موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩

ميلاد يسوع المسيح ودور يوسف البار

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين

يصف انجيل الاحد الرابع (متى 1: 18-24) موقف يوسف ودوره تجاه ميلاد يسوع المسيح، "عمّانوئيل"، أيّ الربّ معنا الذي يدخل شخصيّاً في حياة البشريّة، إذ انَّ السرّ الحقيقي للميلاد هو انَّ الربّ يسوع المسيح، كلمة الله صار إنسانا مع الناس ليجمع بين الله والناس ويتضامن معهم فأخذ جسدًا قابلًا للموت ليموت به عنا من أجل خلاصنا. وهكذا نزل يسوع إلينا ليرفعنا إلى علوه لِما كان من المستحيل أن نصعد نحن إليه تعالى. لذلك يُعدّ الميلاد من ركناً هامّاً من أركان الإيمان المسيحي حيث أصبح الربّ عِمَّانوئيل قريب من الإنسان ومعه. ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع نص الإنجيل وتطبيقاته. أولا: وقائع نص الإنجيلي وتحليله (متى 1: 18-24) 18 أَمَّا ميلاد يسوعَ المسيح فكانَ أنَّ مَريمَ أُمَّه، لَمَّا كانَت مَخْطوبةً لِيُوسُف، وُجِدَت قَبلَ أَن يَتَساكنا حامِلاً مِنَ الرُّوحِ القُدُس. تشير عبارة "ميلاد" في الاصل اليوناني ??????? أي تكوين يسوع المسيح. قد تكون الولادة بحسب اللحم والدم، او ولادة بالتبنِّي. وإن أمر الميلاد الشرعي، الذي أثبته نسب ( ???????)يسوع، (متى 1: 1) يشير الى ان يوسف قَبِلَ يسوع في سلالته كما جاء في الانجيل الطاهر "تَراءَى مَلاكُ الرَّبِّ لِيوسُفَ في الحُلمِ وقالَ له: قُم فَخُذِ الطِّفْلَ وأُمَّه" (متى 2: 13)؛ امَّا عبارة " مَريمَ أُمَّه " فتشير الى ميلاد يسوع من مريم. ولماذا وُلد السيّد من امرأة أو عذراء؟ فيجيب القديس اوغسطينوس " قائلًا: " لو تجنّب الميلاد منها، لظننا كما لو كان الميلاد منها ينجِّسه، ما دام جوهره لا يتدنّس فلا خوف من الميلاد من امرأة. ... انظروا، لقد وُلدتُ رجلًا، ووُلدتُ من امرأة، فأنا لا احتقر خليقتي، بل ازدري بالخطيئة التي لم أجبلها". أمَّا عبارة " َمخْطوبةً "في الأصل اليوناني ????????????? فتشير الى مثابة زواج، وليست كالخطوبة عند المسيحيين أو المسلمين، ويجب أن تمر فترة سنة على الغالب ولكن يُمكن إطالتها او تقصيرها كما تقتضي الأحوال حتى يسكنا معًا ويعرفا بعضهما؛ كانت هذه المدة تمرُّ على البنت وهي في بيت ابيها (تثنية الاشتراع 20: 7)، وكان عدم أمانتها في خلال تلك المدة يُعد زناً يوجب عليها العقاب، وإذا ابى خطيبها ان يتمّم وعده كان عليه ان يُسلمها كتاب طلاق حسب سُنَّة الطلاق بعد الزواج. وحملت العذراء بيسوع في مدة الخطوبة. أمَّا عبارة "يوسُف" اسم عبري ?????? (معناه "يزيد") فتشير الى زوج مريم العذراء (متى 1: 16)، وهو من بيت داود من بيت لحم (متى 1: 20). وقد هاجر الى الناصرة (لوقا 2: 4)، ومارس مهنة النجارة (متى 13: 55). ومن المرجَّح ان يوسف مات قبل ان يشرع يسوع في خدمته العلنية، لأننا لم نسمع الاّ عن اعمال مريم بعد ظهور يسوع للخدمة العلنية بين الناس. وشدَّد متى الإنجيلي على رسالة يوسف "أَمَّا أَصلُ يسوعَ المسيح فكانَ أنَّ مَريمَ أُمَّه، لَمَّا كانَت مَخْطوبةً لِيُوسُف، وُجِدَت قَبلَ أَن يَتَساكنا حامِلاً مِنَ الرُّوحِ القُدُس"(متى 1: 18)، ورسالته هي الوصول الى يسوع وارتباطه بمريم. إذ ان يوسف ابن داود تقبل يسوع في سلالته. ويسوع هو ابن داود، مع كونه مولوداً من عذراء، كما جاء في نبوءة أشعيا " فلِذلك يُؤتيكُمُ السَّيِّد نَفْسُه آيَةً: ها إِنَّ الصَّبِيَّةَ تَحمِلُ فتَلِدُ آبناً وتَدْعو آسمَه عِمَّانوئيل" (أشعيا 7: 14)، وهكذا دل متى الإنجيلي من خلال ولادة يسوع على انه يتجذر في سلالة داود. أمَّا عبارة "وُجِدَت قَبلَ أَن يَتَساكنا" في الأصل اليوناني ???? ? ????????? ?????? (معناها قبل ان يجتمعا) فتُشير إلى الفترة التي تسبق الزواج حيث كانت مريم على وشك أن تصير زوجة. وقبل حدوث ذلك وُجدت حُبلى من الروح القدس. لكن لا يتبع هذا العلاقة الزوجيّة الجسديّة بمريم بعد الولادة. وبقيت مريم عذراء قبل الولادة بيسوع وأثناء الولادة وبعد الولادة؛ يرجّح ان العذراء وجدت حبلى بعد رجوعها من زيارتها نحو ثلاثة أشهر لاليصابات (لوقا 1: 39)، ومعنى ذلك، ان أمرها ظهر لها وليوسف. ويحتمل انه عرف ذلك من آخرين اخبرتهم هي به. أمَّا عبارة " حامِلاً مِنَ الرُّوحِ القُدُس" في الأصل اليوناني " ?????? ?? ?????? ?????? ?? ????????? ?????. " (معناها وُجدت لها بطن من الروح القدس) فتشير الى عمل الروح القدس بها " الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً" (يوحنا: 14) ً، ولكن لم يعرفه يوسف وقتئذٍ. فالحبل بيسوع من الروح القدس دلالة على ان الطفل ليس عاديا لأنه "إنسان وإله". فهو إنسان لأنه وُلد من امرأة، واتخذ منها الطبيعة الجسدية، وعاش كإنسان وعرف اختباراتنا في الحياة وكفاحنا فيها "لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا ما عَدا الخَطِيئَة"(العبرانيين 4: 15)، واستطاع ان يعيش ويموت لخلاص كل من يؤمن به. ويسوع في الوقت نفسه إلها حقا، "الذي فيه يسكن كل ملء اللاهوت" (قولسي 2 :9) وهو كلمة الله " في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله. " (يوحنا 1 : 1) وله القوة والسلطان ان يخلصنا من الخطيئة (قولسي 2: 14). ومن هذا المنطلق، فإنه لا يمكن أن يموت يسوع عن نفسه بل عن البشرية فهو بلا خطيئة وغير وارث للخطيئة الأصلية. وبكون يسوع آدم الثاني ومخلص العالم اقتضى ان يُولد من عذراء بقوة الروح القدس "إنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَينزِلُ عَليكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ، لِذلِكَ يَكونُ الـمَولودُ قُدُّوساً وَابنَ اللهِ يُدعى"(لوقا 1: 35). وُلد يسوع من عذراء لكي يُولد بلا خطيئة، ومن مخطوبة ليكون اسمها محفوظا من النعم، وليكون لها الحماية من خطيبها، ويكون امر الزواج مكرَّماً. 19 وكان يُوسُفُ زَوجُها باراًّ، فَلَمْ يُرِدْ أَن يَشهَرَ أَمْرَها، فعزَمَ على أَن يُطلِّقَها سِرّاً. تشير عبارة "زَوجُها " في الأصل اليوناني ???? (معناه رجل) الى خطيبها بحسب اصطلاح اليهود زمن الخطوبة، لان الخطيب كان يُحسب عندهم كالزوج. فيوسف هو رجل مريم العذراء بحسب طريقة الزواج في البيئة اليهوديَّة، حيث ان الخطوة الأولى في الزواج اليهودي قائمة بمجرد موافقة الاسرتين على الارتباط؛ والخطوة الثانية تقوم بإذاعة الامر علنا ويُصبح العروسان مرتبطين برباط لا ينفصم الاَّ بالموت او الطلاق. وأمَّا الخطوة الثالثة فهي المساكنة وإتمام العلاقة الزوجيّة الجسديّة. وبما ان مريم ويوسف كانا متواعدين بالزوج فهما كانا في الخطوة الثانية من الزواج، وبالتالي كان الطلاق الشرعي وحده يفسخ الوثاق الذي يربطها؛ أمَّا عبارة " باراًّ " فتشير الى رجل عادل يعمل ما هو مستقيم الذي يحفظ الفروض والطقوس اليهودية والشريعة اليهودية بغيرة وأمانة (لوقا 2: 21-24)، فهو بار حين فعل ما أمره به ملاك الرب متقبلا مخطط الله بالرغم من عدم أدراكه له؛ أمَّا عبارة " فَلَمْ يُرِدْ أَن يَشهَرَ أَمْرَها، فعزَمَ على أَن يُطلِّقَها سِرّاً" فتشير الى الخطوبة التي هي بمثابة زواج، ولأن المخطوبة عند اليهود تُعامل كالمتزوجة، لذلك كان يحق ليوسف إجراءين جائزين بحكم الشريعة اليهودية والعُرف: إمّا ان يُشهر أمرها أي أن يحاكمها أمام الشيوخ فتُرجم حسب شريعة موسى، وهو تمام البرّ والعدل، لان الشريعة تطالبه برجمها كما ورد في الشريعة "وإِذا كانت فَتاةٌ عَذْراءُ مَخطوبةً لِرَجُلٍ، فصادَفَها رَجُل في المَدينَةِ فضاجَعَها، فأَخرِجوهُما كِلَيهِما إِلى بابِ تِلك المَدينة واَرجُموهما بالحِجارةِ حتَّى يَموتا. أَمَّا الفَتاة، فلأَنَّها لم تَصرُخْ وهي في مَدينة، وأَمَّا الرَّجُل، فلأَنَّه اَغتصَبَ امرأَةَ قَريبِه، فاَقلعَ الشَرَّ مِن وَسْطِكَ" (تثنية الاشتراع 22: 23-24)، او يطلقها سرا في الأصل اليوناني ???????? (معناها يترك او يتخلى عنها) أي ان يطلقها أمام شهود بدون علة حتى لا يشهرها، ويعطيها كتاب طلاق كما جاء في الشريعة اليهودية "إِذا اتَخَذَ رَجُلٌ اَمرَأَةً وتَزَوَّجَها، ثُمَّ لم تَنَلْ حُظْوَةً في عَينَيه، لأَمرٍ غَيرِ لائِق وجَدَه فيها، فلْيَكتبْ لَها كِتابَ طَلاقٍ وُيسَلِّمْها إِيّاه ولَصرِفْها مِن بَيته"(تثنية الاشتراع 1:24). ويُعلق القديس ايرونيموس "إن لم يتخلَ عنها يُحسب يوسف مذنبًا حسب الشريعة، فإنه ليس فقط من يرتكب الخطيئة يتحمّل وزرها، وإنما من يشاهدها ولا يتخذ موقفًا منها"؛ ولان يوسف رجل بار كن ينوي ان يتخذ الاجراء الثاني. فكر يوسف في فسخ الخطوبة دون ان يفضح الامر او ان يُلحق بخطيبته مريم أي أذى. لكت يوسف اتخذ مركز الأول الانسان (مريم) وليس الشريعة (القوانين). فالشريعة في خدمة الانسان وليس الانسان في خدمة الشريعة (مرقس 2: 27). فالبرُّ الحقيقي هو قبل كل شيء الانفتاح على مشيئة الربّ. 