موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٣ ابريل / نيسان ٢٠٢٠

متى يموت الإنسان؟

بقلم :
رائد نيسان حنا - العراق
كن مثالا يقتدي به، وكن رسالة حية مقروءة للأجيال القادمة

كن مثالا يقتدي به، وكن رسالة حية مقروءة للأجيال القادمة

 

قد يبدو السؤال المطروح غريبًا للبعض أو غير واضح، ومستغرب. وقد يقول الأغلب أو البعض بقولهم هذا معلوم عند بلوغ الإنسان عمر محدد الذي أعطاه الله سيفارق الحياة أو يتعرض لحادث سير أو ما شابه إلى ذلك... ومفهوم الموت علميًا لدى معظم البشر هو موت طبيعي مفارقة الحياة، ولكني لست ما أعنيه بهذا الصدد، ولست أتكلم عن أمور موسعة لكنها محصورة هو من نوع آخر، ورجائي أن تقرأ المقالة بشكل تمحيصي وإدراك وستدرك المعنى وتصل إلى إجابات واضحة وتكتشف المغزى الذي أتحدث عنه وأقصده.

 

وقبل الإجابة عن السؤال نحتاج أن نعرف ما هو الإنسان من  نظرية معنوية وماذا يحمل من مواقف... ونعلم بأنه يوجد الكثير من المواقف التي تجعل الإنسان ميتًا، وهذه حقيقة لا يمكن استبعادها إن لم يقوم بالعمل بها. وكذلك الأعمال الجسدية تجعل الإنسان ميتا إن عملا بها.

 

ليس كل من فارق الحياة يقال عنه أنه فارق الحياة، وبمعنى آخر ليس كل من لفظ أنفاسه وغمض عينيه وتوقف قلبه عن النبض وتوقف جسده عن الحركة يقال عنه فارق الحياة . فيوجد الكثير من الموتى يتحركون يتحدثون يأكلون يشربون يضحكون لكنهم موتى يمارسون الحياة بلا حياة، فمفاهيم الموت لدى الناس تختلف.

 

الإنسان عبارة عن الضمير بالمرتبة الأولى، الصدق، الإخلاص، الأمانة، الثقة، الرأفة، أحاسيس، الحنان، العاطفة، العطاء اللامتناهي، السعادة، الاهتمام، القلب، الرحمة، المحبة، الصلاح، الوداعة، الحق، السلام، الوداعة، التواضع، الأخلاق... والبذل في سبيل إنعاشها بصورة دائمة ومستمرة وهذه ممكن أن نسميها أو نطلق عليها شرائع وواجب يفترض تأديتها والعمل بها لخير الإنسان وهذه هي المثالية التي تبهره وتجعله مميزا جميلا عن المواقف الأخرى... وينبغي أن تسود كل الصفات الإنسان الطيب الصالح والتحلي بها، وأكثرها التي يفتقر إليها الإنسان، وفي كثير من الأحيان لا ينظر الإنسان  ولا ينتبه ولا يلاحظها كمفقودة في حياته ويتجاهلها ويتناسى الاهتمام بهما ودون أن يساعد نفسه أو يسعى على اكتشافها. وكثير من الناس بصحة جيدة وأغنياء لكنهم لا يتمتعون بهذه الكنوز وهناك فراغ كبير يحتل قلوبهم ونفوسهم ولا يدركون بأنهم بحاجة إلى تلك الكنوز ولا يسعون باتجاهها ومتناسين البحث عنها.

 

وربما مفقودة في البعض، وهذا قد لا ينطبق مع كل الناس، فإن كل إنسان يتحمل مسؤولية مواقفه أي كل إنسان يموت بمواقفه كل حسب مواقفه. وهكذا في الأعمال الجسدية الظَاهِرَةٌ  التي وهي: زِنى، عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ‏ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ التحزب‏ حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ الغضب العربدة ٌ نفاق نميمة لسان كاذب شاهد زور يفوه بالأكاذيب زارع خصومات أرجل سريعة الجريان إلى السوء مكر حقد  كراهية الفتنة ... وبالرغم من أن كل هذه هي بلا شك تميت الإنسان وتحكم عليه بالموت وهذه بمجملها الخطايا التي تميت الإنسان وتقود به للتهلكة وهذا لا مفر منه وكأننا نقول بمواقفك تموت أو العكس.

 

أن العالم مبني بشكل أو بآخر على قواعد أخلاقية, الصالح يلقى الصلاح في نهاية المطاف, كذلك الشرير يلقى الشر في نهاية المطاف أيضا فانه ما يزرعه الإنسان إياه يحصد ,ويحصد ما يزرعه وهكذا كبقية المواقف...

