موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٧ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠

الأحد الذي قبل عيد رفع الصليب

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
الأب بطرس جنحو، راعي كنيسة "دخول السيد المسيح إلى الهيكل" للروم الأرثوذكس في الصويفية، عمّان

الأب بطرس جنحو، راعي كنيسة "دخول السيد المسيح إلى الهيكل" للروم الأرثوذكس في الصويفية، عمّان

 

الرِّسَالة 

 

خلّص يا ربُّ شعبَك وبارك ميراثَك

إليكَ يا ربُّ أصرخ: إلهي

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية (غلا 6: 11-18)

 

يا إخوة، أنظروا ما أعظمَ الكتابات التي كتبتُها إليكم بيدي، إنَّ كُلَّ الذينَ يُريدون أن يُرضُوا بحسَبِ الجسَدِ يُلزمونكم أن تختتِنوا، وانَّما ذلكَ لئلاّ يُضطهَدوا من أجل صليبِ المسيح، لأنَّ الذينَ يَختتِنون هُم أنفسُهم لا يحفَظون الناموسَ، بل إنَّما يُريدون أن تَختتِنوا ليفتخروا بأجسادِكم. أمَّا أنا فحاشا لي أن أفتَخِرَ إلاَّ بصليبِ ربّنا يسوعَ المسيح الذي به صُلبَ العالمُ لي وأنا صُلبتُ للعالم. لأنَّهُ في المسيح يسوعَ ليسَ الخِتانُ بشيء ولا القَلَف بل الخليقَةُ الجديدة. وكلُّ الذين يسلُكُون بحَسبِ هذا القانون فعليهم سَلامٌ ورَحمةٌ وعلى إسرائيلِ الله. فلا يجلِبنَّ عليَّ أحدٌ أتعاباً فيما بعدُ، فإنّي حامِلٌ في جسدي سماتِ الربِّ يسوع. نعمةُ ربّنا يسوعَ المسيح مع روحِكم أيُّها الاخوة. آمين.

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا (يو 3: 13-17)

 

قال الربُّ لم يصعدْ أحدٌ إلى السماء إلاّ الذي نزل من السماءِ، إبنُ البشر الذي هو في السماء. وكما رفع موسى الحيّةَ في البرّيَّة، هكذا ينبغي أن يُرفَعَ ابنُ البشر، لكي لا يهلِكَ كلُّ من يؤمنُ به، بل تكونُ له الحياةُ الأبديّة. لأنّه هكذا أحبَّ اللهُ العالمَ حتّى بذل ابنَهُ الوحيد لكي لا يهلِك كلُّ من يؤمنُ به، بل تكونُ له الحياةُ الأبديّة. فإنّه لم يُرسِلِ اللهُ ابنَهُ الوحيدَ إلى العالمِ ليَدِينَ العالمَ، بل ليُخلَّصَ به العالم.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد. آمين


"هكذا ينبغي أن يُرفع ابن البشر"

 

في هذا الأحد المبارك الذي هو الأحد قبل عيد رفع الصليب نسمع من أقوال الرب هذا المقطع كما أورده القديس يوحنا البشير، وفيه يعرض الرب اختصاراً مركّزاً لتدبيره الخلاصي الذي أتمّه على الأرض والذي فيه يعبّر عن محبّة الله القصوى التي تجسّدت ببذل الابن الوحيد. ذكر الرب في سياق كلامه حدثاً جرى قديماً في "العهد القديم" (عدد 21) يعرفه سامعوه ويعرفون معناه، وذلك حين رفع موسى حيّة من نحاس على راية لكي يشفي كل من ينظرها من لدغ الحيّات ويحيا. وأكمل الرب بعد ذكر هذه الحادثة أن "هكذا ينبغي أن يُرفَعَ ابن البشر لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية"، وهو يريد بذلك أن ينقل لسامعيه أهمية الايمان به وبمجيئه إلى الأرض. فبالمقارنة مع ما حدث مع موسى قديماً حين حصل الناس بمجرّد النظر إلى الحية النحاسية على الشفاء، فاليوم يحصل الذي ينظر إلى الرب بعين الايمان على "الحياة الأبدية" التي هي الشفاء من سلطان الخطايا وإنعام الله على المؤمن بمغفرتها. وهذا هو معنى القول الأخير في هذا الانجيل اليوم "فإنّه لم يرسل الله ابنه الوحيد إلى العالم ليدين العالم بل ليخلَّص به العالم". فالخلاص هو بغفران الخطايا الذي يبدأ بولادة المؤمن روحيًّا بالماء والروح أي بالمعمودية، ثم بالعيش في الكنيسة المقدّسة والتغذية الروحية بأسرارها المقدسة، وبتجسيد محبة الرب يسوع المسيح الذي على مثاله يجب على أبناء البشر جميعاً المؤمنين؟

