موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٣ مارس / آذار ٢٠٢٠

اليوم، إلامَ يدعونا الله (الحلقة الثانية)

بقلم :
المونسنيور بيوس قاشا - العراق
لنسأل أنفسنا دائمًا أين عمل الله في  صلاتنا؟ كما كان ايليا النبي

لنسأل أنفسنا دائمًا أين عمل الله في صلاتنا؟ كما كان ايليا النبي

 

واليوم نسأل أنفسنا كما يسأل العديد من المدعوين "إلامَ يدعونا الله؟"، وفي هذا الزمان بالذات المليء بالكراهية والطائفية في عراقنا الجريح، الغائص بالمحسوبية والقومية، والمشبَّع بالدنيوية القاتلة والعولمة المزيَّفة وشراء الحقائق بدينار فاسد ودولار مسروق، وانحصار مسيرة الأيام، وأخرى أمثالها، وأصبحنا نتساءل اين الله أمام بيع الضمائر لمصالح أنانية ومنافع زائلة، وازدياد اتّهام الأبرياء، وأصبح الكذب مقدسًا والتمليق والمجاملات والمظاهر الخارجية سبيلاً ومسلكًا للوصول إلى مبتغى الحياة في احترام خالٍ من محبة أمينة.

 

ومما زاد في الطين بَلَّة استعمال الأجهزة الإلكترونية الحديثة والحاسوب والـ"آي باد" بتشويه صور الآخرين الأبرياء لغايات مدمِّرة للإنسان الحكيم والعاقل والبريء وتدمير مستقبله غشًا وتزويرًا وانقيادًا للرغبات الشخصية كما كانت خطيئة آدم، وكأنّ الله فوّض القائمين على العمل البائس هذا، فضحَ الآخرين لغايات في نيّات، إنها حقيقة المسيرة، وأمام هذه الحقائق كلها والمؤلمة، نسأل جميعًا: أين الله في مسيرة دعوتنا الكهنوتية ودنيانا؟ هل أبتعد الله عن الإنسان؟ أم الإنسان أنكر وجود الله، وأهمل دعوته؟ وأسلم نفسه وأصبح من أملاك الشرير والشرور، أم ماذا؟ لذا اسأل "إلامَ يدعونا الله اليوم وفي هذا الزمن بالذات؟".

 

الله، في المسيح يسوع، يدعونا أولا وقبل كل شيء، نحن رجال الكهنوت، أن نكون رجال صلاة، بقراءتنا لكلمة الرب والتأمل بها كي نعيش حقيقة الصلاة فالرب يقول "صلّوا ولا تملّوا" (لو1:18)، ونكون أمامه في مسيرة الحياة علامة إخلاص لأنه أحبّنا، فهو حي في داخلنا، كما يقول الكتاب "حيٌّ الرب الذي أنا واقف أمامه" (2مل16:5). فالصلاة تقودنا على المحافظة على عدم ضياع مفتاح باب السماء للدخول ونتعشى مع المسيح الرب (رؤيا 20:3) فصلاتنا ما هي إلا مجموعة فيتامينات روحية وهي تملأ نفوسنا كي نبقى أقوياء وشجعانا لمحاربة كبير الأشرار، وهيرودس الثعلب، وحية عدن، وتلك حقيقة دعوتنا ورسالتنا فإيليا بالصلاة كثّرَ "حفنة الدقيق وقطرات الزيت" (1مل16:17)، وبالصلاة "أحيا ابن الأرملة في صرفة صيدا" (1مل22:17)، وبالصلاة أنزل المطر بعد احتباسه ثلاث سنوات وحلّ الجفاف (1مل1:18)، معنى ذلك أنّ  الله اختارنا من أجل الناس وخلاصهم، كي نساعدهم على حمل صلبانهم كسمعان القيرواني (لو26:23)، ولنقاسمهم كل السبل التي تقود الى حقيقة الحياة ولننتبه كي لا نجعلها غطاءً لمصالحنا بل مقدمةً لرسالتنا كما علّمنا الرب يسوع حيث "كان يصعد الجبل ليصلّي" (متى23:14)، "كما كان يقضي الليل كله بالصلاة" (لو12:6). فلترتفع أصوات صلاتنا كبخور نحو العلياء، ولتكن صلاتنا أصواتًا لا لرضى الناس وكبار الزمن ولكن أصواتاً تمجّد الله من أجل الإنسان كي تقوده إلى حقيقة الدعوة في لقائه فهو يعرفنا حق المعرفة. ولنجعل الناس يقولون كما قالت المرأة لايليا "الان علمت أنك رجل الله وان كلام الرب في فمك حق" (1ملوك 24:17).

 

لذا فلنناشد بعضنا البعض في أن نشارك مؤمنينا في ابتهالاتهم وصلواتهم، ونكون منتظرين إياهم في هيكل الرب وليس هم الذين ينتظروننا -ومن المؤسف وهذا ما يحصل اليوم- فتلك علامات الراعي الصالح. ولنكن بجانبهم وليس الابتعاد عنهم أوتركهم يرعون لوحدهم، ونحن نذهب ونجيء من أجل أمورنا الدنيوية، وفي صلاتنا لنتحلّى بروحانية عميقة وقيم إنسانية في مسلك نقّي عبر طهارة القلوب وصفاء النيات، وعبر ضمير حي ومميز، وأجمل صلاة نشاركهم فيها هي قداسنا اليومي حيث المسيح في قلوبنا يجدد دماء إيماننا، وحقيقة دعوتنا، وسبحة مَريمانا والتي نخجل -ومن المؤسف- أن نحملها معنا في ذهابنا وأيابنا، وهل أجمل من هاتين الصلاتين، كما هو فرضنا الصباحي والمسائي والتأمل اليومي وتلك سبل قداستنا ووفاء لدعوتنا ومسالك أمانتنا كما أنها منشطات روحية وغذاؤنا اليومي، ولنقل للرب دائمًا "يا رب علمنا أن نصلي" (لوقا 1:11) فنعلّم أبناءنا صلاة القلوب وحقيقتها، ولنسأل أنفسنا دائمًا أين عمل الله في  صلاتنا؟ كما كان ايليا النبي، وما هي الاعاجيب التي أجترحناها؟ بعدما قال يسوع ربنا "الحق اقول لكم لو كان لكم ايمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا الى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم" (متى 20:17) فإيماننا هو حقيقة صلاتنا، فنحن في ذلك رجال الله في كهنوتنا، يعني رجال صلاة، أي كنيسة صلاة، نعم كنيسة صلاة، ليس إلا.