موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٣ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠

عيد رفع الصليب الكريم المحيي 2020

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
بهذه العلامة تنتصر

بهذه العلامة تنتصر

 

الرِّسَالَة

 

إِرْفَعُوا الرَّبَّ إِلَهَنَا واسْجُدُوا لِمَوْطِئِ قَدَمَيْهِ

الرَّبُّ قَدْ مَلَكَ فَلْتَسْخَطِ الشُّعُوبُ 

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 

(1 كو 1: 18-24) 

 

يا إخوةُ، إنَّ كلمةَ الصَّليبِ عند الهالِكِينَ جَهَالَةٌ، وأَمَّا عِندَنَا نحنُ المُخَلَّصِينَ فهي قُوَّةُ الله. لأَنَّهُ كُتِبَ سَأُبِيدُ حكمةَ الحُكَمَاءِ وأَرْفُضُ فَهْمَ الفُهَمَاءِ، فَأَيْنَ الحَكِيمُ وأَيْنَ الكاتِبُ، وأَيْنَ مُبَاحِثُ هذا الدَّهر؟!. أَلَيْسَ اللهُ قَدْ جَهَّلَ حِكْمَةَ هذا العالم، فَإِنَّهُ إِذْ كانَ العالَمُ، وهُوَ في حكمةِ اللهِ، لم يعرِفِ اللهَ بالحِكْمَةِ، ارتَضَى اللهُ أَنْ يُخَلِّصَ بجَهَالَةِ الكِرَازَةِ الَّذين يؤمنون. لأنَّ اليهودَ يَسأَلُونَ آيَةً واليونانيِّينَ يَطْلُبُونَ حكمةً، أَمَّا نحنُ فَنَكْرِزُ بالمسيحِ مصلوبًا شَكًّا لليهودِ وجَهَالَةً لليونانيِّين. أمَّا للمَدْعُوِّينَ من اليهودِ واليونانيِّينَ فالمسيحُ قوَّةُ اللهِ وحكمةُ الله. 

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا

(يو 19: 6-11، 13-20، 25-28، 30-35)

 

