موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٠ فبراير / شباط ٢٠٢٠

صلاة الطلب

بقلم :
الأب هشام الشمالي اليسوعي - الأردن
إن طلبها هو اعتراف إيماني، قبل أن يكون إلحاح أناني

إن طلبها هو اعتراف إيماني، قبل أن يكون إلحاح أناني

 

«مِن أَجلِ قولِكِ هٰذا...» (مرقس 7: 29)

 

صلاة المرأة الوثنية الفينيفية السورية الأصل (مرقس 7: 24-30)، هي نموذج لصلاة الطلب.

 

إنّ طلبها هو اعتراف إيمانيّ قبل أن يكون إلحاح أنانيّ. لجأت هذه المرأة الى يسوع محبة بابنتها بالتأكيد، لكن أيضًا مؤمنة بقدرته. بعد أن صدّ يسوع طلبها مفضلا إشباع البنين أولا (جماعته اليهودية، أي من هم داخل البيت)، تجدّد المرأة إيمانها به بمناداتها إياه: "يا ربّ"، وباعترافها أنها من "الكلاب"، أي ممن هم خارج بيت البنين (مرقس 7: 28).

 

إن طلب المرأة قد ينطلق من حاجتها لشفاء ابنتها، لكن حاجتها هذه لا تبرّره. إن طلبها يتبرّر بإيمانها. فها هي تعترف بأن حتى ولو لم تكن من أبناء البيت، فإن لها الحق في أن تستفيد مما يقدّم للبنين. اعترفت بأن رسالة يسوع ليست محصورة بشعبه، لكنها أوسع، وربما ساعدته على أن يفهم ذلك أيضًا.

 

إن طلب المرأة تحقّق، ليس من أجل ابنتها فقط أو بسبب إلحاح مركّز على موضوع الطلب متناسيًا المخاطَب وهويته، إنما من أجل قولها (مرقس 7: 29)، لأجل ايمانها وإعلانها لهذا الايمان.

 

إن صلاة الطلب هي تعبير عن إيمان عميق بالعناية الإلهية بالخلق. هذا الخلق مستديم استدامة اللـه الخالق، والعناية به مستديمة استدامة الخلق. فصلاة الطلب الحقيقية هي جواب على مبادرة الله الرعائية أصلا. هي صلاة ملهَمة، وليس صلاة تلبية الرغبات أو الحاجات، إنما لتحقيق مشيئة الله لخلقه، ذلك لأنها تقام باسم المسيح، أي بحسب قلبه ونواياه هو.

 

لمَ إذًا الالحاح الوثني في الطلب إن كانت المرأة الوثنية نفسها لا تستخدمه؟ لمَ تحويل صلاة الطلب إلى خطيئة، خطيئة تكبّر على الجلال الإلهي تحوّل دوره الى أن يأتي الى رغبات المصلّي البشرية، خطيئة تنشئ أقوال التجديف ضدّ العزة الإلهية؟ لمَ تحويل صلاة الطلب إلى خطيئة تعبّد وثنية نحو موضوع الطلب، فيتحوّل الموضوع إلى صنم يستعبد المصلّي نفسه به ويحزن ويبقى غير راضيًا إلا إذا أتت القدرة الإلهية وسجدت معه؟ وإن لم تستجب طلباته، ترى المصلّي ينكسر تاركًا في روحه جرح يزيده لامبالاة تجاه خالقه المعتني!

 

إن الربّ وإن لم يستجب بتحقيق موضوع الطلب بطريقة مباشرة، يظهر حتمًا عنايته ويتدخل لمساعدة المؤمن أو المؤمنة على فهم طرقه وسبل عنايته، حتى التقاء المشيئتين!

 

«إن سَأَلتُمُ الآبَ شَيئًا بِٱسمي أَعطاكم إِيَّاه» (يوحنا 16: 23)