موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١ أغسطس / آب ٢٠٢٠

معجزة خمسة أرغفة وسمكتين كما رواها إنجيل متى

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين
معجزة خمسة أرغفة وسمكتين كما رواها إنجيل متى

معجزة خمسة أرغفة وسمكتين كما رواها إنجيل متى

 

الأحد الثامن عشر من السنة

 

النص الإنجيلي (متى 14: 13 – 21)

 

13فلَمَّا سَمِعَ يسوع، اِنصَرَفَ مِن هُناكَ في سَفينةٍ إِلى مَكانٍ قَفْرٍ يَعتَزِلُ فيه. فعَرَفَ الجُموعُ ذلك فتَبِعوهُ مِنَ المُدُنِ سَيراً على الأَقدام. 14فلَمَّا نَزلَ إِلى البَرِّ رأَى جَمْعاً كَثيراً، فأَخَذَته الشَّفَقَةُ علَيهِم، فشَفى مَرضاهُم. 15ولَمَّا كانَ المَساء، دَنا إِليه تَلاميذُهُ وقالوا لَه: ((المكانُ قَفْرٌ وقَد فاتَ الوَقْت، فَاصرِفِ الجُموعَ لِيَذهَبوا إِلى القُرى فيَشتَروا لَهم طَعاماً)). 16فقالَ لَهم يسوع ((لا حاجَةَ بِهِم إِلى الذَّهاب. أَعطوهم أَنتُم ما يأكُلون)). 17فقالوا لَه: ((لَيس عِندَنا هَهُنا غَيرُ خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن)). 18فقالَ: ((علَيَّ بِها)). 19ثُمَّ أَمَر الجُموعَ بِالقُعودِ على العُشْب، وأَخَذَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمَكَتَيْن، ورَفَعَ عَينَيه نَحوَ السَّماء، وباركَ وكسَرَ الأَرغِفة، وناوَلَها تَلاميذَه، والتَّلاميذُ ناوَلوها الجُموع. 20فأَكلوا كُلُّهم حتَّى شَبِعوا، ورَفعوا ما فَضَلَ مِنَ الكِسَر: اِثنَتَي عَشْرَةَ قُفَّةً مُمتَلِئةً. 21وكانَ الآكِلونَ خَمسَةَ آلافِ رَجُل، ما عدا النِّساءَ والأَولاد.

 

مقدمة

 

جمع متى الإنجيلي عشر معجزات في إنجيله ومنها معجزة خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن. وهي المعجزة الوحيدة التي وردت في كل من الاناجيل الاربعة لأهميتها أكثر من غيرها من المعجزات (مرقس 6: 30-46، لوقا 9: 10-17، يوحنا 16: 1-15)؛ حيث لمّح يسوع الى جسده عن الخبز الذي كسره ليأكله الجموع، والذي سيبذله عما قليل من اجلهم ذبيحة وضحية. لذلك تعتبر هذه المعجزة ذروة نشاط يسوع ونهايته في الجليل ليُعلن طبيعته السماويَّة في حياتنا، وتُبيِّنُ وَفرَةَ عَطاءِ اللهِ للبَشريّة. فهوَ إلهُ الملء الذي يَملأُ فراغَ حياتِنا. ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع النص وتطبيقاته.

 

أولا: وقائع النص الانجيلي (متى 14: 13 – 21)

 

13 فلَمَّا سَمِعَ يسوع، اِنصَرَفَ مِن هُناكَ في سَفينةٍ إِلى مَكانٍ قَفْرٍ يَعتَزِلُ فيه. فعَرَفَ الجُموعُ ذلك فتَبِعوهُ مِنَ المُدُنِ سَيراً على الأَقدام.

 

تشير عبارة "سَمِعَ" الى عِلْم يسوع خبر مقتل يوحنا المعمدان على يد هيرودس انتيباس، ابن هيرودس الكبير وقوله ان يسوع هو يوحنا قد قام من الأموات (متى 14: 1-2).  وهذا الامر أدَّى الى انسحاب يسوع إلى مكان قفر، كي يعيش لحظات من العزلة، إذ موت يوحنا المعمدان أصبح نذيرا نبوياً لمصيره هو أيضاً في مواجهة سر الألم والموت الّذي ينتظره؛ أمَّا عبارة "يسوعُ" فتشير الى الصيغة العربية للاسم العبري " יֵשׁוּעַ "ومعنى الاسم ((الله مخلص)). وقد سُمِّى يسوع حسب قول الملاك ليوسف (متى 1: 21)، ومريم (لوقا 1: 31). ويسوع هو اسمه الشخصي. أمَّا المسيح فهو لقبه. وقد وردت عبارة "الرب يسوع المسيح" نحو 50 مرة في العهد الجديد. ويسوع المسيح أو المسيح يسوع، نحو مئة مرة. ووردت لفظة يسوع وحدها على الأكثر في الأناجيل، ويسوع المسيح، والرب يسوع المسيح في سفر الأعمال والرسائل. امَّا عبارة "اِنصَرَفَ" في الأصل اليوناني ἀνεχώρησεν (معناها انسحب من المكان خوفا) فتشير الى ترك يسوع المكان الذي كان متواجداً فيه وذهابه بالسفينة الى مكان قفر، لان ساعة موته لم تكن قد حانت (متى 5: 21)، او لأنه لم يرد ان يكون بين الهائجين بسبب قتل يوحنا لئلا يجتمعوا اليه ويتخذوه رئيسا او لأن مشاعر الحزن ألجأته الى الاعتزال لموت حبيبه وقريبه المُكرَّم، وهناك سبب آخر ذكره انجيل متى وهو رجوع الاثني عشر الذين ارسلهم يسوع الى القرى كي يبشرون وهم بحاجة الى الراحة (لوقا 9: 10). أمَّا عبارة " مِن هُناكَ " فتشير الى كفرناحوم التي كانت يومئذ من ولاية هيرودس لئلا يطلبه هيرودس فيُسجنه توهما انه يوحنا.  أمَّا عبارة "مَكانٍ قَفرٍ" في الأصل اليوناني ἔρημον τόπον (معناها موضع خلاء) فتشير الى الجهة الشمالية الشرقية لبحيرة طبرية في منطقة الطابغة. وتذكرها الاناجيل في ايام المسيح باسم (مجدان) ربما أنها مشتقه من العبرية (מי גד) ومعناها مياه السعادة (متى 15: 39) او (دلمانوتا) (مرقس 8: 10). ويعلق القديس ايرونيموس على هذا المكان بأنه " العزلة". إذ يطل الموقع على البحيرة حيث كان يسوع وتلاميذه يعتزلون فيه لاستراحة قليلا. ومنذ القرن الثاني عشر عُرف هذا المكان باسم لاتيني “Mensa Christi” أي عشاء المسيح او "Tabula Domini) " أي مائدة الرب،) وذلك لتكثير الخبز الاول وفطور يسوع مع تلاميذه بعد قيامته من بين الاموات (يوحنا 21: 9-13). اما لوقا الإنجيلي فيُحدِّد هذا المكان في ارض بيت صيدا الواقعة الى الشرق من بحيرة طبرية (لوقا 9: 10). أمَّا عبارة " يَعتَزِلُ فيه" فتشير الى اختلاء الربّ يسوع بحثا عن راحة لجسده وقوة لروحه. ان القيام بعمل الله بفاعلية، يقتضي فترات من الراحة والاستجمام. والعزلة مع يسوع هو مصدر مشاركة حياته الالهية (مرقس 6: 31-32). يعلق العلامة القدّيس أثناسيوس "إن التخلّي عن صخب الحياة يقرّبان الإنسان من الله فيصبحا صديقين"(الرسالة الاحتفالية الرابعة والعشرون بمناسبة عيد الفصح). إن إعادة النظر في حياتنا مع يسوع لهي من انواع الاختلاء الروحي. يتوجب علينا كل مساء ان نعتزل مع يسوع كي نُطلعه على جميع ما عملناه طيلة اليوم ونُصحح عملنا بموجب ارادته فنطوِّر عملنا. امَّا عبارة "فتَبِعوهُ" فتشير الى إتباع الجموع المسيح باعتباره ان يكون ملكا أرضيا ومنقذا زمنياً. أمَّا عبارة "سَيراً على الأَقدام" الى سير الناس على شاطئ البحيرة ويسوع راكب في السفينة، ويبدو ان الريح كانت خفيفة فلم تجر السفينة بسرعة، ولذلك أمكن الناس ان يسبقوه الى حيث راوا السفينة الى اين متَّوجة (مرقس 6: 33).

