موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٣٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٤

عام 2014...عام النكبة العربية الكبرى

بقلم :
أنطون سابيلا - استراليا

عندما جئت إلى استراليا في أواخر السبيعنات، اكتشفت اشياء عن الشعوب العربية، بمن فيها الشعب الفلسطيني، لم اكن اعرفها بينما كنت أعيش في الوطن. فقد كان الإنطباع السائد ان كل الشعوب العربية تعشق فلسطين بدون مصلحة تُذكر، وفقط لأنها ارض مقدسة ولأن قضيتها عادلة. ولكن تبين لي أن المحبة مرهونة بالمصلحة وانه عندما يتعلق الأمر بالمصلحة فإن بعض العرب وبعض الفلسطينيين ايضا على استعداد أن ينسوا فلسطين وقضيتها من اجل مصلحتهم! ولو كان الفلسطينيون يدركون هذه الحقيقة في نزاعات سبعينات القرن الماضي لكانوا أخذوا قراراتهم بناء على المصلحة وليس العواطف!! ولا غرابة إذن أن تجد دراسة لمؤسسة "كارنيجي" أن أزمة غزة تساوت بأزمة فيروس إيبولا حيث حصدتا نسبة 4% لكل منهما على حدة. ولم يأت احد على ذكر قضية فلسطين! أما بالنسبة لأهم الأزمات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد احتلت الدولة الإسلامية الصدارة بنسبة 63%، تلتها أزمة سوريا بنسبة 25% ثم مصر بنسبة 6%، وفي النهاية جاءت ليبيا بنسبة 2%، حيث يظن 9 من 10 اشخاص أن نهوض الدولة الإسلامية أو الحرب الأهلية في سوريا هو أهم قضية في المنطقة. وعن الأزمات التي سيكون لها التأثير على المدى البعيد، فبحسب "كارنيجي"- قد احتلت أزمة العراق وسوريا الصدارة للمرة الثانية بنسبة 47%، تلتها الأزمة الأوكرانية بنسبة 27%. ولنعد قليلاً الى الوراء، فقد كانت الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي عام 1916 تاثيراً ايجابياً على الأمة العربية ككل بالرغم من بعض نكساتها. وكانت بذور هذه الثورة تكمن في التطلعات القومية العربية والرغبة في بناء دولة عربية ناهضة، تنقل العرب من عصر الانحطاط والتخلف إلى الارتقاء الحضاري، مما جعل عدة جمعيات عربية تساند وتشارك هذه الثورة. ولا يختلف إثنان ان تلك الثورة فتحت الباب أمام التطور والتقدم في العالم العربي بحيث أن العراق في مطلع السبعينات صار يعتبر دولة متقدمة على غرار الدول الغربية. وحتى السعودية ودول الخليج الأخرى شهدت في تلك الحقبة بوادر الانفتاح والتطور المجتمعي. وهذا التطور والتقدم السريع للعرب أقلق الدول والاوروبية والولايات المتحدة فوجدوا في المعارضة الدينية الإيرانية للشاه ملاذهم الوحيد وحدث ما حدث وأتى الغرب بحكم ديني اصولي في ايران، ثم اندلعت الحرب العراقية-الايرانية وتبع ذلك المنافسة السنية-الشيعية القائمة حتى الآن، وسقوط صدام بالدبابات الأمريكية (المبارَكة من ايران) وليس انتهاء بقيام تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) السني الذي هو عبارة عن تكرار مخابراتي غربي "للصحوة" الدينية في ايران في اواخر السبعينات. ومن لا يرى اصابع اجنبية في الحالتين فإنه يحاول ان يحجب الشمس باصبعه. اليوم الصورة مزعجة للغاية في الدول الشرق الاوسطية، فالقتل والتشرد والدمار في كل مكان، ولا احد يريد ان يعترف ان الدول الكبرى هي التي تحرك احجار الشطرنج في المنطقة كيفما تشاء وتبعا لمصالحها. وأن ما يسمى بالصحوة الدينية التي اطلقتها "داعش" هذا العام ما هي إلا وسيلة من وسائل الدول الكبرى لسرقة ثروات المنطقة وإفقار شعوبها وجعلهم يعتمدون على المنح والعطايا والمكرمات الاجنبية، وتشريد الاقليات حتى تلجأ بخبراتها ومؤهلاتها وطاقاتها إلى الدول الغربية التي هي باشد الحاجة إليها. وايضا اليوم، وبعد فظاعات "داعش" فإنهم في الدول الكبرى يستقبلون المسيحيين العرب والافارقة بكل ترحاب لان غالبيتهم مؤهلون ومتعلمون ومحترفون. ولا أكشف اشياء جديدة عندما اقول ان نسبة كبيرة من المسؤولين في القطاعين الصناعي والتجاري في استراليا هم من المسيحيين العرب. ولا يوجد شارع في سيدني ليس فيه طبيب او صيدلي او مهندس او محامي او تاجر مسيحي عربي. ويوما بعد يوم يزداد عدد المسيحيين العرب في استراليا وامريكا واوروبا وتتناقص اعدادهم في اوطانهم الأم. وقد يأتي يوم يبحث فيه الوطن العربي عن ابنائه المسيحيين فلا يجدهم إلا سفراء وقناصل لأوطانهم الجديدة. لو ان المسؤولين عن "داعش" وهم بمعظمهم بعثيون قدامى اعلنوا قيام الثورة العربية الكبرى الثانية كما فعل الشريف حسين بن علي لاختلف المشهد كليا، ولجاءت ثورة عربية شاملة من اجل التجديد والتطور والتقدم، ولتفوقوا على استاذهم ومؤسس حزبهم العربي المسيحي ميشيل عفلق. ولا شك ان غدر بعض البعثيين العراقيين، بمن فيهم ابو بكر البغدادي، بتعاليم مؤسسهم يشكل احباطا للمفكرين من المسيحيين العرب وتجعلهم يمتنعون عن اقامة حركات نهضوية عربية أخرى لانهم يدركون أن العرب في نهاية الامر سوف يهدمونها!! وهذا بالواقع ما يريده الغرب، وهذا بالتأكيد ما حققته الدول العظمى في النكبة العربية الكبرى عام 2014!!! وكل عام وأنتم جميعا بألف خير وسلام.