موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٩ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠

سأكون حيث يجب أن أكون

د. اسمهان ماجد الطاهر

د. اسمهان ماجد الطاهر

د. اسمهان ماجد الطاهر :

 

جمع الشاب أحلامه في حقيبة سفر، وقرر الرحيل، عزم على أن يهجر رياح البطالة القاسية، ويودع الفرص التائهة في جبال المدينة الأجمل.

 

سيهاجر من عمان الغالية التي أحبها_ وكان يراها جوهرة الكون، ومسقط الرأس، وموطن ذكريات الطفولة والشباب_ إلى البعيد نحو عالم مجهول من أجل البحث عن فرصة عمل لتحقيق حلم تأخر على رصيف الانتظار مهدداً بقتل شغف قلبه نحو التمييز والإبداع.

 

نعم سيهاجر وفي داخله جرح ينزف نتيجة لواقع مزيف خذله عدة مرات حين أفقده الروح المتفائلة، والكثير من المرح المصنوع لروحه الشابة.

 

أمسكت يداه ذلك الشريط الشائك من الذكريات، نظر حوله متفحصا جدران البيت الشاسع الذي سكنة سنوات، وعاش فيه عدة أفراح مع عائلته.

 

كان يحدث نفسه ويقول: "في هذا البيت اكتشف الفرح حنان أبي، ودفء قلب أمي التي كانت تضع الحلول لكل المشاكل اليومية. رغم رقة روحها كنت أشعر أنها الأقوى بين نساء الكون.

 

لم تشعرنا يوماً بأنها تعبت، أو ملت من الظروف، بل كانت تخبرنا أن الجزء القادم من حكايتنا هو الأجمل.

 

أمي كلماتها بلسم يداوي الجروح كلما حل اليأس واعتصر أحلامي. كانت تقف بيني وبين اليأس لتبث روح الطمأنينة، وتحفز روح الأمل من جديد قائلة: ما زلت شاباً والحياة أمامك، لن تخذلك الأيام لأنك ستتحداها بعنفوان شبابك.

 

استغرق الشاب في التفكير، ماذا سيحل بهذه الجدران عندما أرحل عنها بعيداً؟ وكم سيطول الغياب؟ سأفتقد ركن الحديقة الجميل في منزلنا، وطلة جبال عمان البهية.

 

سأفتقد الأهل والأصدقاء، سأفتقد رائحة طعام أمي حين أعود من خارج البيت، وبعضاً مني سيبقى عالقاً في جدران مدينتي الغالية.

 

في لحظة تشعر أنك عاجز عن سرد أعظم اللحظات في حياتك، تتعثر الكلمات وتقف متلعثمة.

 

حين تقرر تخليد أهم ما حدث في حياتك، وأجمل لحظات عمرك في مكانك الذي تحب ومع من تحب.

 

تسأل بحزن، يعتصر قلبك قبيل الرحيل هل سيمر في حياتي أيام أجمل من تلك الأيام المغلفة بمحبة ودفء العائلة؟! هل سأجد مدينة أجمل من مدينتنا؟.

 

كيف سأترك خلفي كل ذلك؟! الأمر يشبه قطاراً من السعادة مر مسرعاً في حياتك، ثم وصل لمحطة المغادرة، وكأن أجراس المحطة تصرخ بقسوة: غادر علينا قفل الأبواب.

 

جاء الصباح سأرحل بعيداً، كم أكره الوداع. أشعر به كالصمت الفاصل بين الصوت والصدى. دموع أمي الغالية تنهمر بغزارة، وقلبي يهمس: أريد أن أعود طفلا لأحظى بحضنك.

 

لحظات مشحونة بعاطفة غير مشروطة تخللها رنين هاتفي، وعندما رددت سمعت صديقي يخبرني: "لا تغادر، لقد تم قبول طلبك للالتحاق بالأمن العام، سنكون معاً، لن تغادر عالمك الجميل الذي أحببت لن تغادر أرضك".

 

في ثواني أشرق وجه أمي، أما أنا فتركت الحقائب، وركضت لرؤية صديقي، وبداخلي شعور قوي بأني امتلكت مفاتيح غدي، كان قلبي يهتف: عمان في القلب، وأنا سأكون حيث يجب أن أكون. في مدينتي حيث يكون القلب.

 

(الرأي)