موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠

مفهومُ "الأخوّة" عند البابا فرنسيس (1)

بقلم :
د. أشرف ناجح عبد الملاك - كولومبيا
الأخوّة هي الاعتناء بعضنا ببعض

الأخوّة هي الاعتناء بعضنا ببعض

 

مُقدّمة

 

في هذا المقال، نتعرّض لمفهوم "الأخوّة" في فكر البابا فرنسيس، وَفقًا لكلماته عينها الموجودة في مقابلاته العامّة حول تعليم في "شفاءِ العالم" (بداية من 5 أغسطس حتّى 30 سبتمبر 2020)، والّتي ربط فيها قداسته بين "جائحة فيروس كورونا" الحاليّة و"مبادئ تعليم الكنيسة الاجتماعيّ" (مبدأ كرامة الإنسان، ومبدأ الخير العام، ومبدأ خيار تفضيل الفقراء، ومبدأ شموليّة خيرات الأرض، ومبدأ التّضامن، ومبدأ التّعاون والإمداديّة، ومبدأ الاهتمام ببيتنا المشترك).

 

فنحن نعتقد أنّ محتوى مقابلات البابا العامّة هذه ربّما كان بمثابة تأهيل وتهيئة لرسالته العامّة الثّالثة بعنوان "جميعنا إخوة" (3 اكتوبر 2020)، والّتي سنخصّص لها مقالًا على حدى؛ وهذا يعني أنّ محتوى مقابلات البابا الأخيرة –الّذي سنعرض بعضها هنا– يتقارب بشكل كبير مع محتوى رسالته العامّة الأخيرة أيضًا! إذًا، فالتّساؤل المحوريّ لهذا المقال هو التّالي: ما هو مفهوم "الأخوّة" في فكر البابا فرنسيس وَفقًا لسلسلة مقابلاته العامّة حول تعليم في "شفاءِ العالم"؟ وستكون الإجابةُ بواسطة كلمات البابا عينها.

 

1) الأخوّةُ هي "التّمسُّك بإنجيل الإيمان والرّجاء والمحبّة"

 

«لهذا السبب يجب أن نثَبِّت نظرنا في يسوع (را. عب 12، 2). ومع هذا الإيمان، نتمسك برجاء ملكوت الله الذي يحمله لنا يسوع نفسه (را. مر 1، 5؛ متى 4، 17، التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 2816). إنّه ملكوت الشفاء والخلاص، وهو موجود بيننا بالفعل (را. لو 10، 11). إنّه ملكوت العدل والسلام الذي يتجلّى في أعمال المحبة، والذي بدوره يُنْمِي الرجاء ويُقوي الإيمان (را. 1قور 13، 13). في التقليد المسيحي، الإيمان والرجاء والمحبة هي أكثر بكثير من مشاعر وشعارات. إنّها فضائل أفاضها فينا الروح القدس (را. التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1812-1813): إنها نِعَمٌ تشفينا وتجعلنا نَشفي الآخرين، نِعَمٌ تفتح أمامنا آفاقًا جديدة، حتى عندما نبحر في مياه زمننا الصعبة. يدعونا هذا اللقاء الجديد مع إنجيل الإيمان والرجاء والمحبة إلى أن نتحلَّى بروحٍ خلاقةٍ ومتجدِّدة. بهذه الطريقة، سنتمكن من تغيير جذور أمراضنا الجسدية والروحية والاجتماعية. وسنتمكن من أن نشفي في العمق البُنَى الاجتماعية الظالمة والممارسات المدمّرة التي تفصلنا الواحد عن الآخر، وتُهدد العائلة البشرية والكوكب الذي نعيش فيه» (المقابلة العامّة، تعليم "في شفاءِ العالم"، الأربعاء 5 أغسطس/آب 2020‏).

