موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٥ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٣

في عيد جميع القديسين

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
إنّ الدعوة إلى القداسة هي موجّهة إلى كل شخص منا

إنّ الدعوة إلى القداسة هي موجّهة إلى كل شخص منا

 

"الذي دعاكم هو قدوس، فكونوا قدّيسين في سيرتكم كلِّها، لأنه مكتوب: كونوا قدّيسين، لأني أنا قدوس"

 

نحتفل اليوم مع الكنيسة جمعاء بعيد جميع القديسين. وبذلك، نحن لا نتذكّر من أُعلنوا قديسين على مرّ العصور فحسب، بل إخوتنا وأخواتنا أيضًا الذين عاشوا بصمت حياتهم المسيحية بملء الإيمان والمحبة. وبدون شك يوجد بينهم العديد من بطاركتنا واساقفتنا وكهنتنا وشمامستنا وراهباتنا، وأهالينا وأقاربنا وأصدقائنا، ولا سيما الذين استشهدوا محبةً بالمسيح والكنيسةِ والوطن.

 

احتفالنا اليوم بعيد جميع القديسين يذكرنا بكلمات يسوع: "أَنتُم مِلحُ الأرض... أَنتُم نور العالم... فَليُضئْ نورُكُم للناس، ليروا أعمالَكُمُ الصالِحة، فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الذي في السماوات" (متى ٥: ١٣-١٦)، وأيضًا: "كونوا أَنتُم كاملين، كما أنّ أباكُمُ السماويّ كاملّ" (متى ٥: ٤٨). فالقداسة لا تظهر دائمًا في الأعمال الخارقة والكبيرة بل في الوفاء اليومي لمواعيد معموديتنا. والقداسة تكمن في محبة الله ومحبة إخوتنا وأخواتنا وكُلُّ الناس الذين خُلقوا على صورة وجه الله ومثاله، وهو حب يبقى أمينًا للتخلّي عن الذات والتكرّس الكامل للآخرين. وعلينا أنّ نفكِّر بالأمهات والآباء الذين يضحّون في سبيل عائلاتهم وتربية اولادهم على محبة الله والقريب ويتناسوا أُمورًا كثيرة لزرع القداسة في بيوتهم ومجتمعهم.

 

هناك صلة مشتركة بين القديسين وهي السعادة التي كانت تغمرهم. لقد وجدوا سرّ السعادة الحقيقية التي تكمن في أعماق النفس ومصدرها محبة الله. لهذا نحن ندعو القديسين طوباويين. إنّ التطويبات كانت مسيرتهم وهدفهم وأرضهم الأمّ، والتطويبات هي طريق الحياة التي يعلّمنا إياها الرب حتى نسير على خطاه.

 

إنّ التطويبات هي صورة المسيح وبالتالي صورة كل مسيحي "طوبى للودعاء". يسوع بذاته يقول لنا: "تَتَلمذوا لي فإنِّ وَديعٌ مُتواضِعُ القلب" (متى ١١: ٢٩). هذه هي الصورة الروحية للمسيح يسوع وهي تكشف وفرة محبته لنا. إنّ فضيلة الوداعة هي أسلوب عيش وتصرّف تُقرّبنا من يسوع ومن بعضنا إلى الآخر. إنها تسمح لنا أن نضع جانبًا كل ما يفرقنا ويبعدنا عن بعضنا، وإلى إيجاد أساليب جديدة للتقدّم في مسيرة القداسة التي توصلنا إلى الوحدة الحقيقية مع الله ومع كل إخوتانا البشر.

 

إنّ التطويبات هي بطاقة وهوية المسيحي. إنها تبيّن بأننا أتباع يسوع. نحن مدعوون لكي نكون طوباويين وتلامذة يسوع، وعلينا أن نواجه الصعاب بروح ومحبة يسوع.

 

طوبى لمن يبقون مثمرين بينما يواجهون الشرّ الذي يقترفه الآخرون تجاههم ويسامحون ويغرفون من كل قلبهم.

 

طوبى لمن ينظرون في عيون المهمّشين والمنبوذين والمتألمين والمشردين واللاجئين ويظهرون بالقرب منهم لمساعدتهم وتخفيف الآمهم.

 

طوبى لمن يرون الله في كل شخص ويجهدون في سبيل جعل الآخرين يكتشفون المسيح ومحبته.

 

طوبى لمن يتخلّون عن راحتهم الشخصية في سبيل مساعدة وإدخال الفرح في قلوب الآخرين.

 

طوبى لمن يصلّون ويعملون من أجل تحقيق الوحدة الكاملة بين المسيحيين. كلّ هؤلاء هم رسل رحمة الله وحنانه وبالتأكيد سيُكافأون على ذلك.

 

إنّ الدعوة إلى القداسة هي موجّهة إلى كل شخص منا، ويجب أن نحصل عليها من الله بروح الإيمان. إنّ القديسين يحفّزونا بسيرتهم وبشفاعتهم لنا أمام الله ونحن بحاجة إلى بعضنا البعض إن أردنا بالحقيقة أن نكون قديسين وكاملين.

 

نطلب من الله نعمة قبول هذه الدعوة، الدعوة إلى الكمال والقداسة، بفرح وأن ننضمّ إلى تحقيقها مع بعضنا بالكامل. في هذا العيد، عيد جميع القديسين، نوكل كلّ نوايانا وطلباتنا إلى أمنا السماوية مريم العذراء سُلطانة القديسين والحوار الهادف إلى الوحدة الكاملة بين المسيحيين حتى نُبارَك في جهودنا ونصل إلى القداسة بوحدتنا.