موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٣٠ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٩

السهر الدائم ومجيء المسيح

بقلم :
الأب لويس حزبون - فلسطين

الأحد الأول من المجيء: السهر الدائم ومجيء المسيح (متى 24: 37-44) الاحد الاول من زمن المجيء هو مطلع السنة الليتورجية حيث يُذكّرنا أنّنا نعيش في الأزمنة الأخيرة؛ وهذه الأزمنة تبدأ مع مجيء المسيح الأوّل بتجسّده في عيد الميلاد، وتكتمل في عودته الأخيرة يوم الدينونة؛ وزمن المجيء مكوَّن على صعيد الليتورجيا من أربعة آحاد حيث يستعدّ فيه المؤمنون لمولد يسوع المسيح من ناحية، والى مجيئه الثاني في نهاية الأزمنة عند نهاية العالم، وقت اكتمال ونهاية التاريخ، ليدين الأحياء والأموات من ناحية أخرى. ويدعونا يسوع في إنجيله الى السهر الدائم للقائه يوم مجيئه الثاني لأنه يعود في يوم غير متوقع. وهذا الحديث عن مجيئه يشغل أذهان الكثيرين بكونه حديثًا نبويًا؛ المهم ليس هو معرفة الزمن، بل بالأحرى أن كونوا أَنتُم أَيضاً مُستَعِدِّين. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. اولا: وقائع النص الإنجيلي (متى 24: 37-44) 37 كما كانَ الأَمرُ في أَيَّامِ نوح، فكذلكَ يكونُ عِندَ مَجيءِ ابنِ الإِنسان تشير عبارة "في أَيَّامِ نوح" الى عصر ما قبل التاريخ. أمَّا عبارة " نوح " في الأصل اليوناني ??? مشتقة من أسم سامي ??? (معناه راحة) فتشير الى ابن لامك ابن متوشالح بن اخنوخ بن يارد بن مهلليئل بن قينان ابن انوش بن شيث بن ادم. وهو العاشر من آدم. والده "وسمَّاه نُوحًا قائلاً: " هذا يُعَزِّينا في عَمَلِنا وفي مَشَقَّةِ أَيدينا بِسَبَبِ الأَرضِ الَّتي لَعَنَها الرَّبّ " (تكوين 5: 29). وكان نوح رجلاً باراً وكاملاً. وأعلن ايمانه المطلق بالله وكرز به (2 بطرس 2: 5) للناس الذين كانوا في أيامه اشرا را وغافلين عن حكم الله والدينونة. الا ان البشر كانوا قد فسدوا وخرجوا عن الطريق القويم واقترفوا الآثام وعملوا الشر حتى حزن الرب انه عمل الانسان في الارض وقرر ان يمحوه من العالم. ولكن الله استثنى نوحاً لأنه كان يجد نعمى في عيني الرب. فأخبره الله عن نيته بمحو البشر وأمره ان يصنع لنفسه فلكاً من خشب ليحتمي به وينجو بنفسه ومعه عائلته وبعض الحيوانات (التكوين 6) بارك الرب نوحاً وبنيه وقال لهم. (اثمروا وأكثروا واملأوا الارض). ويعني هذا ان نوحاً هو الاب الثاني للبشر بعد آدم. ثم مات نوح من عمر بلغ تسع مئة وخمسين سنة (تكوين 9: 29). أمَّا عبارة "مَجيءِ" في الأصل اليوناني ???????? فتشير الى المجيء الثاني المجيد (متى 24: 3 و27). ويعني هذا اللفظ الأخير عادة "حضور" (2 قورنتس 10: 10)، أو " مجيء " (2 قورنتس 7: 6-7). وكان يستخدم في العالم اليوناني-الروماني للدلالة على زيارات الأباطرة الرسميّة. وقد يكون استخدامه في العهد الجديد أيضا مستمدا من تقليد العهد القديم الرؤيوي عن " مجيء الرب " (زكريا 9: 9). أمَّا عبارة "ابنِ الإِنسان" في الأصل اليوناني ??? ???????? ???? مأخوذة من الترجمة العبرية ???????????? (معناها ابن آدم) فهي تشير إلى النبي حزقيال (حزقيال 2: 1)؛ وأمَّا سفر دانيال فتشير الى شخص شبيه بالإنسان في المنظر (دانيال 7: 13). وهذا الشخص الشبيه ب " ابنِ الإِنسان " قد أعطي سلطاناً أبدياً وملكوتاً لا ينقرض. وتدل هذه العبارة على المسيح القائم من الأموات والممجّد. (رؤيا 1: 13 و14: 14) وقد استعملت عبارة "ابن الإنسان" في السفر غير القانوني المنسوب إلى أخنوخ للدلالة على المسيا كما يأتي في يوم في يوم القضاء والانتصار. (46: 2 و3 و48: 2 و62: 7)، وتكررت عبارة " ابنِ الإِنسان" في الأناجيل الأربعة 78 مرةً يستخدم فيها يسوع المسيح هذه العبارة عن نفسه. ويستخدم انجيل مرقس هذا اللقب عن نفسه وصفته كرأس الجنس البشري وممثله (مرقس 2: 28). ولذا فإن العبارة تدل على الإنسانية الحقّة، وتدل في مواضع أخرى على أنه المسيا عندما يتنبأ بمجيئه الثاني وبمجده (متى 26: 64) ودينونته لجميع البشر (متى 19: 28)؛ ومما يستحق الملاحظة هو أن هذا التعبير (ابن الإنسان) لم يستخدم عن المسيح بعد القيامة سوى مرة واحدة (إعمال الرسل 7: 56). 