في ذلك الزَّمان، عَقَدَ رؤَساءُ الكهنةِ والشُّيوخُ على يسوعَ مشورَةً لِيُهْلِكُوهُ، فَأَتَوْا إلى بيلاطُسَ قائِلِينَ اصْلِبْهُ اصْلِبْهُ. فقالَ لهم بيلاطسُ خُذُوهُ أنتم واصْلِبُوهُ فإنّي لا أجِدُ فيهِ عِلَّةً. أجابَهُ اليهودُ إِنَّ لنا ناموسًا، وبحسب ناموسِنَا يجبُ أنْ يموتَ لأنَّهُ جعلَ نَفْسَهُ ابْنَ الله. فلمَّا سَمِعَ بيلاطُسُ هذا الكلامَ ازْدَادَ خوفًا، ودخلَ أيضًا إلى دارِ الوِلايَةِ وقالَ ليسوعَ مِنْ أَيْنَ أنتَ؟. فَلَمْ يَرُدَّ يسوعُ عليهِ جوابًا. قالَ لهُ بيلاطُسُ أَلَا تُكَلِّمُنِي. أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ لي سُلْطَانًا أَنْ أَصْلِبَكَ ولي سُلْطَانًا أَنْ أُطْلِقَكَ. فأجابَ يسوعُ ما كانَ لكَ عَلَيَّ مِنْ سلطانٍ لو لَمْ يُعْطَ لكَ من فوق. فلمَّا سمعَ بيلاطسُ هذا الكلامَ أَخْرَجَ يسوعَ ثمَّ جلسَ على كرسيِّ القَضَاءِ في موضِعٍ يُقَالُ لهُ لِيثُسْتْرُوتُن وبالعِبرانِيَّة جَبَّتَا. وكانت تهيئةُ الفصحِ وكانَ نحوَ السَّاعةِ السَّادِسَة. فقالَ لليهودِ هوذا ملكُكُم، أمَّا هم فصرخوا اِرْفَعْهُ ارْفَعْهُ اصْلِبْهُ. فقالَ لهم بيلاطس أَأَصْلِبَ مَلِكَكُم. فأجابَ رؤساءُ الكهنةَ ليسَ لَنَا مَلِكٌ غيرَ قيصر، حينئذٍ أَسْلَمَهُ إليهِم للصَّلْب. فأَخَذُوا يسوعَ ومَضَوْا بهِ. فخرجَ وهو حامِلٌ صليبَه إلى الموضعِ المسمَّى الجمجمةُ وبالعبرانيَّة يُسمَّى الجُلْجُلَة، حيث صَلَبُوهُ وآخَرَيْن معهُ من هنا ومن هنا ويسوع في الوَسْطِ. وكتبَ بيلاطسُ عُنْوَانًا ووضعَهُ على الصَّليبِ وكان المكتوبُ فيهِ: يسوعُ الناصِرِيُّ ملكُ اليهود، وهذا العُنْوَانُ قرأَهُ كثيرون من اليهود، لأنَّ الموضِعَ الَّذي صُلِبَ فيه يسوع كان قريبًا مِنَ المدينة. وكان مكتوبًا بالعبرانيَّة واليونانيَّة والرُّومانيَّة. وكانَتْ واقِفَةً عند صليبِ يسوعَ أُمُّهُ وأُخْتُ أُمِّهِ مريمُ الَّتي لكلاوبا ومريمُ المجدليَّةُ. فلمَّا رأى يسوعُ أُمَّهُ والتِّلميذَ الَّذي كان هو يحبُّهُ واقِفًا، قالَ لأُمِّهِ يا امرأَةُ هوذا ابنُكِ، ثمَّ قالَ للتِّلميذِ هوذا أُمُّك. ومن تلكَ السَّاعةِ أخذَهَا التِّلميذُ إلى خاصَّتِهِ. وبعد هذا رأى يسوعُ أنِّ كلَّ شيءٍ قد تَمَّ، فَأَمَالَ رَأْسَهُ وأَسْلَمَ الرُّوح. ثمَّ إذ كانَ يومُ التَّهْيِئَةِ، فَلِئَلَّا تبقَى الأجسادُ على الصَّليبِ في السَّبت، لأنَّ يومَ ذلك السَّبت كان عظيمًا، سَأَلَ اليهودُ بيلاطسَ أَنْ تُكْسَرَ سُوقُهُم ويُذْهَبَ بهم، فجاءَ الجُنْدُ وكسَرُوا سَاقَيِ الأوَّلِ والآخَرِ الَّذي صُلِبَ معهُ، وأمَّا يسوع فلَّما انتَهَوْا إليه ورَأَوْهُ قد ماتَ لم يكسِرُوا ساقَيْهِ، لكنَّ واحِدًا من الجُنْدِ طعنَ جَنْبَهُ بحَرْبَةٍ، فخرجَ للوقتِ دَمٌ وماءٌ. والَّذي عاينَ شَهِدَ وشهادتُهُ حَقٌّ.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

"أمَّا هم فصرخوا اِرْفَعْهُ ارْفَعْهُ اصْلِبْهُ" (يوحنَّا 19: 6)

 

اليوم، نعيِّد لعيد رفع الصَّليب الكريم. لذلك، فالإنجيل المقدَّس الَّذي تُلِيَ على مسامِعِنَا في صلاة السَّحَرِ وفي خدمة القدَّاس الإلهيّ،يتحدَّث عن هذا الحدث الخلاصِيّ: هذا العيد ليس احتفالًا بحدثٍ واحِد، إنّه مركّب من عدّة أحداث. منها أنَّ قسطنطين الملك فيما كان يتهيّأ لمحاربة مكسينتيوس ليدخل روما، ظَهَرَتْ له علامة في السَّماء نورانيَّة وحولها كتابة تقول: "بهذا تَغْلِبُ".

 

الحدث الثَّاني هو اكتشاف القدّيسة هيلانة، في أورشليم، صليب السَّيِّد في التُّراب، وأنَّ ميتًا مرَّ به القوم أمامه، ووضعوه عليه، فنهض وعاش، وبهذا عُرِفَ أنَّه الصَّليب الَّذي قدَّسه الرّبّ يسوع بدمه الكريم المسفوك لأجل خلاصنا. فأخذه الأسقف مكاريوس ورفعه عاليًا وبارك الشَّعبَ به. والعيدُ الّذي نقيمه اليوم ابتدأ في ذلك  الظرف.