 

هل سبق لك أن استوقفك أو شعرت بأنك ميت من بعض المواقف؟

 

أتمنى قرأتم السؤال بتمعن  وإدراك وبتأمل وعرفتم الإجابة  من خلال السطور، وهنا أتينا بالإجابة  عن السؤال الذي سألناه في مقدمة مقالنا هذه.

 

يموت الإنسان عندما لا تتوافر فيه مواقف التي تطرقنا بذكرها والتي من الواجب توظيفها وتحريكها وعدم إبقائها جامدة وبدون استخدام ومع مرور الوقت ستضعف وتصبح مهمشة وتموت رويدا رويدا وهكذا ستموت  والتي بدونها سيصبح الإنسان ميتا وهو على قيد الحياة. فلا عجب إذا إن كنا نسمع عن إنسان ميت وهو حي هذا هو واقعنا المرير فما المنفعة من امتلاكه للمواقف إن لم يتم تعينها وتوظيفها لكي تكون معاشة مستمرة في مسيرة الحياة ونعيش معانيها والتي تتركز على تأديتها والسعي نحوها باستمرار وحينما يتسلل الفتور إلى حياتك تذكر انه بإمكانك أن تجدد هذه المواقف وان تنعشها من جديد وخصص وقتا تسترجع فيها صفاتك والتزم واعمل على تفعيلها  فتكون حيا ومثمرة ...

 

ما أكثر الناس الذين فقدوا هذه المهمات المواقف وماتت بداخلهم ولم يتم إنهاضها أو تفعيلها ولم يملكوها والتي حاجتهم إليها لتأديتها وأبقوها بدون تحريك وأصبحت معطلة، مرتكزين على ذاتهم أنانيين وهذا يتطلب الخروج من دائرة الأنانية ونكران الذات ليمارسوها، حياة الإنسان هو الذات، فالذات تريد أن تتدخل في كل أمر لكي يظهر صاحبها، وكأنه شيء وهنا تكمن المشكلة الذات التي اقتادتهم إلى الهلاك والموت.

 

كما نعطي مثل توضيحي تصويري تشبيهي دارج لمقولة تقال في مواقف كثيرة ( فاقد الشيء لا يعطيه) وعلى سبيل المثال فمن لا يملك مالا لا يمكنه أن يعطيه للآخرين، ومن لا يملك منزلا لا يمكنه أن يعرض عليك مكانا تقيم فيه إذا حللت ضيفا على مدينته مثلا، أو إذا كنت تمر بضائقة مادية يصعب عليك أن تدفع إيجار منزل تستأجره،  وهكذا... وهكذا مع فاقد المحبة لا يقدر أن يهبه للآخرين كذلك مع الرحمة... فيكيف سيهبه للآخرين.

 

عندما يتجرد الإنسان عن قلبه ومشاعره وإنسانيته ولا يشعر ولا يقوم بتفعيلها لانجاز العمل وما يطلب منه... حتما لن يكون بداخله هذه المحتويات وبلا شك سيكون بلا قلب وبلا إنسانية خاليا من المواقف الإنسانية...

 

من المؤكد عندما يفقد الإنسان هذه المواقف سيفقد نفسه وبلا شك سيموت الإنسان عند فقدانها وهكذا يمكننا أن نصفه  صندوق بدون كنز أو كتاب بدون معنى وبدون محتويات. فهل أنت صندوق خالي من الكنوز؟ أو  كتاب مع المحتويات أم العكس؟

 

على الإنسان أن يتميز ويتحلى بهذه الصفات التي تبهره وتميزه عن الآخرين ويكون له اسما مثمرًا بعد انتقاله من هذه الحياة الزائلة. والمواقف التي ذكرناها تجعله إنسانًا يعيش بهذه الحياة ذات قيمة ومعنى وهدف... التي لا بد من كل إنسان أن يتحلى بها ويتزين ويعيش بها لأنه تجعله جميلا وبهذه الكنوز يترك أثرا يعيش مع الآخرين بسيرته الطيبة  الإنسان الصالح وبسجله الحافل بالمواقف الإنسانية وبصمة لا تنسى يذكره محبيه وأصدقائه ومعارفه وجوارينه وكل من التقى به وعرفه وفقدانه يعتبر خسارة كبيرة لا يتعوض وسيبقى في الذاكرة الأجيال وتتحدث عنه المجالس... تاركا رسالة حية يوصي بها لتوصليها إلى أناس آخرين والمحافظة عليها.

 

وأخيرا:

أضف إلى حياتك مواقف التي  تجعلك حيًا، ولكي تكون حيًا اجعلها معاشة في حياتك؛

فكن مثالا يقتدي به، وكن رسالة حية مقروءة للأجيال القادمة...