38 فكَما كانَ النَّاسُ، في الأَيَّامِ التي تَقَدَّمَتِ الطُّوفان، يَأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَتزَّوجونَ ويُزَوِّجونَ بَناتِهِم، إِلى يَومَ دخَلَ نوحٌ السَّفينَة، تشير عبارة" يَأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَتزَّوجونَ ويُزَوِّجونَ بَناتِهِم" الى الناس في ايام نوح كانون يعيشون كعادتهم غير متوقعين حدوث الطوفان مع ان نوحا حذَّرهم وصنع الفلك ايام عيونهم (1 بطرس 3: 19). لم يخطئوا بالأكل والشرب والزواج لكننهم كانوا منهمكين في هذه الأمور غير ملتفتين الى الله والى إنذاراته الإلهية وغير مكثرتين، وهم على شفير الهلاك. إن الأكل والشرب والزواج ليسوا في حد ذاته شرًا. لكن القيام بهذه الأمور، كما لو كانت الحياة هي مجرد عمل هذه الأمور، كما لو لم يكن هناك أي شيء آخر، لم يدركوا أن هناك أمراً آخراً يدور حولهم (متى 24، 39). وفي هذا الصدد يقول الرسول "عاقِبَتهُمُ الهَلاك وإِلهُهم بَطنُهم ومَجدُهم عَورَتُهم وهَمُّهم أُمورُ الأَرْض (فيلبي 3: 19) " فإِنَّ أَمثالَ أُولئِكَ لا يَعمَلونَ لِلمسيحِ رَبِّنا، بل لِبُطونِهِم" (رو 16: 18)؛ أمَّا عبارة "السَّفينَة" فتشير الى سفينة نوح الذي جاء وصفها " صْنَعْ لكَ سَفينَةً مِن خَشَبٍ قَطرانِيّ وآجعَلْها مَساكِنَ واطْلِها بِالقارِ مِن داخِلٍ ومِن خارِج. كذا تَصنَعُها: ثَلاثُ مِئَةِ ذِراعٍ طوُلها وخَمْسونَ ذِراعًا عَرضُها وثَلاثونَ ذِراعًا عُلُوُّها. وتَجعَلُ سَقْفًا لِلسَّفينة وإِلى حَدِّ ذراعٍ تُكْمِلُه مِن فَوق. وأجعَلْ بابَ السًّفينةِ في جانِبِها وتَصنَعُها طوابِق: سُفلِيًّا وثانِيًا وثالثًا " (التكوين 6 :14-16). والسفينة هنا مأخوذة من اللفظة العبرية ?????? تدل على السلّة التي وُضع فيها موسى على النيل (خر 2 :3، 5) ويدل بناء الفلك على إيمان نوح. (عبرانيين 11 :7)؛ واكتشاف خشب على جبل أرارات، أعلى قمة جبلية (5165 م) بتركي يعود إلى زمن نوح هي فرضيّة لا أساس علميًا لها إطلاقًا. فكيف يبقى الخشب على حاله بعد آلاف وآلاف السنين على منطقة يكسوها الثلج. 39 وما كانوا يَتَوَقَّعونَ شَيئاً، حتَّى جاءَ الطُّوفانُ فجَرَفهم أَجمَعين، فكذلكَ يَكونُ مَجيءُ ابنِ الإِنسان تشير عبارة " وما كانوا يَتَوَقَّعونَ شَيئاً " في الأصل اليوناني ??? ??????? (معناها ما عرفوا) الى عدم علمهم شيئا حتى جاء الطوفان وباغتهم الجميع. لأنهم أنذروا ولم يؤمنوا " كما نستّشَفَّ من كلمات بطرس الرسول "وإذا كانَ لَم يَعْفُ عنِ العالَمِ الـقَديم فجَلَبَ الطُّوفانَ على عالَمِ الكُفَّار، ولكنَّه حَفِظَ نُوحًا ثَامِنَ الَّذينَ نَجَوا وكانَ يَدْعو إِلى البِرّ"(2 بطرس 2: 5). امَّا عبارة "الطُّوفانُ " فتشير الى نزول المطر على الارض لمدة اربعين يوماً وليلة وغرق به كل من كان على الارض من بشر، ومن حيوانات (التكوين 7) وكف المطر بعد الاربعين يوماً وليلة وابتدأت المياه تنحسر. ونجد خبر الطوفان (تكوين 6 :1-9 :19). اتى الطوفان فهلك الأشرار ونجا نوح وهكذا ستأتي أحداث النهاية فيهلك الأشرار وينجو كل من يكون ثابتًا مؤمنًا كنوح. أنبا المسيح أنه يكون الناس في مجيئه الثاني كما كان الناس في أيام نوح. وذكر المسيح للطوفان يثبت نبأه في العهد القديم. والجدير بالذكر ان هناك اساطير عن الطوفان شبيهة بطوفان نوح موجود في تراث بعض الامم. وأقدمها اسطورة طوفان عند البابليين، وهناك اساطير مشابهة لها عند اليونان والرومان. والقصة البابلية عن الطوفان جزء من ملحمة جلجاميش. يقدّم لنا السيِّد المسيح مثالًا لمجيئه الطوفان الذي أنقذ نوح وعائلته، وأهلك البشريّة الشرّيرة. 40 يَكونُ عِندَئِذٍ رَجُلانِ في الحَقْل، فيُقبَضُ أَحَدُهما ويُترَكُ الآخَر 41 وتكونُ امرأَتانِ تَطحَنانِ بِالرَّحَى فتُقبَضُ إِحداهما وتُترَكُ الأُخرى. تشير عبارة "الرَّحَى" الى رحى اليد وهي الآلة التي كانت مستعملة في فلسطين والبلاد المجاورة. وهي مؤلفة من حجرين مستديرين قطرهما نحو نصف ذراع فما فوق وسمك كل منهما