موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٣ مارس / آذار ٢٠٢٠

زمن البرية

بقلم :
الأخت رانيا خوري - الأردن
قاد الروح يسوع إلى البرية...

قاد الروح يسوع إلى البرية...

 

قاد الروح يسوع إلى البرية.

 

كانت نسمات هذا الروح الرفيق العذب على أرض وعرة. نسماته كبوصلة أمينة تقوده حيث تشاء العناية الإلهية...

 

الطريق وعرة والاتجاه نحو البرية في أخفض بقعة على وجه الأرض.

 

الأرض جرداء، لا ظل ولا ماء.

 

الشمس حارقة في النهار وتراب الصحراء مع رياح الخماسين يقرّح العيون والوجه...

 

بين الحين والآخر تظهر بعض نباتات الصبّار الصبورة.

 

أشواك الطريق كثيرة ويُسمع فحيح الأفاعي بين الحين والآخر...

 

أما الليالي فباردة باردة.

 

يسوع صائم... لم يأخذ معه شيئاً. عليه أن يمضي أربعين يوماً وأربعين ليلة في هذا المكان القاحل. فقر وحرمان من كل مُحفز مادي.

 

باردة طويلة كانت الليالي يقطع صمتها بين الحين والآخر عواء الذئاب.

 

الروح قوية، أما الجسد فضعيف. يُطيل الصلاة لينهل القوة من حوار الحب فهو الابن المحبوب الذي كان في حضن الآب وارتضى أن يتجسد حباً وتنازل متخذاً صورة العبد.

 

روحه ترشح حباً وجسده يتضور جوعاً.

 

يستشعر ألماً من قروح سببتها له الصحراء وتقلبات مناخ الليل والنهار، وتلك الرياح الجافة الحارة نهاراً والباردة ليلاً.

 

الروح يرشح حباً أما الجسد فضعيف!

 

يُغمض عينيه فيشاهد مجد الله الرفيع، يستفيق فإذا هو مفترش أرضاً قاحلة قاسية ويلتحف برودة الليل بدل  رداء جلاله.

 

ينام مرة أخرى ويحلم بمائدة أمه مريم وطعامها الطيب الممزوج بحنان أروع أم في الوجود.

 

ينام ويحلم... لا لم ير حلماً بل رؤيا، يشاهد ذاته بين الناس يُعلّم ويبشر ويبذل لهم ذاته حباً، وفي ليلة ظلماء يقتاده من أحبهم كلص وبه يستهزؤن وعليه يبصقون ويسمع أصواتاً تُردّد "إن كنت ابن الله، إن كنت ابن الله"...

 

يستيقظ يسوع وفي يوم آخر تكتمل الرؤيا، يرى أحبته يجرّدونه من ثيابه ويضربونه ويضعون على كتفيه حملاً ثقيلاً، ثم يعلقونه كملعون على خشبة!

 

ما هذا يا يسوع عناء في النهار وأحلام ورؤى وكوابيس في الليل!

 

غير أن الروح بقيت ترشح حباً... ماذا لو كان هذا حقاً ثمن الخلاص؟ ما أبهض ضريبة الحب!

 

حان الآن وقت التجارب الكبيرة بعد أربعين يوم من عزلة الصحراء والجوع، ومن جديد... "إن كنت ابن الله..." يريد الشرير أن يشكك يسوع بهويته، يقترح عليه اقتراحات أكثر حناناً بحاله من اقتراحات الله. لكن يسوع في عزلته تعلم تمييز الرغبة الحقيقية التي تصبّ بمشيئة الله عن تلك الرغبات الجميلة التي تخفي وراءها حلولا سريعة حتى لو كان الثمن التلاعب بمشيئة الله وتغيير طريقة فهمها بكلمات تبدو مقدّسة.

 

أيها الشيطان لا يكفي معرفة وحفظ كلمة الله عن ظهر قلب! فقط من يحبّ ويشعر حقاً بأنّه ابن الله سيفهم كلمته وستأتي هذه الكلمة لنجدته في الوقت المناسب.

 

وبعد انقضاء التجارب جاءت الملائكة وأخذت تخدمه وتشدّده وتعزيه.

 

الآن يعرف ابن الله أن اختبار البنوّة ممكن حتى في أقسى الظروف والتجارب إن كان القلب يطفح بالحب.