موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٢ أغسطس / آب ٢٠٢٠

مريم: مرساة أمان ثابتة لحياتنا

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
فلنتوجه إلى مريم ونطلب منها نعمة أن نكون دائمًا مرتفعين عن الأرضيات

فلنتوجه إلى مريم ونطلب منها نعمة أن نكون دائمًا مرتفعين عن الأرضيات

 

يسوع صعد إلى السماء بقوته الإلهية، والعذراء مريم انتقلت بالنفس والجسد إلى السماء بسلطان إبنها.

 

"المرأة الملتحفة بالشمس والمكللة بالنجوم" (رؤيا ١٢: ١) هذه العلامة العظيمة، تدعونا للتأمل بمريم، المكلّلة بالمجد إلى جانب ابنها الإلهي، تدعونا لندرك المستقبل الذي ما زال الرب القائم من الموت والصاعد إلى السماء يفتحه أمامنا.

 

القديس بولس يُصرح قائلاً بأن المسيح هو "آدم الجديد"، الذي بطاعته إلى الآب هدم ملكوت الخطيئة والعبودية وأقام ملكوت الحياة والحرية (قورنتس الاولى ١٥: ٢٤-٢٥).

 

الحرية الحقة تكمن في قبول المُحب لإرادة الآب. من مريم، حواء الجديدة، الممتلئة نعمة، نتعلم أن الحرية المسيحية هي أمر أكبر من مجرد التحرر من الخطيئة. إنها حرية تفتح على شكل روحي جديد لاعتبار الوقائع الأرضية، هي حرية محبة الله والإخوة والأخوات بقلب نقي وعيش الرجاء والفرح بملكوت المسيح الآتي.

 

اليوم، ونحن  نكرّم مريم سيدة الانتقال وملكة السماء، نتوجه إليها كأم الكنيسة الجامعة، وأُمّ البشريّة عامةً، ونطلب إليها أن تساعدنا لكي نكون أمناء إلى الحرية الملكية التي تلقيناها في يوم المعمودية، ولكي نُضاعف جهودنا لتحويل العالم بحسب إرادةِ الله، وأن تجعل الكنيسة في بلادنا قادرةً على أن تكون بشكل أكمل خميرة ملكوت الله في كل المجتمع.

 

فلنكن، نحن جسد يسوع السريّ قوة سخية للتجدد الروحي في كل أبعاد المجتمع. ولنقاوم  سحر الحياة المادية الخادع الذي يخنق القيم الروحية والثقافية والإنسانيّة الأصيلة، ولننتصر على روح المنافسة التي لا تعرف حدًا والتي تولّد الأنانية والحقد والبغض والصراعات. ولنرفض أيضًا النماذج الاقتصادية غير الإنسانية التي تولد أشكالًا جديدة من الفقر، وتهمّش العمّال والمرضى، وثقافة الموت التي تُفرغ صورة الله، إله الحياة، وتنتهك كرامة كل رجل وكل امرأة وكل طفل.

 

ونحن نحتفل بهذا العيد، نتحد بالكنيسة الجامعة المقدّسة الرسولية، المنتشرة في العالم بأسره وننظر إلى مريم مثل رجاءنا. متذكرين  نشيد التعظيم وهو: أن الله لا ينسى أبدًا وعود رحمته ومحبته للبشر (لوقا ١: ٥٤–٥٥).

 

مريم طوباوية لأنها "آمنت بما قيل لها من عند الرب" (لوقا ١: ٤٥). فيها ظهرَ وبانَ أن كل وعود الرب هي صادقة. بتكلّلها في المجد، تُبيّن لنا مريم أن الرجاء أمر واقعي، ومنذ الآن هذا الرجاء يتجلى كـ"مرساة أمان ثابتة لحياتنا" (عبرانيين ١٩: ٦)، حيث المسيح جالس بالمجد. هذا الرجاء، الذي يُقدمه الإنجيل لنا، يناهض روح اليأس الذي يبدو وكأنه ينمي مثل مرض عضال خبيث في وسط مجتمع غني ظاهريًا، ولكنه يترك غالبًا فراغًا ومرارة باطنية. كم من الأشخاص وخاصةً الشباب دفعوا ثمن هذا اليأس! فليحفظ الرب بشفاعة العذراء مريم، سيدة الشباب على إيمانهم وفرحهم وثقتهم، لكي لا يتضعضع رجاؤهم!

 

فلنتوجه إلى مريم، أم الله، سيدة الإنتقال، ونطلب منها نعمةً، نعمة أن نكون دائمًا مرتفعين عن الأرضيات، فرحين في حرية أبناء الله، وأن نستعمل تلك الحرية بشكل حكيم، لكي نخدم إخوتنا وأخواتنا، وأن نعيش ونعمل بشكل جدّيّ، ونكون في بلادنا ومجتمعاتنا علامات رجاء وفرح، ذلك الرجاء الذي  نجده في الملكوت الأبدي.