 

2) الأخوّةُ هي "التّناغم" و"الخدمة"

 

«نجد مثالًا على هذه النظرة الفردية في الأناجيل، على ما ليس بتناغم، في الطلب الذي قدمته أم التلميذَين يعقوب ويوحنا إلى يسوع (را. متى 20، 20-28). أرادت أن يجلس ابناها عن يمين الملك الجديد وعن شماله. وأمّا يسوع فقدّم لنا نوعًا آخر من الرؤية وهي:الخدمة وبذل الحياة من أجل الآخرين، وأكّد رؤيته تلك عندما أعاد النظر للأعميَين فورًا وجعلهما من تلاميذه (را. متى 20، 29-34). إنّ محاولة التسلق في الحياة، والتفوق على الآخرين، يدمر التناغم. إنّه منطق الهيمنة والسيطرة على الآخرين. التناغم هو شيء آخر: إنّه الخدمة» (المقابلة العامّة، تعليم "في شفاءِ العالم"، الأربعاء 12 أغسطس/آب 2020‏).

 

3) الأخوّةُ هي "خيار تفضيل الفقراء" أو "الانحياز للفقراء"

 

«لذلك فالجوّاب على الجائحة جوابان. من ناحية، من الضروري إيجاد علاجٍ لفيروس صغير ولكنه مخيف، جعل العالم كلّه يركع على ركبتيه. من ناحية أخرى، يجب أن نعالج فيروسًا كبيرًا، ألّا وهو الظلم الاجتماعي وعدم تكافؤ الفرص والتهميش والنقص في حماية الأكثر ضعفًا. في هذا الجواب الشافي المزدوج، ووَفقًا للإنجيل، يظهر أمامنا خيار لا يمكن تجاهله: إنّه خيار تفضيل الفقراء (را. الإرشاد الرسولي، فرح الإنجيل، 195). وهذا ليس خيارًا سياسيًا. ولا خيارًا أيديولوجيًا وخيارًا حزبيًا. خيارُ تفضيل الفقراء هو في مركز الإنجيل. وكان يسوع أوّل من طبقه. لقد سمعنا ذلك في المقطع من الرسالة إلى أهل قورنتس التي قُرأت في البداية. كون يسوع غنيًا، فقد افتَقَر"من أجلنا، لنغتني" بِفَقْرِه. لقد أصبح واحداً منّا ولهذا السبب، في مركز الإنجيل وبشارة يسوع، يوجد هذا الخيار. المسيح نفسّه، الذي هو الله، تجرّد من ذاته وجعل نفسّه على مثال البَشر. ولم يختر حياة امتيازات بل اختار حالة العبد (را. فل 2، 6-7). لقد بذل ذاته وأصبح خادمًا. وُلد يسوع في عائلة متواضعة وعمل بيدَيه. أَعلن في بداية بشارته أنَّ الفقراء في ملكوت الله هم الطوباويون (را. متى 5، 3؛ لو 6، 20؛ الإرشاد الرسولي، فرح الإنجيل، 197). لقد وقف بين المرضى والفقراء والمستبعدين، وأَظهر لهم محبة الله الرحيمة (را. التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 2444). وفي كثير من المرات حُكم عليه أنّه رجل نجس لأنّه ذهب إلى المرضى والبرص الذين كانوا بحسب شريعة ذلك الوقت أنجاسًا. ولقد خاطر بقربه من الفقراء» (المقابلة العامّة، تعليم "في شفاءِ العالم"، الأربعاء 19 أغسطس/آب 2020‏).

 

4) الأخوّةُ هي "توزيع خيرات الأرض"

 

«يسير عدم المساواة الاجتماعية والتدهور البيئي جنبًا إلى جنب، وأصلهما واحد (را. رسالة عامة بابوية، كُنْ مُسَبَّحًا، 101): وهي خطيئة الرغبة في الامتلاك والرغبة في التسلّط على الإخوة والأخوات، والرغبة في الامتلاك والتسلّط على الطبيعة، وعلى الله نفسه. ولكن ليست هذه غاية الخلق [...] في الواقع، الأرض "كانت من قَبلِنا وقد أُعطِيَت لنا" (المرجع نفسه)، أعطاها الله "لكل الجنس البشر" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 2402). ولذلك فمن واجبنا أن نضمن وصول ثمارها إلى الجميع، وليس إلى البعض فقط. وهذا عنصر- مفتاح أساسي في علاقتنا مع الخيرات الأرضية. كما ذكر آباء المجمع الفاتيكاني الثاني، "الإنسان الذي يستعمل الخيرات، يجب أن يعتبر أنّ ما يملكه بطريقة مشروعة ليس ملكه الخاص فقط، بل هو ملك مشترك: وهذا يعني ألا يعود بالنفع عليه فقط بل على الآخرين أيضاً" (دستور رعائي في الكنيسة في عالم اليوم، فرح ورجاء، 69). في الحقيقة، "إنّ ملكية خير ما تجعل المالك وكيلًا من قبل العناية الإلهية لاستثمار ما يملك وتقاسم الثمار مع الآخرين" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 2404). نحن وكلاء على الخيرات، ولسنا سادة. نحن وكلاء. "نعم، ولكن هذا الخير هو ملكي". صحيح، إنّه لك، لكن لتولّي أمره، لا لامتلاكه بأنانية» (المقابلة العامّة، تعليم "في شفاءِ العالم"، الأربعاء 26 أغسطس/آب 2020‏)

