موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٦ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠

قراءة في وثيقة الأخوة الإنسانية

بقلم :
الراهب بولس رزق الفرنسيسكاني - مصر
قراءة في وثيقة الأخوة الإنسانية على ضوء لقاء القديس فرنسيس الأسيزي والسلطان الملك الكامل

قراءة في وثيقة الأخوة الإنسانية على ضوء لقاء القديس فرنسيس الأسيزي والسلطان الملك الكامل

 

في ختام وثيقة الأخوة الإنسانية التي كانت بين البابا فرنسيس والشيخ الطيب شيخ الأزهر، كانت التوصية أن تكون محل بحث وتأمل في جميع المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية والتربوية لتساعد خلق أجيال جديده تحمل الخير والسلام. نجد في أوراق الوثيقة رائحة القداسة من القديس فرنسيس الأسيزي رجل السلام، والإنسانية، والخليقة.

 

تقدم لنا الوثيقة واقع مؤلم تعيشه البشرية الآن: الشُّعُوبِ التي فقَدَتِ الأَمْنَ والسَّلامَ والتَّعايُشَ، وحَلَّ بها الدَّمارُ والخَرَابُ والتَّناحُر. والأُخُوَّةِ التي أرهَقَتْها سِياساتُ التَّعَصُّبِ والتَّفرِقةِ، التي تَعبَثُ بمَصائِرِ الشُّعُوبِ ومُقَدَّراتِهم، وأَنظِمةُ التَّرَبُّحِ الأَعْمَى، والتَّوَجُّهاتُ الأيدلوجيَّةِ البَغِيضةِ. ولكي نفهم هذه الوثيقة علينا العودة إلى الجذور، وهي خبرة القديس فرنسيس والسلطان بأن الإنسان يحمل في ذاته الخير للآخر لأنه هو أخ هدية له ونرى في هذه الكلمات شخصية القديس فرنسيس بالنسبة له الآخر هو أخ لي ويقول في كتاباته "الرب اعطاني أخوة". إذًا كل إنسان هو عطية مجانية من الله لأخيه الإنسان، لذلك تندد الكنيسة وترفض الإجهاض وتعتبره قتل إنسان غير قادر أن يحمي نفسه. عاش القديس فرنسيس رجل السلام وثيقة الأخوة الإنسانية قبل 800 عام في مقابلته مع  السلطان الملك الكامل.

 

جاء القديس فرنسيس الأسيزي إلى مصر أثناء الحملة الإفرنجية الخامسة (الحروب الصليبية)، ومعه الراهب إللوميناتو وبقيادة الحملة "جان دي برين"، وقوات المسلمين تحت قيادة السلطان الأيوبي "الكامل محمد بن العادل أبي بكر"، وكانت الإقامة في ذلك الوقت مدينة دمياط، وعندما وصلوا إلى دمياط قاصدًا السلطان، حيث التقى بالسلطان الأيوبي الملك الكامل عام 1219. بدأ النقاش والحوار والتفاهم بينهما، وصنع السلام في ظل الحروب الافرنجية. والقديس فرنسيس هو أول مسيحي غربي في العصر الوسيط حاول التواصل مع العالم الإسلامي، وحبه الخاص للأرض التي عاش عليها السيد المسيح وساعيًا الى صنع السلام. سطر لنا التاريخ هذا اللقاء ومن خلاله عم السلام على مستوى العالم وهو أول لقاء تاريخي بين الشرق والغرب. وأصبح لنا مرجع تاريخي تفتخر به الإنسانية بأن السلام هو من الدرجة الأولى لأنه من لدن الله القدوس. أعُجب السلطان بالقديس فرنسيس وبالحوار معه والتفاهم لأنه لا يحمل معه السيف أو السلاح ولا العنف بداخله بل يحمل السلام والخير والطمأنينة. وتتميز شخصية السلطان بأنه شخصية قابلة للحوار والتسامح والاحترام المتبادل وإحترام الثقافات، ومحبًا للشعر، وسمح للقديس فرنسيس بالزيارة إلى الأراضي المقدسة والعيش المشترك بين الجميع.

 

تذكرنا الوثيقة: "إنَّ هَدَفَ الأديانِ الأوَّلَ والأهمَّ هو الإيمانُ بالله وعبادتُه، وحَثُّ جميعِ البَشَرِ على الإيمانِ بأنَّ هذا الكونَ يَعتَمِدُ على إلهٍ يَحكُمُه، هو الخالقُ الذي أَوْجَدَنا بحِكمةٍ إلهيَّةٍ، وأَعْطَانَا هِبَةَ الحياةِ لنُحافِظَ عليها، هبةً لا يَحِقُّ لأيِّ إنسانٍ أن يَنزِعَها أو يُهَدِّدَها أو يَتَصرَّفَ بها كما يَشاءُ، بل على الجميعِ المُحافَظةُ عليها منذُ بدايتِها وحتى نهايتِها الطبيعيَّةِ".