نحو 3 قراريط فأكثر. وقد يسمى الحجر السفلي منها الرحى والعلوي المِرْداةُ ويتوسط الرحى أو الحجر السفلي محور يدخل في ثقب مركز المِرْداةُ وتسكب الحبوب في هذا الثقب فتطحن ويخرج دقيقها من بين الحجرين عند محيط دائرتيهما. وتدار المِرْداةُ بواسطة مسكة من خشب مثبتة في وجهها العلوي بقرب محيطه. وحجر الرحى صلب جداً (ايوب 41: 24). وكان الطحن عمل النساء (جامعة 12: 3) والجواري (خروج 11: 5)، والسجناء (قضاة 16: 21). ومع ذلك لم يكن من الأعمال المذلة للنساء. في البيوت اليهودية كانت المرأة تطحن كل صباح ما يكفي البيت يوماً واحداً إذا بكرت جداً على الأقل في الشتاء. وإذا أخذت الرحى تبقى العائلة دون طحين حتى تعاد، ولذا جاء في الشريعة " لا يَرتَهِنْ أَحَدٌ حَجَرَيَ الرَّحَى، حتَّى ولا الحَجَرَ الأَعْلى، فإِنَّه يَرتَهِنُ نَفْسًا" (تثنية الاشتراع 24: 6)، اما عبارة " امرأَتانِ تَطحَنانِ " فتشير إلى "الذين يعيشون في فقر وتعب، فحتى هؤلاء يوجد بينهم اختلاف كبير. البعض منهم يحتملون الفقر بنضوج وقوة في حياة فاضلة، والآخر له شخصيّة مختلفة إذ يسلكون بدهاء في حياة شرّيرة دنيئة" (القديس كيرلس الكبير). امَّا عبارة " فتُقبَضُ إِحداهما وتُترَكُ الأُخرى" فتشير الى وجود الناس كلهم في خطر من الغفلة وبقاء الأشرار والابرار مخلَّصين الى النهاية (لوقا 17: 34) حيث يؤخذون كلا منهم بغتة كما جاء في تعليم بولس الرسول "ثُمَّ إِنَّنا نَحنُ الأَحياءَ الباقين سنُخطَفُ معَهم في الغَمام، لِمُلاقاةِ المسيحِ في الجَوّ، فنَكونُ هكذا مع الرَّبِّ دائِمًا أَبَدًا" (1 تسالونيقي 4: 17). يدل المثلان على مجيء المسيح الفجائي، ولن تكون هناك فرصة للإعادة التفكير، او المساومة او التوبة في آخر لحظة فالاختيار الذي اخترناه، سيقرر مصيرنا الابدي. 42 فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم. تشير عبارة "اسهَروا" الى العدل عن النوم ليلاً. وتكرَّرت هذه العبارة أربع مرات مما يدل على التركيز على السهر وهو المعنى العام لهذا النص الإنجيلي. وقد يكون السهر بقصد مواصلة العمل (حكمة 6: 15)، أو لتحاشي العدوّ المفاجئ (مزمور 127: 1-2). والسهر هنا هو دعوة يسوع الى السهر والصلاة انتظارا للأحداث الآخرة (1 تسالونيقي 5: 3). وهذا السهر يمّيز المسيحي الذي ينتظر عودة الربّ (مرقس 13: 33-37). ويربط بولس الرسول بين فكرة الرقاد في الليل، رمز مُلك الشر، وفكرة السهر، رمز الانتظار (1 تسالونيقي 5: 3-6). فهدف السهر هو أن يكون المؤمن مستعداً للقاء الرب عندما يجيء فجأةً. فالوصية إذن هي الاستعداد الروحي للقاء الرب. فالسهر إذا هو إعداد التدابير لمواجهة احتمال طول أمد انتظار عودة الرب ما دامت ساعة العودة لا يمكن توقّعها؛ أمَّا عبارة "لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم" فتشير الى الحاجة الملحَّة للسهر على الدوام أي كل الوقت ولا قتاً دون آخر لئلا يفوتنا مجيء ابن الانسان. فالاستعداد ضروري بناء على احتمال هذا اليوم هو اليوم الاخير. وفي هذا الصدد يحثُّنا القديس اسحق السرياني عن ترك الكسل والجهاد في السهر، قائلًا: "النفس التي تمارس أعمال السهر وتتفوق فيها هي النفس التي في إرادتها عينا الشاروبيم، بهما ترى في كل الأوقات الرؤى السماوية وتدنو إليها". أمَّا الكسل بالمفهوم الروحي فهو فقدان الإنسان الرؤيا الروحية السماوية، لأن سقف نفسه يتفكك، وتعجز يداه عن العمل الروحي، وينهار إنسانه الداخلي. أمَّا عبارة " لا تَعلَمونَ " فتشير الى مجيء المسيح الذي هو أمرٌ محتومٌ وإن لم نعلم يومه. ان موعد مجي الرب هو الذي لا نعرفه على وجه التحديد إذ هو مخفي في علم الآب، حتى ان الابن نفسه في حدود تجسُّده التي قبلها طوعا، لا يشترك في هذا السر، وتخلى باختياره عن الاستخدام غير المحدود لقدراته الإلهية ويعلق القديس اوغسطينوس قائلا " السيد المسيح لا يجهل اليوم إنما لا يعرفه معرفة من يبيح بالأمر ". لا يريد الانجيل ان ينتقص من مساواة لإبن للآب، ولكن العَالَم اليهودي يُعلن ان الله وحده يعرف النهاية ويحدّدها، وجاء كلام يسوع مؤكداً امتيازات