 

"هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد"

 

أتحبون الله؟ الله بذل وضحى بما هو اغلى ما عنده في سبيل الانسان .لهذا قد عرفنا المحبة ان الله وضع نفسه أي وضع نفسه على الصليب وبذل كل حياته ومات لاجلنا. يوصي الانجيلي يوحنا: بان نضع وان نبذل نفوسنا لأجل الأخوة. اي أن نموت من اجل الاخر، نعم نموت من اجل الانسان الاخر. وأن نبذل حياتنا كلها. ما يطلبه الله منا هو القلب "يا بني اعطني قلبك" عندما يطلب الله قلبنا، انما يطلب حبنا، دليل الحب هو البذل. من هنا حياتنا المسيحية الحقة هي حياة البذل، بذل كل شيء حتى الحياة ذاتها.

 

احبائي ماذا بذلتم؟ من اجل المسيح الموجود في الاخر؟ ماذا بذلتم من اجل المسيح الذي من اجلكم اخلى ذاته واخذ شكل العبد ومات على الصليب؟ هل تركتم من أجله خطاياكم المحبوبة؟

 

الصليب هو أقوى حدث في حياة المسيح. فإن نظرتنا إلى الصليب اليوم، كقوة محوِّلة، حوّلت الموت إلى حياة، واللعنة إلى بركة، والظلام إلى نور. الصليب بالمفهوم الإنجيلي قوّة حاملة للإنسان وليس ثِقلاً عليه. يحوّل الموت إلى قيامة وحياة أبدية. وبه تموت النفس عن شهواتها فيتحول كل شيء إلى فرح وابتهاج. ان الصليب هو خشبة الحياة المحيية. فإذا استطعت أن تحتوي الصليب في قلبك كهدية من السماء، فلا الباطل الذي في العالم يستطيع أن يغشاك، ولا ظلمة تقدر أن تُطفِئ نور الحياة داخلك، ولا أيّة ضيقة تخنقك. وهذه الحقيقة انكشفت لجميع الشهداء والقديسين، فأَقبلوا حاملين الصليب بفرح من أجل ما يحمله من سرور وفرح. سرّ الصليب قوّة وُهِبناها لتسكن داخل قلبنا وأجسادنا، لتحوّل كل ما فينا وكل ما هو خارجنا بحساب مجد الله.

 

بولس الرسول عندما التقى الرب يسوع المسيح في الطريق إلى دمشق. تعلَّم من أن القيمة التي تظل خالدة في الأرض هي أن مخلصه قد مات على الصليب من أجل خطاياه، من أجل خطايا بولس. لقد فهم بولس هذا الأمر بطريقة صحيحة حتى أنّه عدَّ "كل شيء خسرانًا لأجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي لأجله خسرت الأشياء كلها وأعدها أقذاراً لأربح المسيح" (فيليبي 8: 3).

 

احبائي: انظروا امامكم الى يسوع المصلوب، أجمل صور في العالم، انها صورة الحب والبذل، انها صورة الحب الكامل والعطاء الكامل، لانه ليس حب اعظم من هذا ان يبذل احد نفسه عن احبائه. وكلما تنظرون الى ايقونة الصليب تتذكرون الحب الالهي الأبدي. ولهذا ليس من اجمل عبارة ان تكتب على ايقونة المسيح المصلوب هي عبارة "أحب حتى بذل ذاته".