 

14 فلَمَّا نَزلَ إِلى البَرِّ رأَى جَمْعاً كَثيراً، فأَخَذَته الشَّفَقَةُ علَيهِم، فشَفى مَرضاهُم.

 

تشير عبارة "جَمْعاً كَثيراً" الى الذين تبعوه من كل قرى الجليل وربما اجتمع إليهم الغرباء الذين كانوا صاعدين الى اورشليم لحضور عيد الفصح لأنه كان قريبا (يوحنا 6: 4). امَّا عبارة "الشَّفَقَةُ" في الأصل اليوناني ἐσπλαγχνίσθη فتشير الى الحنان الذي يظهر تلقائياً في التصرف من إبداء الشفقة بمناسبة حادث أليم (مزمور 106: 45). وتدل هنا على قلب يسوع ذاته في صورة فائقة من الرقة والحنان (ارميا 23: 1-4)، لدى رؤيته جمعا بحاجة الى طبيب يشفي امراضهم وجمعا بحاجة الى طعام ليُشبعهم ؛  كما تدلّ على شفقته في تعليم الشعب واعطاهم الخبز والسمك، لأنه لم يكن من يهتم بالشعب، حيث انهم كانوا كغنم لا راعي لها (مرقس 6: 43)، وهي صورة مألوفة في الكتاب المقدس، تُندِّد بعدم مبالاة الرؤساء المسؤولين (متى 9: 36)، ويتصرف يسوع كالراعي الصالح (حزقيال 34: 23)، على مثال موسى (عدد 27: 15-17) وداود (مزمور 78: 70) بل على مثال الله نفسه الذي اقتاد شعبه في البرية (مزمور 78: 52-53).  فهل نشفق على الجمع من الناس ونرغب في ان نقودهم الى المسيح بالإيمان؟ أمَّا عبارة " فشَفى مَرضاهُم" فتشير الى الشفاء الجسدي الذي هو رمز لشفاء النفس من مرضها الروحي فتتأهل لقبول تعليمه (مرقس 6: 34) وتقبل الجسد المقدس. ويعُلق القديس أمبروسيوس "من كان أعرج نال القوَّة للمشي ليأتي عند الرب، ومن كان قد حُرم من نور عينيه لم يدخل بيت الرب إلاَ بعد عودة البصر إليه. هكذا يسير الرب، إذ يعطي أولًا غفران الخطايا ودواء للجراحات ثم يهُيئ الوليمة السماويَّة".

 

15 ولَمَّا كانَ المَساء، دَنا إِليه تَلاميذُهُ وقالوا لَه: ((المكانُ قَفْرٌ وقَد فاتَ الوَقْت، فَاصرِفِ الجُموعَ لِيَذهَبوا إِلى القُرى فيَشتَروا لَهم طَعاماً)).

 

تشير عبارة "لَمَّا كانَ المَساء" الى العصر وهو الغروب الأول، واما المساء الثاني يسمى المَغرب وهو الغروب الثاني (متى 14: 23)، إذ كان عند اليهود مساءان كما ورد في العهد القديم (العدد 9: 5، 11). امَّا عبارة "تَلاميذُهُ " فتشير الى رسله (لوقا 9: 12)؛ امَّا عبارة " المكانُ قَفْرٌ" فتشير الى مكان ليس فيه سوق ولا وسيلة الى تحصيل الطعام. امَّا عبارة " وقَد فاتَ الوَقْت " فتشير الى الوقت الباقي من النهار يكاد لا يكفي ان يذهب الناس ويبلغوا القرى لشراء ما يأكلون قبل ان يداهمهم ظلام الليل. امَّا عبارة "اصرِفِ الجُموعَ" فتشير الى طلب التلاميذ من يسوع ان يتوقف عن التعليم بسبب عاطفتهم البشريَّة وحساباتهم أيضًا البشريَّة، إذ ظنُّوا أن الأمر يحتاج إلى مالٍ كثيرٍ لشراء طعامٍ لهذا الجمع. فكان الحل الوحيد لهم هو صرف الجمع لكي يُدبّر كل واحد أمره. ففضلوا صرف الجمع على أن يأخذوا مسؤولية إطعامهم على عاتقهم. والواقع ليست خواطرهم خاطئة، لكنها ليست خواطر يسوع، المستوحاة من اتحاده مع الآب ومن الرحمة، ومن رأفته إزاء الجميع. ويعُلق القديس أمبروسيوس" لم يكن التلاميذ بعد قد فهموا أن غذاء المؤمنين لا يُباع، أمَّا المسيح فيعرف أنه ينبغي أن يتمِّم لنا الفداء، وأن وليمته مجانيَّة". هذه هي التجربة الكبرى للإنسان، لكل فرد منا، هو الشعور أن حاجة الآخر لا تخصّنا، وأنها ليست من شأننا.

 

16 فقالَ لَهم يسوع ((لا حاجَةَ بِهِم إِلى الذَّهاب. أَعطوهم أَنتُم ما يأكُلون)).

 

تشير عبارة " لا حاجَةَ بِهِم إِلى الذَّهاب " الى رغبة المسيح ان لا يذهب الناس الى بيوتهم في تلك الساعة وهم جياع لابتياع خبزا، لأنه يصعب عليهم السير في هذه الحال. امَّا عبارة " أَعطوهُم أَنتُم ما يَأكُلون " الى دعوة يسوع لتلاميذه لإبقاء الناس في الموقع طالبا منهم أن يعطوهم ما يأكلون وذلك امتحانا لإيمان التلاميذ ولكي يتمكَّنوا معرفة مستوى ضعفهم وقدرتهم.  يرى يسوع بطريقة مختلفة عن رؤية تلاميذه، فهو يرى ما ينقص، وما هو متوفر.  وهنا يُرغم يسوع تلاميذه على العمل، ويُعدَّهم للمساهمة في عمله. يُفضل الرب العمل من خلال الناس وبالناس. هل يطلب الله منا عملا ما لا يمكننا نحن والله ان نعمله؟

 

17 قالوا لَه: ((لَيس عِندَنا هَهُنا غَيرُ خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن)).