 

5) الأخوّةُ هي "التّضامن"

 

«لقد كشفت الجائحة الحالية عن ترابطنا بعضنا ببعض: فنحن جميعًا مرتبطون بعضنا ببعض، في الشر والخير. لذلك، حتى نخرج من هذه الأزمة وعلى حالة أفضل مما نحن عليه، يجب أن نعمل معًا. معًا، وليس لوحدنا، معًا. لا لوحدنا، لأنه لا نستطيع! إما أن يتم ذلك معًا أو لا يتم. يجب أن نعمل معًا، جميعنا، متضامنين. أُود اليوم أن أشدد على هذه الكلمة: التضامن [...] عرف القديس فرنسيس الأسيزي ذلك جيدًا، إذ ملأه الرّوح القدس فرأى في كلّ الناس، بل في المخلوقات، أخا أو أختًا (cfr LS, 11; cfr San Bonaventura, Legenda maior, VIII, 6FF 1145). حتى في الأخ الذئب، لنتذكر» (المقابلة العامّة، تعليم في "شفاءِ العالم"، الأربعاء 2 سبتمبر/أيلول 2020‏).

 

6) الأخوّةُ هي "الخير العامّ" و"المحبّة الاجتماعيّة والسّياسيّة"

 

«يُظهر لنا فيروس الكورونا أنّ الخير الحقيقي لكلّ واحدٍ هو خير عام، وليس فرديًا فقط، وبالعكس، فإنّ الخير العام هو خير حقيقي لكل فرد (راالتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1905-1906). إذا كان إنسان ما يسعى فقط إلى خيره الخاص فهو أناني. لكن يكون الإنسان أكثر إنسانًا، عندما يفتح خيره الخاص على الجميع، ويشاركهم به. فالصحة، بالإضافة إلى كونها شيئًا خاصًّا، هي أيضًا خير عام. المجتمع السليم هو مجتمع يعتني بصحة الجميع» (المقابلة العامّة، تعليم في "شفاءِ العالم"، الأربعاء 9 سبتمبر/أيلول 2020‏).

 

7) الأخوّةُ هي "الاعتناء بعضنا ببعض وببيتنا المشترك"

 

