موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٣٠ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٠

الأحد الذي بعد عيد رفع الصليب

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
الأب بطرس جنحو

الأب بطرس جنحو

 

الرِّسالَة

 

ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ كلَّها بحكمةٍ صنَعتَ

باركي يا نَفسيَ الربّ 

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية (2: 16-20)

 

يا إخوة، إذ نعلم أنّ الإنسان لا يُبرَّر بأعمال الناموس بل إنّما بالإيمان بيسوعَ المسيح، آمنَّا نحن أيضاً بيسوع لكي نُبَّرر بالإيمان بالمسيح لا بأعمال الناموس، إذ لا يُبرَّر بأعمال الناموس أحدٌ من ذوي الجسد. فإنْ كنّا ونحن طالبون التبريرَ بالمسيح وُجدنا نحن أيضاً خطأةً، أفيَكون المسيح إذاً خادماً للخطيئة؟ حاشا. فإنّي إنْ عدتُ أبني ما قد هَدمتُ أجعلُ نفسي متعدِّياً، لأنّي بالناموس متُّ للناموس لكي أحيا لله. مع المسيح صُلبتُ فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. وما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه بابن اللهِ الذي أحبّني وبذل نفسَه عنّي.

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس مرقس (8: 34-38، 1:9)

 

قال الربُّ: مَن أراد أن يتبعَني فليكفُرْ بنفسِه ويحمِلْ صليبَهُ ويتبَعْني. لأنَّ من أراد أن يخلِّصَ نفسَه يُهلكُها، ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلِّصُها. فإنّه ماذا ينتفع الإنسانُ لو ربح العالمَ كلَّه وخسر نفسه؟ أم ماذا يعطي الإنسانُ فداءً عن نفسه؟ لأنّ من يَستَحيِي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ يَستَحيِي به ابنُ البشر متى أتى في مجد أبيه مع الملائكة القدّيسين. وقال لهم:  الحقَّ أقول لكم إنّ قوماً من القائمين ههنا لا يذوقون الموت حتّى يرَوا ملكوتَ الله قد أتى بقوَّة.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

 

عيد رفع الصليب الكريم من الأعياد الكنسيّة الممتازة، لذلك خصصت الكنيسة المقدسة لهذه الفترة الطقسية الهامة ثلاث تلاوات إنجيليّة: الأولى مخصّصة للأحد قبل العيد، والثانية ليوم العيد، والثالثة للأحد الواقع بعد العيد مباشرة، وهي التي تُتلى اليوم، وتدور حول أهمية الصليب المحيي في حياتنا الروحية والجسدية. لذلك قال الرب يسوع: "من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني".

 

عندما نسمع دعوة الرب " من أراد أن يتبعني فيكفر بنفسه ويتبعني " يخطر على بالنا عدّة أمور، منها صعوبات الحياة وآلامها، أو الخطوات التي يتوجّب علينا القيام بها تجاه أنفسنا أو آخرين، والتي تفوق قدراتنا النفسيّة أو الروحيّة أو حتى الماديّة. كما قد يخطر على بالنا بعض الكماليّات التي نتمتّع بها، والتي نشعر بالدعوة إلى التخلّي عنها والتحرّر منها. ولكن، هل الدعوة إلى حمل الصليب تتوقّف عند حدود هذه الأمور أو ما يشبهها؟ هل من صليب مميّز نُدعى إلى حمله اليوم وراء يسوع ربّنا؟

 

يسوع قد قال "من أراد أن يتبعني"، ولم يقلأ "اتبعوني"، بل "من أراد أن يتبعني". هنا تكمن جمال المسيحية. في الحرية تُبنى شخصية الإنسان، الإنسان بملىء حريته الخاصة، يقبل أو يرفض. بالطبع إن رفض أو قبل، فإنه يتحمل مسؤولية قراره. ولكن لحريته مكانٌ كبيرٌ ويتابع يسوع القول: "من أراد أن يتبعني، فلينكر بنفسه، ويحمل صليبه ويتبعني".

 

ففي رسالة اليوم القديس بولس يقول أنّ التبرير والخلاص لا يتحقّقان بأعمال الناموس بل بالإيمان بيسوع المسيح. ويتابع قوله بأنّ "ما أحياه في الجسد إنّما أحياه في الإيمان بابن الله الذي أحبّني وبذل نفسه عنّي". إيمان بولس مرتبط مباشرة ليس بيسوع المسيح فقط، بل بيسوع المسيح الذي أحبّه وبذل نفسه عنه. إيمان بولس مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمسيح يسوع المصلوب لأجله، وبالصليب. من هنا نفهم أنّ الصليب الذي نُدعى إلى حمله اليوم هو صليب الإيمان.