 

"اِرْفَعْهُ ارْفَعْهُ اصْلِبْهُ". هذه التِّلاوة من الإنجيل المقدّس في القدّاس الإلهيّ اليوم تروي حادثة الصَّلْبِ. أمَّا معنى الصَّلْب، فيعطيه بولس الرّسول، في رسالته إلى أهل كورنثوس الأولى (1: 18-24)، إذ يقول: "إنَّ كلمة الصَّليب عند الهالِكِين جَهَالَة، وأمَّا عندنا نحن المُخَلَّصِين، فهي قوَّة الله". إنّه يُعَرِّف الصَّليب، أي موت المسيح، على أنَّه "قوَّة الله". ويؤكِّد أنّ المسيح بموته أعلن برنامج الله الخلاصيّ للمسكونة، إذ المسيح قوة الله، وحكمة الله.

 

صرخة اليهود: "اِرْفَعْهُ ارْفَعْهُ اصْلِبْهُ"، تُظْهِرُ قساوةَ قلوبِهِم الَّتي لا تَرْحَم، إذ أَظْهَرُوا مُنْتَهَى القساوة مع ربِّنا يسوع المسيح. أَفَلَا يليقُ بنا أن نتحمَّسَ نحن نحو إِعْلَاءِ اسمه ونصرخ: "تَوِّجُوهُ، تَوِّجُوهُ". وإن كانَتْ بُغْضَتُهُم له قد حَمَّسَتْهُم في مساعيهم ضدّه، أَفَلَا يليقُ بنا أنْ تُحَمِّسَنَا محبَّتنا له في مساعينا نحوه ونحو ملكوته. وهذا ما يقع فيه الكثير من المسيحيين إذ يرفضون السيد أن يكون في حياتهم اليومية ويرفضون وصاياه التي تمنعهم عن السرقة والكذب والقتل والزنى وأي خطيئة أخرى فيريدون أن يصرخوا مع هؤلاء اليهود “اصلبه، اصلبه”، ولكن رفضهم هذا يتحول إلى كره للمسيح ولكنيسته، وهي حالة كل البشر الذين اعموا بسبب من أهوائهم فأخذوا يطالبون بموت المسيح بحجة أنهم يدافعون عن إلههم وعن شعبهم.

 

أحبائي، هناك من يساهم كلّ يوم بصلب الرَّبِّ يسوع من خلال أقواله وأفعاله الَّتي تتنافى مع تعاليم السَّيِّد، والَّتي تنمُّ عن البغض والكراهية والحسد ، وينسون أنَّ الرَّبَّ يسوع علَّمَنَا المسامَحَةَ وهو على الصَّليب، إذ قال: "يا أبتاه اغْفِرْ لهم لأنّهم لا يدرون ما يفعلون".

 

ولكن هناك آخرون مثل ببلاطس الذي رأى أن المسيح بريء ولا يستحق الموت ولكنه خوفاً من الشعب من حوله أرسله للموت، وهو كالكثير منا، الذين يؤمنون بالمسيح ولكن خوفاً من الناس الذين من حولهم أو خجلاً منهم يرسلون المسيح إلى الموت أي يعصون الوصايا لا ضعفاً بل خوفاً وخجلاً من أن يعتبروا مهمشين من الناس الذين من حولهم. فبعض السارقون يذهبون للسرقة بسبب الفرصة التي تتاح لهم، حسب موقعه في وظيفة ما، وإن لم يستغلوها يعتبروا أغبياء من كل الذين من حولهم من الناس، فيستغلون الفرصة، أي يسرقون، فيرسلون بذلك المسيح إلى الموت.

 

وهناك فئة من الناس يشبهون رسل وتلاميذ ووالدة المسيح الذين أخذوا يبكون على صلب السيد، هم يمثلون الكنيسة، فيرون ظلم العالم وفساده ولكنهم يصبرون معتمدين على صرخة المسيح: "اغفر لهم يا أبت لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون".

 

قد يكون الصليب ثقيل الحمل االذي يتحمله الإنسان، ولكن مهما كانت حالتك ومهما كانت الآمك النفسية لا تيأس ولا تعتقد ان الله تخلى عنك أنه يعطيك القوة والعزيمة دائماً من الداخل عندما تفكر انه لا عون لك. ولا يسمح قط بأن تجرب اكئر مما تحتمل.