20 وما نَوى ذلك حتَّى تراءَى له مَلاكُ الرَّبِّ في الحُلمِ وقالَ له: ((يا يُوسُفَ ابنَ داود، لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِامرَأَتِكَ مَريمَ إِلى بَيتِكَ. فإِنَّ الَّذي كُوِّنَ فيها هوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس عبارة " وما نَوى ذلك " في الأصل اليوناني ????? ?? ????? ???????????? (معناها بينما هو يفكر بهذا الامر) تشير الى عمل يوسف لم يكن نتيجة غضب وطيش بل ناتج عن تفكير في كيفية التصرف. والله يُنير جميع الذين يحبون معرفة واجباتهم. لذلك يتوجب علينا ان نتروى قبل أن نحكم على أحد. امَّا عبارة " مَلاكُ الرَّبِّ " فتشير إلى تدخل الله نفسه (التكوين 16: 7) حيث انه ما من زوج ينتظر منه تصديق حقيقة الحمل البتولي ما لم يُعلن له الحق بكيفية هذا الامر غير الاعتيادي. ولا بُدَّ من التمييز بين ملاك الرب والملائكة. الملائكة هم كائنات حيَّة روحيَّة خلقها الله للقيام بما يريده على الأرض. وهم يحملون رسائله الى الناس (لوقا 1: 26)، ويحمون شعبه (دانيال 6: 22) ويمنحون التشجيع (التكوين 16: 7) ويقدِّمون الارشاد (خروج 14: 19)، ويُوقعون العقاب (2 صموئيل 24: 16)، ويحرسون الأرض (زكريا 1: 10) ويحاربون قوات الشر (2 ملوك 6: 16)؛ والجدير بالذكر انه ذُكر اسم الملاك الذي أرسل الى مريم وهو الملاك جبرائيل، ولم يُذكر اسم الذي ظهر ليوسف. أمَّا عبارة " الحُلمِ" فتشير الى وسيلة بها يُكلم الرب يوسف ابن داود وتكشف حضور الرب في الحياة الشخصيّة. وقد ورد ذكر الحلم في إنجيل متى خمس مرات: الحلم الّذي يُنبّه المجوس كي لا يعودوا إلى هيرودس (متّى 2، 12)؛ والحلم الّذي يُنبّه يوسف كي يهرب إلى مصر (متّى 2، 13)، والحلم الّذي يأمر يوسف بالعودة من مصر (متّى 2، 20 و22)؛ وأخيراً حلم زوجة بيلاطس (متّى 27، 19)، الّتي تُرسل إلى زوجها من يقول له بأن لا يكون له أيّة علاقة مع يسوع البارّ، لأنّها حلمت به حلماً أقلقها كثيراً. وكانت الاحلام في الشرق تعتبر وسيلة للإعلان، ولا زالت كذلك حتى يومنا هذا؛ في حين ظهر الملاك لمريم في اليقظة لانَّ تسليم ارادتها وإظهار ايمانها كان ضروريين في الأمر المُعلن لها، وظهر ليوسف في الحلم، لأنه لم يكن بحاجة إلاّ قبوله الإعلان بالإيمان. ولكن بعد ما أتى المسيح وحلَّ الروح القدس لم يبقَ حاجة الى ظهور الملائكة. أمَّا عبارة "ابنَ داود" فتشير الى الصيغة العبرية ??????????? للدلالة على سلالة داود، وان المولود هو المسيح ابن داود المنتظر وان داود هو أبو المسيح بالجسد؛ وبتسمية الملاك يوسف "ابن داود" يُذكِره بمواعيد الله لداود من جهة المسيح، ويُهيِّ قلبه لكي ينتظر إتمامها بوساطة خطيبته، ويؤكد له ان ما يأمره به لا يخالف هذا الانتظار. هذا تذكير بأن داود هو أبو المسيح بالجسد، أو أن المولود هو المسيا ابن داود المنتظر. امَّا عبارة " لا تَخَفْ" فتشير كشف الملاك ليوسف أفكاره ويُريه أن معضلته وعمله وألمه يعرفها الله ويريد أن يَحلّ العقدة التي في قلبه، لذلك يشجعه الملاك بان لا يشك، لان الله لا يأتي بشعبه الى الريب والضيق الاّ وقد اعدّ لهم بابا للفرج. فيحسن به ان لا يخاف بتبرير مريم ويتَّكل على الله الذي يُبرِّر الانسان ذو الضمير الصالح من تهمة باطلة. أمَّا عبارة " امرَأَتِكَ " فتشير الى مريم انها ليست امرأة زانية ولا امرأة عادية بل هي "امرأتك" بإرادة الله، وهو يُسمِّيها كذلك. وفي الواقع، إن الخطوبة في الطقس اليهودي التي تعطي ذات الحقوق والالتزامات الخاصة بالزواج فيما عدا العلاقة الزوجيّة الجسديّة التي تتم بعد المساكنة. هذا هو السبب لدعوة الملاك إيّاها "امرأتك"، وهو دلالة على استحقاق مريم ان تكون ليوسف وأنها لم تقترف ذنبا يحرمها تلك النسبة. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "هنا يدعو الخطيبة زوجة، كما تعوّد الكتاب أن يدعو المخطوبين أزواجًا قبل الزواج. وماذا تعني "تأتي " ??????????؟ أي تحفظها في بيتك، فهو كان ناويًا أن يخرجها. لأنه بالنيّة قد أخرجها. احفظ هذه التي أخرجتها، كما قد عُهد بها إليك من قبل الله، وليس من قبل والديها". امَّا عبارة " كُوِّنَ فيها هوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس" فتشير الى ولادة يسوع كانت بقوة الله. فقد صار ابن الله ابنَ الانسان حقيقة، لكنه لم يشترك في الطبيعة الفاسدة التي تعمِّ الجنس البشري. وهكذا صار حمل الله المنزّه عن كل عيب ذبيحة لائقة بان تتقدَّم عن خطايا الناس. لقد ردّ ترتليانوس على هرطوقيّاً كان يرتعش من فكرة إله يُحبل به وسط الأوجاع، ويُغسل ويُقمّط باللفائف بقوله: "لم يكتف السيّد المسيح بأن يُحبّ العالم، بل إنّه مع الإنسان أحبّ أيضاً أسلوبه في المجيء إلى العالم". 