موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١١ مايو / أيار ٢٠٢٠

بين عذرية تابوت العهد القديم وعذراء تابوت العهد الجديد

بقلم :
الأب سامر حداد - القدس
ابنُ العذراءِ صورةُ اللهِ: بينَ عذرية تابوت العهد القديم وعذراء تابوت العهد الجديد

ابنُ العذراءِ صورةُ اللهِ: بينَ عذرية تابوت العهد القديم وعذراء تابوت العهد الجديد

 

البداية مِن سفر التكوين والسقوط في امتحان الحرية والزلَّة، حيث يضع الله شريعة لتحمي الإنسان مِن الخطيئة والموت، فكانت شجرة معرفة الخير والشر في سفر التكوين 2: 16-17 "وأَمَرَ الرَّبُّ الإِلهُ الإِنسانَ قائلاً: مِن جَميعِ أشْجارِ الجَنَّةِ تأكُل، وأَمَّا شَجَرَةُ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّرّ فلا تَأكُلْ مِنها، فإنَّكَ يَومَ تأكُلُ مِنها تَموتُ مَوتًا". يَعِد الله الإنسان بالخلاص الذي سيأتي مِن نسل المرأة كما جاء في سفر التكوين 3: 15 "وأَجعَلُ عَداوةً بَينَكِ وبَينَ المَرأَة وبَينَ نَسْلِكِ ونَسْلِها فهُوَ يَسحَق رأسَكِ وأَنتِ تُصيبينَ عَقِبَه". الخلاص بيسوع المسيح مِن أحشاء مريم العذراء كما جاء في لوقا 1: 13 "فَستحمِلينَ وتَلِدينَ ابناً فسَمِّيهِ يَسوع"، حيث قَبِلَت مريم العذراء بشارة الملاك وقَبِلَت يسوع في أحشائها ليأتي الخلاص. مريم العذراء هي، بحضور يسوع، صورة الله بيننا وفينا.

 

انتقل حضور الله المتمثل بتابوت العهد القديم ليدخل بيسوع المسيح في تابوت أحشاء مريم العذراء في العهد الجديد، وليس في تابوت مِن اختيار البشر بل في تابوت من صنع الله الذي اصطفى مريم ليتجسد فيها يسوع المسيح بشرا بيننا وفينا. مريم العذراء المُمتَلِئَة نِعمة: هي تابوت العهد المَسْكِن المحسوس والمادي لِسُكنى مجد الله (الشيكيناه)، وتابوت العهد الجديد هو نقطة الوصل لحضور الله ضمن قُدس الأقداس.

 

العهد الجديد يَصل بالعهد القديم إلى كماله، فتابوت العهد الأول مصنوع بأيدي البشر مِن خشب وذهب، وتابوت العهد الثاني أَكمل مِن الأول، فهو مصنوع بأيدي الله وبأفضل تحضير يليق بابن العلي بقول الملاك أنَّ العذراء ممتلئة نعمة، فهي حُفِظت مُنذ اللحظة الأولى مِن فكر الله لتجسد المسيح. في العهد القديم حلَّ سُكنى الله في الغمام كما جاء في سفر الخروج (40: 34-35). وفي العهد الجديد بشَّر الملاك جبرائيل بأنَّ أحشائها ستكون المًسْكِن المحسوس لابن العلي كما جاء في إنجيل لوقا (1: 35).

 

احتوى تابوت العهد القديم لوحي الوصايا العشر أي الشريعة، وقليل مِن المن أي الطعام في سيناء، وعصى هارون أي السلطة والخدمة الكهنوتية كما جاء في تثنية الاشتراع (10: 3-5) وأيضا في الرسالة إلى العبرانين (9: 4). تابوت العهد الجديد احتوى المسيح الربّ الكلمة أي الشريعة الحية، والطعام أي خبز الحياة، والملك والكاهن الأبدي أي السلطة الملكية والكهنوتية كما جاء في إنجيل لوقا (1: 35).

 

تابوت العهد الجديد يَصِل بمحتوايات تابوت العهد القديم إلى كمالها. تابوت العهد القديم صَعِدَ مِن بَعلَةَ ياهوذا إلى أورشليم في 2 صموئيل (6: 1-11)، ومريم العذراء تابوت العهد الجديد صَعِدَت إلى مدينة في يهوذا إلى إليصابات في لوقا (1: 39). داؤد بلباس حُلَّة كهنوتية أُفود مِن كِتان يرقص فرحا أمام تابوت العهد في 2 صموئيل (6: 14)، ويوحنا المعمدان في أحشاء أمه يضطرب فرحا عند زيارة مريم العذراء في لوقا (1: 41). داؤد يهتف أمام تابوت العهد ويعزف في البوق في 2 صموئيل (6: 15)، وأليصابات تهتف بأعلى صوتها مباركة أنت في النساء ومباركة ثمرة بطنك في لوقا (1: 42). داؤود يتساءل كيف ينزل تابوت الربّ عنده في 2 صموئيل (6: 9)، وإليصابات تتساءل مِن أين لي أن تأتيني أمّ ربي في لوقا (1: 43). بقي تابوت العهد عند عوزَّ ثلاث أشهر 2صموئيل (6: 11)، وبقيت مريم العذراء عند إليصابات ثلاث أشهر في لوقا (1: 56). بارَكَ الربّ بيتَ عوبيد وكُلَّ ما لهُ بسببِ تابوتِ العهد في 2صموئيل (6: 12)، وكلمة تبارك وردت ثلاث مرات في لوقا (1: 39-45) فيما يتعلَّق بحضور مريم لدى إليصابات. عاد تابوت العهد إلى مدينة داؤد حيث مكانه في وسط الخيمة كما جاء في  2صموئيل ( 6: 17). في سفر الملوك الأول (8: 9-11) عاد إلى القدس حيث حضور الله ومجده حالٌّ في البناء الجديد للهيكل، وعادت مريم العذراء بيسوع إلى الهيكل. عندما كان تابوت العهد يتنقل كان يغطى بوشاح أزرق في سفر العدد (4: 4-6) وفي ظهورات مريم العذراء في السماء بوشاح أزرق على رأسها.

 

مريم العذراء بيسوع المسيح المتجسد في أحشائها هي حضورٌ إلهيٌّ بيننا، ولكنْ بعد ولادتها يسوع هل تبقى مريم العذراء حضور لله؟ نقول أنَّ حضور يسوع صورة الله جعل مِن مريم العذراء حضوراً لله بيننا، والولادة الجسدية لا تُبطِل هذا الحضور، ولأنَّ الوحدة بين مريم العذراء وثمرة أحشائها المتجسد بقوة الروح القدس لا تقتصر فقط على الجسد، فوحدة العذراء بابنها يسوع استمرت برباط الروح مِن أجل الرسالة. لنتذكر عرس قانا الجليل في إنجيل القديس يوحنا (2: 1-12) دور العذراء في مجئ الساعة، حيث مريم تُحَضِّر وتقود إلى ساعة المجد على الصليب ساعة الخلاص، وتحصل عليها، بالرغم مِن جواب يسوع لأمِه: "ما لي وما لَكِ أَيَّتُها المرأة؟ لم تَأتِ ساعتي بَعْد"، يقوم يسوع بالآياة لأنَّه بدونه لا استمرارية للعرس، والخمر رمز الفرح في العرس ليصبح يسوع هو ضمان الفرح والسعادة والسلام.

 

مريم العذراء إذا تُبقي حضور الله حيا وتذكرنا به، لأنَّ الله أفاض عليها بالروح القدس لكي تستمر في إعطاء يسوع صورة الله للعالم.