موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٤ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٣

ميلاد الرب ميلاد الخير

بقلم :
بسام دعيبس - الأردن

بميلادك المجيد يا طفل المغارة، يتجدد وجه الارض، ونتجدد نحن والخليقة كلها، وتسمو نفوسنا الى الاعالي لنلتقي بك ايها الطفل القادم من لدن ابيك السماوي، لندخل معك في علاقة حميمة، لا نخزى ولا يشمتن بنا الاعداء، ولتنعم علينا بالخيرات والبركات، ولتجود علينا الارض بالثمار الوافرة، فحبك يا طفل المغارة وايمانك بنا نحن البشر، اكبر بكثير من حبنا وايماننا بك، انه الحب الوحيد الذي لا يفتر ولا ينضب ابد الدهر، فعلمنا حبك. بميلادك المجيد، تحققت نبؤات الملوك والكهنة والانبياء، تحققت نبؤة اشعيا النبي القائل ولد من يحصي الشعوب ولد ابن الله وابن مريم، لانه ولد من الاب قبل كل الدهور، وولد من العذراء بالجسد، وصار كواحد منا ما عدا الخطيئة، ولد بكر الاب وبكر مريم وصار أباً لكثيرين بالنعمة. بميلادك المجيد، يتجسد الرب باسم عجيب، ويتراءى طفل نبت مثل فرع في ارض عطشى، وما كان خفيا صار جليا، وبميلادك يسطع نجم لامع، ويتجلى نور ملوكي، ويخرج راع من افراته مدينة الملوك كما تنبأ ميخا، وعصاه تقود النفوس، ويطلع كوكب خارج من يعقوب، ويقوم رئيس في اسرائيل، وتتفسر يذلك نبؤة بلعام وحكم سليمان. بميلادك يا رب، وكما قال اشعيا النبي، بشرتنا نحن المساكين ومنكسري القلوب، واعتقتنا من سباتنا العميق ، واخليتنا من أسر ظلامنا، ومنحتنا التاج بدل الرماد، ودهنتنا بالسرور بدل البكاء، وحلة التسبيح بدل الاكتئاب، فسررنا بك سرورا عظيما، وابتهجت بك نفوسنا، حيث البستنا ثياب الخلاص، وشمتلنا برداء البر، فاهلا بك في قلوبنا يا رب، ونعاهدك على السير معك في دروب العزة والمجد. بميلادك يا رب ، نسجد امامك كما سجد لك الرعاة والمجوس، ملتمسين رحمتك ونعمتك ، سائلين بعين العطف والرجاء، ان تنزع من قلوبنا كل ريبة وسخط وخصام وكبرياء، وان تجعلنا نعيش حياة مسيحية تؤهلنا للتمتع بنعمتك، وان تغفر لنا خطايانا من اجل اسمك القدوس، وان تعاملنا بحسب صلاحك، فنحن نفوض امرنا الى رحمتك، ونستسلم بين يديك المباركتين، فاستجب لنا بعطفك وارحمنا يا رب. بميلاد ك يا رب ، سبحتك امك مريم العذراء تسبحتها المشهورة، كما سبحتك القديسة اليصابات وزكريا وسمعان الشيخ وحنة النبية، والملائكة الذين ظهروا للرعاة سبحوك قائلين المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وفي الناس المسرة، كما قيل ان الرعاة عادوا وهم يمجدونك ويسبحون الله على كل ما شاهدوه وسمعوه، ونحن بدورنا نسجد لك يا طفل المغارة ونسبحك ونشكر اسمك القدوس الى الابد. بميلادك يا رب، انهالت عليك الاوصاف والالقاب عن جدارة واستحقاق ، فالقديس متى وصفك بانك المخلص وملك اليهود والقدوس وابن الله والمدبر الذي يرعى شعب اسرائيل ، كما دعاك ناصريا وابن داؤد بن ابراهيم ، والقديس لوقا قال عنك ، تملك على بيت يعقوب ، ولا يكون لملكك نهاية، كما ناداك المسيح الرب، وقال عنك انك عظيم ، وابن العلي تدعى، والقديس مرقس قال عنك انك ابن الله، ونحن ماذا نقول عنك يا طفل المغارة؟ انت كل هذه الالقاب والاوصاف، انت الرب والاله ، انت حبيبنا وقائدنا، انت الراعي الصالح ونحن خرافك، انت حياتنا ورمزنا وعنواننا والمولود في قلوبنا. بميلادك يا رب، أعلن القديس بولس، بشارة الله في شأن ابنه الذي ولد من نسل داؤد، بحسب الطبيعة البشرية، وأنه من أجل أن يوطد الله السلام والشركة معه، والتوافق الاخوي بين البشر وهم الخطأة، قرر ان يدخل دخولا جديدا ونهائيا في تاريخ البشرية، فأرسل ابنه في الجسد البشري لكي ينجي به البشر من سلطان الظلمات ( قولوسي 13:1 )، ويصالح به العالم (2 قورنتوس 19:5 )، ويجعلنا ايضا ورثة يجدد به كل شيء. افسس 10:1. فهو يعلمنا أنه حين كنا قاصرين كنا في حكم اركان العالم عبيدا ، ولما تم ملء الزمان ارسل الله ابنه مولودا لامراة، مولودا في حكم الشريعة ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة فنحظى بالتبني (غلاطية 4: 5 ) وهذا كله بفضل الروح، روح الاب والابن الذي لا تجديد بدونه، والدليل على كونكم ابناء الله ارسل روح ابنه الى قلوبنا، الروح الذي ينادي : يا أبت فلست بعد عبدا بل ابن، واذا كنت ابنا فانت وارث بفضل الله (غلاطية 5 : 4)، فالمسيح يسوع أرسله الله الى العالم وسيطا حقيقيا بينه وبين البشر، وبما انه الله، فيه يحل جميع كمال الألوهية حلولا جسديا (قولسي 9:2 )، وهو في طبيعته أدم الجديد، وهكذا جاء ابن الله عن طريق التجسد الحقيقي حتى يشركنا نحن البشر في الطبيعة الالهية. وهذا ما يميز المسيحية في العمق من حيث محبة الله وايمانه بالانسان. ويصل القديس بولس الى ذروة التعليم عن التجسد حين يقول: "ان المسيح في صورة الله لم يعد مساواته لله غنيمة بل تجرد من ذاته متخذا صورة العبد وصار على مثال البشر، وظهر في هيئة انسان فوضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب" (فيلبي 12 :6-8). ان قيمة الجسد وكرامته تكمن في سري التجسد والفداء فعمل يسوع الخلاصي ما كان للجسد وحده او للروح وحدها انما للاثنين معا ، فقيمة الجسد تنبع من ان يسوع اتخذ بالفعل جسدا بشريا كما ورد في غلاطية 1 :22 فصار لعنه لاجلنا واخضعه الله لسلطان الموت مرة واحدة ونهائية، محولا بذلك لعنة الشريعة الى بركة. وأخيرا فان القديس بولس يطالبنا كبشر مشابهين لصورة الابن، الذي هو البكر بين اخوة كثيرين، ان نشهد لتجسده ونجعله موجودا بقوة في قلوبنا وفي العالم ، وان نفرح بالرب في كل حين، ونتقبل بواكير الروح، لتجعلنا قادرين على انجاز شريعة المحبة الجديدة. بميلادك المجيد، الكلمة صار جسدا وحل فينا بيسوع المولود من امة الرب بقوة الروح القدس، مريم العذراء التي قبلت برضاها التام بشرى الخلاص، بعد ان تبينت بوضوح سر هذا التدبير الالهي للخلاص ، وجاء ابنها الى الارض ليرفعنا الى السماء، ومن اجلنا افتقر العالم وهو الغني، لكي نستغني نحن بفقره. اليوم الكلمة الذي هو الله صار بشرا وسكن بيننا وراينا مجده مجدا من لدن الاب لابن وحيد ملؤه النعمة والحق، ارسله الاب انسانا والها شبيها بنا ما عدا الخطيئة مفتقدا شعبه كي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. بميلادك يا رب، تغير معنى الخلق، وتبدلت مقاييس العالم، وتغيرت مسيرة التاريخ، وتبينت غاية الحياة، وتوضحت نهاية كل شي، منذ ان بشرنا الملاك كما بشر الرعاة بميلاد المخلص، الملك الاّتي الى مملكته، يسوع المسيح ابن داؤد بن ابراهيم بن ادم بن الله، بميلاد طفل المغارة،الانسان الجديد ليطرح اللعنة عنا ويفتدينا، ولنحظى بالتبني، وليعيد البشرية