موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٦ مارس / آذار ٢٠١٧

عُد أيها الخروف الضال

بقلم :
الأب سالم لولص - الأردن

"كانَ الجُباةُ والخاطِئونَ يَدنونَ مِنه جَميعاً لِيَستَمِعوا إِلَيه. فكانَ الفِرِّيسِيُّونَ والكَتَبَةُ يَتَذَمَّرونَ فيَقولون: هذا الرَّجُلُ يَستَقبِلُ الخاطِئينَ ويَأكُلُ مَعَهم! فضرَبَ لَهم هذا المَثَلَ قال:)أَيُّ امرِئٍ مِنكُم إِذا كانَ لَه مِائةُ خروف فأَضاعَ واحِداً مِنها، لا يَترُكُ التِّسعَةَ والتِّسعينَ في البَرِّيَّة، ويَسْعى إِلى الضَّالِّ حتَّى يَجِدَه؟ فإِذا وَجدَه حَمَله على كَتِفَيهِ فَرِحاً، ورجَعَ بِه إِلى البَيت ودَعا الأَصدِقاءَ والجيرانَ وقالَ لَهم: إِفرَحوا معي، فَقد وَجَدتُ خَروفيَ الضَّالّ! أَقولُ لَكم: هكذا يكونُ الفَرَحُ في السَّماءِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوبُ أَكثَرَ مِنه بِتِسعَةٍ وتِسعينَ مِنَ الأَبرارِ لا يَحتاجونَ إِلى التَّوبَة" (15/4-7). هذا المثل هو من واقع الناس أي من حياة الناس اليومية. فكما نعلم، كثير من اليهود في ذلك الوقت كانوا رعاة غنم وايضا ليست غريبة أو جديدة على مسامعهم، بل كم مرة استمع بنو إسرائيل في المجمع إلى (الفصل 34 من كتاب حزقيال)، الله هو الراعي الحقيقي. كما يؤكد حزقيال النبي إذ يقول:"أبحث عن الضالة وأرد الشاردة وأُجبّر المكسورة وأُقوّي الضعيفة وأُهلك السمينة والقوية وأرعاها بعدل" (حزقيال 34/ 16). لقد سبق ولام الله الرعاة الذين لم يؤدّوا رسالتهم:"الضعاف لم تقووها والمريضة لم تداووها والمكسورة لم تجبروها والشاردة لم تردوها والضالة لم تبحثوا عنها، إنما تسلطتم عليها بقسوة وقهر" (حزقيال 34/ 4). مهما كان عدد قطيعه فالراعي لا يترك ولا يتنازل عن أي واحدة منهم، وإذا ضلت (ضاعت) أحدهم الطريق فيذهب ويترك التسعة والتسعين ويبحث عنه حتى يجده ليكتمل القطيع. الخروف الضال يرمز هنا إلى البشرية التي ضلت بسبب الخطيئة، والتسعة والتسعين تدل على الخليقة السماوية، تدل على الأبرار. التي بعودة الإنسان الضال إليها تعود الخليقة كلها إلى كمالها. فيقول القديس امبروسيوس: "لنتهلل إذا من أجل هذا الخروف الذي ضلَّ في آدم، وقام في المسيح". فنجد الراعي بعدما وجد الخروف وضعه على كتفيه ورجع به إلى القطيع، فنرى في هذا المثل الله يحمل آدم وحواء على كتفيه ويعيدهم الى هذا القطيع بعد سقطته ونرى الله ايضا يخرج الشعب على كتفيه من مصر من الموت إلى الحياة وكل هذه التشابيه ألا وهي صورة مسبقة لمخلصنا يسوع المسيح الذي حمل طبيعتنا البشرية بتجسده من الروح القدس والعذراء مريم، وحمل خطايانا في جسده على خشبة الصليب. هكذا أكمل الفداء والخلاص ليصعد بهذه الطبيعة البشرية الى السماوات جالسا عن يمين الله. في قرائتنا الأولى لهذا المثل نجد وأن يسوع يهتم فقط بالخروف الضال (الخاطىء)، وكأنه لا يهتم بالتسعة والتسعين (الأبرار) وكأنهم غير مهمين له، لا بل على العكس الجميع مهم ويبحثُ عنهُ ويجدهُ، فكلام المسيح موجها للذين يعتبرون انفسهم أبراراً كالكتبة والفريسيين الذين لم يكونوا أُمناء لما أُتمنوا عليه وهو بأن يهتموا بهذا القطيع الخاطيء، بل كانوا يهتموا به بعد شفائه وإرتداه إلى الجماعة، فيسوع المسيح يقول ويشدد: "فما جئت للأبرار بل للخاطيئن" "ما جئت للأصحاء بل للمرضى". فنجد المسيح يسوع طبيبا يشفي الروح والجسد. فنجد يسوع المسيح يُجسد في ذاته وأعماله وأقواله صورة هذا الراعي الصالح في جلوسه مع العشارين والخاطئين وردهم إلى حضيرة الله. ففي هذا المثل نجد الضال نجد الخطيئة ونجد الألم ونجد التعب، لكن بالرغم من هذا إلا إننا نجد الكلمة البارزة في هذا المثل وهي كلمة "الفرح" فإنها تتكرر ثلاث مرات: "فإِذا وَجدَه حَمَله على كَتِفَيهِ فَرِحاً"، "إِفرَحوا معي، فَقد وَجَدتُ خَروفيَ الضَّالّ!"، "هكذا يكونُ الفَرَحُ في السَّماءِ" (لوقا 15/5-7). فنجد الله مصراً على إعادة الضال الى جماعة الأبرار بنعمته وحنانه، فهذا المثل يكشف لنا عن الحب الفريد الذي يشعر به الله تجاه كل إنسان ويكشف لنا أيضا عن فرح الراعي وفرح السماء، الذي هو فرح الثالوث القدوس وفرح الملائكة والقديسين بعودة الضال إلى حضن الله. إن هذه القصة هي حقا لقاء كل إنسان تائب مع يسوع. عاش من قبل في الخطيئة، هي حقا لقاء الخروف الضال مع الراعي المصلوب. ما أحلى قلب هذا الراعي، قلبه متسع، متسع بحب عجيب ورحمة إلى أقصى حد لكل إنسان وفي كل وقت. فهيا بنا يا إخوتي وأن نرجع إلى التسعة والتسعين ليكتمل العدد. فهيا بنا ولنجعل من الراعي الصالح أن يحملنا على كتفيه ويُعيدنا إلى الحظيرة الحقيقة. فهيا بنا يا إحبائي وأن نرتمي عند قدمي الراعي الصالح ولنتب عن خطايانا ولنرجع إليه كالخروف الذي كان ضالاً ووجد.