موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٨ فبراير / شباط ٢٠٢٠

شحّاذ ليوم واحد

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
لن يضيع لك أجرك ولو صغيرًا، فعندي كله ثمين

لن يضيع لك أجرك ولو صغيرًا، فعندي كله ثمين

 

إن لم يقرأ الإنجيل صباحًا فلا ينس أخذه مساء

إذ على أقواله يبني حياته في النهار دون حياء

 

هُوَ ما كانَ يَقْرأً بَلْ يتأَمَّلُ طويلاً بِقَولِ يسوع

صارَ يَعرِفُ ما له مَسْموحٌ وما عليهِ ممنوع

 

صارتِ الصّلاةُ كما قَرَأَ خُبْزَهُ اليَومِيَّ مكفول

لولاها لظلَّ فراغٌ كبيرٌ عِندَهُ وذا غيرُ معقول

 

وَصَلَ في القراءَةِ والتَّأمُّلِ آخِرَ الفَصْلِ في متى

هو وصفٌ لِأعمالِ الرَّحْمَةِ والمَحبَّةِ وَهْيَ شتى

 

كنتُ جوعانا فأطعمتموني وعطشانا فسقيتموني

ومريضًا فَزُرْتُموني وفي السِّجْنِ فأخرجتموني

 

فما بالُنا لا نَفْتَحُ العَيْنَ لِنرى كَمْ جائعًا في حيِّنا

وكم من مظلومٍ جرى عليه الدهر ليتنا عرفنا

 

للتّوِّ جاءَتْهُ فِكْرَةٌ ما أشْغَلَتْ بالَهُ حتّى اليوم

فلإطعام جُوعانٍ إنّي سأُضَحِّي الآنَ بالنوم

 

سأتخلّى عَنْ كُلِّ ما بهِ يَعرفُني أهلي والقوم

مِنْ ملابِسَ وعُطورَ وخواتِمَ كأني في صوم

 

مكاني سيكونُ حَيْثُ ازْدحامٌ وضجيجٌ كثير

قريباً مِنْ بابِ مَحَطَّةِ القِطارِ إذِ الجَمْعُ غفير

 

سَأَرْتَدِي قَميصًا مُمَزّقًا وأَظْهَرُ نِصْفِ عَريان

لا مِعْطَفَ فوقَهُ وأجْلِسُ على دَرْجَةٍ كنعسان

 

سَأرْفَعُ الطَّرْفَ مُتَوَسِّلاً حَسْنَةً لِفَقيرٍ يا بشر

ما لهُ مِنْ مُعيلٍ سِواكُمْ وسُكْناهُ تَحْتَ المطر

 

بلحظات أبدلْتُ مَلامِحي مِنْ إِبْنِ غَنِيٍّ لشحاذ

جَلَسْتُ أَتَلَوّى جُوعًا والكِذْبُ في حياتي شواذ

 

الشّكلُ صار إنْسانًا جَرى عليهِ الدَّهْرُ وافتقر

ما عَاد لَهُ مِنْ مَجالٍ يَحْمِلُ فيهِ قَلْباً مِنْ حجر

 

لَقَدْ حانَتِ السّاعَةُ لِمَدِّ اليَدِ وَطَلَبِ المعونة

عَليكَ إلَهِي إتَّكَلْتُ وعلى يد أُمِّك الحنونة

 

ليسَ بَعيدًا مِنْ هُناكَ أطْلَعْتُ صَديقِيَ المُصوَّر

أَخَذَ لِنَفْسِهِ مَوقِعًا لِأخْذِ صُوَرٍ لِمقالٍ هو مُحرِّر

 

شاهَدْتُّ شحّاذينَ قَبْلي طَلَبوا هم مِنّي حَسْنتي

فَوْقَ العَيْنِ رَفَعوا اليَدَ وقالوا ألا انظر سحنتي

 

رَفَعْتُ اليَدَ إلى فَوْقُ وَصَوَّبْتُ العَيْنَ إلى تحت

إذْ هذيْ طَريقةُ مَنْ مارَسَ مِهْنَةَ الشِّحْذَةَ الْبَحْت

 

مَنْ يَحِنُّ قَلْبُهُ ويُريدُ مُساعدَةَ جائِعٍ فقير

يَنْظُرُ أوّلاً وَجْهَكَ ويُقرِّرُ عَنْكَ المصير

 

فَإنْ وَقَعَتْ عَيْنُكَ بِعَيْنِهِمْ يَنْتابُهُمُ الشّك

كَأنَّكَ تَقولُ لَهُمْ ما كفى بَلُ اكْتُبوا شك

 

بَعْدَ ساعَةِ جُلوسٍ شَعَرْتُ حَقّاً بِبَردٍ شديد

تُرى كَمْ سَأصْبِرُ فَجِسمي ليسَ مِنْ حديد

 

والغَريبُ في الأمْرِ عَدَدُ المارِّينَ لا يُحصى

مِنْهُمْ مَنْ يَهْزأُ بِكَ ومِنْهُمْ مَنْ يَقولُ يا حسرى

 

ما مِنْ احدٍ يَرى على وَجْهِكَ أنَّكَ جوعان

أو مَوْجوعٌ أوْعطشانٌ أوْ عاطِلٌ بل كسلان

 

