موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٦ مارس / آذار ٢٠٢٠

الأمانة بالفطنة والحكمة

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك

اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك

 

من خلال  مثل  "الوكيل الخائن" (لوقا ١٦: ١-١٣)، يُعطينا الرب يسوع معنى "الأمانة".

 

هذا الوكيل الذي أقامه سيده على أمواله لم يُحافظ عليها، بل تصرف بها وكأنها أمواله الخاصّة، فاستغلّها وبدَّدَها وعاش حياة البزغ والترف، هذه الأموال أموال حرام. بتصرفه هذا الوكيل، خان الأمانة والثقة. في هذا النص الذي كتبه لنا القديس لوقا الإنجيليّ يُرينا حكمة وفطنة هذا الوكيل الخائن في حسن التصرف للتخلص من قلّة أمانته، والحصول على الخلاص من عقاب سيده.

 

السيد في هذا المثل، كسائر الأمثال التي أعطانا إيها يسوع، هو الله. والوكيل الخائن الإنسان، هو كل واحد منّا، يعيش في هذا العالم على حسب شهواته، وشهوات العالم ومغرياته. فالله أعطى لكلِّ واحدٍ منّا أمانة خاصة، وهذه الأمانة هي: المواهب، والنعم والوزنات والقدرات والنبؤة "إنَّ المواهب على أنواع وأَمَّا الرُّوحُ فهو واحد" (قورنتس الأولى ١٢: ٤) كل هذه الأمانات "لبنيان الجماعة" (قورنتس الاولى، وأقامنا وكلاء عليها، وطلب منّا أن نحافظ عليها ونستثمرها بالخير والصلاح. فمنّا مَن خان هذه الأمانة، وبددها على ملذاته ومصالحه الشخصيّة، ومنّا من حافظ عليها وتاجر بها التجارة الصالحة مع إخوته البشر، فأثمرت تجارته أضعاف مضاعفة.

 

في نهاية المثل نرى الرب يقول لنا: "وأنا أقولُ لكم: اتَّخذوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِالمَالِ الحرام، حَتَّى إِذَا فُقد قَبلوكم فِي الْمساكن الأَبَدِيَّةِ" (لوقا ١٦: ٩) هذه الآية حيَّرت الكثيرين من الناس، وجعلتهم يطرحون العديد من الأسئلة حول ما يقصده الرب يسوع  منها! فيتساءل البعض ويقولون: هل يريد منّا السيد المسيح أن نشتري لأنفسنا أصدقاء بالمال؟ هل يريدنا أن نتّكل على أموالنا في حياتنا؟ وما المقصود بالمال الحرام؟

 

يُخبِرنا الإنجيل المقدَّس عن بعض المواقف التي حصلت مع أشخاص كثيرين ، وهذه المواقف تُدّل على محبة القريب من خلال عمل الخير. ففي مثل السامري الرحيم، نرى الرب يسوع المسيح يطلب من عالم الشريعة أن يذهب ويصنع صدقة مع قريبه ليرث الحياة الأبدية، وذلك عندما قال له: "اذهب فاعمل أنت أيضاً مثل ذلك" (لوقا ١٠: ٣٧). ويقول لنا أيضاً في موضع آخر: "كُلَّما صَنعتم شيئاً من ذلك لواحد من إخوتي هؤلاء الصغار فلي قد صَنَعتُموه" (متى ٢٥: ٤٠).

 

هناك الكثير من الفقراء والمحتاجين في حياتنا، ليس لديهم ما يأكلون، أو يشربون، أو ما يلبسون . وهنا نسأل أليس هؤلاء هم إخوة الرب الصغار الذين بحاجة إلى خدمتنا وعطاءِنا؟

 

أليس هؤلاء هم من أوصانا بهم الرب يسوع؟

 

نعم هؤلاء هم إخوة يسوع الصغار ومن أوصانا بهم، وبخدمتهم والتفكير بحاجاتهم اليومية على مختلف أنواعها، بخدمتنا لهم يصبحون تاج على رؤوسنا، وإخوة لنا، وشهود علينا في اليوم الآخر، عندما يحين وقت الدينونة. ويوم الحساب سيُطلب منّا أن نؤدي الحساب عن وكالتنا. بهذا تصبح أموالنا التي نعيش ونتنعم بها في هذا الزمن أموال سماويّة، وتتحول أيضًا إلى كنوز سماويّة تُكنز لنا في السماء، تنفعنا عندما نغادر هذا العالم، وتخولنا للعيش مع الله في الملكوت السماويّ. هذه هي الحكمة المطلوبة منّا أن يكون لنا أصدقاء سماويين، نشتريهم بالأموال التي بين أيدينا، عوضاً من أن نبددها على ملذاتنا وشهواتنا، في عالم سنتركه عاجلاً أم آجلاً.

 

سيأتي يوم الدينونة الرهيب، وسنقف امام  صاحب المواهب ومانحها لنا، الله بذاته، سيطلب من كلِّ واحدٍ منّا قائلاً: "أَدِّ حِسَابَ وَكَالَتِكَ، فلا يُمكِنُكَ بعد اليومِ أن تكونَ لي وكيلاً" (لوقا ١٦: ٢)، أي ستترك هذه الحياة الفانية وتنتقل إلى جوار الدّيان العادل. ولكن ماذا  يجب علينا فعله في مثل هذه اللحظة الحاسمة؟ يُرينا النص حكمة ذلك الوكيل الخائن، ويُخبرنا كيف استيقظ من غفلته وبدأ يفكر في إصلاح حاله. يسأل كم عليك؟ هوو يعلم ويعرف كل شيء. ولكنه يسأل المديون حتى يشعره بأنه يُؤَدّي إليه معروفاً. هذا ما يجب علينا فعله، ولا نقول أن الوقت فات، بل نبحث عن من هم بحاجة لنصع معهم معروفاً، فيكون معروفنا هذا حجراً كريماً، لؤلؤة ثمينة، تُكنز لنا في السماء، وهناك "حيث يكون كنزنا يكون قلبنا" (متى ٦: ٢١)، فنكون بذلك أبناء النور وأبناء النهار، أبناء الله المحبوبين، معلقين قلبنا بالله، ومتممين مشيئته في حياتنا، مبتعدين عن أبناء العالم، الذين قلوبهم معلقة بالأمور الدنيويّة، ويكنزون لهم كنوزاً على الأرض، هؤلاء الذين سوف يفصلون عن الله ومحبَّتهِ، لأنهم لم يكونوا أمناء في حياتهم على المال الحرام، لذلك لا يمكن أن يأتمنهم على الخير الحقيقي، وسوف يطردون خارجاً لعدم أمانتهم، هناك حيث البكاء وصرير الأسنان،

 

لنكن حكماء كالحيّات بتصرفاتنا، مفكرين في غَدِنا ومستقبلنا الصالح، ومستثمرين أموالنا بالخير والصلاح، لتكون لنا الضمان لحياتنا الأبدية، وتخولنا أن نكون مع الرب دائماً، ونسمع صوته وهو يقول لنا: من كان أميناً على القليل، كان أميناً على الكثير أيضاً. ومن كان خائناً في القليل كان خائناً في الكثير أيضاً" (لوقا ١٦: ١٠)، لنعمل بالحكمة والفطنةِ، لنسمع صوت الله يقول لنا: كنتم أُمناء على القليل سأقيمكم على الكثير، ادخلوا إلى فرح ربكم لنرثوا الحياة الأبديّة.