موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٣ يوليو / تموز ٢٠٢٠

كورونا... وحقيقة وجودنا

بقلم :
المونسنيور بيوس قاشا - العراق
اعطِ صوتك لنصرة المظلوم، واشهد من أجل الحق وكرامة الإنسان، ولا تصلب الحياة بعلمك أو بدونه، ففي لحظات يزول كل شيء، وأعلم أن المسيح أحبنا وبموته أعطانا الحياة

اعطِ صوتك لنصرة المظلوم، واشهد من أجل الحق وكرامة الإنسان، ولا تصلب الحياة بعلمك أو بدونه، ففي لحظات يزول كل شيء، وأعلم أن المسيح أحبنا وبموته أعطانا الحياة

 

من المؤكَّد إننا نعيش في عالم تغيّرت فيه كل المفاهيم، وبسبب اللامبالاة والأنانية والكراهية والخوف من الآخر أصبحنا نُعدّ أرضنا أرض العذاب والألم بدل أن نُعدّها أرض الحلم المنشود والتعايش المقبول. وأصبحت أخبار الموت تُنقَل إلينا من كل مكان في العالم يرافقها شعور بالندم والحسرة بسبب تلوث العلاقات البشرية ببعضهم البعض، وعزلتهم في بحر الظلمات واليأس، وأصبحنا نعيش ونعلّم تعاليم غريبة بل عجيبة ومفادها: أن لا مكان لله في عالمنا وفي أوساطنا، وإذا ما كان هناك مَن يدافع عن الإيمان والأخلاق وكشف حقائق الحياة في مسيرة الدنيا يُصبح ذلك الإنسان عرضة للضحك والاستهزاء والإتّهام بالرجعية والتخلّف والتشاؤم وربما بالفاسد من كبار الدنيا وصغار الزمن . وإذا ما أعلن الإنسان أن بشارة اللامبالاة بالدين والعيش بملذات الحياة ما هي إلا رسالة بائسة، يتّهمونه ويعنّفونه قائلين إنه شخص لا يعرف ما هو التجدد وعيش الزمن العلمي المتقدم.

 

وهنا أسأل: هل التجدد هو بنكران حقيقة عيش الإيمان أو تقليص الصلاة؟ فقد قال مرارًا قداسة البابا فرنسيس: من المؤسف إن عالمنا يتجه نحو "جعل لا مكانة لله". فعالمنا مخيف وخطر بظروفه العصيبة، حيث أصبح فيه السؤال عن الدين منبوذًا ومُخجلاً وليس بالإمكان أن يقف الانسان بكامل جرأته مواجهًا حقيقة الإيمان في هذه الظروف الخطرة، باقيًا متمسكًا بحالته المزرية بسبب خطواته الشريرة والتي يعتبرها حقيقة العيش وتجديد أُسس الحياة.

 

واليوم، لازلنا نواصل السير،  وبسبب كورونا، نسير في أرض غريبة وعلى مسارات جديدة لم نعهدها من قبل، ولم نُهيِأ لهذه المسيرة الفيروسية لا عقلَنا ولا علمَنا ولا سياستَنا بل كبرياءَنا ومصالحَنا، وجعلناه زمنًا للتبشير بحقيقة وجودِنا ومنصبِ زعامتِنا وربحِ سياساتنا. فما نحتاج إليه ليس فقط أن نفتح عيونَنا لنرى حقيقةَ الإختراع وندرك وما هي حقيقةَ الصراعات والحروب، وكذلك ليس فقط أن نفتح آذاننا لكي نسمع طلبات واستنكارات وبيانات كبار الزمن والدنيا والإعلام البائس، لكن الأهم أن نفتح قلوبنا وضمائرنا وآذان وجداننا فنسمع صراخ الأرملة وهي تستعطي قوتاً لأيتامها (لوقا 12:7) ، ودعاء البائس والفقير لعازر (لوقا 20:16) يتأوه من أجل لقمة تسدّ رمق عائلته، وكذلك صراخات المتألمين والابرياء المظلومين بسبب مصالح الزمن، وكما قال البابا فرنسيس "إنها صرخة الشعب المخفية".

 

فما نحتاج إليه ليس فقط تحمّل المسؤولية عبر إعطاء الأوامر للآخرين كي يكونوا منفذين مسيرة المصالح من درهم الفساد، فلنعلم أن الزمن مُتعِب والفيروس  مرعب والمسؤولية ليست إلا في الخدمة عبر علامات الحب معنوية كانت أم إنسانية أم اجتماعية، لأن الحفاظ على كياننا ووجودنا لا يعني الحفاظ على أنفسنا بل يجب أن يكون الحفاظ على الآخر والاخر المختلف سوية، ليتعلم ويسترشد ويؤمن إننا نتقاسم سوية أوكسجين الهواء وإنسانية الخلق ونبتات الأرض ونِعَم السماء، وإنْ كان الإختلاف حالة كل فرد وقدراته. من هنا تكون رسالتنا في أن نمحو من البشرية المبتلاة بوباء الكورونا مشاعر الحزن والعنف والقلق والغضب وضياع صوت الله، وقبل ذلك نهيئ قلوبنا للمسيح الذي أحبنا فهو لم يأتِ لنفسه بل ليكمل " مخطط الله" (غلا 4:4) فقال"ما جئت لأنقض بل لأكمّل" (متى17:5) ويرفعنا من دنس الخطيئة، أبرصًا كان أم أعمى أم أعرجًا أم ميتًا، وحقيقة الإيمان تكمن في قوله "مَن آمن بي وإنْ مات فسيحيا" (يو25:11)، وكم أتذكر هنا احتضان البابا فرنسيس لمرضى عديدين وبامراض معدية مصابين، وكان الرب له حاميًا.

 

لنتذكر دائمًا أننا ضيوف على هذه الأرض، وبأننا لسنا محور الحياة، وما نعطيه لا يساوي حريتنا وحقيقة إيماننا وكرامة إنسانيتنا. فعندما نتذكر مواقفنا الإيجابية بإنسانيتنا نعبرُ من ذواتنا إلى حب الآخر بعيدًا عن نرجسيتنا وحبنا لمتاع الدنيا على حساب الآخرين.

 

قد تنجو أيها الإنسان من فيروس كورونا بأخذ الإحتياطات اللازمة، ولكن لن تجد راحة الضمير إذا لم يكن لك إرادة قوية تعترف بأخطائك وتكون مستعدًا لأن تعترف بجميع أفكارك الدنيئة وأعمالك المحسوبة للتخلص من أورام النفاق والخداع والإنتهازية، وهذه ليس من المستحيل التخلص منها إذا عزم الإنسان قبل اللقاء مع الرفيق الأعلى. لذا، إجعل مكانك مع الحق حتى وإنْ كانت السلطة صاحبة الكلمة، عليك أن تتذكر ربنا يسوع وقوله "ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه" (مر36:8). فعلى الانسان ان يكون صادقًا مع نفسه، مع الآخرين، مع صغائر إيمانه، فإذا كان صادقًا مع نفسه سيكون صادقًا مع غيره، ولا يجوز التعامل من أجل إرضاءالإنسان، فأين مكانة الله؟ فاعطِ صوتك لنصرة المظلوم مهما كان ذلك، واشهد من أجل الحق وكرامة الإنسان، ولا تصلب الحياة بعلمك أو بدونه، ففي لحظات يزول كل شيء، إنها رسالة إيماننا، وأعلم أن المسيح أحبنا حتى الموت وبموته أعطى الحياة، "فيه كانت الحياة" (يو 4:1)، والحياة ما هي الا حقيقة وجودنا. نعم وآمين.