 

أمَّا عبارة " لَيس عِندَنا هَهُنا غَيرُ خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن" فتشير الى علامة شعور الإنسان بدوره الحيوي ومساهمته في خدمة البشرية كما ورد في كلمات داود النبي " ومِن يَدِكَ أَعطَيناكَ" (1أخبار 29: 14).   والجدير بالذكر ان الاناجيل الأربعة عيَّنت جميعها مقدار ذلك الطعام لإظهار صحة المعجزة ولتبيان انه لم يكن لهم الطعام سوى ذلك القدر الزهدي الذي كان مع الصبي الوارد ذكره في انجيل يوحنا (6: 9)، وهذه الكمية من الطعام لا تكفي التلاميذ وحدهم بل تكاد لا تكفي غير إثنين منهم، لان معدل ما يأكله الرجل ثلاثة ارغفة في دفعة واحدة (لوقا 11: 5، 6). ويقول البابا بِندِكتُس السادس عشر "إنّ أرغفة الخبز المصنوعة من الشّعير في حياتنا قد تبدو غير مفيدة، لكن الله بحاجة إليها وهو يطلبها منّا". هنالك تفاوت بين حاجة الشعب والإمكانيات الحقيقية للتلاميذ. يحتج التلاميذ مركزين انتباههم على ما ليس لديهم من الطعام والمال. والموقف الذي يبدو مستحيلا بالوسائل البشرية هو فرصة لله. وعلينا أن نضع كل إمكانياتنا البشرية بين يدي المسيح طالبين البركة في الصلاة. إن الله قادر ان يصنع المعجزات، علينا فقط أن نثق به ليمُدُّنا بالموارد. فالمتاح قليل ولكن مع البركة يصير كثيرًا جدًا. وأمَّا عبارة " خَمسَةِ" فتشير الى رقم الحواس وأصابع اليد والقدمين، فهو رقم النعمة المسئولة، فبخمسة أَرغِفَةٍ أشبع المسيح خمسة ألاف. أمَّا عبارة "سَمَكَتَيْن" باليونانية ιχθύς معناها سمكة) فتشير الى يسوع المسيح حيث ان هذه الكلمة اليونانية هي أول حرف لخمس كلمات: يسوع المسيح ابن الله المخلص، Ἰησοῦς Χριστóς Θεοῦ͑ Υἱός Σωτήρ . أمَّا رقم 2 فيشير للتجسد فهو الذي جعل الاثنين واحداً كما جاء في تعليم بولس الرسول " فإِنَّه سَلامُنا، فقَد جَعَلَ مِنَ الجَماعتَينِ جَماعةً واحِدة وهَدَمَ في جَسَدِه الحاجِزَ الَّذي يَفصِلُ بَينَهما، أَيِ العَداوة " (أفسس 14:2). وهو أشبعنا بجسده الذي قَّدَّمه لنا طعاماً. ويعلق القديس اوغسطينوس " ان السمكتين هما وصيتا حب الله وقريبنا، أو هما الشعبان: أهل الختان والغرلة، أو الشخصيتان للملك والكاهن".

 

 18 فقالَ: ((علَيَّ بِها)).

 

تشير عبارة " علَيَّ بِها " في الأصل اليوناني Φέρετέ μοι ὧδε αὐτούς (معناها احملوها لي الى هنا) طلب يسوع ما عندهم. وما أحلى ما قاله يهوشافاط الملك " ولا نَعلَمُ ماذا نَصنعَ، وإِنَّما عُيونُنا إِلَيك" (2 أخبار 20: 12). إنّ الربّ قادر أن يُبارِك في القليل فيفيض. فلنُقدِّم ما عندنا من إمكانات محدودة وهو يستثمرها لمجده. وعندئذ نجد طرق التضامن والمشاركة والتعاون التي تساعدنا في سد حاجات الناس الماديّة والمعنويّة: الطعام والملبس والمسكن والتعليم والصحة، والتطلع للعدالة والكرامة والحرّيّة.

 

19 ثُمَّ أَمَر الجُموعَ بِالقُعودِ على العُشْب، وأَخَذَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمَكَتَيْن، ورَفَعَ عَينَيه نَحوَ السَّماء، وباركَ وكسَرَ الأَرغِفة، وناوَلَها تَلاميذَه، والتَّلاميذُ ناوَلوها الجُموع.

 

