موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٩ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٠

لا تتركوهم يرسمون ديننا

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي :

 

آلمتني العملية الإرهابية التي نفذها الشاب الشيشاني في فرنسا بقطع رأس معلمه؛ بحجة أنه أعاد نشر رسوم مسيئة لرسولنا الكريم محمد عليه السلام. وقبل كل شيء، أنا ضد الإساءة إلى أي دين، وضد نشر ما من شأنه تحقير أي معتقد وأي فكر ديني.

 

العملية إرهابية بامتياز ومدانة ولا تعبر عن جوهر ديننا، حتى مع من يسيء إليه. فمن منح هذا الشاب الحق في تنفيذ هذه العقوبة القاسية بحق إنسان حتى ولو كان مخطئاً. فالجريمة لا تستحق قطع الرأس بكل تأكد في أية شريعة وأي دين. ثم من خوّله أن يكون القاضي والجلاد في نفس الوقت.

 

تجعلنا هذه العملية نستذكر تلك الفزعة التي انتشرت في العالم الإسلامي بعد أن نشرت صحيفة شارلي إيبدو تلك الرسوم المسيئة قبل خمس سنوات. يومها قلنا إن سياسة الفزعة لا يعول عليها في الأمور العظيمة. فهي تجيء بسرعة، وتضمحل بشكل أسرع، وكأنها ما كانت. وهذا ما حدث.

 

فقد رأينا المظاهرات الصاخبة في عدد من دول العالم الإسلامي، التي خرجت منددة بالصحيفة، لكن يبدو أننا نمتلك طبيعة بشرية لا تخضع لفيزياء الأفعال وردودها حساباتها، فنحن نحمى بأسرع من ملح بارود مُحمّص، ولكننا نبرد بذات السرعة أيضاً.

 

نعم هناك من يتعمد الإساءة إلى ديننا، وهذا معروف. ولكننا في المقابل، لا نمتلك إلا مثل تلك الفزعات السريعة والهبات العاطفية فقط، وأننا لا نرد بطريقة المحاججة الذكية والتنوير. فحتى هذه اللحظة يبدو أن العالم الغربي لا يعرف ديننا بشكل صحيح، فقد تركنا المتطرفين من أمثال بن لادن والظواهري والدواعش والفواحش وغيرهم يرسمون صورتنا وصورته لدى الغرب والعالم.

 

بعد تلك الحادثة نادى بعض العقلاء أن يكون الرد على الرسوم الساخرة بداية لمشروع إسلامي حقيقي لإعادة رسم صورة رسولنا الكريم في العالم، ولكننا لم نفعل شيئاً حتى اللحظة، إلا أن نحتفل بمولد الرسول العظيم بالطريقة ذاتها، وبالروتين نفسه، فنعطل ونمعن بالنوم الرخي حتى الظهيرة، فيما يتكفل التلفاز بإعادة فيلم الرسالة الشهير، الذي حفظناه عن ظهر قلب، وفيما يهب خطباء المساجد لتكرار خطبهم التي أطلقوها على مسامعنا في احتفال العام الفائت أو الذي قبله.

 

أرى أن يكون ردّنا علمياً وعقلانياً ومنطقياً، وبمستوياته الشعبية والسياسية والفكرية المتنوعة، وبعيدا عن نزعة الفزعة والهبة، وألا نترك الإرهابيين يقومون بالرد عنا بطريقة تشوّه علينا ديننا. فالعالم الإسلامي ينفق مليارات على أغاني فضائيات التتفيه والترذيل، فلماذا لا ينفق جزءا يسيرا لتسويق دينه بصورته الصحيحة، وبجوهره الحقيقي كدين عالمي إنساني محب للسلام ينبذ العنف، ويدعو إلى الفضيلة والحق والخير.  

 

(الدستور الاردنية)