 

نتعلم اليوم من الانجيل، ومن صليب المسيح بان نحب وأن نبذل، وأن لا نحب ذواتنا إنما نحب الناس، وخاصة الخطأة والعشارين والزناة، ونحب الله. لا نحب راحتنا وكبرياءنا، انما نحب راحة الناس. صليب المسيح يعلمنا ان نحب حتى الموت في حبنا لله من خلال حبنا للاخر. يعلمنا صليب المسيح ان نحب الناس لا بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق (يوحنا 3: 18). ويعلمنا صليب المسيح ايضا ان نحب المحبة التي تصعد على الصليب ،ان نحب المحبة التي تصل الى الموت من اجل من نحبه.

 

عيد ميلاد سيدتنا والدة الإله الفائقة القداسة

 

تحتفل كنيستنا الرومية الأرثوذكسية يوم غد الاثنين 21 أيلول 2020 (8 أيلول شرقي) بعيد ميلاد سيدننا والدة الإله الفائقة القداسة.

 

لقد خلق الله الإنسان ووضعه في الفردوس لكي لا ينشغل بغير زرع الخير والتأمل في أعمال الله وتسبيحه، لكن، بحسد الشيطان الذي أغوى حواء، المرأة الأولى، سقط آدم في الخطيئة وحسم من فردوس النعيم. بعد ذلك، أعطى الله البشر شريعته بواسطة موسى، وأعلن مشيئته بواسطة أنبيائه، فعل ذلك لأنه أراد الله أن يُعدَّ البشرية لحدث عظيم هو تجسّد ابنه الوحيد، كلمة الله، الذي يخلّصنا من فخاخ العدو ومن الخطيئة والموت، فأعد الله مسكناً لا عيب فيه هي القديسة العذراء مريم (كما أعد البشرية جمعاء).

 

ومع أن مريم، (وسائر البشر)، كانت تحت اللعنة والموت اللذين حلاّ بآدم وحواء نتيجة للخطية الجديّة، فإن الله اختارها، منذ الدهر، لتكون حواء جديدة، وأما للمسيح المخلّص وينبوعاً لخلاصنا ومثالاً لكلّ قداسة. علينا ان نفهم كيفيّة إختيارها، فكون الله هو فوق الزمان والمكان، فقد نظر مسبقًا روحها وعرف تقيّتها وطهارتها وتواضعها، فكانت هي الكتاب الذي حوى الكلمة الإلهية.

 

وبتدبير الهي، ترك الله يواكيم وحنة، والدي مريم، بلا ذريّة إلى أن تجاوزا سن الإنجاب، ثم أعطاهما ما تمنّياه طوال حياتهما، فكانت لهما مريم ثمرة النعمة والبركة والحنان الإلهي. ومع ان الولادة كانت ثمرة علاقة زوجيّة كسائر الناس، إلّا كان فرح يواكيم وحنّة بالعطيّة الإلهية عظيماً جدًا. تقول الترنيمة الخاصة بيوم تقدمة هذا العيد: "تهلّلي أيتها الخليقة كلها لشعورك بورود الفرح من حنّة المتألهة اللّب التي معنى اسمها النعمة ومن يواكيم الإلهي اللذين على غير أمل ولدا مريم الكلية الطهارة والدة الإله النقية...".

 