تشير عبارة " ثُمَّ أَمَر الجُموعَ بِالقُعودِ على العُشْب " ἀνακλιθῆναι (معناها اتكاء الرجال على الكوع الإيسر، وهي الطريقة العادية حينئذ لتناول الطعام) الى طلب السيد المسيح من تلاميذه أن يتكئ الناس على العشب حيث لا مائدة لهم سوى الارض قبل أن يقِّدِّم لهم الطعام، لتسهيل التوزيع ولتجنب التشويش والارتباك (لوقا 14-15)، حيث انهم من خلال طاعتهم المرتبطة بإيمانهم يمكنهم ان يقفوا ويروا خلاص الله العجيب. ونلاحظ هنا سلطة يسوع على الجموع. ويُعد يسوع تلاميذه للمساهمة في عمله (مرقس 6: 30). ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم " أطاع التلاميذ يسوع في الحال، ولم يضطربوا، ولا قالوا ما هو هذا، كيف يأمرنا أن نتكئ الجموع ولم يظهر شيئًا في الوسط؟ بهذا ابتدأوا بالإيمان قبل نظرهم إلى المعجزة". أمَّا عبارة " على العُشْب" فتشير الى الأرض التي كانت مرعى ليست للفلاحة والزرع وسُمي قديما بسهل البطيحة الواقع شرقي بيت صيدا. وقال مرقس الإنجيلي انهم " فأَمَرهم بأَن يُقعِدوا النَّاسَ كُلَّهم فِئَةً فِئَةً على العُشبِ الأَخضَر.   فقَعدوا أَفواجاً مِنها مِائة ومِنها خَمْسون" (مرقس 6: 39-40)، وغايته من ذلك تسهيل التوزيع والحذر من ان يُترك أحد. أمَّا عبارة " فأَخَذَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمَكَتَيْن" فتشير الى ما قُدِّم الى يسوع غير كاف، ولكن بين يديه أصبح أكثر من كافٍ. لقد ضاعف يسوع الخمسة الارغفة والسمكتين حتى اشبعت أكثر من خمسة آلاف نفس. عندما نعطي للمسيح تتضاعف مواردنا. يأخذ الرب مهما قدَّمنا له من موارد ووقت وقدرة ويضاعفه بوفرة تفوق اقصى توقعاتنا. الخلاص يجعلنا نعيش فقرنا كغنى وإمكانية للمشاركة والاتحاد والثقة والهبة كما قال القديس بولس الرسول: "يسوع المسيح: قَدِ افتَقَرَ لأَجْلِكُم وهو الغَنِيُّ لِتَغتَنوا بِفَقْرِه" (2 قورنتس 8: 9). أخذ يسوع الارغفة الخمسة والسمكتين ليُعطي مائة ضعف. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم " ما نطق به اندراوس ليس مصادفة إنما سمع عن معجزات الأنبياء وكيف صنع أليشاع آية بالأرغفة ". وفي الواقع تُذكرنا َ أرغفة الشعير بما فعله اليشاع حين أطمع مئة رجل بعشرين رغيفا، وأكلوا وفضل عنهم (2 ملوك 4: 42-44). وأمَّا القديس أوغسطينوس فيعلق " أن الأرغفة الخمسة من الشعير ترمز إلى العهد القديم الذي يضم أسفار موسى الخمسة. وهي من الشعير، لأن قشرة الشعير جامدة ويصعب نزعها، كالعهد القديم حين كان اليهود يمارسونه بالحرف، ويستصعبون إدراكه بالروح. وأمَّا السمكتان فتشيران إلى الشخصيتان الرئيسيتان في العهد القديم، وهما النبي والملك. فيسوع هو الكاهن، إذ يقدِّم نفسه للَّه ذبيحة من أجلنا، وهو الملك الذي يملك علينا. وقد ترمز السمكتان إلى العهدين الجديد والقديم". أمَّا عبارة " رَفَعَ عَينَيه " فتشير الى عمل يأتيه الإنسان في مخاطبة الله نظرا ان الله ارفع منه.  أمَّا عبارة " السَّماء " فتشير الى الجو الذي يظهر انه يفصل بيننا وبين السماء العليا التي لا تُرى.  فهي التي تظهر فوق رؤوسنا وتسمى القبة الزرقاء، وكان العبرانيون يقولون إنها الجلد (تكوين 1: 14). وقد قال الربيون أن هناك سبع سماوات، ولكن بولس الرسول يقول إنه صعد إلى السماء الثالثة في رؤياه (2 قورنتس 12: 2) وهي ما يعبر بها عن سماء السماوات، فالسماء الأولى سماء السحب والطيور، والسماء الثانية سماء الكواكب والنجوم، أمَّا السماء الثالثة فهي مظهر المجد الإلهي ومسكن المسيح بالجسد والملائكة والقديسين. وحالتها فوق فهمنا وإدراكنا (أفسس 1: 3 ويوحنا 14: 2 و3 عبرانيين 4: 11). وهناك السماء الروحية التي هي مسكن الله الخاص، ولذلك يقال إن الله في السماء وإنه إله السماء.  أمَّا عبارة "بارَكَ في الأصل اليوناني εὐλόγησεν وبالعبرية “ברך " فتشير الى صلاة التسبيح والشكر التي ترافق "كسر الخبز" في رتبة المائدة عند اليهود إذ كانوا يقولون: "مبارك أنت أيّها الربّ الإله، ملك الكون، يا من تُخرج لنا الخبز من الأرض". ما أحوجنا دائماً إلى هذا الشكر. فكل شيء يبدأ من البركة. يبارك يسوع الأرغفة قبل تكثيرها. إن البركة تحوِّل الأرغفة الخمسة إلى طعام لجمعٍ كبيرٍ. والبركة هي مناسبة للتذكير بنعم الله على شعبه، بالإضافة الى انَّها تُعبِّر عن معنى الخبز الموزَّع على الشعب، وهو التبادل الجوهري بين الله والانسان. يشكر الانسان خالقه مباركا إياه (دانيال 3: 9). والبركة في الانجيل لها ثلاثة معانٍ: الأول رضى الله عن عبيده (متى 25: 34) والمعنى الثاني طلب الانسان رضى الله على غيره (لوقا 2: 34) والمعنى الثالث حمد الإنسان لله لأنه رضى عنه (مزمور 103: 1-2) وأمَّا معنى بارك هنا شكر او حمد. شكر المسيح الله وسأله الرضى باعتباره انه إنسان وهو نفسه وهب ذلك باعتباره انه إله. وهذا مثال لنا لنشكر الله على كل ما وهبه لنا من الخيرات ونلتمس رضاه علينا في قبولها " فكُلُّ ما خَلَقَ اللهُ حَسَن، فما مِن طَعامٍ مَرْذولٍ إِذا تَناوَلَه الإِنسانُ بِشُكْر" (1 طيموتاوس 4: 4). أمَّا عبارة " كسَرَ الأَرغِفة " فتشير الى كسر الخبز من اجل الطعام.  يُركِّز إنجيل متى الانتباه على الارغفة، فهي وحدها تُكسر وتُوزَّع وتُجمع.  هذا ما فعله يسوع هنا في طبرية، وسوف يُعلنه في العشاء الأخير في اورشليم" ثُمَّ أَخَذَ خُبْزاً وشَكَرَ وكَسَرَه وناوَلَهُم إِيَّاهُ وقال: ((هذا هو جَسدي يُبذَلُ مِن أَجلِكُم. إِصنَعوا هذا لِذِكْري " (لوقا 22: 19). فالآية تلمح الى رواية العشاء الأخير (متى 26: 26).  ويُعلق البابا فرنسيس "بدأ يسوع في كسرها، واثقًا في الآب. وتلك الأرغفة الخمسة لم تعد تنتهي أبدًا. هذا ليس سحرًا، بل هو ثقة في الله وفي عنايته". أمَّا عبارة " أَرغِفَةٍ " في الأصل اليوناني ἄρτους فتشير الى ارغفة صغيرة كالأقراص المدوّرة.  أمَّا عبارة " وناوَلَها تَلاميذَه، والتَّلاميذُ ناوَلوها الجُموع " فتشير الى فعل ناول الذي يدل على استمرار، ذلك ان الطعام يتكاثر عند توزيعه. ان يسوع الذي يُطعم الناس من خلال التلاميذ. كان توسط التلاميذ في توزيع الطعام ومساعدة للمسيح ورمزا لعملهم في المستقبل في توزيع خبز الحياة الذي اخذوه من يد المسيح.  يسوع يثق في قدرة التلاميذ على العطاء كما يُعطيهم فعلياً إمكانية ممارستها. نجد مثل ذلك في معجزة اليشاع في تكثير الخبز (2 ملوك 4: 42-44)، حيث يقوم خادم النبي بدور يماثل دور التلاميذ. عندما نُغني بعضنا البعض بالقليل الذي لدينا سنختبر عندئذ الغنى الحقيقي وسنحصل على أكثر مما نأمله. أن العطاء يُزيد بركة الرب في حياتنا. يسوع يصنع العجائب من خلال الانسان. فما كان مستحيلاً أصبح ممكناً. أليس هذا بعمل خارق؟ هل كُنتَ أنتَ، ذاتَ مَرَّةٍ، يدًا بيضاءَ أوصلَتِ الطعامَ إلى بُيوتِ الفُقراءِ دونَ انتِظارِ مُكافأةٍ مِنهُم؟

 

20 فأَكلوا كُلُّهم حتَّى شَبِعوا، ورَفعوا ما فَضَلَ مِنَ الكِسَر: اِثنَتَي عَشْرَةَ قُفَّةً مُمتَلِئةً.

 

تشير عبارة "فأَكلوا" و"شَبِعوا" الى المن الذي أُعطي للشعب العبراني في البرية (خروج16: 4).  ان يسوع لا يتجاهل احتياجات الانسان، حيث انه يهتم بكل جانب في حياتنا، الجانب المادي والجانب الروحي أيضا خاصة عندما يضع الانسان الأولوية الى سماع كلمة الله بحسب قول المسيح "اطلُبوا أَوَّلاً مَلَكوتَه وبِرَّه تُزادوا هذا كُلَّه " (متى 6: 33). ويُعلق القديس أمبروسيوس "القلوب الجائعة للإيمان الراسخ لا تُشبَع إلا بجسد المسيح ودمه". أمَّا عبارة "كُلُّهم" فتشير الى رغبة يسوع هي أن يقتات كل بشر من هذا الخبز الذي هو رمز الإفخارستيا، لأن الإفخارستيا هي للجميع إذ قدَّم يسوع نفسه ذبيحة للإنسانية بأسرها. أمَّا عبارة "شَبِعوا" في الأصل اليوناني ἐχορτάσθησαν فتشير الى المّنِّ الذي أُعطي لإسرائيل في البرِّية (خروج 16: 4)؛ كما أطعم الله شعبه في برية سيناء، كذلك فعل يسوع في ذلك المكان المقفر (مرقس 6: 30). فقد سدَّ كل احتياجات الانسان: روحا ونفسا وجسدا وأشبعه ليس من الخبز فقط، أنما أيضا من خبز الحياة الأبدية.  أمَّا عبارة "ورَفعوا ما فَضَلَ" فتشير الى الوفرة (2ملوك 4: 43)، وهكذا يتأكد الإيمان بأنه كانت هناك وفرة من الطعام حقًا، وإن ما حدث لم يكن تخيُّلًا، بل بُرهانا قاطعا على صحة المعجزة، وهكذا امر الله ان يحفظ جزء من المن في التابوت مُذكرا بالمعجزة التي جرت نحو أربعين سنة في البرية.  فكل كسرة من الكسر تشهد على المعجزة للدلالة على ان المسيح ذكر تلاميذه بمقار الكسر الباقية في تلك المعجزة. " كَم رَغيفاً عِندَكُم؟ قالوا لَه: سَبعَةٌ وبَعضُ سَمَكاتٍ صِغار" (متى 15: 34)؛ وتلمح العبارة ايضا الى المائدة التي لا تزال مفتوحة للجميع. وترمز هذه الفضلات الى طعام المّنِّ الذي اعطاه الله في البرِّية (خروج 17)، واخيرا الى القربان الاقدس، ومراده ذلك إبراز وفرة المواهب السماوية القادرة على اشباع المؤمنين (يوحنا 6: 35). وفي الواقع، كان اليهود يتطلعون إلى الخبز بكونه الطعام الرئيسي الذي يُمثل بركة من الرب، لذا يحرصون ألا يسقط فتات خبز على الأرض، ولا يطأ أحد بقدميه على فتات الخبز. جاء في أمثال اليهود: "من يحتقر خبزًا يسقط في أعماق الفقر".   كما تشير ايضا الى المائدة التي لا تزال مفتوحة للجميع؛ وتشير هذه الفضلات الى طعام المّنِّ الذي اعطاه الله في البرية (خروج 17)؛ أمَّا عبارة " الكِسَر" تشير الى الخبز الذي كسره ووزَّعه يسوع وكل ما فضل من الآكلين على الارض وليس الى الفتات التي سقطت على الارض، بل وهذه الكسر من الخبز تعطى طعاما للكنيسة حتى مجيء المسيح (مرقس 6: 43). وكل هذه الدلالة تلمح الى إطار يهودي لتكثير الارغفة. فيسوع ليس هو فقط معطي الحياة، بل هو خبز الحياة.   أمَّا عبارة " اِثنَتَي عَشْرَةَ قُفَّةً" فتشير الى عدد التلاميذ الذين اختارهم يسوع والذين يُعلمهم ان يقدِّموا الخبز للجموع الجائعة (متى 10: 1 -2) وهم يقومون بدور فعَّال أظهرته رواية المعجزة. والأرجح ان كل رسول كان يجمع الكسر في قفة معه ولذلك كانت قففهم أثتني عشرة. ويرمز رقم الاثني عشر الى اسباط إسرائيل الاثني عشر وبالتالي الى مجمل الكنائس. ورقم 12 هو عدد الرسل، ولكل رسول 10 افراد. فكان عدد الجماعة المسيحية الاولى في اورشليم 120 (اعمال الرسل 1: 15). ويشير الرقم 12 ايضا الى الكمال. أمَّا عبارة "القفة" في الأصل اليونانية κόφινος (معناها وعاء) فتشير الى سلة صغيرة من الخيزران الصلب تُحمل على الذراع للتسوق، وكان اليهود يحملون فيها مؤنهم حتى يتجنَّبوا شراء الطعام من الامم الوثنية (مرقس 8: 8). وأمَّا السلال فهي خاصة لليونانيين.

 

21 وكانَ الآكِلونَ خَمسَةَ آلافِ رَجُل، ما عدا النِّساءَ والأَولاد.

 

تشير عبارة "خَمسَةَ آلافِ رَجُل" الى علامة الجماعة الكاملة في نهاية الازمنة. هو عبارة 5 ضرب 1000 حيث ان عدد 5 هو عدد مقدس في العالم اليهودي، وعدد 1000 هو عدد كبير جداً وهو مكعب عشرة.  وقد سهل عد الرجال لاتكائهم مئة مئة، وخمسين خمسين.  ولكنهم لم يحسبوا عدد النساء والأولاد. أمَّا عبارة "رَجُل" في الاصل اليوناني ἄνδρες (معناها الرجال)  فتشير الى رؤوس العائلات. وكان من عادة اليهود أن يحصوا الرجال وحدهم من سن العشرين فما فوق دون النساء والأطفال أو الصبيان.  أمَّا عبارة "ما عدا النِّساءَ والأَولاد" فتشير الى إنجيل متى الذي لا يحسب النساء والاولاد في شعائر العبادة بل الرجال وحدهم. وكل هذه التفاصيل تضعنا في إطار أو بيئة يهودية.

 

 

ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (متى 14: 13 – 21)

 

بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي (متى 14: 13–21)، نستنتج انه يتمحور على المسيحُ المـُنتظَر الذي يُظهر قُدرَةِ اللهِ ورَحمَتهِ تعالى بدليل اهتمامه بالمرضى والجياع.  ومن هنا تكن اهمية البحث عن معجزة يسوع بشفاء المرضى ومعجزة خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن.

