موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٠ مارس / آذار ٢٠٢٠

اليوم، إلامَ يدعونا الله! (3)

بقلم :
المونسنيور بيوس قاشا - العراق
لذا علينا أن نحمل رسالتنا في البشرى على أكتافنا وفي أعماق قلوبنا

لذا علينا أن نحمل رسالتنا في البشرى على أكتافنا وفي أعماق قلوبنا

 

الله، في المسيح يسوع، يدعونا نحن الكهنة إلى حمل بشرى الخلاص بفرح عظيم وإذاعتها دون خوف، فقد قال في إنجيله المقدس "احملوا نيري عليكم وتعلموا مني.. (بشارتي)" (متى 29:11) و"إعلنوها للخليقة كلها" (مر 15:16). فإنسان اليوم متعطش إلى ملء جعبته رجاء الحياة وفرح الأيام، وإن كانت ايامنا قاسية فالله أرسلنا جميعًا لندرك حقيقة الألم والضعف والموت التي يقاسيها إنسان اليوم فنكون له أملاً في مسيرته ومستقبله ، ورسلاً من أجله، وخدّاماً لأجل خلاص شعبه. فلا نخاف أن نفتح قلوبنا للمسيح الحي، ونملأ زيتاً في مشاعلنا وفي آنيتنا (متى 4:25)، ولنطلب روح الحياة ليرينا طريق السماء فنحمل التعزية ونحن منتبهين إلى كل صراخ يعلو في منتصف الليل (متى 6:25)، كي لا نكون عبئاً آخر على شعوبنا فربما نعرّض مسيرتنا للخطر بسبب ما يظهر في مسيرتنا من شوائب، فنحن في كل لحظة أمام خبر مشبوه لا نعرف حقيقته من عدمها، وإذا ما كانت بشارتنا مبنية على رمل الحياة فالويل لنا، فالضياع نصيبنا، و"أعداؤنا من أهل بيتنا" (متى 36:10)، وأما إذا كانت حقيقتنا مبنية على صخرة الإيمان بالمسيح الحي فلا نخاف، ولا نخجل من إعلان بشارة الانجيل أمام كبار الدنيا، ورؤساء الزمن، وامام كبار الدار فهم صامتون كي لا يفقدوا دنياهم وهداياهم وصداقاتهم، وصدق فيهم قول المسيح الحي "اضطهدوني قبلكم" (يو 20:15)، فما علينا إلا أن نعلنها بشارة محيية، مخلِّصة، فالمسيح  كلمة أُرسل الينا ليقاسمنا الحياة وليشاركنا إنسانيتنا "فهو لمْ يأتِ ليُخدم بل ليَخدم" (متى 28:20) ويعمل معنا في روحه عبر مثالنا ولغتنا وصوتنا ومسيرة حياتنا وخدمتنا وإخلاصنا ووفاءنا، فنحن له ولزماننا أنبياء.

 

لذا علينا أن نحمل رسالتنا في البشرى على أكتافنا وفي أعماق قلوبنا، نحملها بكل همّة، ونصغي إلى صوت الروح ونستحضره ليرافقنا في مسيرتنا الدنيوية والروحية. "فما نحن له الا هياكل" (1 كو 19:6)، فالله لم يعطنا -يقول مار بولس- "روح الخوف بل روح القوة والمحبة والفطنة كي لا نستحي بالشهادة لربنا" (2 طيم 7:1-8). فلا نيأس إذا ما رفَضَنا كبار الزمان ورؤساء المكاتب والدنيا، ومهما كان، علينا أن نكون صوتًا صارخًا في وجه قوى الظلم والشر والكبرياء والذين يتاجرون بمستقبل الخليقة ويبيعون مقدسات الدنيا والزمن، لان بشارتنا تستدعي عدم لهونا باحترامات الزمن وتحيات الكبار ومجاملاتهم وما تلك إلا أمور الدنيا، بل بالعكس تدعونا لنتاجر بالوزنات التي منحنا إياها الرب يسوع، ونكون لوزناتنا أمناء ولإيماننا وإنسانيتنا ولشعبنا أوفياء، ولنحمل حقيقة البشارة كما يريدها معلّمنا وربنا وسيدنا يسوع المسيح في الخدمة والعطاء، ولنكن آباءً لكل يتيم، وتعزية لكل بائس، ورحماء، وليس فقط مرشدين وواعظين وآمرين. وهذا ما يجعلنا ان  ننتبه كي لا نقلع البسمة من فم المحتاج والفقير اللذين هما "أعمدة لمسيرتنا ولهيكل صلاتنا" كما يقول البابا فرنسيس وما علينا إلا أن "نمسح كل دمعة من عيونهم" (رؤيا 4:21)، وتلك حقيقة بشارتنا السماوية والخلاصية، شاركنا الله معاناتها في شخص يسوع المسيح، وإنْ صدَّنا مَن كان يحسب نفسه ملاكاً ورئيساً فلنطيعه ولكن لنقل له كلمة في الحق وفي المحبة، مع أحترامنا الواجب، فإن قبلها فخير على خير وإن لم يقبلها فتلك إرادته، فلا مساومة على الإيمان، فالسير نحو الاستشهاد من أجل المسيح والإنجيل دون خوف أو تردد فمن سبقنا كانوا توّاقين وعلى استعداد دائم لتعذيبهم وقتلهم من دون تردد، وطُرحوا أحياء في حلبات المصارعة لتفترسهم الأسود والحيوانات الكاسرة بعد أن يقوموا بتجويعها. والبعض الآخر كان يُطرح حيًا في براميل زيت محمّاة إلى درجة الغليان، أو كانوا يقومون بحرقهم أو بتقطيع أجسادهم إرباً إرباً. لقد قدّموا في ذلك أروع مثال للمؤمن المسيحي الحقيقي وإنْ وُجِدَ هنالك لقب ما على الأرض من ألقاب القدسية والتمجيد -بالطبع بعد المسيح- فيجب أن تُعطى لهم ولِمَن سار على دربهم ونهجهم القويم والسليم. كما سبق بولس الرسول وأعلمنا أنه قد ظهرت تعاليم مختلفة من كل جانب وضاع غنمنا في مراعٍ غريبة بين كثيرين فطوبى لوفائنا لأننا في ذلك نربح السماء" ونكنز ما لا يُفسده سوس الكراهية" (متى 19:6) وتلك حقيقة دعوتنا  فهي تدعونا الى عدم التوقف عن إعلان البشارة الخلاصية، فنحن خلق جديد لبشارة المسيح في عهده الجديد (2 كو 16:5). فلا نقلق للغد فالغد سيهتم بنفسه، إلا لشيء واحد، وهو دورنا في نشر كلمة الله فما نحن إلا شهادة في بلاد مضطربة فلا سلام لنا إلا في السماء. ليس إلا!