الله الآب "لَيَس لَكم أَن تَعرِفوا الأَزمِنَةَ والأَوقاتَ الَّتي حَدَّدَها الآبُ بِذاتِ سُلطانِه (أعمال الرسل 1: 7). والبحث عن هذه المعرفة هو عائق للإيمان، لا مساعد له. المطلوب هو الاستعداد وليس الحساب. وإذا عرفنا يوم مجيء الرب، فسنتوقف عن القيام بالأمور العادية كالأكل والشرب والعمل والتزاوج من أجل انتظاره. بينما يأتي الرب بالتحديد، ويتجلى في داخل الأمور الطبيعية العادية اليومية كما ورد في الآيتين: 24: 40-41). أمَّا عبارة "اليوم" فتشير الى الوقت الذي يأتي الرب فيه. 43 وتَعلَمونَ أَنَّه لو عَرَفَ رَبُّ البَيتِ أَيَّ ساعةٍ مِنَ اللَّيلِ يَأتي السَّارِق لَسَهِرَ ولم يَدَعْ بَيتَه يُنقَب تشير عبارة " رَبُّ البَيتِ " الى صاحب البيت الذي لم يعزم على السهر الاّ عندما بلغه النبأ بمجيء السارق. لذلك كتم يسوع عن تلاميذه وقت مجيئه كي يتوقعوا مجيئه دائما ليكونوا دوما مستعدين. امَّا عبارة " اللَّيلِ " فتشير الى مدة الظلام (التكوين 1: 5) وكان الليل في زمن العهد الجديد يمتد من غروب الشمس إلى شروقها يقسم إلى اثنتي عشرة ساعة (اعمال 23: 23). ويشير الليل مجازاً إلى الموت (يوحنا 9: 4) والخطيئة (أفسس 5: 5). والليل هو حوذه الشرير. فكم من المآسي تحدث في الليل! سرقات وصفقات ملتوية، سكر، عربدة، خطف، انتحار… كلها تتم في الليل، في الظلمة. امَّا عبارة "ساعةٍ" في الأصل اليوناني ?????? (معناها هجعة) فتشير الى هزيع حيث تمَّ تقسيم السعة في زمن اليهود قبل استيلاء الرومان عليهم الى ثلاثة هزع، وقُسِّمت بعد الاستيلاء الى اربعة، وجعل الرومان كل هزيع ثلاث ساعات، وذكر الهزيع الثاني والهزيع الثالث في انجيل لوقا (لوقا 12: 38 والهزيع الرابع في انجيل متى (متى 14: 25). امَّا عبارة " أَيَّ ساعةٍ مِنَ اللَّيلِ يَأتي السَّارِق" فتشير الى مثل قديم يدلُّ على امر مفاجئ غير متوقع (1 تسالونيقي 5: 2، 2 بطرس 3: 10، ورؤيا 3: 3). ووجه الشبه بين مجيء المسيح ومجيء السارق ليلا ان كلا منهما يكون بغتة غير متوقع والناس غافلون عنه. فان السارق يأتي في ساعة يكون الناس فيها نياماً، والمسيح يأتي والعالم غافل عنه، لذلك يجب على المؤمنين ان يسهروا دوما. 44 لِذلِكَ كونوا أَنتُم أَيضاً مُستَعِدِّين، ففي السَّاعَةِ الَّتي لا تَتَوَقَّعونَها يأَتي ابنُ الإِنسان. تشير عبارة "كونوا أَنتُم أَيضاً مُستَعِدِّين" الى دعوة يسوع جماعة المؤمنين الى السهر الدائم، حيث ان غاية يسوع من كل التنبيهات حث تلاميذه على الاستعداد والانتباه والامانة والصلاة "فاسهَروا مُواظِبينَ على الصَّلاة، لكي توجَدوا أَهْلاً لِلنَّجاةِ مِن جَميعِ هذه الأُمورِ التي ستَحدُث، ولِلثَّباتِ لَدى ابنِ الإِنْسان"(لوقا 21: 36) وبيّن لهم حقيقة ذلك الاستعداد بقوله " اكنِزوا لأَنفُسِكُم كُنوزاً في السَّماء، حيَثُ لا يُفْسِدُ السُّوسُ والعُثّ، ولا يَنقُبُ السَّارِقونَ فيَسرِقوا" (لوقا 6: 20)، لان هناك خطر نسيان عودة الرب. أمَّا عبارة "ففي السَّاعَةِ الَّتي لا تَتَوَقَّعونَها" فلا تشير الى غرض المسيح ان يثير التنبؤات والحسابات بحثا عن ذلك التاريخ، بل ليحذرنا لنكون مستعدين دوما. فلو عرفنا الوقت بالتحديد، فقد نُجرَّب بالكسل في خدمتنا للمسيح، بل والاسوأ، ان نظل نخطئ ولا نرجع الى الله إلا عند النهاية. وهكذا يحثنا عدم معرفة مجيء المسيح ان نثابر على العمل والتقرب من الله الى الموت او الى ان يعود مخلصنا يسوع المسيح. أمَّا عبارة "يَأتي ابنُ الإنسان" فتشير الى مجيء الرب يسوع المسيح الأكيد بقدرته العظيمة، لكن ساعة مجيئه في التاريخ غير معروفة. ولا يُعلن عنها مسبقاً بل انه يأتي في وقت غير متوقع. وليس مجيء المسيح في وقت غير متوقع هي مصيدة يقتنصنا بها لله ونحن في غفلة، إنما يريد الله ان يتيح فرصة أفضل للناس كي يتبعوا المسيح كما جاء في تعليم بطرس الرسول "إِنَّ الرَّبَّ لا يُبطِئُ في إِنجازِ وَعْدِه، كما اتَّهَمَه بَعْضُ النَّاس، ولكِنَّه يَصبرُ علَيكم لأَنَّه لا يَشاءُ أَن يَهلِكَ أَحَدٌ، بل أَن يَبلُغَ جَميعُ النَّاسِ إِلى التَّوبَة" (2 بطرس 3: 9)؛ وفي خلال هذا الوقت حتى مجيئه لدينا فرصة ان نحيا ايماننا، ونعكس محبة يسوع في معاملتنا وعلاقتنا بالآخر كما وصّانا بولس الرسول " أَمَّا أَنتُم، أَيُّها الإِخوَة، فلَستُم في الظُّلُماتِ حتَّى يُفاجِئَكم ذلِك اليَومُ مُفاجَأةَ السَّارِق، لأَنَّكم جَميعًا أَبناءُ النُّورِ وأَبناءُ النَّهار. لَسْنا نَحنُ مِنَ اللَّيلِ ولا مِنَ الظُّلُمات. فلا نَنامَنَّ كما يَفعَلُ سائِرُ النَّاس، بل علَينا أَن نَسهَرَ ونَحنُ صاحون. فالَّذينَ يَنامونَ إِنَّما هم في اللَّيلِ يَنامون، والَّذينَ يَسكَرونَ إِنَّما هم في اللَّيلِ يَسكَرونَ. أَمَّا نَحنُ أَبناءَ النَّهار فلْنَكُنْ صاحين، لابِسينَ دِرْعَ الإِيمانِ والمَحبَّة وخُوذةَ رَجاءِ الخَلاص، لأَنَّ اللهَ لم يَجعَلْنا لِلغَضب، بل لِلحُصولِ على الخَلاصِ بِرَبِّنا يسوعَ المسيحِ الَّذي ماتَ مِن أَجْلِنا لِنَحْيا معًا مُتَّحِدينَ به، أَساهِرينَ كُنَّا أَم نائِمين " (1 تسالونيقي 5: 4-10). ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (مرقس 13: 33-37) بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي (متى 25: 14-30)، نستنتج انه يتمحور حول أهمية السهر الذي يدعو السيد المسيح اليه في حديثه عن مجيئه الأخير ترقبًا للقاء معه، ومن هنا نتساءل كيف نعيش في السهر انتظارا لمجيء المسيح؟ 1) مفهوم السهر وضروريته ومتطلباته أ‌) مفهوم السهر الدائم تعني لفظة "سهر" في اللغة اليونانية ???????????? في المعنى الحصري اليقظة وعدم النوم في الليل إمَّا بقصد مواصلة العمل (حكمة 6: 15)، أو لتحاشي العدوّ المفاجئ (مزمور 127: 1-2). وأمَّا السهر في المعنى المجازي فيعني اليقظة والكفاح ضد الخمول والإهمال من أجل بلوغ الغرض المستهدف (أمثال 8: 34). وهكذا السهر للمؤمن يهدف الاستعداد للقاء الرب في يوم عودته المجيدة. "طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين" (لوقا 12: 37). إذًا لنسهر لا بالمفهوم الجسدي الظاهر، وإنما بالقلب والحياة الداخليّة خلال انتظار مجيء الرب. ب‌) ضرورية السهر الدائم يحثُّ يسوع التلاميذ على السهر في انتظار استقبال ابن الإنسان لدى عودته (لوقا 12: 37). " فاسهروا إذاً، لأنكمٍ لا تعلمون أيّ يوم يأتّي سيّدكم" (متى 24: 42). يدعونا الرب للسهر لملاقاته دون تحديد موعد مجيئه ويعلق القديس أمبروسيوس" ليس من صالحنا أن نعرف الأزمنة، بل بالأحرى من صالحنا عدم معرفتها، فجهلنا لها يجعلنا نخاف ونسهر ونُصلح حالنا". والسهر يقوم قبل كل شيء على البقاء في حالة يقظة وحذر، والتأهّب والاستعداد لاستقبال الرب. ويظهر نوح كمثال السهر والتيقظ. لقد عاش طيلة حياته متوقعا دينونة الله، بعكس معاصريه الساهين اللاهين "فكَما كانَ النَّاسُ، في الأَيَّامِ التي تَقَدَّمَتِ الطُّوفان، يَأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَتزَّوجونَ ويُزَوِّجونَ بَناتِهِم، إِلى يَومَ دخَلَ نوحٌ السَّفينَة، وما كانوا يَتَوَقَّعونَ شَيئاً، حتَّى جاءَ الطُّوفانُ فجَرَفهم أَجمَعين، فكذلكَ يَكونُ مَجيءُ ابنِ الإِنسان" (متى 24: 37-39). وهكذا ينبغي على المؤمن أن يسهر، فإنّ السهر من متطلبات الإيمان بيوم مجي الرب، خاصة أنَّ مجيئه سيكون فجائياً، شأن مجيء العريس (لوقا 12: 37) ومثل السارق في الليل (لوقا 12: 39) ومثل السيد الذي يعود أثناء الليل دون إخطار سابق لخًدَمِه (مرقس 13: 35-36). وعلى خطى السيد المسيح يحثّ يوحنا الرسول جماعة المسيحيين في سَرْديس على اليقظة والسهر كي لا يفاجئهم يوم الرب على نحو ما يفاجئ اللص، إذ يقول: "تَنَبَّهْ وثَبِّتِ البَقِيَّةَ الَّتي أَشرَفَت على المَوت... فإِن لم تَتَنَبَّهْ أَتَيتُكَ كالسَّارِق، لا تَدْري في أَيَّةِ ساعةٍ أُباغِتُكَ" (رؤيا 3: 1-3). وعلى نقيض ذلك " طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين (لوقا 12: 37)، فإنهم يستطيعون أن يشتركوا في موكب انتصار الرب (رؤية 16: 15). والحياة المسيحية بحسب انجيل متى هي مسيرة نحو اللقاء مع من نحب، مع يسوع العريس الهائم المُحب للبشرية الخاطئة. وهي مسيرة العروس نحو