موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٦ يوليو / تموز ٢٠٢٠

الأحد السادس بعد العنصرة

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
الأحد السادس بعد العنصرة

الأحد السادس بعد العنصرة

 

الرِّسالَة


أنت يا ربُّ تحفظُنا وتستُرُنا من هذا الجيلِ 

خلّصني يا ربُّ فإنَّ البارَّ قد فَني

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل رومية

(رومية 12: 6-14)

 

يا إخوةُ، إذ لنا مواهبُ مختلفةٌ باختلافِ النعمةِ المعطاةِ لنا. فَمَن وُهِبَ النُبوَّة فليتنبأ بحسَبِ النِسبةِ إلى الإيمان، ومَن وُهب الخدمةَ فليلازِمَ الخِدمَةَ، والمُعلِّمُ التعليمَ والواعِظُ الوَعظَ والمتَصَدّقُ البَساطةَ والمدبِّرُ الاِجتهادَ والراحِمُ البشَاشة، ولتكُنِ المحبَّةُ بلا رِياء. كونوا ماقتين للشَرِّ وملتَصِقينَ بالخَير، محبِّين بعضُكم بعضًا حُبًّا أخويًّا، مُبادِرين بعضُكم بعضاً بالإكرام، غيرَ متكاسِلين في الاِجتهادِ، حارّين بالروح، عابِدين للربّ، فرحِين في الرجاء، صابِرينَ في الضيقِ، مواظِبين على الصلاة، مؤاسينَ القدّيسينَ في احتياجاتهم، عاكِفين على ضِيافةِ الغُرباءِ. بارِكوا الذين يضطَهِدونكم. بارِكوا ولا تلعَنوا.

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس متى

(متّى  9: 1-8 )

 

في ذلك الزمان دخلَ يسوعُ السفينةَ واجتاز وجاءَ إلى مدينتهِ. فإذا بِمُخلَّعِ مُلقىً على سَرير قدَّموهُ إليهِ. فلمَّا رأى يسوعُ إيمانَهم قال للمخلَّع: ثِق يا بُنيَّ، مغفورةٌ لك خطاياك. فقال قومٌ من الكتبةِ في أنفسهم: هذا يُجَدّف. فعلم يسوع أفكارهم فقال: لماذا تفكّرونَ بالشرِّ في قلوبكم؟ ما الأيسرُ أن يُقالَ: مغفورةٌ لك خطاياك أم أن يُقال قُمْ فامشِ؟ ولكن، لكي تعلموا أنَّ ابنَ البشرِ لهُ سلطانٌ على الأرض أن يغفِرَ الخطايا. حينئذ قال للمخلَّع قُمِ احمِلْ سريرَك واذهبْ إلى بيتك. فقام ومضى إلى بيته. فلمَّا نظرَتِ الجموعُ تعجَّبوا، ومجدَّوا الله الذي أعطى الناسَ سلطاناً كهذا.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد. أمين

 

ما هي مدينته: مدينة الله ما هي إلا كنيسته التي يسكن في وسطها، ويُعلن ملكوته الأبدي في داخلها. فعودة السيّد إلى مدينته بعد رفضه في كورة الجرجسيّين إنّما يُشير إلى دخوله في حياة مؤمنيه بعدما رفضه اليهود. يقول القدّيس ايلاريون: إذ رفضته اليهوديّة عاد إلى مدينته، مدينة الله هي الشعب المؤمن، إذ دخل إليهم بواسطة السفينة، أي خلال الكنيسة.

 

لقد ابتدأ الرّبّ يسوع بشفاء النفس أوّلاً "مغفورة لك خطاياك"؛ شفى النفسَ أوّلاً ثم شفى العوارض الجسديّة "قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك". هنا تتّضح العلاقة الوثيقة بين غفران الخطايا وشفاء الجسد. لذلك، عند مرضنا، علينا، أوّلاً، أن نصلّي من أجل طهارتنا الداخليّة من الخطايا. وهذا لا يعني أنّ كلّ مرض هو نتيجة خطيئة شخصيّة محدّدة.  هل هذا يعني أنّ المرض يدلّ على ضعف الإنسانيّة وميلها إلى الشرّ،  فالخطيئة تفصل الإنسان عن الله، وهي سبب كلّ مرض. الإلتصاق بالله والعمل بوصاياه يَمحوان كلّ مرض وكلّ ضعف في الشعب. وهذا يشكّل الشفاء الحقيقيّ للإنسان.

 

"ثِقْ يا بنيّ، مغفورة لك خطاياك". الإيمان بيسوع مصدر غفران الخطايا والخلاص للإنسان. إنّ غفران الخطايا أهمّ بكثير من الشفاء الجسديّ. إنّ رواية المخلّع تبلغ أوجها في الآية التالية: "لكي تعلموا أنّ لاِبن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا" (متى 9: 6).

 

يسوع هو ابن الإنسان الذي تحدّث عنه دانيال (دانيال 7: 13)؛ هو المخلّص الذي سيأتي في آخر الأيّام، سيعطيه الله كلّ سلطان في السماء وعلى الأرض (متّى 28: 18). "حينئذ قال للمفلوج قم اِحمل فراشك واذهب إلى بيتك" (متّى 9: 6). هنا يتوجّه يسوع إلى المخلّع حتّى يقرن القولَ بالفعل. يسأل يسوع: ما هو الأيسر غفران الخطايا أم الشفاء من المرض الجسديّ؟ طبعاً يعتبر الناس شفاء الجسد أصعب وغفران الخطايا أسهل، لأنّهم لا يستطيعون رؤية الخطيئة في العمق؛ أمّا يسوع فهو ينظر إلى السبب والنتيجة في آن معًا.

