مِنَ الذَّبيحة" (1 صموئيل 15: 22).  وقد أعلن يسوع "هاءَنَذا آتٍ، أَللَّهُمَّ لأَعمَلَ بمَشيئَتِكَ" (عبرانيين 10: 7) جاعلا من موته ذبيحة لله، ذبيحة الطاعة كما يقول صاحب الرسالة للعبرانيين "تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ، وهو الاِبن، بما عانى مِنَ الأَلَم" (عبرانيين 5: 8).

 

رابعا: الطاعة هي التحلي بأخلاق المسيح؛ كانت حياة يسوع " عِندَ دُخولِه العالَم " (عبرانيين 10: 5)، و" حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب" (فيلبي 2: 8)، طاعةً كاملة. لما اتي  يسوع أتى الى العالم قال  " لا لِأَعمَلَ بِمَشيئتي بل بِمَشيئَةِ الَّذي أَرسَلَني" (يوحنا 6: 38),  ويوم آلامه، أعطى الطاعة معناها الأسمى، " تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ، وهو الاِبن، بما عانى مِنَ الأَلَم" (عبرانيين 5: 8)، جاعلاً من موته ذبيحة للّه، ذبيحة الطاعة كما صرّح بولس الرسول : "هو الَّذي في صُورةِ الله لم يَعُدَّ مُساواتَه للهِ غَنيمَة بل تَجرَّدَ مِن ذاتِه مُتَّخِذًا صُورةَ العَبْد وصارَ على مِثالِ البَشَر وظَهَرَ في هَيئَةِ إِنْسان فَوضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب" (فيلبي 2: 1-11). فبواسطة يسوع ومن خلال الطاعة لإنجيله وكلمة كنيسته (2 تسالونيقي 3: 14، متى 10: 40)، يصل الإنسان إلى الله في الإيمان (أعمال 6: 7).

 

خامسا: الطاعة فعل انتصار النفس انتصارا أبديًا. تسمح الطاعة للإنسان بأن يجعل من حياته خدمة وأن يدخل في فرحه. يعتبر النبي ارميا أن الطاعة هي أول مطلبٍ للعهد مع الله "اِسمَعوا كَلِماتِ هذا العَهدِ وآعمَلوا بها" (ارميا 11: 6)، ودونها لن يتحقق النصر (يشوع 1: 2).

 

سادسا: الطاعة فعل خلاصي للمؤمن. وهبنا الله الحرية بطاعته كما صرّح بولس الرسول: "ستُحَرَّرُ مِن عُبودِيَّةِ الفَسادِ لِتُشاركَ أَبناءَ اللهِ في حُرِّيَّتِهم ومَجْدِهم" (رومة 8: 21)

 

سابعاً: الطاعة هداية للقريب. أطاع بولس أمر الربّ القائل له " قُمْ فادخُلِ المَدينة، فيُقالَ لَكَ ما يَجِبُ علَيكَ أَن تَفعَلِ (اعمال الرسل 9: 6)، وكانت طاعتُه سببًا لهداية أمّما كثيرة.  فالمسيحي الحقّ يقول "نعم" للرب بالقول والعمل على خطى معلمه الالهي يسوع المسيح، ابنُ الإله المتجسّد الذي كانت حياته دوماً "نعم" لإرادة أبيه السماوي بقوله وعمله.

 

الخلاصة

 

دخل يسوع الى اورشليم وأخد يعلم في الهيكل. هاجمه الخصوم من عظماء الكهنة وشيوخ الشعب بأسئلتهم عن سلطته في التعليم والعمل، فأجابهم في ثلاثة أمثال: الأول في مثل ألابْنَين (متى 21: 28 -32)، والثاني مثل الكرامين القتلة (متى 21: 33-44)، والثالث هو مثل وليمة الملك (متى 22: 1-14). وهذه الأمثال هي محاولة أخيرة لارتداد عظماء الكهنة وشيوخ الشعب من الكتبة والفريسيين.

 

في مثل ألابْنَين. أحدهم يقول ولا يفعل، والآخر لا يقول ولكنّه يفعل. إنّهما أخوين، لهما نفس الوضع، لديهم نفس الأب، غير أنّهما يتصرّفان بشكل معاكس. إنّ الإنسان حرٌّ في أن يردّ على الربّ بنعم أو بلا. لكن كلّ إنسان مسؤول عن خياراته الشخصيّة، سواء كانت إيجابيّة أم سلبيّة وسيؤدي الحساب عليها أمام الله. فإنّ المعايير الّتي نبني عليها خياراتنا هي دنيويّة لنا.  ومن هذا المنطلق، نحن ندين أنفسنا بموجب اختياراتنا. إن الاختيارات الّتي نتّخذها الآن سيكون لها أثر على مستقبلنا على هذه الأرض ومستقبلنا في الحياة الابدية.  وكل إنسان سيؤدي الحساب امام الله على حساب اختياراته وأعماله.

 

ويعلمنا هذا المثل ان الله لا ييأس ابدا من الإنسان. وهو مستعد ان يستقبله حين تظهر عنده أقل علامة من علامات التوبة. وهكذا يحفزنا هذا المثل نحن الذين نعيش في ازدواجية: اليوم نقول للرب "نعم" ثم نقول له في غدا "لا"  ان نقيِّم نفوسنا ونتخذ موقف تجاه عودتنا لله وطاعته.

 

الله صبور وينتظر ان نعود اليه بكلمة "نعم" بكل أيمان وسخاء. وإنّ كلمة نعم قصيرة جدّاً، لكنها مُلزمة. ان ملكوت الله ليس للذين يدعون البر والقداسة بل لمن يطلبونها ويعملون إرادة ابيهم السماوي الذي تؤدِّي الى السلام. فلا عجب ان البابا يوحنا الثالث والعشرون اتخذ شعاره " الطاعة والسلام".  أنَّ المسيحي الصادق لا يرفض للربّ أمراً، بل يُطيعه طاعة الابن المُحِب لأبيهِ الحبيب. ولا يستسلم إلى الرياء فيتظاهر بالطاعة من دون أن ينفِّذ إرادة الربّ، "لَيسَ مَن يَقولُ لي ((يا ربّ، يا ربّ)) يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات" (متى 7: 21).

 

دعاء

 

أيّها الآب السماوي، إنّك تدعو الجميع الى ملكوت السماوي، وأنك على استعداد دائماً لأن تُرحّب بالعشّارين والخاطئين وقبولهم فور إبداء نيّتهم في التوبة القلبيّة، ساعدنا أن نحترم مشيئتك، وإذا ابتعدنا عنها ولم نحفظ وصاياك، امنحنا نعمة الطاعة كي نعود اليك لا بالقول فقط بل التوبة والندامة ونتابع مسيرتنا في العمل في كرم الرب بكل صدق وإخلاص فنعبر من ملكوت الظلمة إلى ملكوته الأبدي. آمين.