عريسها. إنها مسيرة حب وموعد ولقاء. إننا مدعوون كي نذهب للقاء المسيح في المجد (فيلبي 14:3). لكن الموعد غير معروف وغير مُتوقَّع والساعة غير محدَّدة، ودون إخطار سابق (مرقس 13: 35) شأن مجيء لص الليل (متى 24: 43). باختصار لا نعرف متى يأتي العريس. وهنا يدخل عنصر المفاجأة، وبالتالي لا بد من الاستعداد للقاء المسيح العريس يوم مجيئه الثاني شأن العذارى الحكيمات المستعدات. ونجد الصدى على السهر ايضا في تعليم بولس الرسول "لَسْنا نَحنُ مِنَ اللَّيلِ ولا مِنَ الظُّلُمات فلا نَنامَنَّ كما يَفعَلُ سائِرُ النَّاس، بل علَينا أَن نَسهَرَ ونَحنُ صاحون" (1 تسالونيقي 5: 5-6). ويدعو بولس الرسول المسيحييِّن للسهر لاستقبال مجي الرب كي لا يهجروا تقواهم الأولى "هذا وإِنَّكُم لَعالِمونَ بِأَيِّ وَقْتٍ نَحنُ: قد حانَت ساعةُ تَنبَهُّكمِ مِنَ النَّوم، فإِنَّ الخَلاصَ أَقرَبُ إِلَينا الآنَ مِنه يَومَ آمَنَّا. قد تَناهى اللَّيلُ واقتَرَبَ اليَوم. فْلنَخلَعْ أَعمالَ الظَّلام ولْنَلبَسْ سِلاحَ النُّور. لِنَسِرْ سيرةً كَريمةً كما نَسيرُ في وَضَحِ النَّهار. لا قَصْفٌ ولا سُكْر، ولا فاحِشَةٌ ولا فُجور، ولا خِصامٌ ولا حَسَد. بلِ البَسوا الرَّبَّ يسوعَ المسيح، ولا تُشغَلوا بِالجَسَدِ لِقَضاءِ شَهَواتِه"(رومة 13: 11-14). فالسهر ضروري إزاء أخطار الحياة الحاضرة، "تَنَبَّهوا واثبُتوا في الإِيمان، كونوا رِجالا، كونوا أَشِدَّاء" (1 قورنتس 16: 13،)، ولأنَّ المسيحي قد اهتدى إلى الله، فهو "ابن النور". فلذلك ينبغي أن يظلّ في يقظة، وأن يقاوم الظلمات رمز الشرّ، حتى لا يتعرّض لأن يدهمه مجيء المسيح الثاني. 2) مجيء الرب يسوع المسيح ا) مفهوم مجيء الرب وقد أعلن بولس الرسول عن المجيئين الى تلميذه طيطس، حيث قال " فقَد ظَهَرَت نِعمَةُ الله، يَنبوعُ الخَلاصِ لِجَميعِ النَّاس، وهي تُعَلِّمُنا أن نَنبِذَ الكُفْرَ وشَهَواتِ الدُّنْيا لِنَعيشَ في هذا الدَّهْرِ بِرَزانةٍ وعَدْلٍ وتَقْوى، وهي تُعَلِّمُنا أن نَنبِذَ الكُفْرَ وشَهَواتِ الدُّنْيا لِنَعيشَ في هذا الدَّهْرِ بِرَزانةٍ وعَدْلٍ وتَقْوى، مُنتَظِرينَ السَّعادَةَ المَرجُوَّة وتَجَلِّيَ مَجْدِ إِلهِنا العَظيم ومُخَلِّصِنا يسوعَ المسيحِ " (طيطس 2: 11-13). يدعو يسوع تلاميذه للسهر الدائم استعدادا لمجيئه للدينونة. ومجيء يسوع للدينونة يُسمَّى أيضا أيام ابن الانسان "كما حدَثَ في أَيَّامِ نوح، فكذلِكَ يَحدُثُ في أَيَّامِ ابنِ الإنسان" (لوقا 17: 26). ويبدو لمجيء يسوع المسيح ابعاد جديدة، تظهر في تشعّب المصطلحات المستخدمة، التي تعرض باستمرار للإشارة إلى يوم الافتقاد (1 بطرس 2: 12)، والغضب (رومة 2: 5)، والدينونة (2 بطرس 2: 9)، وإلى "ذلك اليوم" (متى 7: 22)، وإلى يوم الرب (1 تسالونيقي 5: 2، 2 تسالونيقي 2: 2)، ولكن أيضاً إلى يوم الرب يسوع (1 قورنتس 1: 8)، ويوم المسيح (فيلبي 1: 6-10)، ويوم ابن البشر (لوقا 17: 24-26). كما نصادف كذلك لفظ اي epiphaneia أي الظهور (2 تسالونيقي 1: 7، 1 بطرس 1: 7-13)، ولفظ أي ?????????? أي الرؤيا (1 طيموتاوس 6: 14، طيطس 2: 13) وكما يتّضح من مصطلحات العهد الجديد، فإن يوم الرب يدل على يوم مجيء المسيح. ب) المجيء الأول للرب يوم التجسد هل مجيء الرب الأول قد تحقق تماماً بظهور يسوع الناصري، الذي صار رباً على الأرض؟ لا يزال بعض التساؤل قائماً بين مفهوم آخر الأزمنة التقليدي وبين تحقيقه في الحاضر. فيعلن المعمدان أن قاضي الأزمنة هو الذي "يأتي" (متى 3: 11). و"يأتي" الروح على يسوع في العماد (متى3: 16). ومع ذلك يتساءل يوحنا، هل يسوع "هو الذي يجب أن يأتي" (متى11: 3). وأمَّا يسوع فيعلن أن "ملكوت السماوات هو هنا "، بصيغة شبيهة بتلك التي كانت تعلن في العهد القديم عن يوم الرب، أنه " قد أتى " (منى 12: 28). وتحقّق العنصرة نبوءة يوئيل: إن يوم الرب يفتتح "الأيام الأخيرة" (أعمال 2: 17). كما أن دخول الأمم الوثنية الكنيسة، يحقّق نبوّة عاموس (أعمال 15: 16-18). ومح ذلك فلا الفصح ولا العنصرة، يطلق عليهما، خارج شعائر العبادة، عبارة "يوم الرب". هذا