موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١ سبتمبر / أيلول ٢٠١٧

تمنّيت يا مريم

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن

تمنّيتُ لو أنّي ملاكٌ من جُندِ جبريل لَأمضيتُ حياتي بالتسبيح والترتيل تمنّيتُ لو أَنِّي أحمِلَ شهادةَ اللاّهوت لَأمضيتُ وقتي أُفًتِّشُ عَنِ الصّباؤت تمنّيتُ لو أقدِرَ العيشَ كأحَدِ القديسين لأمضيتُ وقتي في خدمةِ المعوزين تمنّيتُ لو مَسْكِني بين إحدى النجوم لتركتُ بابَهُ مفتوحاً للصّلاة للعموم تمنيتُ لو كنت رسّاماً في هذا الزمان لخلّدّتُ لها إيقونةً جميلةً في كلِّ مكان تمنّيتُ لو أَنِّي نحّاتٌ لحملتُ مَعي إزميل لِتَكسيرِ الرُّخامِ وإقامَةِ تِمثالٍ لامِعٍ جميل تمنيتُ لو كنتُ صاحبَ دكّانِ أرجوان لأهْديْتُها مِعطفاً برّاقاً زِينَتُهُ مِنْ جمان تمنّيتُ لو أَنِّي فلّاحٌ يزرعُ الحقول لَبَذَرْتُها ورودا تُنْتِجُ عِطراً مكفول تمنّيتُ لو أَنِّي أُتْقِنُ العَزْفَ على أُرْغُن لكنتُ أعْزِفُ لها ليلَ نهارٍ لَحناً بتفنن تمنّيتُ لو أَنِّي كُنتُ صاحِبَ قيثارات لألّفْتُ على أوتارِها أنعمَ السيمفونات تمنّيتُ لو قدرتُ تعلّمتُ الّلغاتِ العالمية لكتبتُ فيها كُلِّها أشعاراً وأنغاماً مريمية تمنّيتُ لو أَنِّي كنتُ مِنْ مواليدِ ربوعِ لبنان لكنتُ غرستُ لها أرزةً نادرةً بأعلى مكان تمنيت يا مريمُ لو كنتُ واحِداً مِنْ هؤلاء فاكْتشفتُ أنّكِ أُمّي وأنا ابنُكِ فهذا إعتلاء مريمُ مختارةُ الله لها مِنّا الحبَّ والتسبيح فَهْيَ تَسْتَحِقُّهُ مِنْ كلِّ فَمٍ لأنّها أمُّ المسيح حَمْلُها بابنِ الله كانَ سرّا قَدْ فاقَ العقول دَخَلَ أحشائَها كما دخلَ لاحِقاً باباً مقفول أمُّها حواءُ أظْهرتْ ضَعفاً أمامَ الشيطان أما هي فأظهَرَتْ قُوَّةً وإيماناً ثابتاً بِسلطان حوّاءُ حوَّلَتِ الحياةَ لأبنائِها إلى الموت مريمُ أهدتهُمُ الحياةَ مِنْ جديدٍ في البيت ميلادُكِ يا مريمُ قدْ وهبَ ميلاداً للبشرية إذْ وَلَدْتِّ لهمْ رَبَّ الحياةِ فَتَبدَّلَتِ الأرضية قدَّمْتِ لهُ حَلِيباً ليَرْضَعَهُ وينمو هنا قدَّمَهُ لنا خبزاً نأكُلُهُ فنحيا في السما حَمَلتِ على ذراعيكِ مَنْ يحمِلُ السّموات على ركبتيك جثيت ونَقَلْتِ لهُ عنّا الطلبات مِنْ حِضنِكِ نَزلَ ومشى وفتحَ الطريق لِنسيرَ عليهِ آمِنينَ بلا خوفٍ ولا مُعيق لَمّا أَعْلَمكِ بأنّه حانَ الوقْتُ ليبدأَ الرّسالة عَرفتِ توّا قد حانَ الوقتُ لتشربيِ الثُّمالة لِمُدّةٍ ما عادَ يقاسِمُكِ الحياةَ في الناصرة ولو أنَّهُ ما كانَ يَمْلِكُ حَجراً فاليَدُ قاصرة تَخلّى عَنِ البيتِ والْمُلْكِ مِنْ أجْلِ البشارة فهو أتى ليُسْمِعَ صوتَه فيكونَ للعالم منارة طَلَبتِ منهُ يوماً أنْ يُنْقِذَ أهْلَ العُرْسِ في قانا لمْ يَرْفُضْ الطّلبَ لكِ وما الجوابُ إهانةً كانا تَكلَّمَ عَنْ رِباطِ الغُصْنِ بالْكَرْمةِ ليبقى حيا وما عنى بهِ هُوِ ارْتِباطُ الابْنِ بالأُمِّ الأبديا دامَتْ كِرازتُهُ ثلاثَ سنينَ كُلُّها مناوشات فيها الفرّيسيّونَ هيّجوا الشَّعبَ للانتقادات حزّ في نفسِكِ أنَّ الشَّعْبَ الّذي انْتَظرَ الخلاص رفضوه إذْ ما قادَ جيشاً ولا حرباً وحرّرَ الناس تكلَّمَ عَنِ المحبَّةِ والتَّسامُحِ والْخِدمَةِ المجّانيّة فهْيَ الطريقُ لبناءِ اِلخَيرِ والسَّلامِ كانَتِ النِّية رفضوهُ ورفضوا معهُ هذي الرسالة السِّلمِيَّة بل اختاروا الحرب بديلا مقبولا عند العامِّيَّة لاحَظتِ حِقْدَ أَعْدائِهِ فتأَلَّمْتِ لأنَّهُمْ رفضوه ووجدوا عليه عِلّةً كاذبَةً بها زُورا اتّهموه لَكِنَّكِ قَبِلْتِ فتَمَّتْ إرادةُ الله فيكِ وفي ابْنكِ فوَصلَ الخلاصُ للغُرَباءِ قَبلَ أولادِ شعبكِ أمْسكوهُ حَسَداً فعذَّبوهُ وعلى الصَّليبِ علّقوه كُنْتِ بجانبهِ تؤاسيهِ عندما هُمْ بالسّيفِ خنقوه مريمُ أُمٌّ لابنٍ وحيدٍ لَكِنَّ البَشَرَ هُمْ لهُ إخوان فالقرابَةُ الرُّوحِيَّةُ أعْمقُ ولا تُشْتَرى بأثمان في آخِرِ حياتِكِ أظْهرَ لكِ كُلَّ إكرامٍ وتمجيد فَبقيتِ جسداً ونفساً عَنِ العَفَنِ والفسادِ بعيد