موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٣١ مايو / أيار ٢٠٢٠

مواهب الروح القدس

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
اللهم إمنحنا نحن المؤمنين بك المواهب السبع، هب لنا غاية الخلاص، أعطنا السرور والفرح الأبدي

اللهم إمنحنا نحن المؤمنين بك المواهب السبع، هب لنا غاية الخلاص، أعطنا السرور والفرح الأبدي

 

"فيعلَمكم جميع الأشياء" (يوحنا ١٤: ٢٦)

 

بهذه الآية يشير السيد المسيح إلى مهمة الروح القدس. ومهمته تعليم المؤمن كل شيء يتعلَق بخلاص نفسه، بإفاضة مواهب الروح القدس السبعة عليه، وهي: الحكمة، والفهم، والمشورة، والقوَة، والعلم، والتقوى، والخوف. نسأل الله أن يفيض علينا روحه القدوس لنفهم تعاليم المسيح ولاهوته وكل شيء إلهي موحى به بواسطة الروح القدس الذي يضمن لنفوسنا الخلاص الأبدي.

 

١– ما معنى كلمة موهبة؟

 

يحدَد القديس توما الاكويني مواهب الروح القدس بقوله: "انها كمالات تُهيَء الانسان لإتباع إلهامات الروح القدس". فمواهب الروح القدس إذاً إستعدادات تقوية تميل بالنفس إلى الإصغاء إلى إلهامات الروح والعمل بها. ذلك أن الإنسان وإن جمَّلت نفسه النعمة، وزينتها الفضائل، يبقى مُعرَضاً للوقوع في الخطأ. لإن إراداته البشرية لا تزال ضعيفة وعقله عرضة للشك والضلال. وكثيراً ما ينجرف في تيار الأهواء الصاخب، ولا يقوى على تقديس نفسه إلاَ بمعونة الروح القدس. فالروح عندما يسكن نفس المؤمن ويفيض عليها مواهبه السبع، يخلق فيها جوَاً روحياً يسهَل عمل الخلاص.

 

٢– هل مواهب الروح القدس سبعة فقط؟

 

ليست مواهب الروح القدس مقصورة على سبع مواهب فقط، ولكن العدد سبعة كثيراً ما يدلَ في الكتاب المقدس على ملء الكمال، وقد أشار اشعيا النبي عندما تنبأ عن السيد المسيح بقوله: "ويخرج جزع من جذر يسَى وينمي فرع من أُصوله، ويستقر عليه روح الرب روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح العلم وتقوى الرب، ويتنعَم بمخافة الرب" (أشعيا ١١: ١). وكل هذه المواهب السبع تمدَ النفس بنور خاص.

 

١– الحكمة: تقود الإنسان على معرفة الامور الإلهية والتعمق فيها.

 

٢– الفهم: يقودنا على تفهَم الكتب المقدسة، والتعمق في حقائق الإيمان، وتمدَ العقل البشري بنور روحي يتمكن من فهم أسرار الدين المسيحي في جوهره.

 

٣– المشورة : تجنَب الإنسان الطيش والتسرَع والإدعاء وأخطاره على الحياة الروحية، فالذي يتخذ قرارته دون إستلهام الله والعودة إليه، يقع في ضلال، فهو يعبد نفسه ويعظَمها، بدلاً من ان يعبد الله ويمجَده "لأن كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة هي من لدنك يا ابا الأنوار". والمسيح نفسه أعطانا مثلاً في ذلك، فلم يفعل شيئاً دون إستشارة أبيه السماوي، لذلك قال عن نفسه: "لا يستطيع الإبن أن يفعل شيئًا من عنده إلاَ إذا رأى ألآب قد صنعه" (يوحنا ٥: ١٩).

 

٤– القوة: تمكَن الإنسان من العمل بحسب رغبة الله لمجابهة الشدائد واحتمال المحن والمصائب، فنشعر مهما صعبت الحياة وقست علينا أن الله معنا، "إذا كان الله معنا فممن نخاف؟". كما فعل الله مع موسى عندما طلب منه إخراج الشعب اليهودي من مصر، قال له: "إني أكون معك" (خروج ٣: ١٢). وهكذا نقوى على: "إطاعة الله لا الناس" (أعمال الرسل ٤: ١٩)، حتى ولو طُلب منا سفك الدماء، وقد أوتي جميع الشهداء هذه القوَة ففضلوا الموت على الكفر أو نكران الله ومسيحه وكنيسته.

 

٥– العلم: يُرينا الاشياء على نور روحي سامٍ. إن الملحد يرى الطبيعة والناس والاشياء بنوره الطبيعي، أما المؤمن فيرى ذلك بالنور الذي يفيضه عليه الروح القدس. فيرى في الطبيعة والناس والجمال صورة الله البهية، فيجتنب ما من شأنه أن يوقعه في مهاوي الضلال، ويمشي إلى غايته الأخيرة معتمدًا لها الوسائل الناجعة التي توصله إليها.

 

٦– التقوى: وهي أثمن هبات الروح، تشَد العزيمة، وتُقوَي النفوس، كما يقول القديس بولس الرسول: "إن الروح يأتي لنجدة ضعفنا" (رومة ٨: ١٦). والتقوى تُهيمن على علاقات الإنسان بالله وتوطَدها على أسس صحيحة وثابتة. فهي مزيج من عبادة وإحترام بنوي للآب السماوي.

 

٧– الخوف: أخيرًا الخوف، والخوف لا ينفي التقوى، ولا نعني هنا بالخوف خوف القصاص، كخوف العبيد من أسيادهم، بل نعني الخوف من إهانة الله بالخطيئة. وهذا الخوف تحدث عنه أشعيا النبي عندما قال عن السيد المسيح "انه يتنعم بمخافة الرب" (أشعيا ١١: ١)، وهو الخوف الذي يشعر به الملائكة في حضرة الله، وهذا الخوف مصدره المحبة والإحترام والعبادة، كما يقول المزمور: "خشية الرب طاهرة ثابتة إلى الأبد" (مزمور ١٨: ١٠)، وعن روح الخوف هذا تحدَث بولس الرسول قائلاً: "لم تتلقَوا روحاً يستعبدكم ويردكم إلى الخوف، بل روحًا يجعلكم أبناء وبه ننادي: يا أبتا" (رومة ٨: ١٤).

 

خاتمة

 

لنسأل الله أن يفيض علينا روحه القدوس ومواهبه، ويثمر فينا تلك الثمار التي أشار إليها بولس الرسول بقوله: "أما ثمر الروح فهو المحبة والفرح والسلام وطول الاناة واللطف ودماثة الأخلاق والأمانة والوداعة والعفاف" (غلاطية ٥: ٢٢)، فتتفجر في أعماقنا أنهار ماء الحياة التي قال عنها يسوع  يوم عيد المظال: "من آمن بي فليشرب، كما ورد في الآية: ستجري من جوفه أنهار من الماء الحي، وأراد بذلك الروح الذي سيتلقاه المؤمنون به" (يوحنا ٧: ٣٧-٣٨).

 

اللهم إمنحنا نحن المؤمنين بك المواهب السبع، هب لنا غاية الخلاص، أعطنا السرور والفرح الأبدي.