موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٧ أغسطس / آب ٢٠١٤

كحبة خردل أو أصغر

بقلم :
الأخت رانيا خوري - الأردن

أومن بمعجزة حبة الخردل... تلك السمراء الصغيرة التي ارتضت أن تُلقى في حفنة تراب غمرها... عانت الأمرّين تلك الصغيرة، فقد حاولت طويلاً ذرات التراب أن تقنعها بأنها لا تختلف عنهن بشيء، لا باللون ولا بالحجم... اتهموها بالكبرياء حيناً، وبالهرطقة حيناً آخر... نظرات احتقار، ونبرات استخفاف: "من تظنين نفسك؟"... ثم ألم وهبوط همة: "خذ نفسي يا رب فإني لست خيراً من أبائي!" (1 ملوك 19: 4). غير أن قلبها الصغير النابض بالحب كان يحدثها باستمرار عن طاقة الحياة التي أودعها الخالق في عمقها البعيد عن الأنظار... آمنت إذاً حبة الخردل فُحسب لها ذلك براً... لم تهرب من قبرها... لم تيأس من تعفنها... بل تغنت بواهب الحياة قائلة: "لا أموت بل أحيا وبفعال الرب إني سأحدث" (مز 117). استفاقت ذات صباح على وقع طبول الحياة تقرع في باطنها... شيء ما يضج فيها جعلها تقرع ابواب التراب الذي غلفها ليخنقها... انشقت الأرض يوماً لتبتلعها، وها هي اليوم تشق هي الأرض لتخرج منها... يا له من فتح عظيم! أطلقت بخجل أوراقها الخضراء الغضة... انبهرت بشعاع الشمس وأعجوبة النور... ها هي تشتد... ها هي تنمو... تتعاقب الفصول: برد وحرّ، ربيع وخريف... الحب فيها ينمو، ويشتد عودها الضعيف... تطربها أصوات العصافير التي وجدت لها مأوى في أحضانها العابقة بانتصار الرجاء... أجل، "ملكوت السموات كحبة خردل صغيرة..." وقال يوماً المعلم: "الحق الحق أقول لكم، إن كان لكم من الايمان قدر حبة خردل قلتم لهذا الجبل: انتقل من هنا الى هناك، فينتقل، وما أعجزكم شيء" (متى 17: 20). بهجة انتصار لذيذة تغمر اليوم قلب حبة الخردل فقد فهمت من خلال دورة حياتها كلمات المعلم... أجل هي الصغيرة جداً يمكنها بإيمانها الواثق أن تنقل الجبال... أجل، حجراً تلو الآخر، يوماً بعد يوم، ستتمكن تلك الصغيرة أن تنقل الجبال بالثبات والأمانة اليومية. ها هي اليوم تُشع طاقة الحب التي فيها على الجميع، ولا تحجب ظلها عن أي أحد، فقد تعلمت معنى هذه الآية: "أحبوا... أحسنوا... لتكونوا بني أبيكم الذي يُطلع شمسه على الأبرار والفجار..." (متى 5: 44-45).