موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١ يونيو / حزيران ٢٠٢٠

مريم العذراء في فكر القديسين كيرلس الإسكندري وفرنسيس الأسيزي

بقلم :
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني - مصر
نعطي السلام والأكرام للبتول مريم

نعطي السلام والأكرام للبتول مريم

 

مقدمة

 

تظل مريم العذراء على مر التاريخ لها مكانة خاصة بين صفوف القديسين لأنها أم الله، وحملت لنا المخلص، وتتزين  بألقاب كثيرة تليق بقداستها.

 

يفصل بين القديس كيرلس والقديس فرنسيس ستة قرون لكل منهما، حيث عاشا في زمنين يختلفان كل الإختلاف عن أحدهما الآخر.

 

ينطلق القديس كيرلس الإسكندري بالفكر اللاهوتي ويرد على الهرطقات في القرن الخامس والأزمات والأفكار المشوهة التي انتشرت حينذاك خاصة حول السيد المسيح والثالوث ومريم العذراء. تحتل مريم العذراء مكانة في فكر البطريرك كيرلس الإسكندري ويعطي لها مكانة في قلبه وفي الكنيسة، واستعمل كلمات الصلاة: "تحت ظل حمايتك، نلتجئ إليك يا والدة الله القديسة..." هذه الصلاة التي كانت موجودة منذ القرن الثاني. ولذا يُلقب القديس كيرلس بعامود الدين، وهذا لعمق فكره اللاهوتي ودفاعه عن الإيمان.

 

كما تحتل مريم العذراء مكانة خاصة في روحانية القديس فرنسيس، فهو رجل الإنجيل، عاش حياته بالبساطة والحب والسلام في القرن الثاني عشر. إذ يجذبه فقر وبساطة مريم العذراء وكرامتها كونها قصر ومسكن العلي، ولذ يضع حياته وحياة الرهبنة تحت ظل حماية مريم العذراء الكلية الطوبى والقداسة.

 

إذًا حول مريم العذراء يتحد القديسان بفكر واحد حول قداستها مريم واختيارها الإلهي بالرغم أن بينهما عدة قرون. فتظل مريم نموذجًا للإيمان والرجاء وأمًا للكنيسة.

 

في عصر القديس كيرلس

 

خرج علينا نسطوريوس بأفكاره المشوهة، وهو من أصل سوري، نادى في تعليمه حول ومريم العذراء واستعمل بدلاً من مصطلح ثيئوتوكس (والدة الإله)، كلمة كريستوكوس (أم المسيح). وفي عام 416 أصبح كيرلس الأول، البطريرك الرابع والعشرين لكرسي الإسكندرية، وتميّز البطريرك في تفسيره للكتاب المقدس وكلاهوتي وواعظ ومدافع عن الإيمان ضد نسطوريوس في مجمع أفسس عام 431.

 

ويقدّم لنا في رسالته إلى نسطوريوس (في الرسالة رقم 6): "أن الكنيسة لا تصبر عليك أن تشتم إلهًا وهي أبواب الجحيم لا تقوى عليها. وأنت تعلم ما نالها من التجارب ولم يقدر أحد عليها لأنها هي كالصخرة في الإيمان". ويضيف أيضًا في رسالته ضد نسطوريوس رقم 8 يقول: "كل من لا يقول أن مريم والدة الإله فليكن محرومًا".

 

يسطّر القديس كيرلس لنا في مذكرة مرسلة إلى بوسيدونيوس في روما، الأمور التي تخص نسطوريوس، ويشرح لنا فكر نسطوريوس في رسالته رقم 11 (1) متكلمًا حول السيد المسيح: "إن قيل أن تكون كلمة الله تأنس بسبب أن الله كان دائمًا معه، كما مع إنسان قديس مولود من عذراء، ولهذا السبب يقال أن الكلمة تأنس وكما كان الله مع الإنبياء، هكذا يقول هو أن الله كان معه في اتصال وثيق". يرفض نسطوريوس لفظ اتحاد، ويستخدم كلمة اتصال، كما لو كان واحد من الخارج. ينكر نسطوريوس لاهوت المسيح ولا تكون العذراء مريم والدة الإله.

