موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر Thursday, 13 February 2020

تساؤلات حول مواجهة الفقر

أرشيفية

أرشيفية

إبراهيم غرايبة :

 

إذا كان متوقعا أن يكون ثمة مواطنون فقراء بمعنى نقص الدخل؛ بسبب البطالة أو المرض أو الإعاقة أو التهميش والإقصاء، فما ليس مفهوما لماذا يستثنى 7 في المائة من الأطفال من التطعيم، وتصل النسبة في مناطق في الجنوب إلى 21 في المائة (كما في تقرير للزميلة نادين النمري في الغد) إذ يفترض أن تطعيم الأطفال تقوم به وزارة الصحة مجانا لجميع الأطفال في المملكة، كيف استثني هذا العدد الكبير من الأطفال من التطعيم، نتحدث عن حوالي خمسين ألف طفل تقل أعمارهم عن سنتين لم يتلقوا المطاعيم الضرورية، ما يعني أنهم مرشحون للإصابة بأمراض خطيرة وقاتلة، مثل الحصبة وشلل الأطفال والتيفوئيد والسل والجدري، .. والوفاة المبكرة أو الحياة الهشة المحفوفة بالمرض والمخاطر والضعف.

 

لا يعقل أو لا يجوز تفسير استثناء طفل من فرص التعليم والرعاية الصحية بالفقر، لأنها عمليات من مسؤولية الدولة وليس أسر وعائلات الأطفال، فكيف حدث هذا الاستثناء في الوقت الذي يفترض أن المدارس ومراكز الرعاية الصحية متاحة لجميع الأطفال؟

 

التفسير البديهي أن عمليات الرعاية التعليمية والصحية والاجتماعية المفترض أن تستهدف جميع المواطنين على نفقة الدولة لا تصل إلى فئة من المواطنين؛ ما يعني استمرار الفقر في السنوات القادمة، وما يعني أن عوائد الإنفاق العام والتنمية لا توزع بعدالة على المواطنين، وما يعني أيضا منظومة أخرى من الخلل، أسوأ من الفقر واستمراره، وهي تكريس الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين الفئات والمناطق، وتوريث الفقر للأبناء والأحفاد، وضياع فرص كبيرة على نسبة من الأجيال القادمة للخروج من الدوامة اللعينة أو الحصول على فرصة عادلة للتأهل للأعمال والمنافسة عليها عندما يصلون إلى سن العمل، ومتوقع بالطبع أن هؤلاء القادمين سوف يورثون الفقر والتهميش والحرمان لأبنائهم الذين لم يولدوا بعد!

 

هذه التقارير والمعلومات عن الفقر في الأردن ليست مزعجة فقط في حجمها وعمقها، لكنها تؤشر أيضا عند النظر إليها في سياق القراءات والتقارير الأخرى، إذ إن مؤشرات التنمية الإنسانية في الأردن كالدخل والتعليم والصحة تزيد في نتائجها الكلية والإجمالية، لكنها بالتأكيد زيادة لا تشمل جميع المواطنين، والحال أنه ليس هناك تنمية من غير «الجميع» بل هو نمو يزيد الخوف والقلق، لأن فئة من المواطنين تزيد قوة واستحواذا على فرص الموارد والإنفاق في حين أن فئة أخرى تزيد فقرا وحرمانا وضعفا، أو يستمر ضعفها وهشاشتها، ليمتد بطبيعة الحال إلى الصحة العامة وسوء التغذية وضعف المؤهلات المعرفية ومهارات الحياة والعمل، ولتتعرض فئة واسعة من المواطنين إلى متوالية من المخاطر لا تقف عند المرض والوفاة المبكرة وضعف المستوى التعليمي، فالفقر يؤدي بالضرورة إلى التهميش السياسي والاجتماعي والثقافي، وعلى سبيل المثال فإن نسبة تعرض الأطفال والبالغين إلى حوادث الدعس في المجتمعات والمناطق الفقيرة تصل إلى ضعفها في المناطق والمجتمعات الغنية في الدولة الواحدة، لسبب منطقي وواضح، ذلك أن الفقراء يواجهون الحرمان والتهميش باللامبالاة، هي حيلة نفسية دفاعية لتقليل الألم النفسي والغضب والكراهية، لكنها لا مبالاة تمتد إلى أسلوب الحياة ولا تقف عند المشاعر والعقل الباطن، وبسبب عدم التعرض لتجارب جديدة وإضافية في مهارات الحياة فإن إدراك الخطر والسلامة يتراجع أو لا يتكون ابتداء، بل وحتى الفقراء الذين يحصلون على فرص في التعليم والعمل فإنهم يعجزون عن توظيف الفرص المتاحة لهم بسبب غياب الأفق والتجارب العميقة التي تمكنهم من ذلك، وعلى سبيل المثال فإن الفقراء والأغنياء يتفاوتون في توظيف الانترنت والاستفادة منه برغم إتاحة الشبكة لهم، ففي حين تساعد الشبكة الأغنياء في تطوير فرصهم وأعمالهم ومهاراتهم فإنها تكاد تقتصر لدى الفقراء على التواصل الاجتماعي والتسلية والترفيه.

 

(الغد الأردنية)