 

وخلاصة القول الكثيرون أو الأغلبية يحملون الصَّليب ويعلِّقوه في أعنقاهم حُبًّا بالظُّهور، ولا يقومون بأيِّ عمل يَرْضَى المصلوب عليه. في الحقيقة، علينا أن ندرك عندما نُعَلِّقُ الصَّليبَ في أعناقنا بعد المعموديَّة، ونعي ذلك عندما نصبح راشدين. نعطى فرح القيامة، فبالصليب قد أتى الفرح لكلّ العالم. لنفرح ولنتهلَّل بقيامة الرّبّ المجيدة، لأنَّنا صُلِبْنَا معه ونقوم معه، فله المجد إلى الأبد. آمين.


عيد رفع الصليب الكريم المحيي

 

يقع عيد رفع الصليب الكريم المحيي في الرابع عشر من شهر أيلول من كلّ عام. وله عيد في اليوم الأوّل من شهر آب مرتبط بتطواف مهيب للصليب حصل في القسطنطينيّة عام ٦٤١م. كما أن الأحد الثالث من الصوم الأربعيني المقدّس هو أحد السجود للصليب الكريم المحيي وذلك لتشديد المؤمنين في وسط زمن الصوم.

 

قصة اكتشاف خشبة الصليب المقدس

 

يرتبط عيد رفع الصليب المقدس بذكرى استرجاع خشبة عود الصليب الذي عُلِّق عليه الربّ يسوع المسيح فأصبح رمزاً للفداء والقيامة والمجد. تخبرنا الأناجيل أن اليهود طلبوا من بيلاطس صلب يسوع، فخرج المسيح حاملاً صليبه إلى الموضع المسمّى الجلجلة. ومن الثابت أن يسوع مات على الصليب، وبعد موته اهتم يوسف الرامي، بإذن من الوالي بيلاطس البنطي، بإنزال جسد المسيح ووضعه في قبره الخاص الجديد.

 

لكن ماذا جرى لصليب المسيح؟ لقد طمروه في التراب مع الصليبين الآخرين وبسب مالاقاه المسيحيون من اضطهاد في القرون الثلاثة الأولى لم يجسر أحد على ذكره أو البحث عنه . لما وقعت الحرب بين الملك قسطنطين وخصمه مكسانس سنة 312 طلب الملك قسطنطين المعونة من إله المسيحيين، فظهر له صليب في الجو وحوله هذا الكتابة: "بهذه العلامة تنتصر".

 

عندها آمن الملك قسطنطين بالمسيح وأمر برسم الصليب على تروس جنوده وانتصر في الحرب، ثم أصدر مرسوم ميلانو سنة 313 وأقرَّ للمسيحية حق الوجود واعترف بالدين المسيحي وسمح به. بعد هذا الظهور للصليب، ذهبت والدة الملك قسطنطين، القديسة هيلانة، إلى القدس تبحث عن صليب المسيح. وعندما سألت عن الأمر أخبروها بأن الصليب مدفون بالقرب من معبد فينوس الذي أقامه الأمبراطور أدريانوس، فأمرت بحفر المكان وعثرت على ثلاثة صلبان، ولمّا لم تعرف أيّها صليب السيد المسيح الحقيقي، اقترح البطريرك مكاريوس أن تضع واحداً تلو الآخر على جثة أحد الموتى الذين كانت تمر جنازتهم بالمكان في ذلك الوقت، فعندما وُضع على الصليب الأول والثاني لم يحدث شيء، وعندما وُضع على الصليب الثالث، عادت للميت الحياة بأعجوبة باهرة، وبعد ذلك وضعوا الصليب على إمراة مريضة فشفيت في الحال، عندئذ رفع البطريرك مكاريوس خشبة الصليب ليراها جميع الحاضرين فرتلوا "يا رب ارحم" ودموع الفرح تنهمر من عيونهم، فرفعت القديسة هيلانه الصليب المقدس على جبل الجلجلة وبنت فوقه الكنيسة المعروفة إلى يومنا هذا كنيسة القيامة.