 

1) معجزة شفاء المرضى  

 

كانت حياة يسوع مرتبطة بالتعليم والعمل. بعد تعليم الجموع ُشدّد انجيل متى على شفاء الجموع كما ورد في النص " فعَرَفَ الجُموعُ ذلك فتَبِعوهُ مِنَ المُدُنِ سَيراً على الأَقدام. فلَمَّا نَزلَ إِلى البَرِّ رأَى جَمْعاً كَثيراً، فأَخَذَته الشَّفَقَةُ علَيهِم، فشَفى مَرضاهُم" (متى 14: 13-14). فإن عبارة " رأَى جَمْعاً كَثيراً" هي صدى لما جاء في الفصول السابقة: 5: 1، 8:18). وقد ورد ذكر الجموع أربعين مرة في انجيل متى، غالبا مرتبطا بذكر شفائهم من أمراضهم.  وعدَّد أنجيل متى مختلف الامراض التي شفى بها الجموع: منها شفاء الابرص (متى 8: 1-4)، شفاء خادم قائد المائة (متى 8: 5-13) وشفاء حماة بطرس (متى 8: 14-15)، وشفاء شامل في كفرناحوم (متى 8: 16-17) وشفاء المقعد في كفرناحوم (متى 9: 1-8)، وفاء المرأة المنزوفة (متى 9: 20-22)، وشفاء الاعميين (متى 9: 27-31) وشفاء الرجل الاشل اليد (متى 12: 9-14) وشفاء شامل في جناسرت (متى 14: 34-35)، وشفاء ابنة الكنعانية (متى 15: 21-28) وأخيرا شفاء كثير من المرضى في اورشليم بوم الشعانين (21-14).

 

أتم يسوع من خلال هذه المعجزات النبوءات المسيحانية، إذ تنتهي مجموعة المعجزات الأولى الواردة في الفصل الثامن من انجيل متى: شفاء الابرص (متى 8: 1-4)، شفاء خادم قائد المائة (متى 8: 5-13) وشفاء حماة بطرس (متى 8: 14-15)، وشفاء شامل في كفرناحوم (متى 8: 16-17) بهذه الكلمات " لِيَتِمَّ ما قيلَ على لِسانِ النَّبِيِّ أَشَعْيا: ((هوَ الَّذي أَخذَ أَسقامَنا وحَمَلَ أَمراضَنا)) (متى 8: 17). ويعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم "لم يقل: "أزال آلامنا"، بل قال: "حَمَلَ آلاَمَنا واحتَمَلَ أَوجاعَنا"، ممّا يعني، برأيي، أنّ النبي كان يتكلّم عن الخطيئة أكثر منه عن أمراض الجسد، ممّا يتطابق مع كلمة يوحنّا المعمدان: "هُوَذا حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العالَم" (يوحنا 1: 29). " (عظات عن إنجيل القدّيس متّى، العظة 27)

 

ونستنتج مما سبق ان معجزة تكثير الخبز والسمك ترمز لسر الإفخارستيا الذي يعطينا السيد المسيح فيه جسده على شكل خبز، ويشبعنا كلنا به. لذلك قبل إتمام معجزة إشباع الجمع شفى السيد المسيح مرضاهم (متى 14: 14)، ومعنى ذلك كما غسل السيد أرجل تلاميذه قبل العشاء الأخير، وفي هذا إشارة لإلزامنا بالتوبة والاعتراف قبل التناول فتتأهل لتقبل الجسد المقدس، كذلك شفى يسوع الجموع من خطاياهم ليكونوا مؤهلين لأكل الخبز الذي يعطيه السيد المسيح.

 

2) معجزة خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن

 

يروي لنا متى الإنجيلي سبب معجزة خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن ويوضح رمزها ثم يدعو تلاميذه الى تناول الإفخارستيا ويدعوهم الى العطاء والعمل والصلاة

 

سبب المعجزة: تنبع معجزة خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن من شعور يسوع بالشفقة على الجمع الجائع " فلَمَّا نَزلَ إِلى البَرِّ رأَى جَمْعاً كَثيراً، فأَخَذَته الشَّفَقَةُ علَيهِم" (متى 14: 14). فلم يعلمهم يسوع كما هو الحال في أنجيل مرقس (6: 34)، إنما ناول التلاميذ أرغفة الخبز لكي يناولوها للجموع.  قام الرب بسد جوعهم مشركا تلاميذه فيما فعل. ويُعلق البابا فرنسيس " أن محبة الله تَظهر حيال البشرية الجائعة إلى الخبز والحرية والعدالة والسلام، وخصوصا لنعمته الإلهية " (عظة 29/7/2018).

 

 رمز المعجزة: إن معجزة خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن ليست مهمّة في حد ذاتها، بل في مضمونها، إنها مقدمة ورمز الى الوليمة الإلهية، إذ هي تطابق رواية تأسيس سر الإفخارستيا، سر محبة الله المتأصلة بالمسيح، سر القربان المقدس، وليمة المحبة والمصالحة والشكر.  فهذه المعجزة هي تلميح وتمهيد للقربان المقدس. فيسوع ليس فقط مُعطي الحياة، بل هو الذي يُسند الحياة ويعولها، وهو ضروري للحياة المسيحية كالخبز اليومي للجسد، وهو الغذاء الكامل للنفس المؤمنة التي تتغذى به في القلب كل يوم وكل ساعة بواسطة الايمان.

 

هذه المعجزة هي صورة لتلك المعجزة التي اجراها يسوع ليلة عشاءه الأخير، وذلك للدلالة على ما استخدمه إنجيل متى من كلمات تتطابق مع نفس كلمات العشاء الأخير: " ورَفَعَ عَينَيه نَحوَ السَّماء، وباركَ وكسَرَ الأَرغِفة وناوَلَها تَلاميذَه، والتَّلاميذُ ناوَلوها الجُموع" (متى 14: 19)، وكلمات "ولَمَّا كانَ المَساء " (متى 14: 15) مُشيرا بذلكَ العشاءَ الأخيرَ بينَ يسوعَ وتلاميذه. فالربُّ يسوعُ في الليلةِ التي قَبلَ صلبِهِ وموتِهِ، جمَعَ تلاميذَهُ، أخذَ الخُبزَ بيديهِ وشكرَ اللهَ أباهُ، باركَهُ وسبَّحَهُ، ثم كسرَ الخبزَ وأعطاهُ لهُم قائِلاً: خُذوا كُلوا هذا هوَ جَسدَي. فالخُبزُ المـَكسورُ هوَ جسَدُهُ الذي سيبذِلُهُ على الصليبِ لأجلِ خلاصِ العالم. أشبع بها الناس من كل أمة وجيل، من خبزه النازل من السماء ومن جسده الكريم المبذول من أجلهم على الجلجلة،

 