 

القديس فرنسيس الأسيزي

 

كما واجهت  الكنيسة في العصور الأولى العديد من الهرطقات والأزمات هكذا أيضًا في العصور الوسطى. تبزغ روحانية يقدمها القديس فرنسيس الذي انتهج البساطة وحياة الإنجيل أسلوبًا مقتديًا بالمعلم الصالح، فقيرًا، مطيعًا، عفيفًا... وأصبح قديسًا عظيمًا داخل الكنيسة.

 

من ملامح هذا العصر الوسيط:

 

- انتشار النقوش والرسمات الجدارية تشرح لنا الكتاب المقدس والتعليم المسيحي.

 

- حروب الفرنجة (الحروب الصليبية لإنقاذ الأماكن المقدسة من السيطرة عليها).

 

- ظهور تيارات تختلف عن تعليم الكنيسة، على سبيل المثال (انتظار عالم أفضل، حركات تتكلم عن العودة للإنجيل والكنيسة الأولى بمنطلق (رؤيوي ألفي) لمصير البشرية.

 

- الكُتار (الأطهار) التي ظهرت بالجنوب الغربي الفرنسي والشمال الإيطالي، الذين يؤمنون بأن المادة هي شر، ويرفضون تجسد المسيح، وينكرون الزواج، ويعيشون الفقر والتقشف، الذي هو أسلوب حياتهم.

 

- المانويون الجدد أو الكُتار: تعاليهم أن هناك إلهين أو ربين، أي إله صالح وإله شرير. ينكرون تجسد ربنا يسوع المسيح في أحشاء مريم الدائمة البتولية، ويؤكدون أنه لم يتخذ جسمًا بشريًا حقيقيًا، ولا جسدًا بشريًا، وبأنه لم يتألم قط، ولم يمت على الصليب.

 

وسط هذه التيارات نرى القديس فرنسيس يعيش حياته الرهبانية داخل الكنيسة، ويعلن ويرد على الهرطقات بطريقه حياته وروحانية بإعلانه: "نشُكرك لأنك مثلما خلقتنا بابنك، كذلك بحبك القدوس الذي به أحببتنا جعلته يوُلد إلهًا حقًا وإنسانًا حقًا من الكلية الطوبى والقداسة مريم المجيدة والدائمة البتولية".

 

ويتكلم عن سر التجسد يقول (في نص التوصيات): الابنُ بصفته مساويًا للآب، لا يستطيعُ أحد رؤيته إلا الآب والروح القدس لذلك فجميع الذين رأُوا الرب يسوع وفقًا للناسوت، ولم يروا ولم يؤمنوا، وفقًا للروح والألوهة، بأنه ابن الله حقًا فهُم هالكون.  محبة القديس فرنسيس لأم يسوع بأنها لا توصف، وهى السيدة والملكة ووالدةُ الله، والعذراء التي صارت كنيسة وموضع اهتمام الثالوث وهي تحمل في أحشائها ملء النعمة والخير.

 

جدول يوضح مدى تقارب فكر القديسان عن مريم العذراء

 

ما أجمل وما أحلى أن نمدح القديسة مريم العذراء مع القديسين  كيرلس وفرنسيس بكلمات تنبع من روحانيهما والتى تعبر عن مدى حبهما للقديسة مريم ومكانتها في تاريخ الخلاص.

خاتمة

 

من خلال هذا النص البسيط نجد أن القديسة مريم العذراء لها دور أساسي في تاريخ الله الخلاصى ومع مسيرة الكنيسة نحو السماء لا تترك ابنائها فى أى حال من الأحوال، ونرى أن مريم هي المسكن اللائق بالله، الينبوع الذي لم تحفره يد البشر، حيث تتفجّر المياه التي تطهّر من الخطايا، الأرض غير المحروقة التي تنتج الخبز السماوي. ونعطي السلام والأكرام للبتول مريم.    

 

بعض المراجع:

كتابات القديس فرنسيس والقديسة كلارا، الأب طوني حداد الكّبوشي، 2005.

تاريخ الكنيسة ، بقلم الأب جان كُمبي، دار المشرق بيروت، 1994.

نصوص الآباء رسايل القديس كيرلس (الجزء الثاني) ترجمها عن اليونانية د. موريس ود. نصحي عبدالشهيد، 1989.