موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٨ ابريل / نيسان ٢٠٢٠

الإيمان العاقل والعقل المؤمن

بقلم :
الأب أشعياء مكرم لبيب - مصر
الأب أشعياء مكرم لبيب، راعي كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس للأقباط الكاثوليك، ببلدة منسافيس، محافظة المنيا

الأب أشعياء مكرم لبيب، راعي كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس للأقباط الكاثوليك، ببلدة منسافيس، محافظة المنيا

 

إلى جميع الأخوة والأحباء في الرب يسوع. أود أن أتحدث معكم الآن عن أمر هام وهو علاقة العقل بالإيمان. إنه نظرا لتفشي مرض تجاهل العقل والركوض وراء الغيبية في كثير من مجتمعاتنا العربية أصبح الإيمان هشًا وضعيفًا ولا يتعدى كونه دروشة أو خدعة يستخدمها البعض في السيطرة على النفوس التي تتجاهل قيمة وأهمية العقل.

 

عندما حاول العديد منا أن يغلف العقل بغلاف بلاستيك ولا يستخدمه خوفا من أستهلاكه وكأن العقل مجرد أنتيكات توضع في أجسامنا كل دورها جذب أنظار الناس ولكن دون أن تقوم بدورها التي خلقت لأجله. كثير منا نحن المسيحيين في الوقت الذي نعيب فيه على الآخرين. نؤمن ونعتقد عديدا أن الإيمان لا يحتاج للعقل نهائي. فالعقل كأنه الشيطان الرجيم الذي يجعل الإيمان منحرفا. لأننا تركنا عقولنا وتجاهلناها صار الإيمان الذي نعيشه ما هو إلا مجرد أكذوبة كبيرة جدا. هذا الإيمان الذي يدفعنا لرفع أيدينا في الصلوات لطلب المعونة الإلهية. وفي نفس الوقت نمد تلك اليد بعينها لننهب ونسرق ونأكل أموال الأرامل والأيتام والفقراء والذين لا حول لهم ولا قوة.

 

إيمان بلا عقل هو إيمان مرائي يقول شيئا ويفعل عكسه. يطلب من الآخرين شيئا وهو يقوم بضده. لا يفوته فرض ولكن أفعاله بعيدة تماما عن عبادته. يفعل كل ما يغضب الرب بكل الطرق والوسائل الشرعية وغير الشرعية ليحلل لذاته ما هو للآخر دون وجه حق. إنه يغير سنن الله وشرائعه بما يتناسب مع سننه ومصالحه الفردية. إيمان بلا عقل إيمان متضرع لله لكنه مهين للآخر. إيمان يسرق وينهب ويدمر ولديه قدرة هائلة لحماية نفسه وممتلكاته ولا يحرك له ساكن حينما يأكل مال الضعيف. إنه لا يترأف ابدأ بالفقير ولا تؤثر فيه دموع نابوت اليزرعيلي. إنه اخاب الذي يمص دم البسطاء والضعفاء وما يهمه أن يكنز لذاته في المخازن الأرضية والأهراء الفانية.

 

إيمان بلا عقل هو إيمان الإنسان الذي يقف في مقدمة صفوف الكنيسة ويده مملوءة من كل نجاسة وإثم. إيمان بلا عقل هو إيمان من يسرق ويكنز ويبني ويعمر ويشيد راحته على أنقاض غيره. إيمان من يعتقد أن الله ما هو إلا مرتشي. يمكن إرضاؤه بتقديم التبرعات والنذور والذبائح. يقدم كل ما يقدمه بيد ملوثة بطعنات المستضعفين. أي إيمان تعيشه؟

 

أعتقد إننا في هذه الأيام نحتاج أن نحيا ونعيش الإيمان العاقل. الذي لا يغفل احتياجات وصرخات الآخرين. الإيمان العاقل الذي يترك قرابينه على المذبح ليذهب ويضمد جراح من حوله. الإيمان العاقل الذي يرى الله في الآخرين ويثق تمام الثقة في كلمة الوحي القائلة: "كل ما فعلتموه بهؤلاء أخوتي الأصاغر فبي فعلتموه". هذا الإيمان عينه الذي يفتح عيوننا لندرك أن كل إساءة للآخر هي إساءة للرب السيد بذاته. حتى لو قضينا حياتنا ليلا ونهارا نصرخ للرب في الكنيسة ونحن لا نقيم العدل والإخاء والمساواة. فهذا لن يجدي شيئا.

 

عزيزي القارئ لا تتصنع الإيمان. فالإيمان لا يقاس برفع اليدين والكفين للسماء فقط. بل يقاس بالعمل والحق. إذا كنت ترغب في أن تحيا الإيمان بلا عقل فأنت لن تتعدى مرحلة الدروشة التي تعني غمض العينين في الصلاة وفتحها للشهوة وتفحص جسم النساء. تعني لسان داخل الكنيسة مملوء بالتسبيح وأما خارج الكنيسة فتحت لسانك سم الأفعى. أخوتي كفانا خداعا لأنفسنا إننا نظن أننا أبرار في حين أن البرارة بريئة منا براءة الذئب من ابن يعقوب. أرجوك با أخي أجعل إيمانك عاقلا مدركا واعيا فاهما أنه مهما تقول لا يمكنك أن تخدع فاحص القلوب ومختبر الكلى. فالقول يحتاج لعمل. فالإيمان العاقل يجعلنا نقول ما نفعل ونفعل ما نقول: "لا تكن محبتنا بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق".