موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١١ سبتمبر / أيلول ٢٠١٩

الحسنات والسيئات الكامنة في التليفون الذكي

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن

جيلنا وعصرنا هو جيل وعصر التكنولوجيا بعكس جيل وعصر أجدادنا وآبائنا، فأنا أذكر أنني عندما زرت أمريكا لأول مرة عام 1974 ما كانت كلمة الكمبيوتر بعد معروفة، وإذ زرت أحد الأصحاب الأمريكيين اكتشفت ورأيت جهاز واسم الكمبيوتر على طاولته لأول مرة، وإذ سألته ما هو هذا الجهاز؟ ضحك وأراني طريقة استعماله ومهامه المستقبلية، إذ قال لي: هذا سلاحنا المستقبلي. وأعطاني مثلا قال: بعد 15 إلى 20 سنة سنتكل عليه في حل كل المشاكل، مثلاً إذا ما حدثت جريمة في البرازيل، وأنت آنذاك في المكسيك أو في أي بقعة على الأرض، فسيكون عندنا كاميرا في الفضاء نسلّطها على مكان وقوع الحادث فتلاحق المجرم وترينا إياه على بعد أقل من 5 سنتيمترات! طبعًا هذا كان مفاجأة كبيرة لي ما نسيتها حتى اليوم وأتذكرها كل مرّة اشغل جهاز النافي (Navi) في سيارتي حيث يحدد لي بُعد المسافة واتجاهها والموقع الذي سأقصده بالتمام. فكم غيّرت شبكة السوشيال ميديا حياتنا وعلاقتنا مع بعضنا. ما أدهشني في زيارتي الآخيرة قبل بضعة أسابيع لبلدي الأردن، هو انتشار جهاز التليفون الذكي بين أيدي الجميع، صغيرًا كان أم كبيرًا. فأنت تجلس مع 3 أشخاص وإذا بين أيديهم أربعة أجهزة وكلهم منشغلون باستعمالها، مما يجعل الحديث الجماعي صعبًا حتى لا أقول مستحيلا. فالوسائل الاجتماعية التي كانت لدينا في صبانا قبل بضع سنوات، إلى جانب الحديث مع بعضنا البعض، كانت إما الكتاب أو الجريدة أو الراديو، أما اليوم فزالت هذه بشكل غير معقول وحل محلها التليفون الذكي المحمول، الذي له حسناته وسيئاته، ولعدم الخبرة فإن سيئاته هي أكثر من حسناته. فأنت تشاهد الصغار مشغولين بمشاهدة أفلام الكرتون، والأكبر سنًا بمتابعة الأفلام على موقع اليوتوب، التي ما كان لي أنا نفسي بها علمًا حتى أفهموني إياها. لكن لا ننسى، أنه إلى جانب فائدتها الإيجابية، فلشبكة السوشيال ميديا أيضًا ناحيتها السلبية، خاصة بين أيدي الأولاد والشبيبة بين عمر السابعة إلى الثامنة عشرة كما سأبين لكم في مقالي هذا. فهي أصبحت سلاحًا ماضيًا لتشويه سمعة من تريد. وللأقلية الصغيرة هي مصدر المعلومات والأخبار التي حلّت محل الجريدة اليومية. من الناحية السلبية هو هذه الظاهرة اليومية في أوروبا، وقد تكون أيضًا قد وصلت بلادنا أو لن يطول الوقت حتى تصله. مرغمًا أخاك لا بطل، إذ يكتفي حامل الجهاز اليوم بتشغيل بعض الضغوط أو الكبسات على واجهة الجهاز ليتفاجأ ببرامج لا تحصى ولا تعد، هي ممّا هبّ ودب، تَصدِم مُشاهِدَهَا الكبير قبل الصغير أحيانًا، إذ هي غالبًا ما تكون أفلام خلاعية، من رأها مرة لا يريد الإبتعاد عن مشاهدتها. هذا ولا ننسى أن الصغير قبل الكبير يملك اليوم سر نشرها، إذ يكفي التملك من برنامج خاص لتصحيح وتجميل وتقطيع الصور، فلا يحتاج الواحد إلا لقطع رأس صورة أحسن صديقاته الموجودة في كاميرته وإبداله على الفيلم بصورة صاحبة الفيلم وإذا بالصديقة مستسلمة للخلاعة، وهنا الكارثة للفتاة وأهلها، لأن الفاعل يبقى مخفيًا لا اسم له ولا رقم تليفون يذكر. هذا ولأنه غير معروف فهو قد يكون جارًا للضحية في الصف أو يسكن قريبًا منها وهي لا تعرف عنه. ثم بلحظات يصبح بوسع طلاب مدرسة بكاملها أن يشاهدوا ابنة صف معروفة في المدرسة في مشاهد مخزية. فتتهافت التعليقات من القراء والمشاهدين على وقاحة فتاة لا ناقة لها ولا جمل في الموضوع، مثلما يقول المثل، في كل ما يدور حولها ويخل بسمعتها بين زملائها وغير زملائها. نتيجتها تشويه السمعة وتهديم الشخصية لفتاة قد تكون من مثال الفتيات بالأخلاق، وهذا بلحظات. ظاهرة جديدة إذن في المجتمع الأوروبي وأقول أيضًا غير الأوروبي، وهي تشويه السمعة أولاً بلا سبب، أو بسبب أنه حدث خصام أو مشاكسة بين الضحية وخصمها، بين هذه الفتاة وناشر الفيلم المشوَّه، فيستغل هذا الموقف لإذلالها أو الحصول منها على مطلب مؤلم، وإن رفضت فهو يهددها بنشر أكاذيب جديدة على أوسع مدى عبر شبكة السوشيال