 

يسوع يشفي المرض الجسديّ وهذا الذي يراه الجميع، وفي الوقت نفسه يرفع سبب المرض كابن الإنسان الذي له سلطان على الأرض لغفران الخطايا. وكان هذا برهاناً قاطعاً أمام اليهود أنّ يسوع يملك السلطان الإلهيّ وعلى ألوهيّته.
 

ينتهي المقطع الإنجيليّ بالقول: "فلمّا رأت الجموع شفاء المخلّع تعجبّوا ومجّدوا الله الذي أعطى الناس سلطاناً مثل هذا" (متّى 9: 8). عجب الجموع سببه الحضور الإلهيّ أمامهم بالعبارة "الذي أعطى الناس". المقصود هنا يسوع نفسه ومن خلاله أولئك (الرّسل والكهنة) الذين أعطاهم يسوع سلطان غفران الخطايا "ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء وما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء" (متّى 18: 18).

 

لقد لفت أنظار آباء الكنيسة في هذه المعجزة اهتمام الإنجيليّين بالكشف عن فاعلية حياة الشركة الروحيّة، فيستند المؤمن على إخوته في المسيح يسوع ربّنا، كما يسند هو الآخرين، ويعيش الكل كبناء واحد متكامل يرتكز على “المسيح يسوع” حجر الزاوية.

 

لقد حمل المؤمنون المفلوج، وشفاه الرب من أجل إيمانهم، إذ يقول الإنجيلي: "فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج: ثق يا بنيّ مغفورة لك خطاياك". ما أحوجنا أن نُحمل بإيمان الآخرين، ونحمل نحن الآخرين بإيماننا.

 

إن قارنّا بين شفاء هذا المفلوج وشفاء مفلوج بيت حسدا (يوحنا 5)، نجد أن السيّد المسيح هنا ينتظر في البيت، لا لكي يدخل به أحباؤه، وإنما لكي ينقبوا أيضًا السقف ويدلّوه، أمّا الآخر فذهب السيّد نفسه إليه يسأله إن كان يريد أن يبرأ. هذا المفلوج شُفيت نفسه أولاً من الخطيّة، وعندئذ حمل سريره ومشى، أمّا الآخر فشُفى جسده أولاً، وبعد ذلك التقى به ليطالبه ألا يخطئ بعد. فهل لدى الله محاباة، يعامل إنسانًا بطريقة، والآخر بطريقة أخرى؟ إنه بلا شك الأب محب البشر الذي يعرف أن يقدّم لكل ابن ما هو لبنيانه، فهو لا يميّز بين البشر، إنّما يميّز في الوسيلة بما يناسب كل أحد. فالمفلوج هنا له أصدقاؤه الذين يحبّوه ويقدرون أن يحملوه بعدما أخبروه عن أعمال المسيّا التي انتشرت. لهذا انتظرهم السيّد ليحملوا فيهم الروح الكنسيّة الجماعيّة، وينالوا إكليل الحب الجماعي. وبدأ بشفاء نفسه، لأن المريض يدرك الكثير عن المسيح وأعماله، فأراد أن يوجّهه إلى شفاء الفالج الداخلي. أمّا مفلوج بيت حسدا فله ثمانية وثلاثون عامًا في المرض، ليس له من يسنده ولا من يعينه، تحطّمت نفسه. فهو محتاج إلى مجيء السيّد بنفسه إليه، وشفاء جسده أولاً عندئذ يوجّهه إلى حياته الداخليّة.

 

خلاصة القول : دخل السيّد إلى مدينته، أي إلى شعبهن لكي يشفي فالج نفوسهم الداخلي، واهبًا الصحّة لنفوسهم التي فقدت كل حيويّتها، وعندئذ يشفى أجسادهم من الفالج الظاهري. هذا ما صنعه السيّد ويصنعه في كل جيل، فخلال قيامته وهب نفوسنا –بالإيمان– الحياة الجديدة، فتخرج من مياه المعموديّة مقامة معه تنعم بالميلاد الروحي الجديد، خلال هذه القيامة الداخليّة نسلك في رجاء ننتظر فداء أجسادنا، كقول الرسول: "نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضًا، نئن في أنفسنا، متوقّعين التبنّي فداء أجسادنا، لأننا بالرجاء خلصنا" (رومية  8: 23-24). نلنا فيه قيامة النفس لندخل ملكوته الألفي الذي نحياه الآن، منتظرين قيامة أجسادنا في يوم الرب العظيم إلى سماواته، فنراه وجهًا لوجه ونحيا معه بلا تغرّب.

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن الخامس

لنسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونسجدْ للكلمة المساوي للآب والرّوح في الأزليّة وعدمِ الاِبتداء، المولودِ من العذراءِ لخلاصِنا. لأنّه سُرَّ، بالجسد، أن يعلوَ على الصليبِ ويحتملَ الموت ويُنهِضَ الموتى بقيامتِه المجيدة.

 

القنداق باللَّحن الثاني

يا شفيعةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودة، لا تُعرِضي عَنْ أصواتِ طلباتنِا نَحْنُ الخَطأة، بَل تداركينا بالمعونةِ بما أنّكِ صالِحة، نحنُ الصارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعةِ وأَسرعي في الطِّلبةِ، يا والدةَ الإلهِ المتَشفّعةَ دائماً بمكرِّميك.