21 وستَلِدُ ابناً فسَمِّهِ يسوع، لأَنَّه هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم تشير عبارة "ستَلِدُ" الى يسوع الذي سيُولِدَ من امرأة، فهو لا يحتقر جنس البشر بل يكره الخطيئة؛ أمَّا عبارة "يسوع" في الأصل اليوناني " ?????? مشتقة من اللفظ العبري يشوع ????????? (ومعناه "الرب يخلص") فتشير الى المخلص "لأَنَّه هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم" ( متى 1: 21) وهذ ما أعلنه بطرس هامة الرسل " لا خَلاصَ بأَحَدٍ غَيرِه، لأَنَّه ما مِنِ اسمٍ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ أُطلِقَ على أَحَدِ النَّاسِ نَنالُ بِه الخَلاص" (اعمال الرسل 4: 12)؛ وأمَّا اليهود فقد فهموا الخلاص بطريقة غير صحيحة، لان الخلاص بحسب مفهومهم هو التحرر من الرومان أو من أي مصائب وقتية، وما زال البعض حتى الآن يفهمونها هكذا. وكان هذا هو الفهم الخاطئ لتلميذي عمواس "كُنَّا نَحنُ نَرجو أَنَّه هو الَّذي سيَفتَدي إِسرائيل" (لوقا 21:24)؛ أمَّا عبارة "فسَمِّهِ يسوع" فتشير الى إعطاء الملاك ليوسف البار كرامة أن يمارس الأبوة الشرعيّة، مع أن يسوع ليس من زرعه لأنّ الاسم كان يعطى من قبل الأب. فأعطاه حق تسُمّيته، وبالتالي عليه أن يكون أباه؛ يوسف مدعو من الله أن يدخل في التاريخ وأن يتسلّم هذه الأبوة؛ او قد تشير الى كشف الملاك ان ليوسف دوراً رئيسيا يقوم به، بالرغم من حَبل مريم بقوة الروح القدس، وهو ان يُسمي هذا الولد باسمه فيكون الطفل بذلك من ذرية داود. أمَّا يسوع، كابن الله، فهو علامة حضور الله الخلاصي؛ والجدير بالذكر انه في العهد القديم لُقب المسيح بالقاب كثيرة ولكنه لم يُلقب بيسوع الا من الملاك جبرائيل عندما بشّر أمّه به قبلما حبلت به (لوقا 1: 31) أمَّا عبارة " يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم " فتشير الى دور يسوع الذي يستطيع أن يخلص القلب من محبة الخطيئة وسلطان الخطيئة وقوتها، وهو يخلصنا من عقوبة الخطيئة ويصالحنا مع الله الآب. ان بيان الخلاص أساسي في مستهل العهد الجديد. فما دام الانسان تحت سلطة الخطيئة لا يمكن ان يكون من شعب المسيح. امَّا عبارة " شَعبَه " فتشير الى اليهود أولا كما جاء في تعليم بطرس الرسول " أَمَّا أَنتم فإِنَّكم ذُرِّيَّةٌ مُختارة وجَماعةُ المَلِكِ الكَهَنوتِيَّة وأُمَّةٌ مُقَدَّسَة وشَعْبٌ اقتَناه اللهُ للإِشادةِ بِآياتِ الَّذي دَعاكم مِنَ الظُّلُماتِ إِلى نُورِه العَجيب "(1 بطرس 2: 9)، وبعد ذلك جميع الذين يؤمنون من كلأمَّة " فقَد أَوصانا الرَّبُّ قال: ((جَعَلتُكَ نورًا لِلأُمَم لِتَحمِلَ الخَلاصَ إِلى أَقْصى الأَرض)) (اعمال الرسل 13: 47). ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم" شعبه ليس هم اليهود وحدهم، وإنما يشمل كل من يقتربون إليه، ويتقبّلون المعرفة الصادرة عنه". 22 وكانَ هذا كُلُّه لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ النَّبِيّ تشيرعبارة "يَتِمَّ " الى تحقيق النبوءة بكمالها (متى 5: 17)، حيث ان أقوال العهد القديم تتحقق في العهد الجديد، وتكرَّرت هذه العبارة " لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبُّ" نحو 20 مرة في انجيل متى. وهكذا ارتبط العهدان؛ وبما أن العهد القديم هو كلام الله ومشيئته، فذلك يعني ان مشيئة الله بدأت تَتِم في يسوع منذ حُبِلَ به؛ وأمَّا عبارة " ما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ النَّبِيّ " فتشير إلى الرب الذي هو مصدر النبوءة، والنبي الذي هو الناطق بلسان الله. وهذا هو اول استشهاد لمتى الانجيلي للدلالة على تحقيق نبوءات حول أحداث يسوع الكبرى (متى 1: 22، 2: 15، 4: 14، 8: 17، 13: 35، 21: 3، 27: 9). 