وان هذه العبارة وقد تحققت بنوع ما في " أيام " الرب يسوع. لا زالت تحمل رجاء المسيحيين، الذين ينتظرون عودته. ج) مجيء لثاني للرب في آخر الازمنة سيأتي يسوع الممجّد في آخر الأزمنة حاملاً السمات التي أوردها دانيال عن ابن الإنسان، وعلى نحو ما أنبأ به هو نفسه (لوقا 17: 24-26). في هذه المجالات يردّد يسوع هنا أوصاف العهد القديم التقليدية، مع مجموعة الظهورات الإلهيّة العظيمة، وعلامات آخر الأزمنة، وخاصة في الرؤيا الإزائية " (متى 24). فنصادف ضمنها العناصر الحربية (متى24: 6-8)، والكونية (متى24: 29)، وانتفاضة الوثنيين (متى 24: 15)، وفرز الدينونة (24: 37-43)، والطابع الفجائي وغير المتوقع لليوم الآتي (متى24: 44). مجيء ابن الإنسان في مجده يعتبر جديداً بالنسبة إلى العهد القديم، وهو مجيء ابن الإنسان في مجده (متى 24: 30-31). وقد استخدمت صور مماثلة في النصوص الأخرى الرؤيوية من العهد الجديد. وهكذا يذكر بولس الرسول البوق ورئيس ملائكة (1 تسالونيقي 4: 16-17)، مذكِّاً ايانا بان ذلك اليوم سيأتي كاللص، جالباً معه آلاماً مبرّحة (1 تسالونيقي 5: 3)، وبأنه سيسجل النصر النهائي على الأعداء (1 قورنتس 15: 24-28). إلا أنه يضيف أيضاً، أنه ستحدث يومها قيامة الأموات والملاقاة مع المسيح النازل من السماء (1 تسالونيقي 4: 16-17). ويحتفظ كتاب الرؤيا كذلك بمجموعة من العبارات الحربيّة (غضب، أسلحة، هتافات، نصر)، والقضائية (رؤيا 20: 11-12)، والكونية (رؤيا 21: 1). وباختصار فإن نصر الله سيتلألأ في يوم الرب (العهد القديم) بواسطة ابنه يسوع (العهد الجديد). ففي سبيل الخلاص (1 بطرس 1: 4-5) سيجدّد كل شيء (أعمال 1: 6، 3: 20)، وستتحوّل أجسادنا إلى جسده الممجّد (فيلبي 3: 20-21). د) أثر مجيء الرب على حياتنا اليومية ان غاية مجيء الأول للرب ان يخلصنا من خطايانا ويقدِّم لنا ألوهيته، فنصبح مثله قادرين على أن نعيش مثل الله أن نعيش بتجددٍ دائم، أن نملك قلباً كقلبه، ينبض بالحياة ولا يتوقف أبداً. وإن مجيء الرب له أثره في هذه الدنيا، وهو الذي يحدّد تصرف المؤمن وسلوكه. فيتيح مجيء المسيح الثاني المجيد تقدير الأشخاص حق قدرهم كما جاء في تعليم بولس الرسول "سيَظهَرُ عَمَلُ كُلِّ واحِد، فيَومُ اللّه سيُعلِنُه، لأَنَّه في النَّارِ سيُكشَفُ ذلِك اليَوم، وهذِه النَّارُ ستَمتَحِنُ قيمةَ عَمَلِ كُلِّ واحِد" (1 قورنتس 3: 13)، وفي يوم الرب يتمَّ الحكم في معنى الأفعال البشرية "لا تَدينوا أَحَدًا قَبْلَ الأَوان، قَبلَ أَن يَأتِيَ الرَّبّ، فهو الَّذي يُنيرُ خَفايا الظُّلُمات ويَكشِفُ عن نِيَّاتِ القُلوب، وعِندَئِذٍ يَنالُ كُلُّ واحِدٍ مِنَ اللهِ ما يَعودُ علَيه مِنَ الثَّناء" (1 قورنتس 4: 5)، ويتم أيضا تقييم وزن ورصانة هذا العالم، الذي "صورته في زوال " كما يصرِّح بولس الرسول " والَّذينَ يَستَفيدونَ مِن هذا العالَم كأَنَّهم لا يستفيدونَ حَقًّا، لأَنَّ صُورةَ هذا العالَمِ في زَوال" (1 قورنتس 7: 31). ويحفظ المجيء الثاني المسيحيين في الرجاء "مُنتَظِرينَ السَّعادَةَ المَرجُوَّة وتَجَلِّيَ مَجْدِ إِلهِنا العَظيم ومُخَلِّصِنا يسوعَ المسيحِ" (طيطس 2: 13)، متقبِّلين بفرح الاضطهاد كمقدمة سابقة لليوم الأخير كما جاء في تعليم بطرس الرسول "افرَحوا بِقَدْرِ مما تُشارِكونَ المسيحِ في آلامِه، حتَّى إِذا تَجَلَّى مَجْدُه كُنتُم في فَرَحٍ وابتِهاج. طوبى لَكم إِذا عَيَّركم مِن أَجْلِ اسْمِ المَسيح، لأَنَّ روحَ المَجْدِ، روحَ الله، يَستَقِرُّ فيكم "(1 بطرس 4: 13-14. إن الله سيقود عمل الخلاص إلى تمامه كما يؤكده بولس الرسول "إِنِّي على يَقينٍ مِن أَنَّ ذاكَ الَّذي بَدَأَ فيكم عَمَلاً صالِحًا سيَسيرُ في إِتمامِه إِلى يَوم المسيحِ يسوع. (فيلبي 1: 6)، وذلك بتثبيت المؤمنين وجعلهم بلا عيب "وهُو الَّذي يُثَبِّتُكُم إِلى النِّهايَة حتَّى تَكونوا بِلا عَيبٍ يَومَ رَبِّنا يسوعَ المسيح" (1 قورنتس 1: 8)، يثبت هؤلاء الذين ينتظرون بحب هذا الظهور الأخير كما جاء في الاعن بولس في آخر حياته وقَد أُعِدَّ لي إِكْليلُ البِرِّ الَّذي يَجْزيني بِه