موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
فصل شريف من بشارة القديس متى (متى 6: 22–33) قال الربُّ سراجُ الجسدِ العينُ. فإن كانت عينُك بسيطًة فجسدُك كلُّهُ يكونُ نيرًا * وان كانت عينُك شريرةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ مُظلمًا. واذا كان النورُ الذي فيك ظلامًا فالظلامُ كم يكون * لا يستطيع احدٌ أن يعبُدَ ربَّينِ لأنه إما أن يبغضَ الواحِدَ ويُحِبَّ الآخر او يلازَم الواحِدَ وَيرذُلَ الآخر. لا تقدرون ان تعبُدوا اللهَ والمالَ * فلهذا اقولُ لكم لا تهتموُّا لأنفسِكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادِكم بما تلبَسون * أليست النفسُ افضلَ من الطعام والجسَدُ افضَلَ من اللباس * انظروا الى طيور السماء فانَّها لا تزرعُ ولا تحصِدُ ولا تخزُنُ في الأهراء وابوكم السماوي يَقوتُها. أفلستم انتم افضلَ منها * ومن منكم اذا اهتمَّ بقدِرُ أن يَزيدَ على قامتهِ ذراعًا واحدة * ولماذا تهتمُّونَ باللباس. اعتَبرِوا زنابقَ الحقلِ كيف تنمو. إنها لا تتعبُ ولا تَغزِلُ * وانا اقولُ لكم إنَّ سليمانَ نفسَهُ في كلِ مجدِه لم يلبس كواحِدَةٍ منها * فاذا كان عشبُ الحقلِ الذي يُجدُ اليومَ وفي غدٍ يُطرَحُ في التنُّورِ يُلبسهُ اللهُ هكذا أفلا يُلبسُكم بالاحرى انتم يا قليلي الايمان * فلا تهتموُّا قائلين ماذا ناُكلُ او ماذا نشربُ أو ماذا نلبَسُ * فانَّ هذا كلَّهُ تطلُبهُ الأَمم. لانَّ اباكم السماويَّ يعلمُ إنكم تحتاجون الى هذا كلِّهِ * فاطلبوا اولاً ملكوتَ اللهِ وبِرَّهُ وهذا كلُّهُ يُزادُ لكم. بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين سراج الجسد هو العين فان كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا. وأن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما فان كان النور الذي فيك ظلاما. فالظلام كما يكون بعد أن تكلم السيد عن الكنز السماوي يكلمنا هنا عن العين البسيطة. والعين البسيطة هى عكس المركبة. فالعين المركبة تطلب الله يوماً وتطلب العالم أياماً، ولا تشبع من العالم بكل ملذاته. أماّ من يبحث عن أن يكون له كنز سماوى فمن المؤكد أن عينه ستكون على السماويات يريد أن يحياها على الأرض ويشتهيها كأبدية لهُ مستهيناً بالعالم حاسباً إياه نفاية (في 8:3) مثل هذا الإنسان تكون عينه بسيطة لأنها تبحث فقط عن الله ومجده. مثل هذا الإنسان يكون المسيح فى داخله، يستريح فيه تكون له الحياة هى المسيح (في 21:1) والمسيح نور، فيكون جسده نيراً. سراج الجسد هو العين . سراج أى المرشد فى السير والعمل. والعين رمز للإهتمامات والرغبات والمطامح التى يُجتذب إليها الإنتباه، وهذا دليل على طبيعة حياة الإنسان كلها. والعين البسيطة بهذا تكون هى الغير طامعة فى أمجاد العالم وملذاته، راضية بما هي فيه، لا تهتم إلاّ بأبديتها وبعشرتها مع الله، لا تبحث إلا عن مجد الله. أن البغضة والمحبة ضدان، وكذلك الملازمة والاحتقار. فالذي يحب الرب يسوع، يلازمه أي يتبعه، ويسير معه والذي يحب العالم لابد أن يستعبد له، وإذ ذاك يبغض المسيح ويحتقر وصاياه. وكانت محبة العالم أعظم فخ لليهودي، ولا زالت كذلك للمسيحي «أيها الزناة والزواني، أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله؟ فمن أراد أن يكون محبًا للعالم فقد صار عدوًا لله» (يعقوب 4:4) يستعبد الإنسان للذي يحبه. فخدمة سيدين مستحيلة، وصليب المسيح يمتحن حالة قلوبنا لأن القلب الذي يملك عليه المسيح، يكون العالم مصلوبًا له (غلاطية 14:6). أما القلب الذي يملك عليه العالم، فلا يكون المسيح مكان فيه. إنّ الرّب يسوع المسيح، حثّنا على اختيار نيره اللّطيف (متى 11: 30) بدل اختيار نير العبوديّة الثقيل وذلك كمثل طبيبٍ حكيم يُعْلِمُ مرضاه بالحسنات الّتي قد يجنونها من خلال اتّباعهم لنصائحه والأخطار الّتي سوف تواجههم في حال العكس. كما حثّنا الرّب على أن نشهد عن حبّنا له من خلال احتقارنا للخيرات الزّائلة… وقد قالَ لنا إنّ الشرور التي تُسبِّبها لنا الثّروات ليست اجتذاب السارقين فحسب، إنّما ملء نفوسنا بالظلمات الكثيفة أيضًا. فالجرح الكبير الذي تُحدثُه هو إبعادنا عن خدمة الرّب يسوع المسيح وتحويلِنا إلى عبيدٍ لسيّدٍ جامدٍ وفاقد الحسّ. "لا تَستَطيعونَ أن تَعمَلوا للهِ وللمال". أيّها الإخوة، فَلنَرتَجفْ لكوننا نرغم يسوع المسيح على ذكر المال وكأنّه إله عدوّ لله. لا يوجد شيء يحفظنا من محبة المال إلا الثقة بالله. فأن الذي خلق أجسادنا، ومنحنا الحياة، هو خالق حَنَّانْ. ولما خلقها لم يغض نظره عن القوت والكسوة اللازمين لها. وأن كان قد أعطانا الهبة العظمى أي الحياة والجسد، ألا يُعطينا الصغرى أيضًا؟ أي الطعام واللباس. صحيح أنه يوجد فرق بين البشر والطيور فعلينا أن نشتغل مُنتظرين منه أن يبارك على أتعابنا. خلافًا للطيور التي يقوتها بدون أن تتعب لعجزها الطبيعي عن الزرع والحصاد والجمع، وعجز فراخها أيضًا حتى عن السعي وراء القوت (أيوب 41:38، مزمور 9:147). فليس قصد الرب من هذا الكلام أن يعلمنا أم نترك أشغالنا، وننتظر القوت مثل الطيور، لأن ذلك ينقض الترتيب الأصلي «بعرق وجهك تأكل خبزًا» (تكوين 19:3 ، تسالونيكي الثانية 10:3). وفي حقيقة الأمر، أن الشغل نافع، ليس من هذه الناحية فقط، بل ومن الناحية الروحية أيضًا. لأنه يلهينا عن شرور كثيرة. أما الشبع والكسل فيفتحان الباب لتجارب عديدة. ينبغي للإنسان أن يتعب ويغزل لكي يصنع الثياب. ولكن لا يجوز له الاهتمام بذلك. يوجد فرق بين الاهتمام والتفكير. إذ أنه من الأمور الواجبة والضرورية أن نرتب أشغالنا ونفكر في أجرائها (يعقوب 15:4). ويمكننا أن نستعمل عقولنا في ذلك، بينما تكون قلوبنا متعلقة بما فوق، ولها في محبة إلهنا ثقة تامة. أن التفكير يُنسب إلى العقل، وأما الاهتمام فيتعلق بالقلب. ولكننا لا نزال في تجربة أن تكثر أفكارنا وتقوى على قلوبنا، وحينئذ نتعب ونرى كأننا أيتام، بلا أب يعتني بنا. وهذا هو الهم الممنوع منعًا باتًا لأنه ناتج عن عدم الإيمان ولذلك يقول الرب للمهمومين من المؤمنين «يا قليلي الإيمان» (مَتَّى 8:16). «فلا تهتموا قائلين، ماذا نأكل؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس؟ فأن هذه كلها تطلبها الأمم. لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها» (عدد 31 :32). أحبائي: إن السيد المسيح قد ربط بين العين البسيطة وبين عدم الطمع، والبعد عن محبة العالم الناتجة عن شهوة العين. وهذا ما تؤكده كلمات القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى: "لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشةليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضى وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" (1يو2: 15-17). فالذي يؤمن بالمسيح كمخلّص، وينال الولادة الجديدة بالمعمودية ويتأهل لانسكاب وسكنى الروح القدس في داخله، يصير قادرًا بمعونة الروح القدس على الانطلاق في محبة الله نحو الكمال، لكي يصل إلى المحبة الكاملة التي تحدّث عنها القديس يوحنا الرسول بقوله: "لا خوف في المحبة.