 

ما يطلبه الرب منا هو أن ننكر حب الذات ونصلب أهواءنا، فلا نتبع ملذاتنا، بل نتخلى عن إرضاء شهواتنا بهدف امتلاك ما هو أسمى من كل الترابيات، لنتحد بالسماويات ونمتد نحو الآخر من خلال اتحادنا بالرب، بعيدا عن الأنانية.


فهذا الطلب من الرب، وهو في صعوده إلى أورشليم ليصلب، هو تغيير كلّي لمسار حياتنا. عوض أن نجعل من أنفسنا المحور الأساسي ونقطة الارتكاز، نجعل من يسوع القاعدة والمحور.

 

ما هذا التخلي؟ وما هذا التسليم؟  وما هذا الإلزام؟ ما هذا الموت عن "الأنا"؟

 

وللعلم أحبائي : ليس هناك محبّةٍ يمكن أن تنمو في الأنا، وما من إنسانيّة يمكن أن تظهر في مرض الأنا. إنّ أشرس حرب وأشدّ صراع هو قتل الأنا لتخليصها، ولا يمكن تحقيق ذلك الاّ بنعمته هو وقوته هو. فلنعلن اليوم الحرب ضدّ الأنا وليكن ذلك بولادة جديدة من خلالها أن نرى في الآخر وجه المسيح المصلوب والقائم.

 

نتساءل نحن تلاميذ يسوع كيف ينبغي أن يتصرف كل منا، نحن الذين ختمنا بشكل صليب بالميرون المقدّس بعد أن اعتمدنا بيسوع المسيح على اسم الآب والابن والروح القدس. إن الشرط "لاتّباع" يسوع يتضح من هاتين العبارتين: "فلينكر نفسه"، و"يحمل صليبه" اللتين تدلان على قرارات الإنسان وعلى أعمال له تناقض أنانيته. هذه الأنانية التي جاءت نتيجة ابتعاده عن الله والتي أضحت طبيعة له تبغي حبّ الظهّور والدَّوران على النفس (التركيز على الأنا). إنكار النفس يعني التخلّي عن حقوقنا الشرعية.

 

وخلاصة القول الصليب ليس شعاراً اخترعه يسوع، فهو قد وجده في صميم الإنسانية. هذه الحقيقة تضعنا أمام قرار حاسم، إما أن نرتضي بالصليب الذي رفع عليه مخلصنا. جاعلين آلامنا مسرحًا ليسوع، وتابعين إيّاه إلى القيامة، أو أن ننوء تحت ثقل الخطيئة منقادين إلى الموت. قوة الصليب تظللكم دائماً بنعمة المصلوب عليه. أمين

 

الطروباريات

 

طروباريَّة القيامة  باللَّحن الثَّامِن

إنحدَرْتَ من العُلُوِّ يا مُتَحَنِّن، وقَبِلْتَ الدَّفْنَ ذا الثَّلاثَةِ الأيَّام لكي تُعتِقَنَا من الآلام. فيا حياتَنا وقيامَتَنَا، يا رَبُّ المجدُ لك.

 

طروباريَّة عيد رفع الصَّليب باللَّحن الأوَّل

خَلِّصْ يا رَبُّ شَعْبَكَ وبَارِكْ ميراثَك، وامنَحْ ملوكنا المؤمنينَ الغلبَةَ على البربر، واحْفَظْ بقوَّةِ صليبِكَ جميعَ المُختصِّينَ بكَ.

 

قنداق عيد رفع الصَّليب  باللَّحن الرَّابع

يا مَنِ ارْتَفَعْتَ على الصَّليبِ مُختارًا أيُّها المسيحُ الإله، اِمْنَحْ رأفَتَكَ لشعبِكَ الجديدِ المُسمَّى بكَ، وفَرَّحْ بقوَّتِك عبيدَك المؤمنين، مانِحًا إيَّاهُمُ الغَلَبَةَ على مُحاربيهِم. ولْتَكُنْ لهم معونَتُكَ سِلاحًا للسَّلامِ وظَفَرًا غيرَ مَقْهُور.