 

يُعتبر القديس فرنسيس هو صاحب أول مبادرة سلام وحوار بين أصحاب الأديان ولهذا اكتشف الملك الكامل الأيوبي من خلال القديس فرنسيس بأن المسيحيين الحقيقيين هم دعاة السلام والحب والغفران والإحترام للآخرين وأدرك أيضًا السلطان بأن القديس فرنسيس كان يسعى باستمرار لنشر السلام والخير. تبقى صورة القديس فرنسيس نورًا يضيء في التاريخ المسيحي في علاقاته مع المسلمين وتاريخ الإنسانية جمعاء وهذا اللقاء نتج عنه الحب والإحترام المتبادل والعيش المشترك، وزرع بذرة الرهبنة الفرنسيسكانية على أرض مصر، والأراضي المقدسة.

 

والكنيسة الكاثوليكية دائمًا تجتمع في يوم السلام العالمي في مدينة أسيزي بإيطاليا، المدينة التي نشأ فيها القديس فرنسيس الأسيزي، والتي أصبحت رمزًا للقاء الذي جمع القديس فرنسيس بالسلطان الكامل، فصارت نموذجًا للحوار بين الأديان. وإذا كانت لدينا الرغبة في بناء مجتمع يمتلئ بالحب والأمان والتعايش السلمي ونبذ العنف والحقد والكراهية علينا أن نتخذهم قدوة لنا.

 

تشير الوثيقة عن دور الأسرة "أنَّ حُقوقَ الأطفالِ الأساسيَّةَ في التنشئةِ الأسريَّةِ، والتغذيةِ والتعليمِ والرعايةِ، واجبٌ على الأسرةِ والمجتمعِ، وينبغي أن تُوفَّرَ وأن يُدافَعَ عنها، وألَّا يُحرَمَ منها أيُّ طفلٍ في أيِّ مكانٍ" ولكى نبني مجتمع متحضر يعيش في إحترام الآخر علينا العودة إلى دور الأسرة، والأسرة هي كنواة للمجتمع وللبشرية وهى حضارة الحب  كما ذكر البابا القديس بولس السادس وحضارة الحب تنطلق من وحى الله الذى هو المحبة والمحبة تنمو معها كل الفضائل. والأسرة هي الخلية الصغرى في المجتمع ومؤسسة جوهرية لحياة كل مجتمع، والأسرة كشركة حب وحياة وهى واقع إجتماعي عميق الجذور. وأن تربي الطفل بتنشئة حقيقة ومع كامل حقوق الطفل في تربيته على المبادئ الإنسانية ومن خلال نص وثيقة الأخوة الإنسانية عن دور الأسرة، وينطلق المجتمع من الأسرة بحياة إنسانية مليئة بالحب والسلام والطمأنينة.

 

ونحن نعيش في زمن كثُرت فيه الأوبئة والأمراض المنتشرة حول العالم ونرى التعاون بين الدول في المساندة والمساعدات الإنسانية لكى تقف بجوار الإنسان وتنقذه من الوباء والكوارث الطبيعية والمجاعات التي تمر بها بعض الدول. من خلال نص الوثيقة التى تساعدنا وتقودنا نحو الأفضل " بان نهتم بالفقراء والبؤساء والمهمشين الذين أمر الله بالإنسان إليهم ومد العون"  هذه الروح والمبادئ طبقها القديس فرنسيس فى حياته عندما كان يهتم بالفقراء وتوزيع أمواله عليهم والمهمشين وجماعة البرص المطرودين خارج البلاد فى ذلك الوقت وهكذا تعيش الرهبنة الفرنسيسكانية بمصر على نهج القديس فرنسيس بتقديم الخدمات الروحية والإنسانية والتعليمية من خلال الكنائس والمدراس و دور الرعايا، والمستوصفات المنتشرة فى ربوع مصر والمجال الثقافي ومراكز الدراسات. وعلى كل إنسان يحمل في ذاته النية الصالحة نحو الآخرين ويعيش الأخوة الإنسانية التي تجمع البشر جميعاً وأن يعلن مع القديس فرنسيس هذه الكلمات: يا رب إجعلني أداة للسلام.

 

للمزيد فى هذا الموضوع الرجوع إلى:

- كتاب الحوار والعيش المشترك رسالة الفرنسيسكان في مصر، إعداد الأب يعقوب شحاته عام 2017.

- كتاب رجلان في زمن صعب فرنسيس والسلطان، إعداد الأب لوكاس حلمي.

- كتاب القديس فرنسيس والسلطان، تعريب الأخ وديع الفرنسيسكاني عام  2019.