موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٣ فبراير / شباط ٢٠١٣

رئاسة بطرس الرسول للكنيسة

بقلم :
د. عدلي قندح

مقدمة ان كاتب سفر أعمال الرسل، القديس لوقا البشير، لم يقل شيئاً عن استشهاد بطرس، على الرغم من أنه دوَن أبرز أحداث أعمال الرسل لفترة عشر سنوات بعد موت بطرس الرسول، الا أنه جعل من حياة بطرس تذكيراً بالآم وموت وقيامة يسوع المسيح. فنلاحظ عند دراستنا ذلك السفر أن القديس بطرس كان قد اقتدى بمعلمه بطريقة رمزية. فقد أوقف مثل يسوع في زمن هيرودس، وكان حوله جنود خلال المحاكمة، كما كان الجنود حول يسوع عندما قام من القبر. وقد عرف بطرس رقاد السجن كما عرف يسوع رقاد القبر، وظهر الملاك حينما تحرر بطرس من القوى التي تأسره فتمنعه من الحركة (الجنود، الجدران، أبواب السجن). كما ظهر الملاك في قيامة المسيح ، وحين نجا بطرس عرفته امراة ولكنها ستسرع فتعلن على اعضاء الجماعة قبل أن تراه أنه حرٌ ، وهكذا كانت الحال بالنسبة للنساء اللواتي بشرن الرسل بالقيامة ...الخ. من هنا نفهم أن هدف كاتب سفر أعمال الرسل هو أن يقول أن بطرس حيٌ، وان الجماعة المسيحية ما زالت تحيا من كلامه وأعماله. من هو بطرس الرسول؟ بطرس كان أسمه أولاً سمعان (بالآرامية شمعون بريونا = سمعان بن يونا). ولد في بيت صيدا على الضفة الشمالية من بحيرة جناشر (طبريا)، الا أنه كان يسكن في قرية كفرناحوم مع أخيه أندراوس، وكان كلاهما صيادين. دعاه السيد المسيح صخرًا (بالآرامية كيفا، وباليونانية بِتْرُس). كان من تلاميذ يوحنا المعمدان الذي ارسله الى المعلم. عندما أنشأ المسيح مجموعة الاثني عشر، كان سمعان بطرس أول المدعوين. وباسمه تبدأ دائما لائحة الرسل الأثني عشر في الأناجيل الثلاثة الاوائل: "أولهم سمعان الذي يقال له بطرس..." (متى 10/2) . وبعد أن أنكر المعلم ثلاث مرات في أيام الأسبوع المأساوية، كان سمعان بطرس اول ارسل الذين ظهر لهم يسوع. يروي كتاب اعمال الرسل قصة عمله التنظيمي حتى السنة 50 ميلادية. فبطرس هو الذي عيَن خليفة ليهوذا الاسخريوطي الذي كان شنق نفسه، وهو أنشأ مجموعة الشمامسة السبعة واضعاً بذلك أسس الكنيسة كمؤسسة منظمة. وامتاز بكونه نشيطاً وانسانياً، ذا مبادرة وعزم، وقد وجه خطاه دائما حبُ يسوع الى أن مات شهيداً. وفي أثناء السنين القليلة الفاصلة بين موت يسوع على الجلجثة وموت أول الرسل ، نشر بطرس التعليم الجديد في أنحاء الامبراطورية الرومانية، وبنى على الصخرة أساس الكنيسة الجامعة العتيدة وفقا لكلام الهه : "أنت صخر وعلى الصخر هذا سأبني كنيستي وابواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16/18-19). هل وصل بطرس الرسول الى روما؟ مع أنه غير مثبت أن بطرس الرسول وصل الى روما الا أن كتب التاريخ تخبرنا بأنه "في عهد كلوديوس أرشدت العناية الالهية – كلية الصلاح والرحمة الساهرة على كل الأمور – بطرس أقوى الرسل وأعظمهم، والذي بسبب فضيلته كان يتكلم نائباً عن الباقين، أرشدته الى روما". "ناقلا من الشرق الى سكان الغرب بضاعة نور الذهن النفسية ، معلنا النور نفسه والكلمة التي تأتي بالخلاص الى النفوس، وكارزاً بملكوت الله". ويضيف ناشر الطبعة الانجليزية لكتاب "تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري "مع أننا نستطيع أن نُسلم بزيارة بطرس لروما واستشهاده فيها، الا أنه من المؤكد عدم وصوله هناك قبل أواخر حكم نيرون". (يوسابيوس القيصري، 264-340 م ، ص 78) كما ان يوسابيوس يُعلن في الفصل الخامس والعشرين من كتابه الرابع من كتاب الكنيسة، بأن "بولس قُطع راسه في روما وأن بطرس صُلب في عهد نيرون". ويضيف "أن مما يؤيد هذه الرواية عن بطرس وبولس اسمهما لا يزالان باقين الى الآن (زمن كتابة ذلك الكتاب) على المقابر في ذلك المكان." ويقول بأن كايوس، أحد أعضاء الكنيسة الذي قام في عهد زفيرينوس ، أسقف روما، يؤيد ذلك". ويضيف يوسابيوس بأنه يستطيع أن يبين آثار الرسولين، "لأنك اذا ذهبت الى الفاتيكان أو الى طريق لوستيان، وجدت آثار هذين اللذين وضعا أساس الكنيسة". ما أستطيع أن أنهي به هذه المسالة هو أن التاريخ يروي لنا أن بطرس صُلب بامر من نيرون، على جبل بقرب الفاتيكان، تقوم عليه الآن كنيسة القديس بطرس، ولا تزال باقية النقرة التي ركز فيها الصليب. وما يدعم هذه الرواية هو الفصل الأول من الكتاب للمؤوخ يوسابيوس ، "أن بطرس كرز في بنطس وغلاطية وبيثينية وكبدوكيا وآسيا ، لليهود الذين في الشتات، واذ أتى أخيرا الى روما صُلب مُنَكس الرأس، لأنه طلب أن يتألم بهذه الطريقة (المرجع عينه ، ص 112). وقد نقل لنا التقليد الكنسي بأن موته كان في حزيران سنة 68 ميلادية. أساقفة روما بعد بطرس يخبرنا التاريخ بأنه بعد استشهاد بطرس الرسول كان "لينس 67-76 ميلادية" أول من نال أسقفية كنيسة روما لمدة 10 سنوات، وبعدها تنازل عن الأسقفية الى "أناقليطس 76-88 ميلادية" لمدة 12 سنة، تولى بعده الأسقف "أقليمَنْضُس الأول 88-97 ميلادية". وفي السنة الثالثة من حكم الامبراطور تراجان، أولى أكليمنضس ادارة أسقفية كنيسة روما الى "ايفارسطس97 – 105 ميلادية " ، وفارق هذا الأخير الحياة بعد أن أشرف على تعليم الكلمة الالهية تسع سنوات. ويعرف عن هذا البابا أن أصله من بيت لحم وأنه كان يونانياً (خوان داثيو ، 1963، مُعجم البابوات، نقله الى العربية أنطوان سعيد خاطر، 2001). تولى الأسقفية بعدها "اسكندر الأول 105-115 ميلادية"، وفي عهده استشهد القديس اغناطيس، أسقف أنطاكية، الذي ألقي به الى الوحوش المفترسة في الكوليزه، فمات بعد عشر سنوات في الاسقفية، وجاء بعده "سكستس الأول 115-125 ميلادية" ، وخلفه "تِلِسْفُورُس 125-136 ميلادية" الذي استشهد استشهاداً مجيداً، ثم "هِيجِينُس 136-140 ميلادية" ، ثم "بيوس الأول 140-155 ميلادية" وبعده "انيقيطُس 155- 166 ميلادية" ، وخلفه "سوتير 166-175 ميلادية "، وهو الثاني عشر بعد الرسول بطرس. (معجم البابوات، خوان داثيو، 2001). وقد تسلسل على اسقفية روما منذ عهد القديس بطرس الى اليوم 264 أسقفاً وكان آخرهم البابا بندكتس السادس عشر الحالي، وسبقه البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني. فهل يعني ذلك أنه يحق لكنيسة روما أن ترأس الكنائس المسيحية؟! كنيسة روما والكنائس المسيحية المُراجع لتاريخ الكنيسة يلاحظ أنه كانت هناك خمس بطريركيات في العالم هي؛ روما والاسكندرية وأنطاكية والقسطنطينية والقدس، وكان لقب رئيس كل بطريركية أسقفاً، وهي كلمة يوناينة تعني "المراقب". وبعد ذلك أصبحت تُستخدم كلمة بابا وهي أيضا يونانية تعني "الأب". وقد كان لقب البابا مُشتركاً بين الاسقافة الخمسة. ولكنه ما لبث أن انحصرَ في أسقفِ روما بعد