موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٩ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٣

سَالِموا جميعَ النّاسِ على قَدرِ ما الأمرُ بيدِكم

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
سَالِموا جميعَ النّاسِ على قَدرِ ما الأمرُ بيدِكم (روما 18:12)

سَالِموا جميعَ النّاسِ على قَدرِ ما الأمرُ بيدِكم (روما 18:12)

 

عظة الأحد الثّالث والعشرين من زمن السّنة-أ

 

أَيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء في الْمَسيحِ يَسوع. تَزاحَمت عَليَّ الأمورُ كثيرًا هَذهِ الأيام، ولم أَجِدْ الوقتَ الكافي لأكتُب عِظةَ هذا الأَحَد بالشّكلِ الْمطلوب. وَمع ذلك، حَاوَلتُ أنْ أخرُجَ بِبَعضِ الأمورِ حَولَ إنجيلِ هَذا الأحد.

 

الْمَسيحُ يا أحبّة يُعْطينَا اليومَ دَرسًا في خَطَواتِ الاصلاحِ الأخَويّ، "فَهوَ سَلامُنَا" (أفسس 14:2)، وَيُريدُ أَنْ يُحلَّ السَّلام، وَيُبدِّدَ الخِصَام، ويُزيلَ العَداوةَ بَينَ النَّاسِ وَمِنْ قُلوبِ النّاس. فَالخُطوةُ الأولَى والأسَاسِيَّةُ هيَ الْمُواجَهَةُ الْمُبَاشِرَةُ والصّريحة، دُونَ اغتيابٍ أو نَميمَة أو وراءَ الكواليس. وَمِنْ خِبرتي الرّعوية، وَبُحكمِ اطّلاعي عَلَى كثيرٍ مِنَ الوَقَائِعِ والأحدَاث، فَإنَّ مُعظمَ النَّاسِ يَغتابونَ بَعضُهم بَعضًا، وَيَتَجَنَّبونَ الحَديثَ الْمُباشِر. وهو الأمرُ الّذي يُؤدّي إلى تَفاقُمِ الْمُشكِلاتِ لا إلى حَلِّها.

 

أَضِف إلى ذَلِك، أنَّ عَمليةَ الاغتيابِ والنَّميمَة، يُرافِقُها عَادةً كَثيرٌ منَ "التّبهير"، وَتضخيمِ الوقائِع، وَتزويرِ الحَقائِق. لأنَّ حامِلَ الأخبارِ لا يَسعى دومًا لِنشرِ الخير، إنّما لزرعِ بُذورِ الانقسامِ وَتَعزيزِ الشّقاق. لِذلكَ، وبَعد الخِبرَة، لا يُوجدُ طريقٌ أَفضَلُ وأَقصر، مِنَ الْمواجهةِ الصّريحةِ وَالْمُباشِرَة.

 

في نَفسِ الوقت، عَمليةُ الْمُواجَهة والْمُصَارَحَة لها أُسس. فَهُنَاكَ فَرقٌ بينَ الْمُصارحَةِ الهُجوميّة، وَبَينَ الْمُكَاشَفة عَلَى أساسِ الْمَحبَّة، والسّعيِّ للحفاظِ عَلَى العَلاقَاتِ الطّيبة. هُنَاكَ مُصَارَحَة تحترمُ الآخر وتحفَظُ كَرامَتَهُ، وَهُنَاكَ مُصَارحة تَتَحَوَّل لإهانَة وتجريح. وَعِندَ كُلِّ مُكَاشَفة، وَضعَ الْمسيح شَرطًا أساسيًّا، أَلا وَهو: أن تربَحَ أخاك! لأنّه لا يوجدُ أَسهل مِن فُقدانِ بعضِنا البعض، إذْ بِكَلِمَةٍ وَاحدَةٍ نهدمُ ونُدمّر، وبكلمةٍ وَاحِدَة نَبني ونُعزّز.

 

الْمَسيحُ بَدَأ كَلامَهُ قائِلًا: ﴿إذا خَطِئَ أَخوك، فاذْهب إليهِ وانْفَرِد بِه وَوبِّخه. فَإذا سَمِعَ لَكَ، فَقد رَبِحتَ أخاك﴾ (متّى 15:18). وَمن خبرني كَكاهن، أجِدُ أنَّ النّاسَ القادِرين عَلَى الاستماعِ عِندَمَا يُخطِؤون، والاعترافِ بأنّهم قَدْ أَخطَأوا، هُمْ قَلائِل! لأنَّ رَدّةَ الفِعلِ الأولى وَالطّبيعيّة، هيَ "ميكانيكية الدِّفَاع". فَالخَطَأُ يَكونُ وَاضِحًا وَصَريحًا، وَمعْ ذَلِك، يَتَحوّلُ الأمرُ لجدالٍ عَقيم لا فَائِدَةَ مِنه، ولا يجلِبُ سِوَى "وَجعِ الرّأس".

 

وَمَعْ ذَلِك، يَضعُ الْمَسيحُ أيضًا خُطوتينِ أُخرَيين، مِنْ خِلالِ إِدْخَالِ وُجهاءِ الخير والسّلطةِ الكّنسيّة، وسيلةً لحلِّ الخلافاتِ والنِّزَاعَات. فَبَعضُ الحالاتِ قَدْ تُفضي لِنَتيجَةٍ إيجابيّة، والبَعضُ الآخر للأسفِ يَبقَى بِلا نَتيجَة!

 

نحنُ كمؤمنين عَلَينَا أَنْ نَكونَ دُعاةَ محبَّة، نجنحُ للسّلمِ مَع الجميع، كَمَا قَال القدّيسُ بُولس في رِسَالتِهِ إلى أَهلِ روما: "سَالِموا جميعَ النّاسِ إن أمكَن، على قَدرِ ما الأمرُ بيدِكم" (روما 18:12). لأنّك أَحيانًا قَدْ تَصطدمُ بِصُخورٍ صَمَّاء. وَعَلَيه، وَبَعدَ استنفاذِ كُلِّ الْمُحاولاتِ، عِندَها: ﴿فَليكُن عندكَ كَالوثَنيِّ والعَشَّار﴾ (متّى 17:18)، مُفوِّضًا أَمرَكَ للهِ الّذي يحكمُ بالعدل، وَيَعلمُ بما في القُلوبِ والضّمائِر.