23 ها إِنَّ العَذراءَ تَحْمِلُ فتَلِدُ ابناً يُسمُّونَه عِمَّانوئيل)) أَيِ ((اللهُ معَنا. تشير عبارة "العَذراءَ" ???????? وفي العبرية ?? ?? ?? ?? ? الى فتاة عذراء قد تكون مخطوبة لكنها غير متزوجة، وجاءت هذه الصفة مطابقة على القدّيسة مريم تمامًا. اما عبارة "ها إِنَّ العَذراءَ تَحْمِلُ فتَلِدُ ابناً" فتشير الى نبوءة أشعيا (أشعيا 7: 37)، وقد اوحي بها نحو سنة 740 ق. م. وهي أول نبوة من سلسلة نبوات أتى بها متى البشير ليثبت أن في المسيح تتحقق النبوات وأنه هو المسيا المنتظر. وأمَّا عبارة " عِمَّانوئيل" فتشير الى نص أشعيا ???????? ??? أي الله معنا (أشعيا 7: 14) وهو ينسب طبيعة المسيح، لأنه في شخص المسيح الله في شعبه يحميهم ويهديهم ويسوسهم. وقد تنبأ أشعيا بمولد عِمَّانوئيل، أي المسيح المنتظر قبل مولده بسبعة قرون وكانت تنبؤاته رمزا للمسيح " وكانَ هذا كُلُّه لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ النَّبِيّ "(متى 1: 22). هذه أول نبوءة من سلسلة نبوات أتى بها متى البشير ليُثبت أن يسوع هو المسيح المنتظر. وقد وردت مقتبسات من العهد القديم في انجيل متى نحو 47 مرة بشكل صريح، هذا عدا التلميحات. وكانت نبوءة أشعيا عن ملك جديد يخلف الملك آحاز، فصار كلاما عن الحبل البتولي ومجيء يسوع عِمَّانوئيل؛ أمَّا عبارة "اللهُ معَنا " فتشير الى الترجمة السبعينية لأشيعا حيث ترجمة من العبرية ???????? ??? عِمَّانوئيل. ويكشف هذا البيان ان يسوع هو الله، وان المسيح هو الرب المتجسد كما جاء في مقدمة انجيل يوحنا "الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا (يوحنا 1: 1). ونحن بحاجة الى مُخلص يكون إلها كاملا وإنسانا كاملا، ولا نجد ذلك الا في شخص يسوع المسح الذي هو " عِمَّانوئيل)) أَيِ ((اللهُ معَنا." 24 فلمَّا قامَ يُوسُفُ مِنَ النَّوم، فَعلَ كَما أَمرَه مَلاكُ الرَّبِّ فأَتى بِامرَأَتِه إِلى بَيتِه تشير عبارة "فَعلَ كَما أَمرَه مَلاكُ الرَّبِّ" الى تجاوب يوسف مع الله بحيث إنه غيّر خِطَطه الشخصية، وأطاع الله وتمَّم إجراءات الزواج. أمَّا عبارة " فأَتى بِامرَأَتِه إِلى بَيتِه " فتشير الى حفظ يوسف مريم في بيته ولم يتخلّى عنها، لأنه كان ناويًا أن يخرجها ـ بل اختار ان يتزوجها كما اراد الله، وان يترك الاختيارين الآخرين وهما الطلاق من مريم او تسليمها للرجم. إن حلم يوسف ثبَّت بشارة الملاك لمريم وجعله يتيقَّن عفَّتها فذهب شكَّه في ان يأخذها الى بيته ويقيم احتفال العرس مقدِّما لها العناية والحماية الواجبة حفظا لصيتها. ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (متى 1: 18-24) بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي وتحليله (متى 1: 18-24)، نستنتج انه يتمحور حول دور يوسف في ميلاد يسوع، إذ بفضله يُصبح يسوع من سلالة داود وبالتالي يتحقق الوعد لمريم "وَيُوليه الرَّبُّ الإِلهُ عَرشَ أَبيه داود" (لوقا 1: 32). وعليه فالنص الإنجيلي يكشف أربع حقائق دينية وهي: الحقيقة الاولى: انتماء يسوع الى سلالة داود إن علاقة يوسف بالطفل هي ان يؤمِّن يوسف للطفل ابوَّة شرعية وبالتالي يؤمِّن له سلالة داود. فكلمة ميلاد ??????? يسوعَ المسيح الواردة في انجيل متى (1: 18)، هي اللفظة نفسها التي استخدمت للدلالة على نسب يسوع المسيح ???????, في بدء انجيل متى(متى 1: 1). وهذا النسب هو نسب يسوع بدءا من إبراهيم ومرورا بداود ووصولا الى يوسف. وبما ان يسوع ليس ابن يوسف بحسب الجسد، فالمطلوب من يوسف ان يعترف به شرعيا ويتخذه ابنا له بالتبنِّي. وبهذا الاعتراف يُصبح انتماء يسوع الى نسل داود بالرغم من الحَبل البتولي. وهكذا يفي الله بوعده كما جاء في كتاب المزامير "مِن ثَمَرَةِ بَطنِكَ أجلِسُ على العَرْشِ الَّذي لَكَ " (مزمور 132: 11). وبهذا الامر دخل يسوع في التاريخ. وأدمجنا في علاقة بنويّة مع الآب، ويعلق القديس ساويروس الانطاكي "هذا الذي كان قبل الدهور مساويًا في الأزليّة للآب ذاته، هو نفسه الذي حُسب في الأنساب حسب الجسد، لأنه إذ هو إله في الحقيقة، صار هو ذاته في آخر الأزمة إنسانًا بدون تغيير، وقد أظهره متّى مشتركًا في طبيعتنا حتى لا يقول أحد أنه ظهر كخيالٍ أو وهمِ"، كما كان يدَّعي مذهب الغنُّوصية. وأمَّا القديس يوحنا الذهبي الفم فيشرح لماذا سمح يسوع لنفسه ان يُدعى ابن داود قائلا: "ذلك ليجعلك ابن الله! سمح لعبد أن يصير له أبًا، حتى يكون لك، أيها العبد، الرب أبًا لك...! وُلد حسب الجسد لتُولد أنت حسب الروح! وُلد من امرأة لكي تكف عن أن تكون ابنًا لامرأة". الحقيقية الثانية: حَبل مريم بيسوع من الروح القدس أكدّ الكتاب المقدّس أن الحبل بيسوع في أحشاء القدّيسة مريم تحقّق بالروح القدس، الذي هيّأها وقدّسها ليحلَّ كلمة الله فيها، ابن الله الوحيد. ويُبيِّن انجيل متى ان حبل مريم بيسوع من الروح القدس إنه ليس من زرع بشر هو حدث قد تمّ " لَمَّا كانَت مَخْطوبةً لِيُوسُف، وُجِدَت قَبلَ أَن يَتَساكنا حامِلاً مِنَ الرُّوحِ القُدُس" (متى 1: 18). وتكرَّرت هذه العبارة مرتين مما