موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٩ يناير / كانون الثاني ٢٠١٦

الوحدة بين النور والظلام

بقلم :
منويل طنوس - الأردن

عقول متحجرة، قلوب مغلقة، عيون لا ترى إلا نفسها وحواجز متتالية زادت المصاعب في مسيرة كنائسنا، الإنشقاق الذي قسم كنيسة المسيح إلى كنائس قبل مئات السنين مازلنا ندفع ثمنه حتى يومنا هذا، لقد بدأنا عاماً جديداً وما زلنا نبحث عن وحدة الكنيسة، ونطالب بوحدة أعيادنا المسيحية في هذا العالم، هذا العالم الذي تصارع فيه الظلام والنور، فكيف نرضى نحن المؤمنيين بأن تعيش كنائسنا منفصلة عن بعضها؟ وكيف نرتاح ونحن نرى البدع المنتشرة في العالم تُقسم كنائسنا يوماً بعد يوم؟ مع أن جميع الكنائس تحمل جسد المسيح نفسه بكل جروحه وآلامه. جيلاً بعد جيل يتوارث البشر المعتقدات التي تضع حواجز في مسيرة الوحدة، ربما يكون جدار الانشقاق قد سقط، أو قلت حدته عن ما سبق، لكن الكنائس المسيحية لم تتوحد بعد، حتى لو بلغت المرحلة الاخيرة من مسيرة وحدتها، ذلك لأن جميع الطوائف تريد أن تحافظ على تاريخها ومعتقداتها وروحانيتها في شركة الايمان الواحد، لكن مهما اشتدت المصاعب في مسيرة الوحدة، فالروح يأتي دائما لينقذنا من هذا الألم، لذا علينا ان نساهم جميعا في بناء الكنيسة الواحدة كما يريدها الله وليس كما يريدها البشر. "كلماإجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون بينهم"، من هم الإثنان الذي قصدهم المسيح في هذا القول، أليس كل مسيحي على هذه الأرض، أليس هو الكاثوليكي والأرثوذكسي والإنجيلي وغيرهم، أليس هو الفقير والغني، المؤمن والخاطي، الرؤساء والعبيد، إذن لماذا كل هذا الإنشقاق والطائفية، لماذا هذه القلوب المغلقة والعقول المتحجرة، فالمسيح كانت رسالته واضحة وصريحة هي أن نجتمع مع بعضنا جميعاً ونصلي من أجل بعضنا البعض فيكون هو حاضراً دائماً بيننا. كثيراً ما نسمع عبارة "نحن الأصل" وأيضاً نسمع "نحن المخلصين"، عن أي أصلٍ نتحدث وعن أي خلاص، المسيح أتى إلى هذا العالم من أجل خلاص البشرية جمعاء وليس من أجل جماعة معينة، حمل صليبه لأجلنا وحملنا صليبه في حياتنا حباً له، لنتذكر في يوم العشاء الأخير عندما إجتمع مع جميع تلاميذه وأعطانا جسده ودمه ليكون غذاءً روحياً لكل مؤمن على هذه الأرض، وأعطى الرسالة لتلاميذه من أجل نشرها في أنحاء المعمورة، فما أجمل أن نجمتع جميعاً حول مائدة الرب لنقيم الذبيحة سوياً كما طلب المسيح "إصنعوا هذا لذكري"، فليس لأحد فضلاً على آخر لأننا كلنا أبناء المسيح الذي أسس كنيسته الواحدة في حياته الرسولية على الأرض. إن ما يؤلم بعض المسيحيين عدم السماح لهم بالاشتراك بالمناولة في الكنائس الاخرى وعدم تعييدهم عيد الفصح في تاريخ موحد، هذه الامور جميعها مهمة نسبياً لكنها ليست عنصرا أساسيا في مسألة وحدة الكنائس، حيث يجب العمل والسعي للإتفاق على منهج معين في سلطة الكَنسَية في العالم والنظر إلى الجوهر الإيماني لكنائسنا المتجسدة بشخص يسوع المسيح، حيث أن لم يتوقف الانقسام عند مجرد خطأ نطقي أو اصطلاحي؛ بل النظر إلى السلطة وغض النظرعن الجوهر، فوحدة الكنيسة من ناحية لاهوتية وجوهرية هي من وحدة الثالوث الأقدس، فالآب هو مصدر الثالوث، والابن مركز الكنيسة، والروح القدس حامل الشهادة والخدمة الذي يعمل فينا رغم كل ذلك الإنقسامات، ومع كل ذلك إننا نرى تباطؤ الكثيرين في سعيهم لتحقيق الوحدة الكنسية لإعتقادهم ان ما حققوه على هذا الصعيد كاف ليصبح تلاميذ المسيح واحداً. في النهاية، نحن اليوم نواجه تحديات كثيرة أمامنا في طريق الوحدة، يجب علينا أن ندرك إن ما يوحدنا مصدره الله وما يفصلنا يأتي من البشر فبالصلاة والمحبة والرجاء يمكن أن نحقق الوحدة بيننا، فيجب علينا ألا نضع حواجز وأقفال؛ ونغلق على أنفسنا أو على غيرنا الأبواب التي تمنعنا من الوحدة بيننا،بل يجب أن نفتح أعيننا لأن العالم الذي يجهل ويتجاهل وجود المسيح وطبيعته؛ لن يعرف المسيح ويذوق حبه إلا من خلال أعمال الكنيسة وقوتها وحضورها الذي تقدمه لهذا العالم النازف، فالعمل من أجل وحدة كنائسنا ليس بالكلام فقط إنما بالفعل، فعاتق العمل على الوحدة ليس مختصر على رجال الدين بحسب إنما على المؤمنين أيضاً لأن الكنيسة هي جماعة المؤمنين التي تعمل وتصلي وتجاهد من أجل بقائها على هذه الأرض الفانية فينتشر نور الوحدة في أرجاء المسكونة.