«للخروج من الجائحة، يجب أن نعتني بنفسنا ونعتني بعضُنا ببعض. ويجب أن ندعم من يعتني بالأضعفين والمرضى والمسنين. هناك عادة ترك المسنين جانبًا، والتخلي عنهم: هذا سيء. يمارس هؤلاء الناس– الذين يعرِّفُهم جيدًا المصطلح الإسباني cuidadores، أي الذين يعتنون بالمرضى – دورًا أساسيًا في مجتمع اليوم، ولو أنهم لا يتلقون في كثير من الأحيان التقدير والمكافأة التي يستحقونها. العناية بالذات هي قاعدة ذهبية في كل إنسان، وتنجم عنها الصحة والرجاء (را. رسالة عامة بابوية، كُنْ مُسَبَّحًا، 70). والعناية بمن هو مريض ومحتاج ومتروك هي غنى إنساني ومسيحي أيضًا. لكن يجب علينا أيضًا أن نوجه هذه العناية إلى بيتنا المشترك: إلى الأرض وإلى كلّ مخلوق. كلّ أشكال الحياة مترابطة (را. المرجع نفسه، 137-138)، وتعتمد صحتنا على تلك النظم البيئية التي خلقها الله والتي كلَّفنا بالاهتمام بها (را. تك 2، 15). من ناحية أخرى، فإنّ إساءة استخدامها هي خطيئة جسيمة تسبب الشرّ والأمراض (را. كُنْ مُسَبَّحًا، 8؛ 66). أفضل مضاد لهذا الاستخدام غير السليم لبيتنا المشترك هو التأمل (را. المرجع نفسه، 85؛ 214).لكن كيف يكون ذلك؟ ألا يوجد لقاح لهذا، للعناية بالبيت المشترك حتى لا نتركه جانباً؟ ما هو المضاد لمرض عدم العناية بالبيت المشترك؟ إنّه التأمل. "عندما لا نتعلم التوقفَ للتأمّل في الجمال وتقديره، فليس من المُستغرب أن يتحوّل كلُّ شيء إلى موضوع استخدام أو سوء استخدام من دون أدنى شعور بالذنب" (را. المرجع نفسه، 215)، ويتحول أيضًا إلى موضوع استخدِم وارم. ومع ذلك، فإنّ بيتنا المشترك، أي الخليقة، ليس مجرد "مورِد" للاستهلاك. للمخلوقات قيمة في حد ذاتها "وتعكس، كلّ على طريقتها، شعاعًا من حكمة الله وصلاحه غير المتناهيتين" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 339). يجب اكتشاف هذه القيمة وهذا الشعاع من النور الإلهي، ولكي نكتشفهما، يجب أن نصمت، ويجب أن نصغي ويجب أن نتأمل. التأمل يشفي أيضًا الروح» (المقابلة العامّة، تعليم في "شفاءِ العالم"، الأربعاء 16 سبتمبر/أيلول 2020‏).

 

8) الأخوّةُ هي "توزيع المسؤوليّات" و"التّعاون" و"الإمداديّة"

 

«يجب أنْ تُتاح لكلّ واحد الفرصة لتحمّل مسؤوليّته في مسيرات شفاء المجتمع الّذي ينتمي إليه. فعندما يتمّ البدء في بعض المشاريع المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بفئات اجتماعيّة معينة، لا يمكن استبعاد هذه الأخيرة من المشاركة [...] لقد انتشر، اليوم، عدم احترام مبدأ الإمداديّة كفيروس. فدعونا نفكّر في الإجراءات الكبرى المتعلّقة بالمساعدات الماليّة الّتي تقوم بها الدّول [...] للخروج بشكل أفضل من أزمة ما، يجب تطبيق مبدأ الإمداديّة، مع احترام استقلاليّة الجميع وقدرتهم على المبادرة، وخاصّةً الآخِرين منهم» (المقابلة العامّة، تعليم في "شفاءِ العالم"، الأربعاء 23 سبتمبر/أيلول 2020 [هذه التّرجمة هي ترجمتنا عن النّص الأصليّ باللّغة الإيطاليّة، وليست التّرجمة الرّسميّة لموقع الفاتيكان]‏).

 

9) الأخوّةُ هي "التّأمُّل في جمال كلّ إنسان وكلّ مخلوق وتقديرهما"

 

«حتى يتم ذلك حقًا، يلزمنا أن نتأمّل ونقدِّر جمال كلّ إنسان وكل مخلوق. لقد صُورنا في قلب الله (را. أف 1، 3-5). "كلّ واحد منا هو ثمرة فكر الله. كلّ واحد منا أراده الله، كلّ واحد منا أحبه الله. كلّ واحد ضروري". بالإضافة إلى ذلك، كلّ مخلوق لديه شيء يقوله لنا عن الله الخالق (را. رسالة عامة بابوية، كُنْ مُسَبَّحًا، 69. 239). الاعتراف بهذه الحقيقة، والشكر للروابط الحميمة التي تربطنا في شركة شاملة مع جميع الناس وجميع المخلوقات، تخلق فينا "رعاية سخيّة ومملوءة بالحنان" (المرجع نفسه، 220). يساعدنا ذلك أيضًا على أن نتعرف على المسيح الحاضر في إخوتنا وأخواتنا الفقراء والمتألمين، ولقائهم والإصغاء إلى صراخهم وصراخ الأرض التي تردد صدى صراخهم (راالمرجع نفسه، 49)» (المقابلة العامّة، تعليم في "شفاءِ العالم"، الأربعاء 30 سبتمبر/أيلول 2020‏).