يؤكد ما جاء في انجيل لوقا بشأن حبل مريم بقدرة الروح "إِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَينزِلُ عَليكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ، لِذلِكَ يَكونُ الـمَولودُ قُدُّوساً وَابنَ اللهِ يُدعى" (لوقا 1: 35). ويوكّد انجيل لوقا أن مريم حَبلت بيسوع حَبلا بتوليا من الروح القدس (لوقا 1: 31). كـان لا بدَّ أن يكون ميلاد المسيح من عـذراء حيـثُ سـبقَ وأن وعـد الله آدم وحـواء قائلاَ " وأَجعَلُ عَداوةً بَينَكِ وبَينَ المَرأَة وبَينَ نَسْلِكِ ونَسْلِها فهُوَ يَسحَق رأسَكِ وأَنتِ تُصيبينَ عَقِبَه "(التكوين 3: 15)، والسبب يعـود إلى حقيقـة أساسيـة ، وهي توارث الخطيـئـة الاصليـة من آدم ، ولمـا وجـبَ أن يكون الفادي المخلص بـدون خطيئـة " من ولادتِـهِ إلى موتِـهِ" حتى يستطيع أن يُـكمـل فـداء الجنس البشري وجـب ولادتـهُ من امرأة عـذراء أولاَ ومن دون تـدخـل الرجـل، وثـانيـاَ أن يكون إلهـاَ متجسـداَ وإلا لمـا استطاع فـداء الجنس البشري بكامله وليهـبها حـق المشـاركـة في حيـاتـهِ الابـديـة ذاتـهـا. ويعتبر الحبل البتولي إحدى معطيات تقليد عائلة مريم ويوسف ثم الرسل. الحبل البتولي هو موضوع بشارة الملاك ليوسف، ذلك لأنه كان يعاني من اضطراب نفسي في موقفه تجاه مريم خطيبته. فأتى الله يسأله ان يهب لهذا الطفل "كيانه الاجتماعي" وذلك بإطلاق اسم له فيدخله في سلالته " يا يُوسُفَ ابنَ داود، لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِامرَأَتِكَ مَريمَ إِلى بَيتِكَ. فإِنَّ الَّذي كُوِّنَ فيها هوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وستَلِدُ ابناً فسَمِّهِ يسوع" (متى 1: 20-21). وربما من الصعب على الانسان قبول ما جاء في تعليم بولس الرسول "فلَمَّا تَمَّ الزَّمان، أَرسَلَ اللهُ ابنَه مَولودًا لامرَأَةٍ " (غلاطية 4: 4). ومفاده أن الربّ يُحبل به ويُولد من امرأة. فقد ردّ العلاّمة ترتليانوس على إنسان كان يرتعش من فكرة إله يُحبل به وسط الأوجاع، ويُغسل ويُقمّط باللفائف فقال "لم يكتف السيّد المسيح بأن يُحبّ العالم، بل إنّه مع الإنسان أحبّ أيضاً أسلوبه في المجيء إلى العالم". أن الحبل به في أحشاء القدّيسة مريم تحقّق بالروح القدس، الذي هيّأها وقدّسها ليحل كلمة الله، ابن الله الوحيد فيها. إنه ليس من زرع بشر، إذ تحقّق الحبَل وهي مخطوبة للقدّيس يوسف. الحقيقة الثالثة: اسم يسوع -عِمَّانوئيل: اعطى الله ابنه الوحيد يسوع للعالم كما جاء في انجيل يوحنا " فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة "(يوحنا 3: 16)، وقد انبا أشعيا باسم هذا الطفل " عِمَّانوئيل" ومعناه "الله معنا" (أشعيا 7: 14) وخلاص الشعب يقوم عليه (مزمور 46: 8). ولان الرب يسوع هو الله وقد ظهر في الجسد، لذلك فإن الله معنا لكي يجد الناس في عِمَّانوئيل الشركة مع الله. فان الله تجلي في هذا الطفل يسوع فأصبح " عِمَّانوئيل" أي الله معنا (متى 1: 23)، وفيه انجز الوعد الذي وعد به يشوع بن نون، وهو ان يكون معه وان يعلن ذاته بصفته "الرب " المخلص (تثنية الاشتراع 31: 7-8). "الله معنا"، " عِمَّانوئيل"، الربّ الّذي جعل نفسه واحداً منّا، كي يكون معنا دائما ويصير أخاً من بين أخوة كثيرين (رومة 8: 29)، ويعيش في وسطنا دائماً ليرفع طبيعتنا البشريّة ويُخلصُنا. وأنبأ الملاك باسم "عِمَّانوئيل": فسمّاه يوسف "يسوع" أي الله يُخلص (متى 1: 21). والاسم في الكتاب المقدس يُعبّر عن معنى الرسالة الموكلة الى الشخص. واسم يسوع، وبالعبرية يشوع ????????? ومعناه "الرب يُخلص" هو المعنى الحقيقي لرسالة يسوع كما فسّره متى الإنجيلي " لأَنَّه هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم" (متى 1: 21)، لان الانسان لا يستطيع ان يخلّص نفسه بنفسه من نتائج الخطيئة. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "شعبه ليس هم اليهود وحدهم، وإنما يشمل كل من يقتربون إليه، ويتقبّلون المعرفة الصادرة عنه". والخلاص بهذا المعنى لا يقوم به إلا الله وحده. كما اكّد ذلك بعض الكتبة "فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه " (مرقس 2: 7). وهكذا تبيَّن ليوسف ان الطفل الذي كُلف بان يؤمّن له البنوة من سلالة داود إنما هو الله المخلص. ولم يضف الى اسمه لتعيينه اسم والده وأجداده، كما هو الحال في افراد الاسر الشهيرة (سيراخ 51: 30)، وانما اضيف الى اسمه اسم موطنه الصغير الناصرة، "يسوع الناصري" (يوحنا 19: 19). واهتم متى الإنجيلي كيفية توضيح نبوءات العهد القديم في احداث حياة يسوع، بقوله "كانَ هذا كُلُّه لِيَتِمَّ ما قالَ الرَّبُّ على لِسانِ النَّبِيّ" (متى 1: 22). فاستشهد بنبوءة أشعيا عن حبل العذراء. "ها إِنَّ العَذراءَ تَحْمِلُ فتَلِدُ ابناً يُسمُّونَه عِمَّانوئيل أَيِ اللهُ معَنا" (متى 1: 23، أشعيا 7: 14). ومن الاسمين معًا: "ِعمَّانوئيل" و"يسوع" نفهم أن المسيح هو الرب المتجسد. والرغم من ان التفسير التاريخي لهذه الآية يشير الى مولد حزقيا ابن آحاز من عذراء ???????? وقد تترجم أيضا بكلمة صبية، والغرض الأساسي من هذه النبوءة هي إعلان ولادة نسل لداود، وهو ان يسوع سيكون من نسل داود. ونبوءة أشعيا تصرِّح بان العذراء تعطي الطفل اسم عِمَّانوئيل (أشعيا 7: 4 1) الذي يشير الى طبيعة يسوع الإلهية كما أعلن يوحنا الإنجيلي “الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ" (يوحنا 1: 14)، إنه " عِمَّانوئيل" (متى 1: 23، ولن يستطيع هذه الاله المخلص ان يكون الله معنا على وجه حقيقي إلا بعد مروره بالموت والقيامة "هكذا ابنُ الإِنسانِ لم يأتِ لِيُخدَم، بَل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفسِه جَماعَةَ النَّاس " (متى 20: 28)، " وَلَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية " (لوقا 1: 33)؛ ومع ذلك فإن حضوره لا بد أن ينتهي، فينبغي أن يغادر خاصته (يوحنا 13: 23)، إذ ينبغي له أن يُعدَّ لهم المنازل العديدة التي في بيت الآب السماوي " في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقاماً أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون " (يوحنا 14: 2-3). الحقيقة الرابعة: علاقة يوسف بمريم وبيسوع ا) علاقة يوسف بمريم: إن يوسف خطيب مريم العذراء كما جاء في انجيل متى " لَمَّا كانَت مَخْطوبةً لِيُوسُف" (متى 1: 18) وقد سبق وقاله لوقا "عَذْراءَ مَخْطوبَةٍ لِرَجُلٍ مِن بَيتِ داودَ اسمُهُ يوسُف، وَاسمُ العَذْراءِ مَريَم." (لوقا 1: 27). وكخطيب مريم، لم يتخذ يوسف موقف التشهير بها "فَلَمْ يُرِدْ أَن يَشهَرَ أَمْرَها، (متى 1: 19) وإن كان ذلك ممكنا بتطبيق الشريعة التي تسمح بفسخ الخطوبة رسميا في حال خيانة الخطيبة. لكنه "عزَمَ على أَن يُطلِّقَها سِرّاً"(متى 1: 19)، فيعيد اليها حريتها الكاملة لتسلك الطريق المحفوفة بالأسرار التي ادخلها الله. مرّ يوسف في أزمة لتقبّل ما يطلبه الله منه لأنه امام حقيقة جديدة وجذريَّة تفوق توقعاته، والرب يحقّقها بطريقة لا تخطر على باله. تصرّف يوسف بهذا الإجراء لأنه " كان بارا" (متى 1: 19). وهذا البر الذي يتكلم عنه متى الانجيلي لا يقوم على المطابقة القانونية للشريعة ولا على الإنصاف تجاه مريم، بل على ما تعنيه هذه اللفظة في الكتاب المقدس ألا وهي المطابقة للقصد الإلهي ومشيئته الربَّانية. وهذه اللفظة عزيزة على متى الإنجيلي وتتكرَّر أكثر من 20 مرة في انجيليه، وهو يستعملها بخصوص هابيل البار (متى 23: 35)، أي ذلك الرجل المؤمن الامين لله الذي يتنظر تدخل الله في حياته وحياة شعبه. وبناء على وحي ملاك الرب له "فَعلَ كَما أَمرَه مَلاكُ الرَّبِّ فأَتى بِامرَأَتِه إِلى بَيتِه" (متى 1: 24). إذ كشف الملاك ليوسف السرّ الذي ملأ مريم والعظائم التي صنعها فيها روح الله. وبذلك تتغير نظرة يوسف. إن الحقيقة نفسها، التي جعلته يرفض مريم في السر، تدعوه الآن للترحيب بها وأخذها معه. والأمر الذي أبعده في السابق عنها يقرِّبه الآن منها في وحدة أعمق. وبما أنه رجل بار، اختار أن يضع ثقته بالله أكثر من نفسه ومن أفكاره ومخاوفه. وعليه، حالما استيقظ، أمتثل يوسف لما سمعه، وتمَّ عمل الله. وُيعلق القديس ايرونيموس على ضرورة استمرارية خطوبة يوسف البار مع مريم العذراء بقوله "أولًا: لكي يُنسب يسوع للقدّيس يوسف قريب القدّيسة مريم، فيظهر أنه المسيّح الموعود به من نسل داود من سبط يهوذا. ثانيًا: لكيلا تُرجم القدّيسة مريم طبقًا للشريعة الموسويّة كزانية، فقد سلّمها الرب للقدّيس البار الذي عرف برّ خطيبته، وأكّد له الملاك سرّ حبلها بالمسيّح المخلّص. ثالثًا: لكي تجد القدّيسة مريم من يشاركها في تربية يسوع ورعايته خاصة أثناء هروبه إلى أرض مصر". ب) علاقة يوسف بيسوع أطلع ملاك الرب يوسف على دوره بيسوع، وهو انتماء يسوع الى داود، وذلك باتخاذ مريم امرأة له، كما قال له الملاك "لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِامرَأَتِكَ مَريمَ إِلى بَيتِكَ" (متى 1: 20). وعمل يوسف بإرادة الله واتخذ من مريم زوجة له "أَتى بِامرَأَتِه إِلى بَيتِه" (متى 1: 24). ومن هذا المنطلق، أصبح يسوع ابن مريم ابنا ليوسف. وهكذا أعطى يوسف ليسوع سلالة شرعيّة. فيوسف "أبو" يسوع كما جاء في انجيل لوقا " وكانَ أَبَواهُ يَذهَبانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلى أُورَشَليمَ في عيدِ الفِصْح"(لوقا 2: 41)، وكما يؤكده مريم العذراء قائلة ليسوع " يا بُنَيَّ، لِمَ صَنَعتَ بِنا ذلك؟ فأَنا وأَبوكَ نَبحَثُ عَنكَ مُتَلَهِّفَيْن" "(لوقا 2: 48). ومما يُثير التساؤل " كيف يكون يسوع ابن يوسف وبالتالي ابن داود بالرغم من الحبل البتولي؟ يوسف من نسل داود فحين ينسب له المسيح يكون يسوع ابن داود، اذ اعترف يوسف شرعا بان يسوع هو ابنه. إذ في يوسف وعن طريق تبنّيه ليسوع، يصبح ابن مريم ابن داود الحقيقيّ. به يتمّم الربّ وعده بأن يعطي لداود سليل الملكوت الأبديّ. وهكذا يعقد يسوع علاقة بنوية مع يوسف. فهو من الآن "ابن يوسف" (متى 4: 22). فقد عرّف فيلبس لنثتائيل عن هوية يسوع قال "يسوعُ ابنُ يوسُفَ مِنَ النَّاصِرَة" (يوحنا 1: 45). وكيف أصبح يسوع ابن داود؟ تبنّى يوسف يسوع من خلال عملين: الأول “فأَتى يوسف بِامرَأَتِه إِلى بَيتِه" (متى 1: 24) وجعل منها زوجة بحسب العرف اليهودي، واعترف بالتالي شرعا بأبوة الطفل المزمع ان يُولد. وأمَّا العمل الثاني فان يوسف أطلق اسم على الطفل المولود حسب كلام الملاك "وستَلِدُ ابناً فسَمِّهِ يسوع (متى 1: 21). وإطلاق الاسم يُظهر بوضوح عن السلطة الابوية وانه أبوه الشرعيّ، لأنّ الاسم كان يعطى من قبل الأب. وان تحديد اسم الولد في انجيل لوقا مرتبط بالختان "لـمَّا حانَ يَومُ طُهورِهما بِحَسَبِ شَريعَةِ موسى، صَعِدا بِه إِلى أُورَشَليم لِيُقَدِّماه لِلرَّبّ" (لوقا 2: 22)، والختان هو الفعل الرسمي الذي يُدخل به أبو العائلة ابنه بعد ثمانية أيام من ولادته في عهد إسرائيل. فكان على يوسف أن يعطي يسوع سلالة شرعيّة. ولذلك فان يسوع بفضل تبنّي يوسف له أصبح ابن مريم ابن داود الحقيقيّ. به يتمّم الربّ وعده بأن يعطي لداود سليل الملكوت الأبديّ. ويصبح داود أبٌ بالتبنّي، وليس بالولادة البشريّة، بحسب الجسد. ويعطينا انجيل متى اثباتا تاريخيا بان يوسف تبنَّى يسوع على الرغم من الحبل البتولي مما يدل على ان يسوع هو ابن الله ومن نسل داود معا. هذه الاحداث تلقاها متى الانجيلي من عائلة يسوع مستخدما نصوص العهد القديم لتأكيد الاحداث. لقد تمَّم يوسف رسالته في الأمانة للروح القدس، وهذا الروح أيّد إيمان يوسف وعمله. الخلاصة يساعدنا اختيار يوسف لمهمّة الأب المعلن ليسوع والحامي لبتوليّة مريم أن نفهم كيف لا بدّ أن مريم نفسها كانت فاضلة، وغنيّة بالنعمة. ويدعوه الكتاب المقدّس "البارّ" ويشمل هذا اللقب كلّ الفضائل مجتمعة. البار بالإيمان يحيا، ولهذا نرى في يوسف، في المقام الأوّل، إيمانه الحيّ. يؤمن بألوهيّة الطفل الّذي يظهر على الأرض فقيراً وبائساً. ويؤمن برغم الاتضاع الّذي يحيطه، ويمنحه هذا الإيمان، كمكافأة، كشف أسرار العليّ، الّتي ترسل إليه من خلال الملاك حول بأمومة مريم. قد آمن بهذه الكلمة: "إِنَّ الَّذي كُوِّنَ فيها هوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس" (لوقا 1: 2)، فلم يخف أن "أَتى بِامرَأَتِه إِلى بَيتِه" (لوقا 1: 24). وما هو أكثر من هذا، كان عليه أن يؤمن بما لا يمكن تصوّره من ناحية بشريّة: أمومة عذراء، وتجسّد ابن الربّ. وشرعية يسوع كابن داود. وبفضل إيمانه وطاعته استحقّ يوسف بأن تتمّ هذه الأسرار العظيمة تحت سقف بيته. فهو " الوَكيلَ الأَمينَ العاقِلَ الَّذي يُقيمُه سَيِّدُه على عائلته" (لوقا 12، 42)، فكان يقظاً كليّاً للربّ، مستعداً دائماً إلى إيماءاته، منحنياً لخدمته. يكشف مثل هذا التكريس عن محبّة كاملة أذ أحبّ يوسف الربّ بكلّ بِكُلِّ قلبِهَ وكُلِّ نَفْسِهَ وكُلِّ ذِهِنهَ وكُلِّ قُوَّتِه. لنستعدَّ لميلاد الرب بشجاعة الإيمان، ولنقدم له قلوبنا، بالاتحاد الروحي مع مريم العذراء والقديس يوسف. وبعونهما وعلى مثالهما، دعونا نخضع لعمل الروح القدس، لكي يقدسنا إله السلام كلياً، ونصبح علامة وأداة رجاء لجميع البشر. دعاء امنحنا، أيّها الربّ الإله، فضيلة صمت يوسف وشجاعته وإيمانه ورجائه كي نعرف حقيقة سرّ يسوع المسيح المتجسد بيننا، ونعيش في اتّحاد وثيق معه، ونواجه الظروف الصعبة والشدائد ببأس، مستندين على كلمة الربّ ومواعده. آمين.