موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٤ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠

شفاء أبرص

بقلم :
الأخت رانيا خوري - الأردن
كيف شُفي الأبرص يا ترى؟ أهي اللمسة أم تراه الحب؟

كيف شُفي الأبرص يا ترى؟ أهي اللمسة أم تراه الحب؟

 

كنت من بين الجموع التي تتبع المعلم. كثيراً ما كان يحلو له أن يأخذنا معه لنصعد الجبل أو أي مكان مرتفع نعتزل قليلاً لنصغي ونرتفع بفكرنا معه.

 

لحظات غريبة اختبرناها على جبل التطويبات. تعاليمه جميلة، هي متطلبة ومريحة بذات الوقت، لكن، في عمقي صراع أفكار تنهش عقلي وتفتت في داخلي قناعات، وهناك شكوك تمزقني.

 

كنت أشعر أحياناً أن قلبي بعذاباته كجلد أبرص يذوب ويتحلل ولا مجال له للشفاء. ليتني أستطيع ايقاف صراع الأفكار والشكوك التي تنهشني قليلاً، ليتني أعود بتفكيري إلى نقاء طفل كما عاد جلد نعمان السوري بعد اغتساله في الأردن سبع مرات.

 

عندما نزل يسوع من الجبل تبعته مع الجموع الكثيرة فإذا بابرص يتقدم نحونا، أجراسه المعلقة بثيابه أثارت الذعر الشديد فتراجعت الجموع كحركة جزر عنيفة، غير أن المعلم بقي بمكانه وبقيت أنا إلى جانبه. أأخاف برص الجسد الظاهر ولا أخشى البرص الباطن؟ إني لا اختلف عنه كثيراً فالمرض ينهش جلده وبرصي ينهش قلبي وفكري، ومشاعري هي الأخرى تتمزق.

 

حاول الأبرص أن يحافظ على مسافة أمان من المعلم وسجد له قائلاً: "إن شئت فأنت قادر على أن تبرئني". ما أعظم هذا الإيمان، إذن هو واثق بقدرة المشيئة على شفائه، ولم يتوقع كسمعان السوري حركات وطقوس وكلمات عجيبة. على فكرة لقد أعجبني إيمانه!

 

توقعت من يسوع نظرة ثابتة، كلمات مطمئنة ومشيئة شفاء، لكن المعلم ذهب إلى أبعد فقد مدّ يده فلمسه ثم أعرب عن مشيئة شفائه قائلاً "قد شئت فابرأّ"

 

نعم لقد برئ الأبرص من وقته، لكن، ما سرّ هذه اللمسة؟

 

ألم يشمئز؟ ألم يخف أن يتنجس؟

 

تهامس كثيرون باشمئزاز قائلين "انه نجس! كيف لمسه؟"، "هذا لا يحل، عليه أن يقوم بالكثير من طقوس التطهير" "ماذا لواقترب منا؟ لن نسمح له بأن يلمسنا؟"

 

أما أنا فبقيت أتأمل تلك اللمسة وجمال دهشة الحب في عيني الأبرص!

 

كيف شُفي الأبرص يا ترى؟ أهي اللمسة أم تراه الحب؟ ولما لا يكونان الاثنان معاً، أقصد لمسة الحب أو الحب الذي يتجلى بلمسة قُرب حنونة وقبول غير مشروط؟

 

بقي الأبرص مسمراً في مكانه تغمره الدهشة، يُحدّق بوجه المعلم تارة ثم ينظر ويتحسس مكان اللمسة! نعم لقد نال ما قد طلب لقد برئ وطهر، غير أن لمسة المعلم قد شفت أولاً قلبه بالحب والقبول! لم يعد النجس نجساً بعد، فمن لمسة القدوس ولّت النجاسة بعيداً وتم تدشين القلب ليصبح معبداً يحمل روح القداسة ويطوف بها في كل مكان.

 

لا أذكر كم من الوقت مكثنا في موقف الدهشة والحبور لكن عندما صرف يسوع الرجل ليذهب إلى الكاهن وليقرب ذبيحة برئه، نظرت إلى المعلم نظرة استرحام وهمست له قائلاً "إن شئت فأنت قادر أن تبرئ عقلي" نظر المعلم إليّ وابتسم قائلاً لا تجزع من الصراعات والتناقضات أطلب الحب وسترى كيف سينبت الإيمان والفضيلة المجربة عبر شروخ نفسك.