موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٠ يوليو / تموز ٢٠٢٠

الأخوة الإنسانية بين المساجد والكنائس

الأب رفيق جريش

الأب رفيق جريش

الأب رفيق جريش :

 

التاريخ يحكي لنا أن في سالف الزمان وفي أماكن مختلفة تداولت على دور العبادة صلوات أديان مختلفة، فكم من الكنائس تحوّلت إلى مساجد، وكم من مساجد تحوّلت إلى كنائس، وكم معابد وثنية تحوّلت إلى كنائس، وكم من كنائس تحولت إلى معابد يهودية، رغم أن النصوص الدينية تحرم أو تمنع ذلك، ولكن كبرياء الحكام والطغاة في ظروف تاريخية معينة تصرفوا حتى ضد النص الديني، فإذا أسردنا قائمة من الكنائس التي تحوّلت إلى مساجد في عصر الكردي صلاح الدين الأيوبي في الأرض المقدسة فلا حصر لها، وكذلك المساجد التي تحوّلت إلى كنائس في الأندلس أيضًا فلا حصر لها، والمعابد اليهودية التي تحوّلت إلى كنائس أو مساجد أيضًا لا حصر لها، كل ذلك كان له ظروفه التاريخية وكان في الماضي.

 

أما العصر الحالي الحديث حيث الحواريين إتباع الأديان والتعايش معًا ورفع قيم المحبة والتسامح والأخوة الإنسانية، يأتي أوردوغان ليعيدنا إلى ردهات التاريخ القديم والبعيد والبغيض أيضًا، ظاناً إنه يعيد أمجاد أسلافه، ولكن لا يعرف أن هناك تغيرًا كبيرًا. ففي عصر الحداثة والأخوة الإنسانية، على سبيل المثال في كل الدول الأوروبية (المسيحية سابقًا) أصبحت المساجد منتشرة في كل مكان لأنها دول رفعت شعار التسامح، بل في بعض الدول وأثناء جائحة كورونا بعض الكنائس الأوروبية سمحت للأخوة المسلمين الصلاة فيها لأن مساجدهم صغيرة وضيقة. وفي الأعوام الماضية أقيمت موائد مشتركة في رمضان كما أن أئمة المساجد هنئوا الكنائس بأعيادهم كالميلاد والقيامة، وتكلل ذلك العام الماضي بتوقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية" بين الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وقداسة البابا فرنسيس، وعملت عدة لجان عالميًا ومحليًا لتعزيز قيمة الأخوة والتسامح والمحبة والتضامن الأخوي خاصة في الجائحات والمرض والحروب والمصائب بين بني البشر، ثم يأتي أوردوغان لأسباب سياسية فيطوع النص الديني ويتلاعب بالتاريخ ويعيد كاتدرائية آغيا صوفيا (أي الحكمة) إلى مسجد هذا الصرح الذي صار متحفًا وتراثًا عالميًا مشتركًا منذ 1934، بل رمزًا لتعايش الأديان وتسامحها فيما بينها.

 

الكنيسة مكان مقدس، والمسجد مكان مقدس أيضًا، والكنيسة والمسجد مكان يرفع فيه الصلاة نحو الله تعالى. ولكن ما يؤسف هو أن تكون دور العبادة سلعة وأداة للسياسة ومظهرًا للتعصب وداعيًا للتطرف والتباغض بين الناس، ومدعاة لإثارة المشاعر وسببًا لإقامة الحواجز النفسية والدينية بين الناس. فدور العبادة ليست الحجر بل البشر، فهل نحن اليوم بحاجة إلى كنيسة إضافية أو مسجد إضافي، إلى الآلاف من المساجد والكنائس؟ أم نحن بحاجة إلى نمو الإيمان والمحبة والتضامن والتآخي والتواصل والتفاهم والاحترام بين الناس في أى مكان آخر في العالم؟

 

أغلب العالم رفض هذا القرار من مؤسسات سياسية ودينية وشعبية ورأى فيها أنه ردة إلى الوراء وخيرًا فعل الأزهر الشريف ومؤسسات إسلامية آخرى برفض هذا التصرف، وأدعو إخوتي المسلمين الذين أحبهم في مصر وبلادنا العربية وفي العالم أجمع بعواطف الرحمة والتراحم التي تملأ صفحات القرآن الكريم إلى أن يكونوا هم أول من يرفضون هذا التصرف، إنطلاقًا من القيم التي أجمع عليها المسلمون والمسيحيون في وثيقة الأخوة الإنسانية الشاملة التي وقع عليها قداسة البابا فرنسيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر. ولتكن وقفة إخوتي المسلمين تجاه هذا القرار لبنة في بناء المحبة والتراحم والاحترام والتقدير بين الناس وليكن هذا الموقف دعامة لحوار الأديان والحضارات ولأجل بناء حضارة المحبة التي يدعونا إليها إيماننا.