 

الله، في يسوع المسيح، يدعونا نحن الكهنة، كي نكون علماء في الحاسوب لا أن نكون عبيداً لآلة نحن اخترناها، بل في خدمتنا فاليوم يجب أن نعرف حقيقتنا بأننا نمثل الله على الارض وصحيح أننا بشر كالاخرين ولكن الله أختارنا وأعطَينا جواباً بكل حريتنا ومع إختيارنا لنا أصبحنا تلاميذ له بسياماتنا بل رسلاً. ومسحاء آخرين، وعبر الحاسوب نُدرك خطوات مستقبلنا ففيه نكتشف شخصياتنا وكراماتنا، وفيه نقرأ ما يطيب لنا ولرغباتنا وربما لشهواتنا، وفيه نشاهد ما يُرضي نظراتنا ومبتغانا وعقولنا ويريح نفسياتنا... كل ذلك جميل ولكن ليكن في سراط مستقيم، فكل شيء يَحِلُّ لنا ولكن لا ينفع كل شيء كما يقول مار بولس "كل الأشياء تحلّ لي، لكن ليس كل الأشياء توافق. كل الأشياء تحلّ لي، لكن لا يتسلّط عليّ شيء" (1 كو 12:6). فمواهب السماء أُعطيت لنا ونِعَم العلياء سُكبت على هاماتنا عبر أفكارنا العملاقة والالكترونية وحريتنا الإنسانية وعقولنا الإيمانية وعلومنا الغزيرة وكل ذلك كي نكون بُناة لمستقبل أفضل فنكون لرعايانا رسل الايمان في علم الروحانية والحياتية فنحن "أنبياء ومعلمين ومترجمين" (1 كور 13).

 

لذا فلنناشد بعضنا البعض في أن نكون في علاقة حميمة مع إنسانيتنا وعِلْمنا وعقولنا وحواسيبنا "لاننا إناءٌ مختار" (أع 15:9). ولننتبه إلى ما نقرر ونتذكر تلك العبارة الكتابية، "ليس كل شيء ينفع وليس كل شيء يفيد" (يشوع بن سيراخ 31:37). كي نعيش أحرارًا بقراراتنا وليس عبيدًا لشهواتنا واستعباداتنا فنخسر زمننا إذا ما كنّا نقضي أوقات أيامنا باللهو وضياع الحقيقة، ومستقبلنا المباع لمصالح النميمة والافتراء وإفساد مسيرة أيامنا عبر لهونا بشاشات زرعناها أمام عيوننا وأوجدناها امام أنظارنا ولم نعد نرى غيرها وهذا ما جعلنا ننسى صورة رعايايانا ومؤمنينا وربما نرتكب فيها خطايانا ونحن لا ندري وذلك يعني أن الشيطان هو الذي يحكمنا ويُسيِرنا كما يشاء، وننسى انّ دعوتنا المقدسة هي أن نغسل أقدام بعضنا كما فعل ربنا (يو4:13-14). كي لا نخسر ساعات زماننا عبر اللهو في مشتهى شهواتنا ورغباتنا في الحاسوب والاي باد، وفي النوم واللهو واللعب والرحيل،  وكما قال مار بولس "اسهروا، والويل للعبد الذي يبدأ في السكر واللهو وبضرب غلمان سيده" (لوقا 45:12). فقراءة حاضرنا وواقعنا بنظرة مستقبلية علامة لقدسية أجسادنا وحقيقة دعوتنا عبر التقدم العلمي والالكتروني والانفتاح العالمي والتكنولوجي والبعد الإنساني والذي يشكّل أساس كل إعداد ودعوة وتنشئة، وهذه متطلبات حاجاتنا في زمننا هذا وفي أيامنا هذه، وليكن افتخارنا ليس بأعمالنا ومزايانا البشرية وإنما "ليكن افتخارنا بالرب" (1كور31:15) وبعطاياه. ومثالنا في ذلك امرأة وضيعة وهي خادمة الرب إنها العذراء القديسة مريم، وإنْ هي صارت عظيمة وأنشدت للإله فليس لأنها عملت بنفسها ما لم تعمله امرأة بل لأن الله هو الذي "صنع بها العظائم" (لو48:1). لذا علينا أن نتّعظ في مسيرة حياتنا فنكون أمناء لحقيقة دعوتنا، وأوفياء لعلمنا وتقنياتنا، فالشيطان يتربص فينا لذا فلنقدس ذواتنا بالروح القدس ومسيرة النِعَم التي توهَب لنا... ليس إلا!

 

(شكرا لمتابعتكم، وإلى الحلقة الرابعة)