كلها الى البنوة الالهية ويجددها بفيض روحه القدوس، منتزعا منها سلطان الظلمة والشيطان، وليصالحنا مع الله. ميلادك المجيد من مريم العذراء يعتبر من جهة الاهوت تجسدا، بمعنى ان المسيح المولود بالرغم من كونه انسانا ذا جسد طبيعي ونفس طبيعية الا ان له وجود الهي شخصي سابق لميلاده، وعقيدة التجسد تعتبر الاساس اللاهوتي الذي يقوم عليه كل الايمان بالمسيح وباعماله الخلاصية من موت وقيامة وصعود الى السماء وكما يعتبرها القديس يوحنا هي المحك الوحيد الذي يكشف الايمان الصحيح من الايمان المزيف. بميلادك يا رب، يا شمس البر والعدل والسلام والنور،علينا ان نولد معك فلا نغضب ولا ننتقم ولا نوزع احزاننا ولا نمارس العنف ولا نقترف الخطيئة بكل اشكالها، بل ليكن يوم ميلادك يوم الغفران والمسامحة والاخوة والوداعة والفرح والصلاة والسلام، وليكن يوم ميلادك ايضا مناسبة مقدسة للتجدد نمتلىء فيها نعمة من عند الرب كما امتلات امك القديسة مريم سيدة النساء بهذه النعمة، فتعال يا رب بيننا واجعل لك من قلوبنا مسكنا. يا طفل السلام ثبت سلامك في ضمائرنا، ويا طفل المحبة ازرع محبتك في قلوبنا، يا طفل الفرح اجعلنا نشع فرحا في كل ايام حياتنا، يا طفل الرجاء قو ايماننا فيك لندرك انه بميلادك صالحت الارض مع السماء ورفعت البشرية من الموت الى الحياة، وبالتالي نفرح بميلادك كما فرح الرعاة ونسجد لك ونقدم لك ذواتنا كما سجد لك المجوس وقدموا لك هداياهم النفيسة. ولا ننسى في هذا العيد الا ان نهنئ سيدتنا مريم العذراء باب البر وباب الرب، التي حملت يسوع الذي هو سلامنا في احشائها، بهذه النعمة الالهية التي قبتلها طواعية، وبهذا المولود منها عمانوئل الذي تفسيره الله معنا، ونسلم عليها ونطوبها مدى الاجيال طالبين شفاعتها لدى ابنها الحبيب، لانه بفضل استحقاقاتها وشفاعتها ندخل في النعمة والصداقة العميقة مع المسيح ابنها ونصل الى الخلاص الابدي. يا طفل المغارة، ثبت سلامك في الارض كلها، جدد هذه الارض وجددنا نحن البشر، جدد فينا الايمان والرجاء والمحبة، افتقدنا بسلامك وانقذنا، واجعلنا نبتهج مع الارض، ونفرح مع السماوات، ونندفع مع الجبال بالترنيم لاسمك القدوس، وياعائلة الناصرة، يسوع ويوسف ومريم، يا من عانيتم في امر الولادة والهروب الى مصر بأمر من الرب، للنجاة بالطفل يسوع من بطش هيرودس، كونوا مع الأسر المتألمة التي هجرت بيوتها وقراها ومدنها واوطانها، في العراق وسوريا وفلسطين وشرقنا العربي الجريح، طلبا للنجاة بارواحها وارواح اولادها، وتحننوا عليهم، ويسروا سبلهم، ورافقوهم اينما كانوا. يا طفل المغارة، نرجو ان لا يغب وجهك عن فلسطين حيث ولدت وعشت وعلمت وصلبت ومت وقمت وصعدت الى السماء، وعن سوريا البلد الجريح حيث انطلقت من هناك رسالة القديس بولس الى جميع الامم، وعن مصر حيث هرب بك يوسف وامك مريم اليها طلبا للنجاة، وعن العراق حيث بابل ونينوى وحيث المجوس مروا من هناك، وعن لبنان حيث وطئت قدمك الارض هناك، وعن الاردن حيث تعمدت على يد يوحنا المعمدان عبر الاردن، وعن العالم حيث ان رسالتك هي رسالة خلاص للعالم اجمع، فاقبل صلواتنا ولا تغب عن بلداننا وعن هذا العالم المضطرب. المسيح ولد لنا، هلموا نسجد له، ولنكن في جوهر الميلاد، وفي قلب طفل المغارة، كل عام ويسوع يولد في قلوبنا جميعا لننعم بالراحة والسكينة والخيرات والنعم.