 

وتأكيدأ على صحة هذه القصة يجب ذكر قول للقديس يوحنا الذهبي الفم في خطبة ألقاها بين (سنة 390-395) والتي ذكر فيها بأن الفرق بين الصليب الصحيح والصليبين الأخرين عندما اكتشفتهما الملكة هيلانة كان واضحاً من اللوحة التي كُتبت بأمر بيلاطس والتي بقيت معلقة عليه ويرى ذلك أيضًا القديس امبروسيوس أسقف ميلانو (374– 397)، ويضيف إلى ذلك بأن هيلانة أم قسطنطين التي اكتشفت خشبة الصليب المقدس فعلاً.

 

في سنة 614 م كان كسرى ملك الفرس قد اجتاح اورشليم  وأسر الوف المسيحيين وفي مقدمتهم البطريرك زكريا، ونقلهم إلى بلاده، وأخذ ذخيرة عود الصليب الكريم غنيمة، وبقيت في حوزته أربع عشرة سنة.

 

عام 628 م استطاع الأمبراطور البيزنطي هرقل الانتصارعلى الفرس، كانت أهم شروطه اطلاق المسيحيين وإرجاع ذخيرة خشبة الصليب المقدس. وكان كسرى الملك قد مات وملك مكانه ابنه سيراوس فقبل هذا بالشروط وأطلق الأسرى سالمين مع البطريرك زكريا بعد أن قضوا في الأسر 14 سنة، وسلّم ذخيرة عود الصليب إلى الأمبراطور هرقل وكان ذلك سنة 628. فأتى بها هرقل إلى القسطنطينية التي خرجت بكل ما فيها الى استقباله بالمصابيح وتراتيل النصر والإبتهاج.

 

وبعد مرور سنة جاء بها الإمبراطور هرقل إلى أورشليم ليركز عود الصليب في موضعه على جبل الجلجلة. فقام لملاقاته الشعب وعلى رأسهم البطريرك زكريا، فاستقبلوه بأبهى مظاهر الفرح والبهجة بالمشاعل والترانيم وساروا حتى طريق الجلجلة. وهناك توقف الملك بغتة بقوة خفية وما أمكنه أن يخطو خطوة واحدة، فتقدم البطريرك وقال للملك: "إن السيد المسيح مشى هذه الطريق حاملاً صليبه، مكللاً بالشوك، لابساً ثوب السخرية والهوان، وأنت لابس أثوابك الأرجوانية وعلى رأسك التاج المرصّع بالجواهر، فعليك أن تشابه المسيح بتواضعه وفقره". فأصغى الملك إلى كلام البطريرك، وارتدى ثوباً حقيراً ومشى مكشوف الرأس، وتابع مسيره حافي القدمين حتى الجلجلة حيث رفع عود الصليب المكرّم فسجد المؤمنون على الأرض وهم يرنمون (لصليبك يارب نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد) وكان ذلك في 14 أيلول 628 م. فشمل الفرح العالم المسيحي الشرقي وأخذوا الناس يتباركون من خشبة الصليب المقدس التي حلَّ عليها تم سرّ الفداء. بعدها نقلت الذخيرة إلى إورشليم سنة 631.

 

ومنذ ذلك الحين والكنيسة تحتفل بهذا العيد العظيم. عيد رفع الصليب المقدس كل سنة في 14 أيلول.

 

الطروباريات

 

طروباريَّة عيد رفع الصَّليب باللَّحن الأوَّل

خَلِّصْ يا رَبُّ شَعْبَكَ وبَارِكْ ميراثَك، وامنَحْ ملوكنا المؤمنينَ الغلبَةَ على البربر، واحْفَظْ بقوَّةِ صليبِكَ جميعَ المُختصِّينَ بكَ.

 

قنداق عيد رفع الصَّليب  باللَّحن الرَّابع

يا مَنِ ارْتَفَعْتَ على الصَّليبِ مُختارًا أيُّها المسيحُ الإله، اِمْنَحْ رأفَتَكَ لشعبِكَ الجديدِ المُسمَّى بكَ، وفَرَّحْ بقوَّتِك عبيدَك المؤمنين، مانِحًا إيَّاهُمُ الغَلَبَةَ على مُحاربيهِم. ولْتَكُنْ لهم معونَتُكَ سِلاحًا للسَّلامِ وظَفَرًا غيرَ مَقْهُور.