موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٣ مارس / آذار ٢٠١٧

الأحد الرابع من الصوم

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن

الأحد الرابع من الصوم فصل شريف من بشارة القديس مرقس (مرقس 9: 17-31) في ذلك الزمان دنا الى يسوعَ انسانٌ وسجد لهُ قائلاً يا معلّم قد أَتيتُك بابني بهِ روحٌ أَبكم * وحيثَما اخذَهُ يصرعهُ فيُزبد ويصرِف بأَسنانهِ ويَيْبس. وقد سأَلتَ تلاميذَك أن يُخرجوهُ فلم يقدروا * فاجابهُ قائلاً ايـُّها الجيلُ الغيرُ المؤمنِ الى متى اكون عندكم حتَّى متى احتمِلكم. هلمَّ بهِ اليَّ * فأَتَوهُ بهِ. فلمَّا رآهُ للوقت صرَعَهُ الروح فسقط على الارض يَتمرَّغ ويُزبد * فسأَل اباهُ منذ كم من الزمان اصابهُ هذا * فقال منذ صباهُ، وكثيرًا ما أَلقاهُ في النار وفي المياه ليُهلكهُ. لكن انِ استطعت شيئًا فتحنَّن علينا وأَغِثْنا * فقال لهُ يسوع ان استطعتَ انَ تؤمِنَ فكلُّ شيء مستطاعٌ للمؤمن * فصاح ابو الصبي من ساعتهِ بدموعٍ وقال انّي أُومن يا سيّد. فأَغِثْ عدم ايماني * فلمَّا رأَى يسوع أَنَّ الجمعَ يتبادرون اليه انتهر الروحَ النجس قائلاً لهُ ايـُّها الروحَ الأَبكم الأَصمُّ انا آمرك أَنِ اخرُج منهُ ولا تعُدْ تدخلَ فيه * فصرخ وخبَطهُ كثيرًا وخرج منهُ فصار كالميّتِ حتَّى قال كثيرون إنَّهُ قد مات * فاخذ يسوع بيدهِ وأَنهضهُ فقام * ولَّما دخل بيتًا سأَلهُ تلاميذَهُ على انفرادٍ لماذا لم نستَطِع نحن أَن نخُرِجَهُ * فقال لهم إنَّ هذا الجنسَ لا يمكن أَن يخرَجَ بشيء الاَّ بالصلاة والصوم * ولمَّا خرجِوا من هناك اجتازوا في الجليل ولم يُرِد أَن يَدرِيَ احدٌ * فانَّهُ كان يعلّم تلاميذهُ ويقول لهم إنَّ ابنَ البشِر يـُسلَم الى ايدي الناس فيقتلونَهُ وبعد أَن يـُقَتلَ يقومُ في اليوم الثالث. بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين. أيها الأحباء ها نحن في هذه الأيام نسير بخطى ثابتة ومتزنة نحو الفصح المجيد حيث القبر الفارغ والقيامة التي وعدنا بها السيد المسيح رب الأرباب وسيد الكون قرأنا في هذا الإنجيل عن شفاء الشاب المصروع من الشيطان . وتضع الكنيسة لنا هذا الإنجيل لتذكرنا أننا مازلنا في مرحلة الصوم وأن الصوم والصلاة هما أساس الإيمان وأساس كل قوة في حياة المؤمن نلاحظ في هذا الإنجيل أن الأب هو وحده يتكلم ويصف حالة ابنه ويطلب ويسترسل الشفاء والمعجزة ونلاحظ أن الأب ينسب المرض إلى الشيطان. أبو الوالد يقول للسيد: "قدمته لتلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه" كان هذا مؤلماً ليسوع أعطاهم السلطان فلماذا عجزوا؟ سنعلم بعد حين أسباب عدم قدرتهم هذه. إلاّ أن يسوع أكمل حديثه مع الأب. وسأله: أتؤمن؟ وقال: "أؤمن ولكن أعن عدم إيماني". فشفاه فعاد سالماً سليماً لم ينته الحدث هنا. كان في ذهن التلاميذ أمر يهز مضاجعهم. لماذا لم يستطيعوا هم أن يشفوه ولما انفردوا بيسوع في ذهابهم إلى أحد البيوت سألوه على انفرادٍ: ما هو السبب أننا لم نستطع أن نشفي الشاب؟ فقال لهم أن المرض الذي كان به يحتاج إلى صلاةٍ وصومٍ. الصلاة والصوم هما الأساس المتين لقوة حياتنا الإيمانية التي بها نتعامل مع كلِّ قضايانا الحياتية. الإيمان هو الأساس الذي من خلاله نقتدي بالسيد المسيح مؤمنين به. فجواب هذا الرجل. يا له من جواب رائع لإنسانٍ أعلن عن إيمانه وطلب من يسوع أن يسعفه في إيمانٍ أقوى لأنه غير كافٍ في نظره وهذا تواضع لهذا الرجل الذي أراد أن يبرز حقيقة شخصه أمام السيد المسيح. ما كان يجري مع هذا الشاب الذي ترك الله وسار مع الشيطان، فكان يقع في الماء والنار ويتمرغ بالعار والفضيحة والرذيلة فالإنسان الذي تسلط عليه الشيطان تتسلط عليه الرذيلة ويضع الإنجيل شرطين لخروج الشيطان من الإنسان وتخلص الإنسان من أعمال الشيطان هما (الصلاة والصوم )وهذا يعني أن يتعاون الله والإنسان فالله بواسطة الصلاة والإنسان بواسطة الصوم. الصلاة هي ضرورية للإنسان في كل وقت وخصوصا في وقت التجربة فالشيطان يجرب أن يحل محل الله في قلب الإنسان ،نحن في حرب ولا بد من معونة الله للانتصار عليه (الشيطان ) إن يسوع نفسه لما كان يريد إخراج الشيطان كان يصلي فالشيطان لا يخرج بسهولة. نلاحظ يا أحبتي أن الاب في هذا الانجيل هو وحده يتكلم ويصف حالة أبنه ويطلب الشفاء. فان المسيح الحنون والرؤوف الذي لا يعرف الحقد والكراهية ولا يقابل الشر بالشر كما يفعل البشر، لكنه حنَ لحال هذا الاب المتألم الحزين المتوسل واعطاه ما اراد ان يكون مؤمناً. كانت دموعه تسيل على خديه. الدموع هي أداة تعبير حقيقية في حياتنا الروحية. دموع الروح، دموع الإنسان الخاطئ، ودموع الإنسان التائب دموع الإنسان الذي يعرف كيف يصلي ويستجدي الله فإن سيلاً من الدموع تنسكب من عينيه من دون أي جهد. إنها دموعٌ روحية نظيفة تعبِّر عن صدقها صاحبها. بهذا الصدق واجه السيد المسيح هذا الإنسان فأراد أن يعينه فنادى لابنه الشاب وأمر الشيطان أن يخرج منه ودواخلنا تمتلئ أحياناً بهواجس وأفكار أكثر ضرراً من الصرع الحاصل لهذا الشاب. أن حب البعض منكم للصلاة والذي تترجموه في اشتراككم في الصلوت اليومية التي تقيمها الكنيسة المقدسة، هو في الواقع يريد منكم كل الحب لان الصلاة تجمعكم بمن يحبكم ،بمن بذل نفسه عنكم والذي اوصاكم بالصلاة كل حين . ولكن يا احبتي للصلاة أصول وقواعد لكن تكون مرضية لله ونافعة لمن يصلي. لهذا يأمرنا الكتاب المقدس بالصلاة بلا انقطاع ،هل هذا شي مستحيل بان نبقى في الكنيسة لنصلي ونترك كل اعمالنا ؟ الجواب لا بالطبع ، ولكن كيف السبيل الى صلاة دوما وفي كل مكان وفي كل زمان؟. المقصود يا احبائي بان نصلي ذهنيا بلا توقف ليس المقصود ان نتفرغ للصلاة بمعزل عن اي عمل او نشاط بل ان نواصل الصلاة حتى ولو كنا نعمل .وافضل طريقة لتحقيق هذا الامر، انما هي ممارسة والتمرس على صلاة اسم يسوع القدير: "يا يسوع المسيح ارحمني انا الخاطىء". نتكلم مع يسوع بالصلاة وبمطالعة الانجيل المقدس والترتيل والقنديل والبخور تشكل الجو المناسب للصلاة على ان يتم كل هذا ببساطة القلب أي بالتواضع وقتها نصبح قديسين دون ان ندرك ذلك. الصوم الذي نعبره هو زمن صلاة نصلي بكثرة وصلاةٌ عميقة وحارة لا نخسرها بل نشترك بها لننال البركة من السيد المسيح لطرد الأفكار التي تنتابنا. لذلك الصلاة هي ضرورية للانسان في كل وقت وخصوصا في وقت التجربة ، فالشيطان يجرب ان يحل محل الله في قلب الانسان. نحن تتعرض لهجمات أرواح شريرة كثيرة منها حب المال والانفلات الاخلاقي والبذخ والانانية والكبرياء. وكل هذه لن تخرج او تطرد من الانسان ما لم يبذل جهداً كبيراً ويتسلح بايمان قوي ويتحد بالله بالصلاة والخشوع.