موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٨ يوليو / تموز ٢٠١٥

المال: سيد أسياد هذا العالم وأشدهم شراً وفتكاً

بقلم :
يارا حوراني - الأردن

"مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ" رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 6: 10 يُحكى يا سادة يا كرام، أنه في قديم الزمان، كانت الناس تتعاون وتتقاسم رزقها مع الآخر، مع عائلتها وجارها، كانت بيوت العبادة المكان الذي يجمع به المواطنين رزقهم ويقسموه على الجماعة، كانت النقود لا قيمة لها، كانوا يشترون البضائع بالبضائع، كأن أأخذ منك سكر وأعطيك مقابله بيضتين، وبهذا كانت العدالة الإجتماعية والرضى والمحبة سائدين. كانت دور التعليم اوليتها ابن رعيتها، تتابعه وتشرف عليه، وإن لأي سبب تركها كانت تجد كل الحلول ليبقى ويستمر ليبني مستقبل أفضل. ثم، يا سادة يا كرام، اكتشفوا النقود، وببريقها الأخاذ، سلبت العقول والعيون والقلوب، وأصبح البيع والشراء بالنقود فقط، وأصبحت ثروة الشخص وقيمته تقدر بالمال، والعلاقات يحددها المال، والأمان هو المال، الراحة والرخاء بالمال، الجاه والهيبة بالمال، فصار كل من يستطيع وبكل الوسائل يجمع المال ويخزنه ويصرف منه ما ناسب شهواته وفي ما رأى به سعادته، حتى وصلت بهم الامور لاستغلال وصنع وبيع كل شيء، حتى الإنسان، حتى سلامته وكرامته، باعوا واشتروا وتاجروا بكل ما يخطر ولا يخطر ببال، سخّروا الآخر واستغلوه لتحقيق هذه الغاية، داسوا على كرامته واستغلوا حاجته للمال ليجمعوا هم مال أكثر، سواء لبناء المباني الفارهة، او شراء السيارات والاجهزة والسفر وإشباع الرغبات، وكان الثمن المقابل لتحقيق كل ذلك بالنسبة لهم لا يُذكر. فظهرت صناعة الحروب، وتجارة العبيد، والنخاسة والنجاسة، وأصبح لدينا فقراء ومظلومين وطبقة معدمة تتلاطمها الامواج وتدوس عليها الأقدام ويتم استغلالها أسوأ استغلال لتحقيق غايات خاصة وهم ينطقلون من فقر إلى فقر ومن ظلم إلى ظلم ومن هاوية لهاوية أعمق. وللأسف، حتى القائمين على دور العبادة، والجمعيات التي أوجدت لمساعدة هؤلاء الناس، جارت عليهم ونبذتهم، فأصبح هم رجل الدين جمع الكثير من المال، بناء المعابد والمزارات وجمع الآلاف لهذه الغاية وهناك المئات من أبناء الفئة "ميتين من جوع" يبيتون في بيوت بسقف زينكو، متكئين على حيطان آيلة للسقوط، أبناءهم بلا مدارس لعدم تمكنهم من دفع الأقساط، وإن أدخلوهم مدارس داخلية أو مدارس عامة في المنطقة، يتعرضون للتحرش والإساءة والإهمال الاكاديمي والتربوي، وينخرطون في المخدرات والإباحيات والتهرب من الحصص وهذا المحيط توفره المدارس العامة حاليا بشكل مكثف. فبناء مركز رعوي يكلف عشرات وقد يكون مئات الآلاف ليتم فيه استقبال الوجهاء والضيوف الكرام ماذا يفيد الشعب المسكين؟ المدارس التي أوجدت منذ البدء لدعم الشعب ورفع مستواه التربوي والتعليمي والديني أولا ماذا خدمت المجتمع إن اخذت فقط من يستطيع دفع الاقساط، والذين هم يعيشون في بيئة أحسن من غيرهم، والأجدر أن يكون التركيز على من هم أقل حظا..؟ كيف نمد يدنا لصندوق التبرعات ونضعه في حساب شخصي ونقول سنستخدمه للبناء والعمار وعندما يدق بابنا محتاج نقفل الباب ونعتذر منه ونقول لا نستطيع مساعدة الجميع؟ لا يوجد ما يكفي الجميع..؟! وليس فقط ماديا، اجتماعيا وروحيا، أين الزيارات الرعوية والتكريس والاجتماعات البسيطة روحيا واجتماعيا من حياتنا اليوم؟ كل همنا الآن الأبنية الفارهة، الإعلام والتواصل الالكتروني والسفر والاجتماعات والمؤتمرات والجاهات والوجاهات، وهناك عائلات لم تر البحر الميت بحياتها وهو بعيد عنها بضع كيلومترات، لم تجلس في مطعم للوجبات السريعة لأنه سيكلفها ما تجنيه طوال الشهر، على مستوى عشرون دينارا اتكلم. وفي ظل ما يمر بشرقنا، قد تخرج طلقة، تنفجر قنبلة، ينهدم ذاك البناء الذي بُني على حساب حاجة الآخر، قد تتشرد العائلات، فأي مزار سيأويها؟ قد يضيع شاباتنا وشبابنا في طريق الرذيلة والبعد عن الطريق القويم وعندها كل مال وحجارة الدنيا لن تفيد.. بل سنجلس عليها نبكي على الأطلال. لماذا لا نبني شققا سكنية بقسط شهري معقول نأوي فيه عائلاتنا وشبابنا المقبل على الزواج؟ نبني فيه مجمع يحتوي ورشات عمل وفرص توظيف لهم؟ نبني قاعدة بيانية نستطيع من خلالها دعمهم وتوفير الوظائف في مختلف القطاعات، نحتضنهم في مؤسساتنا التعليمية... وهناك كثير من الحلول "إن نوينا" فعلا واهتممنا... يجب أن نكف عن اعتمادنا على مجهودنا الشخصي وعن حجج أن مواردنا ضعيفة والمدارس والمؤسسات بحاجة لموارد وفواتير يجب دفعها... كل هذه الحجج تتعارض مع إيماننا وثقتنا بالله، وهذه هو التجديف على الروح بعينه، فهذا إن دل على شيء، يدل على أننا لا نؤمن ولا نثق بوعود الله، لا نتكل عليه، ونحن نعرف في ضميرنا إن العمل الذي يهدف لخدمة الله وخدمة شعبه ستكون يد الله وروحه فيه وسيفتح الأبواب ويجري المعجزات وسيكثر الخبز والسمكتين ليُطعم الجموع الكثيرة.. رجاء، يا أصحاب السلطة، كونوا صادقين وواضحين مع انفسكم ومع الله ومع شعبه، إما أن تثقوا وتقفوا صفا واحدا ويدا بيد مع الآخر ومع الإنسان بهمومه وحاجاته وضعفه وقوته وتؤدوا الرسالة وتستثمروا الوزنات، أو تقولوا كلها شائعات، وأن المال والجاه هما الأساس والغاية والوسيلة. تخيلوا معي إن كان اليوم سيقوم الطوفان، هل ساكون أنا من ضمن مع سيكون على ظهر السفينة؟ هل ساكون انا باني السفينة؟ أم سأصارع ا لامواج وأغرق فيها جزاءا لكل ما صنعته بنفسي وبالآخر؟ هلأ إن قامت ثورة الشعب كالثورة الفرنسية سابقا، هل سأكون أحد من يقرر الشعب إعدامه وتعليقه أم سأكون جزء من الشعب ومن انتصاره؟ الجواب الحقيقي لا يكمن بتهليل وهتاف الشعب خلال المهرجانات والمناسبات العامة والتعليقات الرنانة على مواقع التواصل الإجتماعي، الجواب الحقيقي نجده في قلب وجعهم وحاجتهم وحياتهم اليومية.. "وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ ِللهِ، لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هؤُلاَءِ" رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 3: 1 – 5 "لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لأَنَّهُ قَالَ: لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 13: 5)