إن ميلاد مريم العذراء هو مصدر فرح وتهليل لكلّ الخليقة: مريم ولدت من يواكيم وحنّة، بعد ان نظر الله إلى عقرهما وترّحم عليهما، لكنها بالحقيقة تخصّ العالم كله، لأنها هي التي ولدت المسيح الإله، مخلّص العالم. مريم هي غاية تاريخ الخلاص وتمامه، وكمآل تاريخ الحب والطاعة، واكتمال تاريخ الاستجابة والرجاء، لهذا السبب، نجد الخدمة الليتورجية، في هذا اليوم، مشّبعة بالتهليل والفرح والحبور، (هذا هو يوم الرب فتهلّلوا يا شعوب...)، (اليوم ظهرت بشائر الفرح لكل العالم...)، (اليوم حدث ابتداء خلاصنا يا شعوب...). في (المزمور 13 ) ‏هذه الأقوال التي تعبّر عن حال البشرية قبل ورود المسيح: "... ليس من يعمل صلاحًا، حتى ولا واحد، أطلّ الرب من السماء على بني البشر ليرى هل من فاهم أو طالب الله، ضلّوا كلهم جميعاً وتدنّسو، ليس من يعمل صلاح، كلا ولا واحد" (مز1:13-3)، طبعا، كان هناك صدّيقون أرضوا الله من قريب أو بعيد، ولكن، وحده الرب يسوع المسيح كان على قلب الآب السماوي, وأرضى الله إرضاء كاملاً غير منقوص، لهذا السبب، كان الرب يسوع الوحيد الذي قال عنه الآب السماوي: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا" (مت 5:17)، العالم, إذاً، كان عاقراً عقيماً كيواكيم وحنّة، لذلك تقول إحدى ترانيم صلاة السحر: يا للعجب الباهر، فان الثمرة التي برزت من العاقر بإشارة خالق الكل وضابطهم قد أزالت عقم العالم من الصالحات بشدة بأس...).

 

يواكيم وحنة هما صورة العالم العقيم، ومريم هي صورة العالم الجديد المخصب، صورة الكنيسة. كلاهما نعمة من عند الله، فنحن نتحدّث، ‏بصورة تلقائية، عن انحلال عقر يواكيم وحنّة وانحلال عقر طبيعتنا باعتبارهما شأنًا واحدًا، كما نتحدث، عن ولادة مريم (التي بنتيجتها تألهنا، ومن الموت نجونا) ‏وكأن الأمرين واحد.

 

لا بدّ من تأكيد ما ينبغي أن يكون مبدأ كلّ فرح وغايته، أن فرحنا بمريم وتهليلنا لها هو فرح بالرّب يسوع المسيح وتهليل له، هو الذي جعل مريم أم الحياة، كما يجعل الكنيسة ينبوع الحياة.وهذا أمر كثيراً ما ننساه فنتعامل مع مريم وكأنّها قائمة في ذاته.

 

الكنيسة الأرثوذكسية تسمّي مريم والدة الإله: كلّ الترانيم في الكنيسة لا تذكر مريم إلا مقرونةً بابنها، مخلّص نفوسنا، كلّ الخليقة تحيا إذا ما أضحت مسكناً للمسيح، على غرار سكنى الرب يسوع في أحشاء مريم القدّيسة. كل الخليقة تزهو وتتمجّد إذا ما كانت أيقونة للمسيح وشاهدة للمسيح. هذه هي المعاني والحقائق الخلاصيّة التي تؤكّدها الكنيسة في هذا اليوم المبارك، وتفرح بها، وهذا هو الأساس الذي عليه تقيم تذكار ميلاد والدة الإله الفائقة القداسة والدائمة البتولية مريم.

 

فبشفاعة والدة الإله يا مخلّص خلّصنا.

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن السادس

إنّ القوّاتِ الملائكيّة ظهروا على قبرك الموقّر، والحرّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وقفت عند القبر طالبةً جسدَك الطاهر، فسَبيْتَ الجحيمَ ولم تجرَّبْ منها، وصادفتَ البتولَ مانحاً الحياة. فيا مَن قام من بين الأموات، يا ربّ المجد لك. 

 

طروبارية لتقدمة ميلاد العذراء باللحن الرابع

اليوم من جذر يسى ومن صلب داود تولد لنا فتاة الله . فالخليقة كلها تبتهج متجددة ومتألهة بها. والسماء والارض تفرحان معا. فيا شعوب سبحوها. فأن يواكيم يسر. وحنة تعيد صارخة. ان العاقر تلد والدة الاله مغذية حياتنا .

 

قنداق ميلاد العذراء باللَّحن الرّابع

 إنّ يواكيم وحنَّة قد أُطلقا من عار العقر، وآدمَ وحوَّاءَ قد أُعتقا من فساد الموت، بمولدكِ المقدَّس أيّتها الطاهرة. فله أيضاً يعيّد شعبُكِ، إذ قد تَخلَّص من وصمة الزلَّات، صارخاً نحوكِ: العاقر تلدُ والدةَ الإلهِ المغذِّيةَ حياتَنا.