موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠

بين قسوة الإنسان وشفقته نعيش

د. حسان ابوعرقوب

د. حسان ابوعرقوب

د. حسان ابوعرقوب :

 

تعيش (لميس) مع زوجها الموظف البسيط الغلبان في إحدى البلاد، ويرزقان بولد ابتلاه الله تعالى بمرض مُزمن يحتاج إلى علاج لا يغطيه التأمين الصحيّ، وقد عمل الزوج بوظيفة ثانية بعد انتهاء دوامه الأول ليغطي تكاليف زواجه ومعيشته، لكنه لم يستطع أن يوفّر الدواء بشكل منتظم، مما يعرّض حياة ولده للخطر، استدان من الأقارب والجيران، لكنّ الأمراض المزمنة لا تفارق صاحبها ولا تنتهي تكاليفها إلا إنْ ودّع المريض هذه الحياة، فلم يبق للزوج إلا أن يستسلم لإرادة الله، والله يفعل ما يشاء.

 

تحرّكت الأمّ لإنقاذ ولدها، فحصلت على الدّواء من خلال استغلال طبيب الحيّ لحاجتها وفقرها، فكان جسدها ثمنا لهذا الدواء، وأدمنت الأمّ دفع هذا الثمن لأجل ولدها، ولم يتعب الطبيب ولم يتحرك له ضمير حيث يواظب على قبض فاتورته من جسد الآخرين وشرفهم وإنسانيتهم.

 

لكن طالما كان للقدر كلمته، تغادر هذه الأسرة الحيّ البائس إلى منطقة أكثر جمالا وازدحاما ورقيًّا بسبب وظيفة الزوج، ولكن مشكلة الدواء لا زالت قائمة، وعند معرفة الجارة الجديدة لهذه المشكلة (تنصح) أمَّ الولد المريض بالاشتراك في تطبيق يُيسّر مقابلة الذكر للإناث مقابل مبالغ جيدة ستفي بالغرض المطلوب. إنه الاستغلال والغش والمكر والخديعة لكن بأثواب عصرية فقط.

 

تخرج الأمّ في مقابلة وثانية وثالثة، وفي كلّ مرة تحمل في حقيبتها ثمن دواء ولدها مقابل بيعها عفتها وشرفها وكرامتها، كم هو قاسٍ هذا الإنسان على أخيه، فبدل أن يعاونه في حاجته، يستغلّها أبشع استغلال لشهواته ونزواته ورغباته!

 

وفي المقابلة الرابعة، تجلس الأمّ على السرير، تنتظر الذئب المفترس لينهش لحمها مقابل ثمن بخس ينقذ طفلها، لكنه ينظر إليها نظرة مختلفة عمّن سبقه ويقول لها: شكلك يوحي أنك امرأة محترمة، ما الذي أتى بك إلى هنا؟ فبكت عيناها قهرا وحزنا وكمدا وأجابت: دواء ولدي، وقصت القصة على الرجل، فقال: أيتها السيدة، أنا (شرطيّ) وهذا كمينٌ، وواجبي أن ألقي القبض عليك وأحضرك إلى المخفر موجودة، لكن خذي هذا المبلغ من المال لشراء الدّواء، وعديني ألا تعودي لممارسة الرذيلة مرة أخرة، وتوبي إلى الله تعالى، وعودي إلى منزلك.

 

عادت الأمّ لمنزلها وعيونها تهطل بدموع التوبة والنّدم، وعاهدت الله تعالى على الاستقامة وتفويض الأمر إليه، ورفعت أمر ولدها لوزارة الصحة عسى أن تحظى بالمساعدة اللازمة، وتفكّر بالانفصال عن زوجها؛ لأنها قد أساءت إليه بأفعالها، وتعتبر ذلك جزءا من توبتها.

 

هذه القصة واقعية، وليست من نسج الخيال، وهي صفحة من كتاب المجتمعات التي نعيش فيها، ربّما تتكرر في أحياء ما، وأزمنة ما، لكن تعطيك دروسا كثيرة فاغتنمها.

 

(الدستور)