موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٧ أغسطس / آب ٢٠١٤

في القدس يغامرون بمستقبل التعليم وأكثر

بقلم :
أنطون سابيلا - استراليا

لست واثقا من أن قضية مدرسة راهبات الوردية قد انتهت ولكن ما أنا على ثقة به أن في هذه القضية هناك كلام حق يراد به باطل. إن لبس الحجاب هو كلام حق أما الضجة المفتعلة حول مدرسة الوردية فيراد بها باطل، وهو باطل اسرائيلي ينفده بعض سكان القدس. وقد لا يعرف من تورطوا في هذه القضية أن المسالة لا تقف عند قبول المدرسة لمطالبهم المحقة "إلى حد ما" وانما أن هناك تبعات واصداء خارجية ليس من السهل تجاوزها. لن أجزم أن المدارس المسيحية سوف تغلق أبوابها في القدس (وهذه كارثة وطنية اذا فعلت) ولكن استطيع القول أن المدارس المسيحية في القدس بعد قضية راهبات الوردية لن تكون مثل قبلها. سوف يسير التعليم في القدس من الآن فصاعداً بإتجاه آخر ولن تكون المدارس المسيحية المميزة أفضل من مدارس عادية جداً يتلقى فيها الطلاب الثقافة الاسرائيلية بإمتياز أسوة بالمدارس الإسلامية والأهلية الأخرى، فإذا كانت مجموعة من الأهالي تستطيع فرض النظام في مدرسة خاصة في القدس فما بال اسرائيل لا تفعل شيئاً وهي التي تعتبر نفسها القوى العظمى في المنطقة؟ القاعدة الإسرائيلية الجديدة صارت معروفة الآن، فهي للمسلمين: الحجاب مقابل الثقافة الاسرائيلية، وللمسيحيين: التجنيد مقابل الحماية. وباب الدولة مفتوح امام من يعتنق هذه المعادلة الإستعمارية. ويجب أن يكون المرء بريئاً الى حد السذاجة ليصدق أن القضية هي قضية "بعض الأهالي العاديين الملتزمين" لأن مثل هذا القول يعني أن باقي الأهالي غير متلزمين بدينهم، وهو طبعاً زعمٌ غير صحيح اطلاقاً. وكان بإمكان هؤلاء الاهالي الملتزمين إما سحب بناتهن بكل هدوء من المدرسة المسيحية وعدم إحداث اي ضجيج أو التوصل مع المدرسة إلى اتفاق حل وسط من خلال هيئات المدرسة. غير أنه عادة فإن من يفتعل ضجة وينظم مظاهرات واعتصامات ويشحن وسائل الاعلام يكون ينفذ "برنامج عمل" وليس رغبة جماهيرية عفوية. قبل عام 1967 كانت تجري احيانا مظاهرات كبيرة وعنيفة في الضفة الغربية ضد الحكومة الأردنية أنذاك وكان المتظاهرون قوميون عرب وبعثيون وشيوعيون وناصريون وكانوا يرفعون شعارات ضد الحكومة الاردنية وامريكا والصهيونية، ولكن تبين في السنين اللاحقة ان بعض هذه المظاهرات (وليس كلها) كانت مفتعلة وأن قادة المظاهرات كانوا يجتمعون في القنصلية الامريكية ويأخذون ارشاداتهم من وكالة الاستخبارات الامريكية السي اي ايه لاسباب ما تزال مجهولة حتى الان. وبعد أن ينفض الاجتماع كان مندوب السي اي ايه يسلم " العناتر" مغلفات فيها ما تيسر من إكراميات البيت الابيض!!! هناك الان مغامرة ليست فقط بمستقبل التعليم الراقي والممتاز في القدس وانما في أن تكون القدس ذات يوم عاصمة للدولة الفلسطينية، ذلك لأنه اذا كان هناك في القدس من يعتنق المعادلة الإسرائيلية بشكل كبير، وهو أمر تعمل اسرائيل جاهدة على تحقيقه، فمعنى ذلك أن هناك ثقافة اسرائيلية وليس فلسطينية في عاصمتنا رغم اختلاف الأديان فيها. لقد جاءت انتفاضة القدس بعد استشهاد فتى الفجر محمد ابو خضير لتؤكد ان القدس محتلة ثم بعد اشهر قليلة وسط العدوان على غزة جاء من يقول للإسرائيلي "انصرنا في محاكمك على راهبات الوردية"، اي بمعنى آخر نحن اسرائيليون الان!!! وفي هذه الاثناء فشلت القيادات الفلسطينية في القدس مرة أخرى في احباط المخططات الإسرائيلية. وتنسى هذه القيادات أن اسرائيل بقوة نفوذها في المجتمعات الغربية لا تستطيع أن تتدخل في امور مدرسة مسيحية واحدة وأن الفاتيكان يستطيع استعادة اراضي ومباني من اسرائيل ولكنه لا يستطيع أن يرى مدرسة كاثوليكية واحدة تابعة له في القدس وغير القدس وهي تمارس عملها بإرتياح كمدرسة مسيحية تريد تعليم اولاد المسيحيين تعليما وطنيا ولكنها في الوقت ذاته لا تمانع في تعليم اولاد المسلمين اذا رغبوا. للقدس وضعها الخاص، وبدون دعم الفاتيكان والكنائس المسيحية الاخرى في العالم فإن حلمنا في ان تكون القدس عاصمة دولتنا يتبخر تدريجيا أمام هذا الواقع المحزن. لا بديل عن الوحدة وقبول الآخر.