دعوة الى الإفخارستيا: يدعونا يسوع من خلال معجزة خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن الى الإفخارستيا، مائدة الخيرات المسيحانية، وهي عطية الحق والعدل والرحمة، عطية مجانية تشمل الجميع كما جاء على لسان أشعيا النبي " أيُّها العِطاشُ جَميعاً هَلُمُّوا إِلى المِياه والَّذينَ لا فِضَّةَ لَهم هَلُمُّوا آشتَروا وكُلوا هَلُمُّوا آشتَروا بِغيرِ فِضَّةٍ ولا ثَمَن خَمْراً ولَبَناً حَليباً " (أشعيا 55: 1). ويُعلق القدّيس أوغسطينوس "يجب أن نتجوّع للرب". إنّ الربّ هو الّذي يُعطينا الخبز الحقيقي. وإنّ هذا الخبز، الّذي نحن بحاجة إليه، هو المسيح الربّ، الّذي يُكرّر قوله لنا: "خذوا كلوا من هذا كلّكم، هذا هو جسديّ الّذي يُبذل من أجلكم".  وهنا نتذكّر كلمات البابا بندكتس السادس عشر، في يوم بداية حبريّته: "من يدع السيّد المسيح يدخل إلى قلبه، لا يخسر أي شيء، لا شيء مطلقاً ممّا يجعل الحياة حرّة، وجميلة وعظيمة. كلاّ، في هذه الصداقة فقط تنكشف حقّاً الإمكانيّات العظيمة للحال البشري... لا يأخذ أيّ شيء ويُعطي كلّ شيء. من يُعطي نفسه له يحصل على مائة ضعف".

 

دعوة الى العطاء: يدعو يسوع تلاميذه ان يساهموا في عطائهم: " أَعطوهم أَنتُم ما يأكُلون" (متى 14: 16). يطلب يسوع من التلاميذ أن يفعلوا كما يفعل هو: أن يضعوا تحت نظره ما هو متوفر لديهم وإمكانياتهم المتواضعة. إن القليل، إذا تمت مقاسمته، يكفي لإطعام الكثيرين.   يُبين لنا يسوع ان للإنسان دوره الحيوي ومساهمته في خدمة الانجيل لتتم المعجزة كما جاء في كلمات داود النبي "مِن يَدِكَ أَعطَيناكَ" (1أخبار 29: 14). ويعلق البابا فرنسيس "لا يمكننا أن نقف موقف المتفرج حيال صراخ الأخوة والأخوات الجياع حول العالم لأن إعلان الرب الذي هو خبز الحياة الأبدية يتطلب التزاما سخيا من التضامن تجاه الفقراء والضعفاء والآخِرين ومن لا حول لهم ولا قوة" (عظة 29/7/2018).

 

ويدعونا يسوع من خلال معجزة خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن أن نساهم معه ولو بالقليل الذي نملكه " لَيس عِندَنا هَهُنا غَيرُ خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن"(متى 14: 17)، ويعلق البابا بِندِكتُس السادس عشر "إنّ أرغفة الخبز المصنوعة من الشّعير في حياتنا قد تبدو غير مفيدة، لكن الله بحاجة إليها وهو يطلبها منّا". وأشارت الاناجيل الأربعة الى مقدار ذلك الطعام، وهو خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن ليُظهروا صحة المعجزة وليبيِّنوا انه لم يكن لهم الطعام سوى ذلك القدر الزهيد الذي كان مع الصبي الوارد ذكره في انجيل يوحنا (6: 9). وذلك لا يكفي التلاميذ وحدهم بل يكاد لا يكفي غير إثنين لان معدل ما يأكله الرجل ثلاثة ارغفة (لوقا 11: 5، 6). فالمتاح قليل ولكنه مع البركة صار كثيرًا جدًا، لان الربّ يعمل بالقليل ويبارك فيه. لا يريد الرب منّا أكثر ممّا لنا وما في قدرتنا، بل يريد ان نضع بين يديه القليل الذي نملكه، وبهذا القليل يستطيع الرب أن يصنع المعجزات. وهذا الامر يجعلنا ان نردد الصلاة التي تتلى في القداس "ما لَكَ، ممّا هوَ لكَ، نُقرِّبُهُ لكَ، عَن كُلِّ شَيءٍ، ومِن أجلِ كُلِّ شَيء".

 

دعوة الى العمل: يدعو يسوع تلاميذه ان يقوموا بدورهم في عمل المسيح الربّ. في المعجزة أعطى السيّد المسيح الخبز لتلاميذه، وهم بدورهم قدّموه إلى الجموع. لقد كان الربّ يسوع يعمل عن طريق أيدي التلاميذ، ولا يزال يفعل هكذا. إنّ التلميذ عاجز بدون سيّده، ولكن في ذات الوقت يحتاج السيّد إلى تلميذه ليُجري معجزاته. فالنعمة هي التي حوَّلت هذا القليل الذي قدّمه التلاميذ لإشباع الكثيرين. وهنا يظهرُ البُعدُ الكنَسيُّ مِن خِلالِ دورِ التلاميذِ الذينَ أشركَهُم يسوعُ في تَوزيعِ الخُبزِ إذ ناوَلَهُم أوّلاً ومِنَ ثمَّ ناولوا الجُموعَ فيَقومُ دَورُ الكنيسةِ في مُتابَعَةِ تَكثيرِ تَوزيعِ بركاتِ الربِّ.

 

 نرى ان الرب يريدنا ان نساهم معه فيما يفعل من اجل خلاصنا. وانه لا يفعل امرا مما يتعلق بخلاصنا من دوننا، من دون ان نقدِّم له شيئا. وان الرب يبارك ما نضع بين يديه. لذلك لا نتردَّد ان نضع بين يديه القليل مما عندنا ليجعله بنعمته كثيراً. لنضع دموعنا وأحزاننا ليحوِّلها فرحا، ومضايقاتنا ليجعلها فرجاً، واوهاننا ليجعلها قوة وغلباً، وامراضنا ليشفيها، وخطايانا ليغفرها، ومخاوفنا ليجعلها ثقة وسكينة وأماناً، وهمومنا ليبدِّدها، وصعوباتنا ليُسهِّلها، وحاجاتنا ليلبِّها. يسوع يدعو ان نؤمن به وبسلطانه وهو سيُذهلنا بمعجزاته وحبه وحنانه.

 

دعوة الى الصلاة: يدعو يسوع تلاميذه أخيرا ان يصلوا " أُرْزُقْنا اليومَ خُبْزَ يَومِنا"(متى 6: 11)؛ وفي مكان آخر قال لتلاميذه. "لا يُهِمَّكُم لِلْعَيشِ ما تَأكُلون ولا لِلجَسَدِ ما تَلبَسون." (متى 6: 25)، لكن يجب ان يفكروا، ماذا يأكل ويشرب ويلبس الآخرون. عليهم أيضاً أن يأخذوا القليل مما يملكون، وان يرفعوا عيونهم إلى السماء، واثقين في الآب، كي يكون الآب هو الّذي يُكثّره، ويجعله قادراً على إشباع احتياجات الكثيرين. السيّد المسيح أمر بملأ الأجران في معجزة تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل؛ فهل من حوَل الماء إلى خمر كان غير قادر ملء الأجران ماء بدون مساعدة الخَدَم؟ (يوحنا 2: 7). والسيّد المسيح أمر برفع الحجر عن قبر لعازر ثم أقام الميت، فهل من أقام الميت كان غير قادر على زحزحة الحجر؟ (يوحنا 11: 39). إذًا نعمة السيّد المسيح تعمل مع من يجاهد بقدر استطاعته، لذلك نسمع بولس الرسول يصرِّح "جاهَدتُ جِهادًا حَسَنًا وأَتمَمْتُ شَوطي وحافَظتُ على الإِيمان" (2 طيموتاوس 7:4). فالأعمال ليست هي السبب الرئيسي لحصولنا على المعجزة، ولكن نحصل على المعجزة عندما نعمل ونجاهد في أعمال صالحة سبق الربّ وأعدها لكي نسلك فيها (أفسس 10:2).