أن اتضحَ حق كنيسة روما في الرئاسة على الكنيسة جمعاء. وبعد أن نالت كنيسة روما الحرية وظهرت بنظامها أمام الناس، شعر المسيحيون بحكمة الرب يسوع في توطيد سلطة عليا تبت في كل خصام، وتوجهت الانظار كلها الى روما والى أسقفها خليفة القديس بطرس فلقب بالقاب الرئاسة المختلفة مثل : أبو الآباء ، ورئيس كل الكنائس، ورئيس المجمع، ورئيس كل الاسقافة، والصخرة، وصخرة الايمان ، والبابا الرسول للكنيسة الجامعة. ومما تجدر الاشارة اليه أن ميزة أساقفة روما على سائر الاساقفة كانت قد ظهرت منذ القرن الأول ، لأنه لم يكن هناك خلاف أصلاً حول هذه الرئاسة بسبب تستر الكنيسة في الاضطهادات وصعوبة المواصلات وبطء الاخبار. فقد ظهرت الرئاسة عملياً عندما كان البابا (اسقف روما) يرأس المجامع المسكونية التي عُقدت في الشرق، حيث كان مندوبو البابا يوقعون على القرارات قبل الجميع، ولو كانوا شمامسة، وفي المجمع معظم البطاركة والأساقفة الشرقيين. وظهرت كذلك عندما كان الاساقفة يلتجئون الى البابا عندما كانوا يظلمون في المجامع الاقليمية، حيث كان يبت في أمرهم ويحكم حكماً لا مرد منه. علاوة على أن قرارات المجامع المسكونية كانت ترسل الى البابا ليوافق عليها . وقد برزت علانية رئاسة روما في رسالة المجمع الخلقيدوني الى الباب لاون الأول : "انك رأست المجمع بمندوبك كما يرئس الرأس الاعضاء". شهادات من العالم المسيحي القديم وفيما يلي بعض الشهادات من العالم المسيحي القديم التي تشهد لرئاسة كنيسة روما على سائر الكنائس ، فقد بت القديس اكليمنضس ثالث بابوات روما، في خصام وقع في كنيسة كورنتوس، بأمر قاطع، وهذا دليل على سلطته على كنيسة كورنتوس. وقد سمى القديس اغناطيوس الانطاكي وتلميذ الرسل، كنيسة روما "الكنيسة التي ترأس جماعة المسيحية كلها". وشهد القديس اريناوس، أسقف ليون في فرنسا، لكنيسة روما بقوله: "الى هذه الكنيسة يجب أن ترجع كل الكنائس بسبب سيادتها العليا ولأن تقليد الرسل حُفِظَ فيها". اضافة الى أن ترتليانس الافريقي ظلَ يسمي أسقف روما "الحبر الاعظم" و"أسقف الاساقفة". أما القديس كبريانس الافريقي فقد كان يسمي كنيسة روما "الكنيسة الرئيسية التي هي مصدر الاتحاد الكهنوتي". أما القديس أغسطينس العلامة الافريقي فقد كان يقول " روما تكلمت فقضي الأمر". الخلاصة يستطيع المرء أن يخرج بنتيجة فحواها أنه لما اختار السيد المسيح تلاميذه كان ذلك لميزة توخاها فيهم الا وهي ميزة الاصغاء والاتباع. وكان يحذرهم على الدوام من الفتنة الموبقة، فتنة التنافس على الرئاسة، فعلمهم أن الأول فيهم هو خادمهم . أما عن اختياره لبطرس ليكون راعياً لهم فقد كان لأنه الأكثر حباً، وليس لأنه الأكثر دبلوماسية أو قداسة أو ثقافة. لذلك فاننا نقول نعم، نعم ان بطرس هو بحق رئيس الكنيسة المنظورة منذ نشأتها يوم العنصرة ، وهو خادمها. ومن هنا يمكن القول أن البابا هو "خادم خدام الرب". ولانه خليفة بطرس، وجب لكنيسة روما لأن ترئس الكنائس. فالسيد المسيح أراد ذلك لمصلحة الكنيسة الجامعة الواحدة في المحبة. وهذا هو مخطط الله لخلاص البشرية جمعاء. المراجع: - الانجيل المقدس. - خوان داثيو، 1963، مُعجم البابوات، نقله الى العربية أنطوان سعيد خاطر، دار الشرق، بيروت - لبنان ، 2001. - يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، 264-340 م).