موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٧ فبراير / شباط ٢٠٢٠

"كورونا" والأخوة الإنسانية

رئيس تحرير بوابة الأهرام المصرية

رئيس تحرير بوابة الأهرام المصرية

محمد إبراهيم الدسوقي :

 

لا يختلف عاقلان على أن الشماتة فعل قبيح ومذموم، وتتنافى جملة وتفصيلا مع أبسط القواعد الإنسانية، وقبلها وفوقها مع ما تدعو إليه الأديان السماوية قاطبة من سماحة ورحمة وإخاء وتعاطف إنساني.

 

الاستهلال السابق كان ضروريًا لكشف صغار العقول والمتشددين الذين لا يتورعون عن إبداء شماتتهم في مصائب قوم آخرين ابتلاهم رب العزة سبحانه وتعالى بالأوبئة والفيروسات تفتك بهم ومعهم شعوب الكرة الأرضية المترامية الأطراف، حيث خرجت علينا بعض الوجوه الكالحة وفاقدي البصر والبصيرة بفتاوى تقول أن فيروس "كورونا" -الذي انتشر أولا بالصين، ومنها لبقية بقاع الأرض- يمثل عقابًا إلهيًا، بعدما فعلته الحكومة الصينية بحق مسلمي الإيغور!

 

قارنت بين هذا الكلام السقيم والخاطئ شكلًا وموضوعًا، وبين أصحاب الوجوه المستبشرة والمتسامحة التي طالعتني، لدى مشاركتي قبل أيام قليلة في التجمع الإعلامي العربي من أجل الأخوة الإنسانية بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، الذي شارك فيه نحو ٢٠٠ إعلامي وشخصية عامة، وذلك بمناسبة الاحتفال بمرور عام على إطلاق وثيقة الأخوة الإنسانية؛ التي وقعها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان.

 

فقد اتجه فكر وجهد المشاركين في لقاء أبوظبي نحو غاية سامية نبيلة هي زيادة مساحات الود والتسامح بين البشر على أرضية "الأخوة الإنسانية"، بصرف النظر عن معتقداتهم ودياناتهم وثقافاتهم وألوانهم، وتوجوا مناقشاتهم العميقة والمثمرة على مدى يومين بتوقيع وثيقة مبادئ العمل الإعلامي من أجل الأخوة الإنسانية المكونة من عشرين بندًا.

 

واستوقفني في هذه الوثيقة البند السابع منها؛ والمتصل بما بدأنا به المقال، وجاء نصها كالتالي: "الامتناع عن نشر أو ترويج الفتاوى والعظات الدينية ما لم تصدر من المؤسسات الدينية الرسمية، ودعم تنظيم الفتاوى".

 

وحقًا نحن في أشد الاحتياج لتنظيم الفتاوى الصادرة من أناس تجردوا من إنسانيتهم، ونصبوا من أنفسهم قضاة، وأطلقوا لها العنان باستصدارهم أحكامًا ما أنزل الله بها من سلطان، أحكام تخلو من مراعاة البعد الإنساني، متناسين أن الفيروسات والأوبئة تصيب الجميع بدون استثناء أو تمييز، وأنه كان من الأولى بهم طالما أنهم غير قادرين على اتباع سلوكيات الإسلام السمح أن يصمتوا، ويرحمونا من أصواتهم النشاز والباعثة على الغثيان والامتعاض.

 

لم يفكر هؤلاء بمنطق أن الكل معرض للمرض، وأن القريبين منهم يمكن أن يصيبهم بلاء مماثل، فبماذا عساهم سيردون إن خرج أحد بالغرب شامتًا في حدوث وفيات جراء سيول وفيضانات أو أمراض ببلاد المسلمين، حينها سيلطمون الخدود ويقولون أرأيتم دليلًا أنصع من هذا على اضطهاد الغرب للإسلام والمسلمين، وأمارة أخرى على ظاهرة الإسلاموفوبيا.

 

يشتكون ويبكون من الإسلاموفوبيا، لكنهم لا يراجعون أفعالهم الغريبة التي تشوه صورتنا وصورة الإسلام، مع أنه كان حريًا بهؤلاء -عوضًا عن إثارة مثل هذه النعرات- توعية جموع المؤمنين وإرشادهم لتطبيق تعاليم الإسلام الخاصة بالنظافة الشخصية وداخل دور العبادة، اتقاء لتفشي الأمراض والأوبئة؛ سواء كانت "كورونا"، أو غيرها مما يجد بين الحين والآخر.

 

ثم ألم يلاحظ النافخون في نار الفتنة والصراعات الدينية، أن الدور المطلوب والسليم لرجل الدين في المجتمع يكمن في توسيع مدارك الناس، وتوعيتهم بفضائل إعمال العقل واحترام الاختلاف؛ اللذين أوجدهما الله عز وجل، ويعدان سنة كونية يلزم الانتباه إليهما، وإلى مغزاهما العميق من أصحاب العقول المنفتحة، العارفة عن يقين صحيح أمور دينها، والقادرة على التجديد وليس التكلس والجمود.

 

ألم يكفكم ما سفك من دماء جراء فتاوى أباحت الذهاب لدول أخرى للقتال فيها؛ سعيًا خلف وهم الخلافة الإسلامية، وعاثوا في أنحائها فسادًا وقتلًا، وبسببهم خربت هذه البلاد ودمرت، وتشرد أهلها في أرجاء المعمورة، ولم يستح هؤلاء من فتاواهم وما جلبته من آثار مدمرة مهلكة لبلدان إسلامية استوطنها تنظيم "داعش" الإرهابي.

 

فالفارق شاسع ما بين الداعي لإيغار الصدور وتحريك مواطن الغضب والعنف داخلها، والداعي لمكارم الأخلاق والأسوة الحسنة التي تعد الأخوة الإنسانية إحدى تجلياتها ومظاهرها الحميدة، فالذين التأموا في أبوظبي كانوا يبحثون عما يجمع الناس وليس ما يفرقهم، ما يجعلهم قادرين على التواصل والتفاعل الإيجابي، وليس شحن النفوس بالتنقيب في الاختلافات الدينية والعقائدية والثقافية، وأن تلعب وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية دورها المحفز لهذا الاتجاه؛ ولذا فإن دعاة الأخوة الإنسانية جديرون بالثناء والتشجيع والدعم؛ لمتابعة جهودهم العظيمة؛ لترسيخ أسس ودعائم الأخوة الإنسانية، أما غربان التشدد والتطرف وتأجيج العنف فليس لهم سوى الذم وكشف حقيقتهم للعامة جزاء أفعالهم الخبيثة.

 

(بوابة الأهرام المصرية)