موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٩ فبراير / شباط ٢٠٢٠

من تقولون إني أنا

بقلم :
الأب هشام الشمالي اليسوعي - الأردن
لكن يسوع يوجّه السؤال أيضًا إلى التلاميذ: وأنتم؟

لكن يسوع يوجّه السؤال أيضًا إلى التلاميذ: وأنتم؟

 

«ومَن أَنا، في قولِكم أَنتُم؟» (مرقس 8: 29)

 

لم يسجّل هكذا سؤال من أي شخص له أتباع، أكان مؤسّس حركة أم جماعة أم ديانة أم غيرها. وحده يسوع ينفرد بأسئلة عن هويته. ولم يزل سؤاله هذا أساسي وغير اعتيادي في الإيمان المسيحي، لأنه يتعلق بشخص المسيح وهويته. وكانت للكنيسة في القرون الأولى صراعات فكرية عديدة للردّ على هذا السؤال بالذات.

 

إن الإجابات الأولى لعامة الناس كانت تعطي رأيها فيه وكانت تعتبره من صفّ الأنبياء (مرقس 8: 28)، وكانت كلّها خاطئة. واليوم، إذا تمّ رصد آراء العامة المعاصرة، كثير من الإجابات قد تأتي مشابهة ومخفَّفة كمثل معلم، أو رجل عظيم، أو قائد روحي، أو رسول، أو نبي... الخ.  

 

لكن يسوع يوجّه السؤال أيضًا إلى التلاميذ، وأنتم؟، متوقّعًا منهم إجابة أعمق وأدقّ من إجابات مجموع الناس. ساد صمت بين الرسل، قد يكون عن خوف من تصريح يلزمهم نهائيًا، أو ربما عن عدم معرفة ويقين في موضوع السؤال. لكن بطرس يتكلم، "أنت المسيح ابن الله الحي" (متى 16: 16). كان كلام بطرس موحى به من الآب (متى 16: 17), ويقول عن صلب الايمان المسيحي الحقيقي.

 

ولكن سرعان ما سكِر بطرس بإعلانه واندفع بتعبيره لدرجة أن انتهره الربّ كشيطان (مر 8: 33). وهنا يدخل تعليم من الحياة الروحية ذو فائدة كبيرة في سبيل التمييز الروحي (من القديس إغناطيوس دي لويولا). إن هكذا كشف إلهي يهبه الله لأحد أتباع يسوع من دون سبب، أي من دون مجهود معين من المنعم عليه يستحق له الكشف، قد يتبعه وقت معاكس له، إن لم يتمّ السهر عليه والتأني به وفحصه.

 

إن أوقاتًا كهذه تستوجب التمييز بين فترتين: الأولى هي الفترة التي يسبّب فيها الله وحيا وكشفا بلا سبب، حيث يضطرم داخل الانسان بما أُنعم به عليه، والثانية هي الفترة التي تليها وتحمل عواقب الأولى من مشاعر وأفكار وآراء ومشاريع مندفعة والتي لا تأتي من الله. يوصي التعليم الروحي بفحص تلك الأخيرة قبل الاحتكام إليها والمضي بها، لكي لا تُستَتبع النعمة بخيبة. وهذا ما حصل لبطرس الذي استوجب أن يأمره يسوع بأن يعود ليسير وراءه لأن أفكاره ليست أفكار الله، بل أفكار البشر.