 

فليتحضّر كلّ واحد منا للذهاب إلى يسوع، وليسمع صوته يناديه لأنّه هو من يشفي امراضنا ويشبع جوعنا ويعلق القدّيس أثناسيوس "فليأتِ إليه الجائع فهو "خُبزُ السَّماءِ الحَقّ" (يوحنا 6: 32)، وليأتِ إليه العطشان أيضًا فهو نبع الماء الحيّ (يوحنا 4: 10). وليأتِ إليه المريض فهو الكلمة، كلمة الله التي تشفي المرضى. وليكن الخاطئ واثقًا لأنّ الرب قال: "تَعالَوا إِليَّ جَميعاً أَيُّها المُرهَقونَ المُثقَلون، وأَنا أُريحُكم" (متى 11: 28)"(الرسالة الاحتفالية الرابعة والعشرون بمناسبة عيد الفصح).

 

الخلاصة

 

معجزة تكثير الخبز والسمك الأولى حدثت عند عيد الفصح، بعد أن عبر المسيح وتلاميذه إلى الشاطئ الشمالي من بحيرة طبرية، حيث أراد النزول في مكان قفرٍ طلبًا للسكينة والعزلة بعد سماعه بمقتل يوحنا المعمدان، وإذا بجمع من الناس يتبعونه إلى حيث نزل، وحين جاء المساء نصح تلاميذه أن يفرّقوا الناس -وهم جياع -باتجاه القرى المجاورة ليبحثوا هناك عن مأكل ومشرب، فرفض المسيح تلك الفكرة بقوله: "((لا حاجَةَ بِهِم إِلى الذَّهاب. أَعطوهم أَنتُم ما يأكُلون)). قالوا لَه: ((لَيس عِندَنا هَهُنا غَيرُ خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن)) (متى 14: 18-21)

 

استخدم الرب الخمس الارغفة والسمكتين كي يُطعِم الجموع، كي يُقدِّموا الناس ما عندهم مهما كان قليلاً كالعبد الأمين الذي يستثمر وزناته بقدر ما أُوتي به من قوة وهبات. علينا ان نلقي القليل مما توفَّر لدينا بين يديه، فهو قادر ان يأخذ القليل ويُكثره لأنه النبي المقتدر. الله يأخذ مهما قدمنا له من وقت او قدرة او موارد ويضاعفه بوفرة تفوق اقصى توقعاتنا.

 

يَظهرُ يسوع كراعٍ يَقودُ قطيعَهُ نحوَ المراعي الخصبَةِ. هوَ الذي قالَ «تعالوا إليَّ يا جميعَ المـُتعَبينَ والمـُثقَلينَ بالأحمالِ وأنا أُريحُكم» (11: 28)، ها هوَ الآنَ يُطعِمُ الجياعَ مِن وَفرَةِ بركاتِهِ. خَلفيَّةُ هذهِ المـُعجزةِ هيَ إشباعُ اللهِ للشعبِ في الصحراءِ مِنَ المنِّ والسَّلوى معَ موسى.  هذه المعجزة تشبه ما ذُكر في العهد القديم عن معجزة المن في البرية على يد موسى (خروج 16: 35) وما ذُكر في تاريخ إيليا وأليشاع (1ملوك 17: 14-16، و2 ملوك 4: 107). قصد يسوع ان يُعلمهم المعجزة انه هو الخبز الحقيقي لنفس الانسان الجائعة وانه خبز كافٍ لتغذية كل النفوس الناس والى الابد. وما أعظم الفرق بين وليمة هيرودس ووليمة المسيح. كان في الأولى رقص وسكر ومحرَّمات وانتهت بالقتل، وكان في الوليمة الثانية تعاليم إلهية ومعجزة أظهرت حنو الله ورحمته وتلاها شفاء المرضى في سهل جينسارت (متى 14: 36).

 

في هذه المعجزة الأرغفة الخمسة والسمكتين يظهر يسوع بقوته ومجده. يسوع ما زال حيّا حتى يومنا هذا، يعمل العجائب خاصة عندما تداهمنا المشكلات، يشجعنا يسوع ان نؤمن بكلمته. وهو يريدنا أن نختبر مثل هذه العجائب بمساعدته في وقتنا هذا، ولكن بشرطين. أولا، أن نثق بمحبته ونؤمن بقدرته الفائقة. ثانيا، أن نشارك الآخرين بما نملك، "أعطوا تعطوا".

 

نستنتج مما سبق ان الحوار يحتل قسم رواية.  ويعزِّز متى الإنجيلي الحوار بين التلاميذ والمسيخ فتُصبح المعجزة صدى له. ما عمله يسوع في الماضي على الارض، لا يزال يعمله اليوم من خلال تلاميذه. ويصور متى الإنجيلي التلاميذ سائرين وراء يسوع منذ البدء، يشاركونه في خدمته الرسولية.  واجب التلميذ ان السير على خطى معلمه يسوع.  وبالتالي ان يواصل عمله.

 

دعاء

 

أيها الآب السماوي، يا من أرسلت ابنك يسوع المسيح، ليكثر الخبز للجموع، أسرع وبادر الى استغثتنا وسد حاجاتنا وهبنا ان ندرك بأن يسوع وحده الخبز النازل من السماء والقوت الباقي للحياة الابدية.

 

  قصة: الطفلة: الجائعة والرجل الغني

 

كانت: طفلة مسكينة واقفة على حافة الطريق تحت البرد والشتاء بثوب رثٍّ وبلا حذاء مرتجفة،

 فمرّ قدامها رجل غنيّ مدّت له يداً مرتجفة تترجاه لحسنة،

فرفع هذا عينيه إلى السّماء محتجّا إلى الله:

لماذا خلق هذه المسكينة، الّتي لا أمل لها بحياة كريمة؟

 فسمع صوتاً من السّماء يوبّخه:

 لقد خلقتك أنت لتساعدها.

لا يوجد مُبرِّر في عالم الله للمثل القائل:

الغني يزداد غنىً والفقير فُقراً.

أعلنت منظمة الجوع في العالم FAO :

العالم لا يحتاج إلا لـ 10% ممّا يصرفه العالم على السلاح حتى يزول الفقر من العالم ويعيش الجميع برفاهيّة.