وإذْ مَرَّ الزَّمانُ وما عادَ بِالحيلَةِ الجلوس

وَقَفْتُ على رِجْلَيَّ وهَمَمْتُ بِأخْذِ الفلوس

 

فَإذا ما كُنْتُ أَحْسَبُ لهُ حِساباً قَدْ حصل

الشُّرْطَةُ تَقولُ هذا لَيسَ جُوعاً بَلْ كسل

 

ظَنَنْتُ سَيأخذونَ مَحْصولَ السَاعَةِ الماضية

لَكِنَّهُمْ أشاروا عَلَيَّ بالذَّهابِ لِطَريقٍ فاضية

 

لِلْعَجَبِ قَدْ أبْدَلْتُ مَوقِعي إلى شارِعٍ مأهول

كانَ فَوْقَهُ قُبَّةٌ هِيَ المَدْخَلُ لِبَنْكٍ مالُهُ مكفول

 

يَرْتادُهُ النّاسُ مَرّةً لِتَوديعِ ومَرَّةً لِسَحْبِ المال

فاسْتَبْشَرْتُ خَيراً عَسانيْ أَكُونُ لَهُمْ في البال

 

وما كان بفكري حُلْماً تحوَّلَ لي واقِعاً حقيقي

إذْ خَرَجَتْ زائِرَةٌ قَدَّمَتْ لِيْ فِعْلاً حَسْنَةً تليقي

 

لَكِنَّها ما اكْتَفَتْ بِذلِكَ بِلْ حَنَتْ عليَّ وقالت

أنا أرْمَلَةُ الإنجيلِ مِنْ عَيْنِها الدُّموعُ سالت

 

العَيْنُ بَصيرَةٌ لَكِنَّ اليَدَ للمُساعدَةِ قصيرة

فاليومَ أصومُ في بيتي لِتَأْكُلَ أنتَ فطيرة

 

ليسَ فقَطْ ذا بَلْ أتَمنَّى لَكَ النَّجاحَ مِنَ القلب

وأَطْلُبُ لَكَ بَرْكَةً تُسَدِّدُ خُطاكَ على الدرب

 

فهَلْ ترى أنا في حُلمٍ أمْ ما زِلْتُ على الأرض

إذِ الشُّكْرُ على الآخِذِ لا المُحْسِنِ قانونٌ فَرْض

 

كَمْ مِنْ غَنيٍّ دَخَلَ وَخَرَجَ أمامِيْ قَبْلَها وبعدها

ما نَظَرَ إليِّ كَيْفَ أرْتَعِشُ مِنَ البَرْدِ ما أسعدها

 

إنْ فَطِنوا وَرَمُوا حَسْنَةً فَمِنْ أصْغَرِ ما في الجيب

ينظرونُ إلَيْكَ رافِعِيِّ الرَّأسَ لِسَماعِ شُكْرٍ يا عيب

 

هُمْ كمُتبرِّعيِّ حَسْناتٍ كبيرةٍ أمامَ مَدخَلِ الهيكل

يَنْتَظِرونَ التّصْفيقَ فالتَّرْنيمَ فمَدِيحًا عالِيًا يشمل

 

حَسْنَةُ الجَيْبِ إِنْ أُعْطِيَتْ للظُّهورِ ما هِيَ حسنة

إنْ لَمْ يَشْتَرِكْ فيها القَلْبُ وتَبقى خَفِيَّةً كلَّ السنة

 

لأجلك يا جائِعُ تحمّلت ما تحمّلت من عبءٍ ثقيل

وحصولك آخر النهار على رغيف ساخن جميل

 

ساعاتُ هذا اليَوْمِ كانت لِيْ مِنْ أصعب أيّامِ الحياه

لكن وأغناها خبرةً من كلِّ الجهاتِ والصّفاتِ يا الله

 

اليوم فَهِمْتُ نَفْسِيَّةَ النّاسِ الّذينَ حاكوني وقابلوني

ومِنْ خِلالِ تَصَرُّفاتِهِمِ الّتيْ لِيْ أظْهروها علموني

 

بِوَعْيٍ وفَهمٍ لِكُلِّ الطَّبَقاتِ أَرْجِعُ إلى بيت أهلي

غَنِيّاً لا بِالمالِ بَلْ بِخِبْرَةٍ هِيَ أنْقَذَتْني مِنْ جهلي

 

وفي آخِرِ النَّهارِ عندما راحَتِ النّاسُ لبُيوتِها تعود

قُلْتُ لِنَفْسي ساعاتٍ طَويلَةً جَلَسْتِ كَفى كَأنَّها عقود

 

والآنَ أعُودُ حَيْثُ أتَيْتُ فارِغَ اليَدَيْنِ لكني مسرور

لأُعْطي جاريَ الجَائِعَ ما جَمَّعْتُ له إن قَلْبُهُ مكسور

 

يا بُنيَّ لَكَ أقولُ أنْتَ ما تَعِبْتَ اليومَ كُلَّهُ باطلا

بَلْ كلُّ ما فَعَلْتَهُ لِذاكَ كانَ لِيْ وما كُنْتَ عاطلا

 

تَعالَ رِثِ المُلْكَ المُعَدَّ لَكَ مِن أبِيْ فأنْتَ خادِمٌ أمين

ولَنْ يَضِيعَ لكَ أجْرُكَ ولَوْ صغيراً فَعِنْدي كُلُّهُ ثمين