موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٨ مارس / آذار ٢٠٢٠

الجرأة المطلوبة

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
"أقومُ وأمضي إلى أبي"

"أقومُ وأمضي إلى أبي"

 

فكلَّمهم يسوع بالأمثال على أمورٍ كثيرة (متى ١٣: ٣)... فدنا تَلاميذُهُ وقالوا له: "لماذا تُكلِّمهم بالأمثال؟ "فأجابهم يسوع: لأنكم أُعطيتُم أَنتُم أن تعرفوا أسرارَ مَلكوتِ السَّمَوات، وأَمَّا أُولَئِكَ فلم يُعطَوا ذلك" (متى ١٣: ١٠-١١).

 

الامثال التي سردها يسوع قصص أرضية ولكن لها معنى سماوي. في هذا المثل، مثل "الابن الضال" (لوقا ١٥: ١-٣٢ ) نموذجاً عظيماً للتوبة. فالإبن الضال لما أطاع أفكاره البشرية الأرضية، وتبع مشورة الشيطان تعب جدًا، وعاش حياة الذل والإهانة من جوع وعطش وعري وغربة. ولكن لما رجع إلى أعماق نفسه وفحص ضميره، قرر العودة إلى أبيه وتقديم الطاعة له بالندامة والتوبة الصادقة.

 

الأب في هذا المثل يمثّل الله، الذي يبحث عن ابنَهُ الضائع، يشتاق له ويريد أن يكون معه دائمًا. والإبن يمثل البشرية البعيدة عن الله والمنفصلة عَنهُ .

 

الإبن الأصغر، برغبته وحريته الشخصية وإرادته المطلقة، سافر إلى بلد بعيد ورحل عن بيت أبيه. وبعد أن هدر أمواله وعاش عيشة إسراف، أدرك بأنه ضائع وتجرّد وخسر المحبّة الوالدية. لكنه تاب وعاد إلى ابيه. وأبوه إستقبله بكل فرح، وقبّلهً قُبلة الغُفران والمسامحة والمصالحة والسلام .

 

الإنسان، كل إنسان، ضال وتائه وبدون رجاء، لذلك لا يستعيد علاقته مع الله ابونا السماوي. والطريق الوحيد لإستعادة هذه العلاقة الحميمة هي فقط من خلال الخلاص بيسوع الذي قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة لا يَمضي أحَدٌ إلى الآب إلا بي" (يوحنا ١٤: ٦).

 

ما تفسير المعاني والرموز في مثل الإبن الضال؟

 

- المال: يرمز إلى هبات الله ونعمه. أما تقسيم الميراث فيعني ذلك أن الله لا يفرض على الإنسان قيودًا في طرق استعمال مواهبه، بل يترك له الحرية في توجيه مواهبه للخلاص أو للهلاك.

 

- ثم ذهب فالتحَق برجُلٍ من أهل ذلك البلد: يرمز إلى الشيطان الذي يعذّب الإنسان.

 

- رعاية الخنازير وأكل الخرنوب: ترمز إلى عبودية مهينة للخطايا والأهواء.

 

- كلام الإبن الضال: صورة للتوبة الحقيقية التي تضمّ المكوّنات الثلاثة:

الاعتراف: "يا أبَتِ إنِّي خَطِئتُ إلى السماءِ وإليكَ".

الاتضاع: "لستُ مستحقّاً بعد ذلك لأن أُدعى لكَ إبنًا".

الرجوع إلى الطريق الصحيح "فقام ومضى إلى أبيه".

 

- أسرعوا فأتوا بأفخَرِ حُلّةٍ وألبسوه: الحُلّة الأولى ترمز إلى الثياب الجديدة الناصعةُ البياض، الطاهرة النقية كعلامة غفران خطاياه، وهي بمثابة الثوب الأبيض للمعمودية. يعني أنه قد أعيدت له كرامة الإبن بل الإبن المحبوب. فلنتذكر أن يوسف أَحَبّْ الأبناء ليعقوب وكان يلبس أحسن الملابس.

 

- الحذاء في الرجلين: منذ أن سقط الإنسان الأول لا تزال الحية تزحف على بطنها وتحاول أن تسحق عقب الإنسان، فالحذاء يرمز إلى الحماية من لدغة الحية. كما أنه يرمز إلى عزم الإنسان على أن يسلك في طريق وصايا الله بخطوات ثابتة.

 

- الخاتم: علامة السلطة والكرامة وكذلك إقتران النفس بالمسيح حيث يقطع الخاطئ علاقته بالعالم ويتبع المسيح بنعمة وقوة الروح القدس .

 

- الخدم: يمثلون الملائكة والكهنة الذين يسهرون على خلاص النفوس.

 

- العجل المسمّن: صورة لسر الإفخارستيا بحسب الآباء القديسين، فعندما ترجع النفس البشرية إلى الله الآب لا بُدّ من أن يتوّج هذا الرجوع بالمأدبة. والمأدبة هي فرح الملائكة لكل خاطئ يتوب (لوقا ١٥: ٧).

 

الابن الأكبر: يرمز إلى الذين يدّعون بالبرّ ومع ذلك ليس لهم رحمة أو تعاطف. كما أنه يرمز إلى الشعب المختار الذي كان أوّل من سمع كلمة الخلاص ولكنه رفضها أو إلى اليهود الذين كانوا يتكبرون على الوثنيين الذين قبلوا كلمة المسيح بفرح.

 

عمل الإبن الأكبر في الحقل فمعناه: أن الفرّيسيين كانوا حريصين على تنفيذ الناموس حرفياً وإظهار أنفسهم أمام الناس على أنهم يتعبون ويجاهدون كثيرًا.

 

ليتنا نعود إلى حضن الآب في هذا الزمن المُقدّس العظيم الذي هو موسم هذه العودة المحببة "أقومُ وأمضي إلى أبي فأقولُ له: يا أبتِ إنِّي خطئتُ إلى السماءِ وإليكَ" (لوقا ١٥: ١٨).

 

(المطران كريكور اوغسطينوس كوسا، أسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك)