موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢ يونيو / حزيران ٢٠٢٠

تجديد التعليم المسيحي

بقلم :
الأب عماد الطوال - الأردن
لقد حان الوقت لنموذج جديد في التعليم المسيحي، حان الوقت كي نجعل الموضوع أكثر مرونة وأكثر انفتاحًا

لقد حان الوقت لنموذج جديد في التعليم المسيحي، حان الوقت كي نجعل الموضوع أكثر مرونة وأكثر انفتاحًا

 

ينطوي التعليم المسيحي على أكثر من عملية نقل المعرفة أو المعلومات للطالب، فالتعليم المسيحي هو الجهد المنهجي والمستمر لمشاركة أو ملائمة المعرفة والقيم والمواقف والمهارات والسلوكيات التي تنسجم مع طبيعة الإيمان المسيحي، هو تعليم قائم على الكتاب المقدس وعملية تنشئة تسعى إلى توجيه الطالب بطرق لا يمكن أن ينساها من خلال معرفة السيد المسيح وبتوجيه وقوة الروح القدس كي يكون إنساناً مؤمناً وشاهداً للمسيح في كل جانب من جوانب الحياة.

 

لكن للأسف قد يشعر الطلاب بالملل خلال درس التعليم المسيحي، وهنا تبدأ الحيرة ومعها التساؤلات تلوح في الأفق، ويبدأ مربي التعليم المسيحي بالتفكير والتحليل خصوصاً مع التغيير الذي بتنا نشهده في عصرنا الحالي، والعولمة، والابتعاد عن التدين والروحانية لكثير من الشباب، وغياب الكنيسة عن تحديات الجيل الجديد في بعض الأحيان، أضف إلى ذلك توجه العالم بأسره نحو الأساليب الحديثة والتكنولوجيا والتعلم عن بعد، فيما لا يزال التعليم الديني بحاجة إلى تجديد وتطوير حتى يخاطب جيل اليوم، إضافة إلى العديد من الأسئلة والتحديات.

 

يدرك مربي التعليم المسيحي أهمية التربية الدينية وعمق كلمة الله، الكلمة المتجسد ورسالة الخلاص إلى العالم أجمع، فهل يُعقل أن تكون الكلمة مملة؟ بالتأكيد لا يعقل ذلك، فلماذا بدأ الطلاب يجدون أن التربية الدينية مملة؟.

 

كتب التربوي والفيلسوف "Marshall Mcluhan" كتاباً عام 1964 بعنوان "فهم وسائل الإعلام" وأشار إلى نظرية هامة للتواصل أسماها "الوسيلة هي الرسالة" مشيراً إلى أن وسيلة التواصل نفسها، لا الرسائل التي تحملها هي التي تشكل فارقاً أساسياً في مدى استيعاب هذه الرسائل، من هنا نُذكّر مربي التربية المسيحية بأن المشكلة إذن ليست بالمحتوى كما أنها ليست بالطالب الذي يستقبل الرسالة ولا بشهادة حياتك أو حتى بشخصيتك، وإنما بالوسيلة والأسلوب والنهج الذي يُقدّم به هذا المحتوى إلى الطالب.

 

فإذا أردت أن تقدم تعليماً مسيحياً حقيقياً فكن أنت التغيير الذي تحتاجه مدارسنا في القرن الحادي والعشرين، لقد شدّد قداسة البابا فرنسيس على معلمي التعليم المسيحي أن "التعليم المسيحي ليس عملاً بل هو دعوة، نقل خبرة، وشهادة إيمان"، فالمربي ليس مُعلماً لمادة الدين وإنما مُيسّرا للقاء الديني، لذلك كان واجباً عليه أن يسير بأسلوبه إلى أبعد من النص الكتابي وأن يزرع محبة الكنيسة داخل الغرفة الصفية فتتحول الغرفة الصفية إلى كنيسة صغيرة، الى قداس الهي (فكما يتم اشارات وحركات في القداس الالهي، من ترتيل، وصمت، وصلاة، وشرح كلمة الرب، يمكنك تقسيم اللقاء الديني الى هذه الحركات والعلامات). أن يعيش اللقاء بيسوع بالقلب والروحانية والصلاة وأن يمد يدّ العون للطالب فيكون أكثر وعياً لحضور الله في حياته اليومية، هذا هو التعليم المسيحي الحقيقي وهذه هي قوة اللقاء الديني بعيداً عن النصوص، وهذا هو هدفنا ورسالتنا كمربين للتعليم المسيحي.

 

نحن نؤمن بأن قوة التجدد والتجديد يمكن أن تغير الحياة وتغير المجتمع، لقد حان الوقت لنموذج جديد في التعليم المسيحي، حان الوقت كي نجعل الموضوع أكثر مرونة وأكثر انفتاحاً، لا ينبغي النظر إلى الطلاب على أنهم مجرد متلقين للإيمان المسيحي بطريقة معرفية بحتة، فلا يكفي أن يعرف الطالب بعض المعلومات حول إيمانه وعقيدته، مهمة التعليم المسيحي الجوهرية تكمن في أن يعرف الطالب أن الله محبة فيتحدث معه من خلال الصلاة ويعيش هذه المحبة في حياته، طلاب اليوم يتحملون بشكل متزايد مسؤولية المشاركة في التعليم المسيحي بشكل فعال بما يتناسب مع سنهم وتطورهم الديني واحتياجاتهم الشخصية، وواجبنا يكمن في جعل التعليم المسيحي وثيق الصلة بحياتهم لمساعدتهم على إيجاد المعنى والهدف في الحياة، وبهذا لن يكون اللقاء الديني مملاً على الإطلاق.

 

فالتعليم المسيحي ليس منهجًا دراسيًا يمكن أن يتلقاه الطلاب داخل الغرفة الصفية فحسب، إنه نهج حياة يعتمد على مبادئ الكتاب المقدس التي تُرشد الطلاب وتلهمهم لكي يكونوا مسيحيين فعالين ومنتجين في الكنيسة والمجتمع.