موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٨ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠

الرّجاءُ لا يُخيّب صاحبَه

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
الرّجاءُ لا يُخيّب صاحبَه

الرّجاءُ لا يُخيّب صاحبَه

 

عظة الأحد الأول من المجي - ب

 

أيّها الأحبّاء جميعًا في المسيحِ يسوع. مع الأحدِ الرّابع والثّلاثين، والّذي فيهِ احتَفَلنا بعيد يسوع المسيح ملكِ الكون، أَسدَلنا السّتارَ على سَنةٍ ليتورجيةٍ كاملة. وها نحنُ اليوم نفتَتِحُ سنة ليتورجيةً جديدة، نَبَدأها مع الأحدِ الأوّل للمجيء، وفيه ترافِقنا القراءاتُ الإنجيليّة من بشارة القدّيس مرقس.

 

ومع هذا الأحدِ الأوّل لزمن المجيء، تُقابِلُنا رسالةُ هذا الزّمن المبارك: (اِسهَروا). فزمنُ المجيء هو زمنُ سَهرٍ ويَقَظة، هو زمن استعدادٍ وانتظار. فنحن نُحي هذا الزّمن بصلواتٍ وتأمّلاتٍ وعبادات، تُعبر جميعها، عن شوقِنا المشتعل لمجيء الرّب، وتوقِنا المتّقدِ لميلاد المخلّص يسوع المسيح. هذا باختصار معنى المجيء، ولأجلِ هذا نحنُ نَستعدّ وَنَتهيّأ ونتحضّر. فطوبى لَنا إن وَجَدَنا السّيد الرّبّ عند عودتِه ساهرين مستعدّين، يَقظين حاضرين.

 

ولعلّ هذا الوقت العصيب وهذهِ الظّروف الصّعبة، بالرّغم من مرارتِها، إلّا أنّها تبقى أفضل مناسبة نحياها بالسّهر وبالانتظار! فَمن منّا لا يتوق للفرج والرّحمة؟! ومن منّا لا يرجو الخلاص والانعتاق؟! نعيش زمن المجيء هذا العام في خضمّ ظروف قاسية، تُنزِل ضرباتِها بِنا وتصبُّ جامَ غَضَبِها على البشرية جمعاء، وبلا تفريقٍ أو استثناء. ظروف ليسَت فقط صحيّة متدهوِرة، إنّما أيضًا ظروف نَفسيّة مرهِقة، وأحوال اقتصاديّة خانِقة للغاية، والجميع يشعر بتعبٍ وثِقل، وهناك حالة من الاحباطِ والقنوطِ العام، وهناك خوف وتخبّط وتشويش وقَلق، على مستوى الحكوماتِ والشّعوب والأفراد.

 

يا أحبّة، في وسط كل هذه الظّروف، ومِن رحم هذهِ المعاناة، رسالة المجيء لنا في هذا العام بشكلٍ خاص، هي: اسهروا، ابقوا يَقظين حَذرين، لا تَناموا، تأهّبوا وكونوا مستعدّين. فالسّهر يَعني لنا الرّجاء، والنّوم، على النّقيضِ مِن ذلِك، يدلّ على اليأس والبؤس! زمن المجيء هو زمن الرّجاء بامتياز. هو الزّمن الّذي فيه علينا أن ننبِذَ ونطرحَ عنّا كلّ أشكال اليأس والإحباط المُزمِن. نعم، نحن لا نُنكر أنّ هناك واقعًا صعبًا ومؤلِمًا، ولكن من رحم الألم، وفي خضمّ الصّعوبة، يولد لنا الرّجاء ويصبِح لدينا الأمل، بأن هناك خلاصٌ ورحمة وفرج، لأنَّ الرّب آت.

 

قَد يَبدو لَنَا أنّه تأخّر كثيرًا، أو تمهّل أكثر من الّلازم، وهنا تأتي دعوةُ الكتاب لَنا بالثّبات، فنحن بثباتِنا إنّما نكتسِب أنفسَنا (لوقا 19:21). فالسّهر ماذا يعني إن لم يَعني لنا الثّبات؟ الثّبات وسط تقلّبات هذا الدّهر الحاضر، الثّبات على تقلّبات حالِنا الوضيع. الثّباتُ في الإيمان أنّ الرّب قادر على نُصرتنا نحن أحبّته، على خلاصِنا ونجاتِنا ونجدِتنا.

 

زمنُ المجيء إن دلّ على الرّجاء، فالنّوم، في هذا الإطار الإنجيلي الّذي الموضوع أمامنا، يُشير إلى فُقدان هذا الرّجاء. وإن فَقَدَ المسيحيّ رجاءَه، صار مشكوكًا في أمرِ خلاصِه، بَل باتَ خلاصُه عُرضةً للخطر، وأمسى أكثر قربًا من الهلاك. الرّجاء هو تلك البوصلة الّتي بها نهتدي صوب الخلاص، وهو النّجم الّذي يُرشِد حياتَنا كلّها نحو النّجاة. الرّجاء هو الإيقاع الّذي نسير عليه، وبدونه يختلّ توازننا الرّوحي. فنحن في هذا الزّمن نتعرّض لهزّات كثيرة، مضايقات كثيرة، تصادفنا عقباتٌ كثيرة ومنغّصات كثيرة... فإن لَم نتحزّم بالرّجاء انكَسرنا وهَلكنا. الرّجاء مفتاح باب الخلاص، وبدونه تبقى الأبواب والنّوافذ والمنافذ كلها مغلقة وموصدة.

 

يا أحبّة، ما دامت الصّعوبة شرًّا لا بدَّ منه، وحَدثًا جللًا لا مفرّ لَنا منه، بل واقعًا مرًّا لا بدّ أن نشرب من كأسه أحيانًا، فدعونا إذًا نأتزِر بثوب الرّجاء، نرتدي رداءَ الأمل، نتمنطقُ به ونتسلّح به، كما الجندي في ساحة الوغى. دعونا نطرح النّوم عنّا جانِبًا، ننبِذ الخوف واليأس والإحباط.

 

ففي وسط بُقعة مظلمة من جميع الجّهات، لا يبقى لنا سوى الرّجاء منارة وربّما مجرّد شعلة صغيرة، ولكنّها كفيلة بأن تُنير لنا الدّرب، حتّى نبلغَ برّ الخلاص بأمانٍ وسلام.