ميديا، التي أصبحت آلة الحصول الأكيد على ما يريد الفتى مرضاة لشهواته. أما الضحية فيصمت خوفًا وخجلا ويقبل بالإستجابة لمطالب ما كانت تخطر على باله، كي لا ينفضح أمره أمام شلة زملائه. هنا يبدأ العراك النفسي، الذي يجبر الضحية إلى الإنعزال والإنكماش رويدًا رويدًا والإبتعاد عن زملائه. وهذا يقوده إلى مرض نفسي لا علاج له لأنه ما عاد واثقا لا بنفسه ولا بمن يكلمه ويخجل أيضًا من مفاتحة أهله بالموضوع ، لأنه لا يزال فتي ولا خبرة له بالتصرف في مثل هذه الظاهرة الجديدة، التي تخلق فيه الرعب إذا ما انفضح أمره. لذا فهو يصمت ويقبل بشروط غريمِه لعدم خبرته. نعم هذه ظاهرة جديد عند أجيال بريئة، سببها امتلاكهم جهاز التليفون الذكي في عمر الطفولة، يخلق في ذاكرتهم الإنطباع السلبي عن العالم، كأنه فعلا هكذا ولا يوجد فيه شيء صالح ويتحدثون عنه كأنه حقيقة. خاصة عندما يكتشفون اشياء لم يختبروها بعد ولم يسمعوا عنها، لكنهم يكتشفونها بين أيديهم في التليفون الذكي فما يعودون قادرين على تركها بل تصبح كشيء طبيعي فيهم لأن لها جاذبيتها. إلى جانب الإغرام بالألعاب الألكترونية تأتي الجاذبية الجنسية التي هي مولودة في طبيعة الطفل وما أن يدخل بابها حتى تصبح مشاهدتها المطلب الرئيسي اليومي في عقله فتصبح إدمانا يوميا، تجعله يتناسى بل ويهمل واجباته المدرسية وتشتته عنها. هذا وبازدياد الولع يتولد فيه حب الإتصال بشخص فتتولد الأحاديث المعروفة اليوم في الإنترنت التي يقع ضحيتها الكثير من صغار السن، خاصة إذا كان الشخص المقابل أكبر سنا وله خبرة في نقاط معينة يحاول شرحها وتفهيمها للمشترك في الحديث ليتجاوب معه، بحيث يعده إن كان فتيا وبلا خبرة، أن يفهمه هذه الأشياء واعدا إياه بهدايا ثمينة. فيحدث ما هو ليس بالحسبان، أي أخذ موعد للمقابلة وتسليم الهدايا الموعودة، فيقع القاصر في فخ ناصبها له. ونتساءل هنا عن دور الأهل؟ إن الأهل غالبا ما يكونون غائبين عن الساحة حتى يقع ابنهم أو ابنتهم في الوحل، مثلا حينما يستلمون إنذارا من المدرسة تشكو لهم فيه من فشل ابنهم في المدرسة أو من تغيير سلوك ابنهم أو ابنتهم المفاجيء والغير مسبوق مع زملائه، أو زيارة من البوليس بسبب شكاوة على تصرفات غير لائقة في معاملة ابنهم للآخرين. فيقع هذا الخبر كالصاعقة عليهم وهم لا علم لهم بما يسمعون به الآن عن أولادهم. إن خبراء ومحللي النفسيات يوعزون ذلك لعدة أسباب. أوّلُها أن الأهل أنفسهم ما كان عندهم أي فكرة عن جهاز التليفون الذكي هذا الذي اشتروه لإبنهم كي يساووه بأصحابه، إذ كلهم يمتلكون هذا الجهاز، فهم يخجلون من أن يكون ابنهم أقلّ مستوى منهم، أو كي لا ينعته زملاؤه ببخل أهله عليه. وثانيا يريد الأهل من ذلك أن يبقى ابنهم بقربهم فلا يعود يغادر البيت بل هو جالس في غرفته قريبا منهم، دون أن يعلموا أن ابنهم أو ابنتهم ملتهون ومنشغلون بمشاهدة برامج أو اتصالات أو قراءة مواضيع لا علم لهم عنها في الإنترنت، التي تبدأ بتغيير تفكير أولادهم رويدا رويدا وتبدأ بالتملك عليهم دون مراقبتهم أو توضيح ما يقرأون أو يشاهدون. إنها معلومات قاسية تبدأ بتغيير نفسية أولادهم الفتية هم لا يفهمونها وأهلهم لا علم لهم بها. النتيجة أن ما يشاهد الأولاد دون مراقبة يقودهم إلى الإنفلات الخلقي الغير معهود ثم تقليد زملائهم بما يفعلون به في تليفونهم الألكتروني من تهكم وتهجم على أصدقائهم وغير أصدقائهم، وهكذا يتلاشى التركيز على ما هو مهم في الحياة اليومية ويبدأ حامل الجهاز بتضييع الوقت والتشتت عما هو ضروري للمدرسة، دون التفكير بشيء مهم، فينصعق الأهل ويصحون فقط عندما تأتي على أولادهم شكوى إما من زملائهم في المدرسة أو من شخص أهانوه قبل أن يعرفوه، فتكتشفهم شرطة حماية الحياة الجماعية، التي اول ما تقوم به هو رفع شكوى على الأهل بسبب ما يقوم به ابنهم من إهانات لأشخاص لا يعرفهم وهم أيضا لا يعرفونه، لكنهم فجأة يطالبون بشرفيتهم المهانة من أهل أيضا مجهولين، لكنهم مسؤولون عن تصرف أبنائهم المشين. وغالبا ما يكون فات الأوان. إذن هذه هي حسنات بل سيئات التليفون الذكي الذي يشتريه الأهل لأولادهم وهم أنفسهم لا علم لهم بالنتائج المؤلمة.