الرَّبُّ الدَّيَّانُ العادِلُ في ذلِكَ اليَوم، لا وَحْدي، بل جَميعَ الَّذينَ اشْتاقوا ظُهورَه" (2 طيموتاوس 4: 8). وهذه الثقة، التي يرغب كتاب الرؤيا، في إثر بولس، أن يبثّها، هي أساس عزة نفس المسيحي، الذي يتطلّع إلى عودة وشيكة للرب يكما يوصي يوحنا الرسول "أجَل، اُثبُتوا فيه الآن، يا بَنِيَّ. فإِذا ظَهَرَ كُنَّا مُطمَئِنِّين ولَن نَخْزى في بُعْدِنا عنه عِندَ مَجيئه" (1 يوحنا 2: 28). الخلاصة حثَّ السيد المسيح تلاميذه على ضرورة السهر الدائم في انتظار عودته غير المتوقعة، لانَّ الرب لم يعيّن وقت مجيئه. ان السهر بمعنى اليقظة الواعية التي هي من مُتطلبات الإيمان بيوم الرَّب، وهي الطابع المميز للمسيحي الذي ينبغي له أن يقاوم الجحود في آخر الأزمنة، وأن يظلّ مستعدّاً لاستقبال المسيح الذي يأتي. ومن جهة أخرى، ما دامت التجارب في الحياة الحاضرة مقدّمة لويلات الدهر الآخر. إنّ اليقظة المسيحية ينبغي أن تمارس يوماً بيوم في الكفاح ضد الشرير كما علّمنا السيد المسيح معلمنا في الصلاة الربيّة "ولا تُدخلنا في التَّجربة" (متى 6: 11). إذ يحاول الشيطان ان يُهلك فيها من تصيبه. فالسهر يتطلب من التلميذ الصلاة والقناعة المتواصلتين: "اسهروا وصلّوا وكونوا قنوعين". ولنجهّز نفوسنا ليس للعيد بل لصاحب العيد، ولنعش حياتنا اليومية بروح متجدد وبمشاعر الانتظار العميق لمجيء الرب، انتظار مجيء مخلصنا يسوع المسيح في حياة كل واحد منا. هل نهتم بمجيء المسيح؟ مجيئه ثانية هو أهم حدث في حياتنا، لأنَّ نتائجه ستبقى الى الابد، ولا يمكننا ان نؤجل الاستعداد له، لأننا لا نعلم متى سيحدث ذلك. "طوبى لِذلِكَ الخادِمِ الَّذي إِذا جاءَ سَيِّدُه وَجَدَه مُنصَرِفاً إِلى عَمَلِه (لوقا 12: 43)، فسوف يستطيع أن يشترك في موكب انتصار الرب. ونختتم موضوعنا هذا مع تأمل البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني، بقوله: "فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم". تُذكّرُني هذه الكلمات بالنداء الأخير الذي سيحلّ في اللحظة التي يريدها الربّ. أرغب في أن أستجيب لذلك النداء وأن يكون كلّ ما في حياتي على هذه الأرض سبيلاً لأستعدّ لتلك اللحظة. لا أعلم متى سيأتي ولكنّي أضع تلك اللحظة بين يَدَيْ والدة معلّمي يسوع المسيح، تمامًا كما أضع كلّ شيء بين يديها: "كُلّي لكِ" الدعاء أيها الآب السماوي، أيقظ قلوبنا وفكرنا كي نستعدّ لمجيء ابنك يسوع مخلصنا ودياننا، بالسهر والصلاة واتباع وصاياه حتى إذ جاء وجدنا فرحين بقدومه ومرحّبين بنور حقيقته. "كما تشتاق الأيل إلى جداول المياه، كذلك تشتاق إليك نفسي يا الله" (مزمور 42: 1) ولننشد "نحن ساهرون ومصابيحنا مشتعلة ننتظر عودتك أيها الرب يسوع. خبر وعبرة وضعت إحدى المجلات الإيطالية عنوانٌ غريب يلفت الانتباه حول زمن مجيء بعنوانٌ ربما يستوقفنا جميعًا وقد يعلق في أذهاننا، وهو " a Dio interessa la nostra vita " وما معناه: أنَّ حياتنا تهمُ الله! إن يسوع يسير معنا لأن حياتنا تهم الله أبيه السماوي. ليس لأنه سيربح منّ خلالنا، او أن له مصلحةً خاصة، إنما لأن لديه عطية كبيرة يريد أن يقدَّمها لنا. لأنَّه إن تركنا وتخلى عنّا، فسنضيع ونهلك في هذا العالم ونصبح بلا قائد وبلا مرشد وبلا مرافق يسير معنا ويوجهنا. إن مجيء يسوع يوحي لنا هذا، "حتى إن نسيت الأم رضيعها فأنا لن أنساك أبداً" (اشعيا 49: 15) ولكي لا ينسى الله يتابع (اشعيا 49: 16) "هاءَنَذا على كَفَّيَّ نَقَشتُكِ وأسْوارُكِ أَمامَ عَينَيَّ في كُلِّ حين"، أي أنَّ اسمنا مكتوب على يد الله. عندما لدي أمر هام، غالباً لا أسجله على ورقة كي لا أنساها في جيبي أو تضيع على المكتب بين بقية الأوراق، إنما أسجله على يدي، كي أتذكره ولا أنساه! إنَّ معجزة وجودنا، هي أنَّ اسماءنا مكتوبة على يد الله. كي لا ينسانا ابداً! لأن حياتي هي قيّمة في نظر الله! واكد يسوع ذلك بقوله" هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى 28: 20). إن العالم اليوم يسير نحو هذا الخطر، أن لا ندرك أن الله معنا، أن الله يسير في وسطنا، أن حياتنا تهم الله.